صفحة البداية  تواصل معنا  زوروا صفحتنا على فيسبوك .
المكتبة التراثية
المكتبة المحققة
مجالس الوراق
مكتبة القرآن
أدلة الإستخدام
رحلات سندباد
البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات اسماعيل نوري الربيعي

 1  2 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
التاريخ من أجل فهم العالم    كن أول من يقيّم

* التاريخ بوصفه أداة لفهم العالم* د. إسماعيل نوري الربيعي imseer@yahoo.com * الأقرب والأكثر قرباً * كيف يمكن النظر إلى العالم? سؤال ينطوي على الكثير من التساؤلات الفرعية، لكن المنشأ الأصل فيه يقوم على محاولة الترصد في واقع العلاقات بين النماذج وسبل تطبيقاتها. هذا بحساب قيمة التفاعل وما يمكن أن يثمر عنه من مؤثرات مباشرة على طبيعة الإنجاز الإنساني ومدى ارتباطه بالغايات والأهداف. ولعل الوضوح الأشد حضوراً يفصح عنه قوام المنجز التاريخي الذي تفاعلت في داخله الأمم والشعوب، انطلاقاً من حاجاتها الأساسية حول المكمن الأصيل الذي يحفز ذواتها من أجل الدخول في مجال الفعاليات الأكثر وعياً، هذا بحساب تركيز اتجاهات الميل نحو اللحاق بالنموذج الأفضل والأكثرتقدما. ومن هذا الواقع حاولت البلدان المتأخرة، نسج أخليتها وتوجيه قدراتها، في سبيل النهج المباشر في الأخذ من هذا النموذج الذي تحصل على مقومات التقدم، وأضحت له القدرة على إبراز مكامن القوة، والتي جعلت من المبادرة والتطلع إلى الفعل، أمراً في غاية الإمكان والتطبيق، وفي خضم التداعيات التي يفرزها الواقع، يكون التطلع الغالب وقد تركز في أهمية الاندراج في فعل المحاكاة من لدن هذا الذي تعمقت لديه فكرة التأخر، بل وتراكمت مكونات التخلف حتى لم يعد من اليسير الإفلات من براثنها وتأثيراتها، التي استشرت في هذا القوام الكلي، والذي يتمظهر من خلال الفعاليات الأساسية في قطاعات السياسة والاقتصاد والثقافة والمجتمع. التلكؤ الأهم يبرز في هذا الاندراج المقيم حول ثنائية؛ التخلف ? التقدم. في الوقت الذي يفصح الواقع عن قابلية واسعة لاستيعاب المتعدد والمختلف من الوعي بهذا العالم، الذي لا يتوقف عند مؤثر واحد. بقدر ما يفصح الاستيعاب الصميم إلى أن الأمر يرتبط بفاعلية النموذج ذاته، وليس بأهمية اعتناقه والانبهار بما علق به من مقومات ومكونات أفرزتها مرحلة بعينها. ولعل الإشارة هنا الأكثر وضوحاً يعبر عنها واقع الانخراط في مجال الفعل التاريخي، والذي يكشف عن العورات والمثالب التي تعتري أقوى نماذج الحداثة وأبرزها. ومن هذا القوام لا يمكن الركون الإطلاقي إلى تلك الأهمية القصوى، التي يقوم بإسباغها البعض على الديمقراطية أو الاشتراكية، بوصفها تمكنت من تحقيق معادل النمو الأهم والأكبر والأشمل. فالمغالطة تكون في أقصاها عندما يُصار إلى الاندراج في المحاكاة والاستغراق في هذا الانبهار، الذي يكون بمثابة العمى الذي يطيش بالبصيرة، ويجعل منها في غياب مقيم. ومن أجل الخروج من لوثة الاعتناق والإيمان المطلق، يكون التاريخ بمثابة المقوّم الذي يطيح بهذه الأيقونات التي كرّستها القداسات والانخراطات اللانهائية. * البحث عن الاتجاه* تترك التجربة التاريخية آثارها الواضحة على طبيعة الأفعال السائدة في العالم. وإذا ما كانت الشعوب الآسيوية قد عملت جاهدة نحو اللحاق بهذا التكامل الذي تبدت عليه أوروبا، التي انساحت بعسكرها وقراصنتها ومبشريها وتجارها وحتى تكنوقراطها، في هذا المجال الفسيح، إلا أن واقع التعاقب التاريخي لتداول القوى، يكشف عن هذا التبادل الملفت للأدوار ما بين البرتغال والفرنسيين والبريطانيين. حتى لتكون الصورة وقد تأثرت بهذا الحضور والغياب لقوى، ساد الاعتقاد في لحظة المباشرة بإنها عصية على الهدم