النباتات في بلاد الرافدين ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
الأشجار والنباتات عند الصابئة المندائيين في العراق هناك الكثير من أسماء الأشجار والنباتات التي تتخصص بها اللهجات العربية العراقية المختلفة دون اللهجات في الدول العربية الأخرى، وتعود جذورها إلى اللغات الرافدينية القديمة. فإلى جانب اللغة الأكدية التي يمكن اعتبارها أصل اللغات السامية قاطبة دون أدنى مبالغة، هناك اللغات الآرامية المختلفة التي احتفظ بها السكان العراقيون القدماء حتى بعد دخول اللغة العربية مع دخول الإسلام إلى هذه البقعة من الشرق الأوسط. ومن المعروف أن اللغة العربية واجهت صعوبة في إزاحة اللغات السامية القديمة رغم قرابتها لها. فنقرأ في كتب التراث أن سكان العراق، وخاصة في الجنوب، ظلوا يتحدثون ”النبطية“ بعد قرون من قيام الدولة الإسلامية، والنبطية هي اصطلاح استعمله الكتاب العرب للدلالة على آراميات جنوب العراق. واللغة الآرامية وفروعها الرافدينية (السريانية والمندائية والتلمودية) من بين اللغات التي أثرت في اللهجات العراقية، إلى جانب لغات أخرى مثل الفارسية والتركية والكردية وغيرها. في البداية نشير إلى أن كلمة الشجرة في اللغة الآرامية المندائية (وفي بعض اللغات الآرامية الأخرى مثل التلمودية) هي ألانا أو إلانا، وهي كلمة جميلة الموسيقى. ويقال في المندائية ﮔـِنتا د - لاني، أي حديقة أو بستان الأشجار، وهي جنة الأشجار حرفياً، فكلمة جنة هي كلمة سامية مشتركة تعني الحديقة أو البستان في الأصل ثم غدت تستعمل في اللغة العربية بمعناها المعروف كنقيض لجهنم أو النار، وأصلها أكدي مثل الكثير من الكلمات، وهو ﮔـََنّاتو. ومن الواجب ذكر التسمية الثانية للجنة، الفردوس، وهي الأخرى بابلية أكدية الأصل، وتلفظ ﭙـَرديسو (أو فَرديسو)، والتسمية الأوروبية paradise أقرب صوتياً إلى الأكدية من العربية، وهي في المندائية ﭙـَرديسا، أو فرديسا. وما دام الحديث يدور حول الأكدية وتأثيرها على اللغات السامية الأخرى، لا نملك سوى أن نشير إلى كلمة قد تكون بعيدة عن موضوعنا، ألا وهي الكباب، هذه الأكلة العراقية اللذيذة، فمن أين جاءت? أصل الكلمة أكدي، من الفعل ك ب ب، أي حرق أو شوى، وهي في الأكدية كَبابو. وفيما يتعلق بالأشجار، نشير إلى أن الثمار التي تدرّها الأشجار تسمى بالمندائية ﭙـيرا، وأصل الكلمة أكدي كذلك، هو ﭙـِرئو (ما يقابل فِرعو أي فرع) pir’u وتعني فرعاً، برعماً، ومنها أخذتها باقي اللغات السامية، فأصبحت في العبرية ﭙـِرو (ثمر) ومنها اشتقت كلمات فراء، وبرعم، وفرع في العربية (والفرو أي الفراء هو ”ثمر“ الحيوان كذلك!). وما نستعمله اليوم من أسماء الأشجار والفواكه في العراق، بعضه عربي، والآخر مستعار. ومن بين الأسماء المستعارة من اللغات القديمة هناك الآس أو الياس (آسا)، هذه الشجيرة الأليفة الجميلة زكية الرائحة، والتي تحتل موقعاً خاصاً في الديانة الصابئية المندائية، حيث تحاك من أغصانها