أو الانكسار. الأهم هنا أن إرادة الفعل كانت تتركز في هذا النموذج الأوربي، في حين أن الذات الآسيوية بقيت منغلقة في أنماطها القديمة، حيث السكونية في أقصاها، والمبادرات في أشد تواتراتها وتخبطاتها، إلى الحد الذي يكشف واقع العلاقات، عن اتجاه التحالف نحو الوجهة الخطأ في التوقيت الخطأ. فالمتعلقات الداخلية كشفت عن بروز اتجاهات الميل، للاقتصاص من حالة العداء التقليدي لمناطق الجوار، استناداً للإفادة من قوة الآخر. ومن هذا الواقع تصادم الفرس والعثمانيون، وأمعنوا في هدر قواهم المادية والمعنوية، تحت تأثير طريقة الاستيعاب الداخلي، الذي كان بمثابة الموّجه نحو تحديد مجال القرار. ولم يكن الحال في مناطق آسيا الأخرى بأفضل حالاً، فالانقسامات على أشدها في مجالات؛ العرق والطوائف والأديان والمصالح المباشرة. ومن هنا لم يقف الأمر عند مجال الصراعات الكبرى، التي ترسمتها طبيعة العلاقات السياسية السائدة في المنطقة. بالقدر الذي يكون فيه الاصطراع الداخلي، بمثابة المجال الذي أفسح لهذا الآخر القدر الواسع من التحرك والحضور بكل هذه القوة. ولا يرتبط الأمر بمواقعات أنثروبولوجية، أو تصورات جاهزة حول التخلف الكامن أو التقدم الكامن في مكنون الشخصية، شرقية كانت أم غربية. بقدر ما تتوضح صورة التاريخي في ترسم محددات الاندراج أو القطيعة مع المحددات المكانية والزمانية التي طبعت ملامح المنطقة. فالأرث الحضاري لهذه الشعوب والمجتمعات لا يمكن التغافل عنه، لكن ضمور الفعاليات فيه كان الدافع الأهم، الذي جعل من الآخر أن يقدم على هذا ألان سياح الواسع، والمسألة هنا لا تتعلق بالفاصل التقاني أو الهوة في الإمكانات، بقدر ما يكون الارتباط الشديد بانعدام الإرادة. وهكذا يخبرنا التاريخ وببساطة شديدة إلى أن حضور الإرادة يصنع الأعاجيب، فقبيلة القواسم في الخليج العربي قيض لها القضاء الشامل على القوات البرتغالية، بإمكاناتها التقليدية وقدراتها المحدودة. * المنفعة والمصلحة* في التمركز المقيم عند متممات القوة، توقفت الفعاليات لدى الشرق الذي وجه غاية طاقاته نحو الانغماس في التغني بإيجاد الماضي، وتوجيه زاوية النظر نحو الماضي المجيد والتراث التليد، حتى غدا هذا الأمر بمثابة الثقل التاريخي الذي يصعب الخلاص منه أو الإفلات من قبضته، ومن واقع الثراء السابق تعرضت موجهات الاستجابة المفترضة إلى معنى قوامه الإلحاق والاستتباع بهذا الواقع الذي غابت منه فرصة الاستمكان بوظيفة الإدراك التي كان من الممكن أن تكون موجهات فاعلة نحو الوضوح في المعاني والمقاصد. إن التطلع الذي أبداه الشرق نحو محاكاة تيار الحداثة الذي أتى به الغرب، كان قد ركز زاوية الإبصار في النموذج الأوربي الذي جاء إلى أرضه ومارس السطوة المباشرة عليه على مدى زمني طويل. لكن هذا الأخير الذي وقع في ثراء تجربته الآخرون، لم يكن يتوقف عند ما تحصل عليه، بل نجد أن الفاعلية التي تعتمل في داخله، جعلت منه متطلعاً بأشد ما يكون نحو استقراء ملامح تجربته والعمل بجدية ووثوق نحو الوعي الحاسم بأهمية التفاعل مع المرحلة، والتوّجه نحو استخلاص المواقف المتوافقة والمتلائمة مع روح العصر. ومن هنا نجد أوروبا وقد توجهت بكل قواها نحو الإفادة القصوى من معين النهوض الأميركي. ولم يتوقف الأمر عند هذه الحدود، بل أن التطلع الحثيث نحو التطوير والإنجاز، جعل من الولايات المتحدة أن تتوجه للنهل من التجربة اليابانية لا سيما في مجال النهضة التكنولوجية، حتى أن التعاون التقاني قد بلغ أشده، إلى الحد الذي باتت صناعة الرقائق الإلكترونية اليابانية تدخل في أشد تفاصيل الإنجاز الأميركي دقة. من تواصل المنفعة والمصلحة، يتقدم العالم نحو حفز فعالياته من أجل تحقيق