خواتم وإكاليل تستعمل في الطقوس الدينية المندائية. لكن كلمة آسا تعني كذلك الطبيب أو المعالج، ولهذا جذوره البابلية المعروفة. ونذكر أن بعض العلماء يعتقدون أن معنى كلمة الأسينيين (أصحاب مخطوطات قمران الشهيرة كما يرى البعض) يعود إلى هذا الجذر، فهم المعالجون الذين يشفون الروح. وهناك شجرة الدفلى، التي تسمى بالمندائية دِفلا، والألف المقصورة الأخيرة هي من آثار علامات اللغات الآرامية وليس من الضروري أن تعني التأنيث. وكلمة النومي (الليمون) في المندائية نوما، نيمويي، ولا يستعمل هذه الكلمة سوى العراقيين، وبعض اخوتنا في الخليج (وعندهم اللومي). واشتقت كلمة السِلّي (الشوك) من سَلوا أو سِلوا المندائية الآرامية. ويبدو أن شجر الغَرَب غير المثمر يعود إلى جذور رافدينية قديمة، فهو أُرباتو في الأكدية، وأُربا بالمندائية. ولنأخذ كتاب ديوان نهرواثا (ديوان الأنهر)، أحد الكتب المندائية، الذي ترجمه البروفيسور كورت رودولف إلى الألمانية وصدر في برلين عام 1982، نجد فيه إلى جانب وصف الأنهر والجداول مع رسومها، وصفاً للأشجار (المقدسة?) عند المندائيين ورسومها. وقد رسمت الأشجار (والنباتات) وكتب أسمها إلى جانب الرسم، وغالباً ما تأتي العبارة ”هازِن إلانا د-مشمش هو“ مثلاً، أي هذه شجرة المشمش. والنباتات المذكورة في الديوان هي زيتا (الزيتون)، سفرﮔـلا (السفرجل، ويترجمها رودولف بشجرة الحيوة Quitte)، نارنز (البرتقال أو النارنج، ويترجمها رودولف على برتقال)، ترُنـﮔـا (طرنج، ويترجمها بصيغة ليمون)، مروا (ترجمها Meiranbaum) ولعلها الميرمية Salvia officinalis أو ربما البستج Origanum maru، سَروا (شجر السرو)، صنوبر، شِـﮔـدا (شجر اللوز)، قينا هليا (قصب السكر أو القصب الحلو)، بَلودا (البلوط)، قشمش (شجيرة الكشمش)، هَنزورا (التفاحmespilus germanica ?)، مشمش، خوخا، سمبلي (حبوب، قمح)، شُمبِلتا (سنبلة)، ثم يختتم الديوان رسوم الأشجار بشجرة الزيتون مرة ثانية لقدسيتها على ما يبدو. وتصنع عصا رجال الدين المندائيين من خشب الزيتون، وتسمى مَرْﮔـنا. والحديث عن أشجار الحمضيات ضروري في هذا المجال. فهناك الكثير من الأنواع غير معروفة خارج العراق، أو نادرة، مثل الطرنج، الأطرنج وثمرتها سميكة القشر كانت تستعمل لصنع المربيات. وفي المندائية نجد كلمات إترون�، ترونـﮔـا، طرُنـﮔـا، لكن القاموس المندائي (من تاليف الليدي درور وماتسوخ) يشير إلى أنها مشتقة من أُتْرُنْج، تُرُنْج الفارسية. وتستعمل كلمة ترونـﮔـا في المندائية للدلالة على الحمضيات عموماً. ثم هناك النومي الحلو، ولا نعتقد بانتشاره خارج العراق كثيراً. وينتشر النارنج ذو الثمرة الحامضة الطعم كالليمون التي استعملها سكان بلاد الرافدين منذ القدم في شرقي البحر المتوسط وفي قبرص. أما البرتقال فقد اقتبس اسمه من البرتغال، إذ يقال أنه أُستُقدم من إيبيريا (الأندلس) في فترات متأخرة. وأزهار كل الحمضيات تسمى بالقدّاح، ويسمى القدّاح في المندائية قَداها. ولا ننسى الخضروات التي لا تخلو المائدة العراقية منها منذ آلاف السنين. فهناك الكرفس (في المندائية كَرَفسا، من الإيرانية كَرَفْس)، والكُرّاث (كَراتيا، في الأكدية كَراشو، والسومرية كاروش أو ﮔـاروش)، والبربين purslane (ﭙـَرﭙـين، وهو فرفخ بالعربية وﭙـرﭙـهين بالفارسية، وبالتلمودية ﭙـَرﭙـَحينا)، والزعتر أو الصعتر (صاترا، وتعني الأعشاب العطرية عموماً)، وهناك النباتات التي تؤكل أو التوابل: الشلغم أو اللفت (شَلـﮔـَم، من الفارسية)، والسيسنبر water mint (سوسنبَر)، والكمّون (كَمونا، من الأكدية: كَمونو> العبرية كَمون، اليوناني كومينون، اللاتيني cuminum)، والزعفران (زَفرانا أو قُرطما في المندائية)، وكذلك السمّاق (وكلمة سموقو، سماقو تعني في اللغات الآرامية اللون الأحمر إشارة إلى لون هذه المادة). ويسمى الخردل هاردلا (وهو في التلمودية حردلا وتلفظ خردلا). ومن بين الفواكه المعروفة في المندائية (حسب القاموس) الجوز وهو أموزا، واللوز وهو شـِﮔـدا (في أكدية: شِقدو، شِقِتّو، شُقدو مثل التلمودية، وفي العبرية شاقَيْد)، والعنب وهو أنبي أو أمبي، في حين الكرمة هي ﮔفنا، وهي كلمة لا تزال تستعمل في لغات بلاد الشام حيث يقولون جفنة وجمعها جفنات، والبطيخ الأحمر أو البطيخ الرقي الذي يسمى في المندائية قَرَمبا أو قَرَنبا أو هَبهَب، وهو في اللهجة اليمنية حبحب، الرمان الذي هو رُمانا، والتين وهو تينا (في الأكدية تينو)، علاوة على الحمضيات مارة الذكر. نلاحظ من بعض الأمثلة أن اللغة المندائية لا تستعمل حرفي العين والحاء، وهذا من تأثيرات اللغة الأكدية التي تفتقد هذين الحرفين هي الأخرى. وهذا دليل آخر على عراقة هذه الطائفة وأصالتها وجذورها الرافدينية العميقة. أما باقي لغات بلاد الرافدين الآرامية فتستعمل هذين الحرفين (وعموماً تُنطق الحاء خاءاً). نختتم هذه الكلمة بتناول النخل، هذه الشجرة الرافدينية المباركة، لننظر إلى ما يتعلق بها بشكل أعمق. تسمى شجرة النخل عند المندائيين سِنْدِركا، (باليونانية σανδαράκη، باللاتينية sandaraca) وهي في الأصل شجرة مقدسة دائمة الخضرة. وترمز النخلة حسب الفكر الديني المندائي إلى الخصب الذكري، وتُقرن عادة بالعين، النبع (أينا) رمز الخصوبة الأنثوية. وانتشرت في شمال أفريقيا كلمة دِقلا، بمعنى ثمر أو شجر التمر، النخل، وأصلها رافديني، وفي المندائية دِقلا أو زِِقلا، ولعله مماثل لكلمة دجلة، أو قد يكون أسم هذا النهر العظيم قد اشتق منها. والخل الذي يصنع من التمور هو هَلاّ بالمندائية (من الأكدية خلّو، تلمودية حلا). وكلمة تالة، أي فسيلة النخل، هي رافدينية قديمة بالطبع، وفي المندائية تالا، ولعلنا نعجب لو كان الأمر على غير هذا النحو، لإرتباط النخل والتمر بوادي الرافدين. ولا نشك في أن الكثير من المصطلحات المتعلقة بالنخيل مثل الخوص والكرب والجريد وأسماء أنواع التمور هي رافدينية أصلاً واحتفظ العراقيون بها حتى بعد الإسلام وانتشار اللغة العربية. ثائر صالح |