الأهداف التي يصبو إليها، من دون الاحتكام إلى العقد ومواريث التنازعات والتقاطعات ،إنه العمل المتوجه بكل الطاقات للإفادة القصوى من الممكن والمتاح والبحث عن مكامن التطوير والتحفيز. بل أن ملامح الارتكاس والوهن الذي كان يتبدى في نظامها، كان يتم استقراؤه بعمق من أجل الخروج بالنتائج والدروس والعبر، من دون الخضوع لمكامن العجز والوقوف المنكسر بازاء التحديات. ولعل تجربة الأزمة الاقتصادية العالمية التي واجهها النظام الليبرالي والتي جعلته يقف على المحك التاريخي، تعد خير شاهد على الدفق والفاعلية التي تميز التطلعات المتوجهة إلى أمام. فالمسألة لا تتعلق برغبة بقدر ما يقوم الأمر على الوثوق في صدق التجربة. * بحثاً عن الوضوح* في البحث عن الوضوح يكون التصدر للمشهد عبر التركيز على مجال التفاعل ولفظ الجمود الذي يكون بمثابة العقبة الكأداء في وجه التغيير، الذي يعد مطلب الإنجاز الرئيس. فالجديد يتطلب المزيد من حضور إرادة المبادرة المتطلعة إلى التوافق مع هذا المطلب. الموقف كله يتطلب هذا التوافق الأصيل ما بين الغايات والواقع، من دون تقاطع أو استحكام لجانب على حساب الآخر. ولعل الأهم في كل هذا يقوم على هذا الالتقاء الصميم مع التطلعات الفكرية الأصيلة، والتي تكون بمثابة الأصل الذي يقوم عليه التفاعل مع مقوّمات النهوض والتطلع نحو التطور، وليس الركون إلى الشعارات واللافتات والإغراق في الادعاءات. أنه العمل الذي يجعل من الحقائق غايته الأساس والأصل الذي يستند إليه. وعلى هذا فإن المقارنة تكون الأداة والوسيلة، التي تحدد وتوضح مجال الإنجاز. بعيداً عن التظاهر بالأهمية القصوى، للإخلاص والتفاني والمزايدات على حساب المصالح العامة. نجد التلاحم وقد بلغ أعلى مراحله، عندما يكون الإيمان بالإنسان بوصفه الطاقة المبدعة الأصيلة، القادرة على تحقيق الأهداف. فيما تكشف التجارب الأخرى عن شدة القطيعة ما بين المواطن والنظام السياسي، والذي يكون الإفراز فيه الاستناد إلى العدائية المخفية والمعلنة له. أو حالة التداعي والوهن التي تصيب المواطن، لتجعل منه كما ناقصاً فاقداً للدور الاجتماعي والفاعلية في محيطه. فيما يبلغ الأمر أشده عندما تبلغ الأحوال بالنظام السياسي ذاته إلى استمكان مواطن الضعف فيه، إن كان على صعيد تحول الغايات والأهداف، وتركيزها في المزيد من القمع والقهر للمواطن، بدلاً من تكريس الجهود وحفزها نحو التقدم. لقد تغيرت صورة العالم، بعد انفراد القطب الواحد بصنع القرار على مستوى العالم. ومن تراكمات الوعي الداخلي، يتم لهذه القوة من تحسس خطواتها بازاء الآخر، انطلاقاً من تحديد موجهات الانضواء، والتي تقوم أصلاً على توسيع نطاق التبعية من خلال تقديم نموذج حرية السوق والإعلان الواسع للعولمة، والحث على جعل العالم منخرطاً في تجلياته. فيما تكون قواسم الإخضاع وقد تحددت عند توصيفات الحريات العامة وتقديم النموذج الديمقراطي، وحرية المرأة والشرعية الدولية، ومن واقع تكريس النموذج يكون العالم وقد ولج في حالة اللاستقرار، والتي توغل بتوسيع الحدة ما بين دول الشمال والجنوب. هذا باعتبار ارتباط إرادة الفعل من قبل الطرف الأقوى، الذي يعمد إلى تكريس مجال التقدم إلى صالحه، فيما تكون الخيبة والخذلان من نصيب الضعيف.

5 - سبتمبر - 2004
كيف نقرأ التاريخ?
التاريخ والتأويل    كن أول من يقيّم

أكاديمي وباحث متخصص في شؤون تاريخ الفكر العربي الحديث د.إسماعيل نوري الربيعي - تورنتو imseer@yahoo.com التاريخ والتأويل محتوى التفعيل لا يتوقف أمر القراءة المقارنة على استحضار المعطيات المباشرة التي تقوم عليها النماذج قيد الدرس.فالأمر الأصل يقوم على أهمية البحث عن السمات المشتركة التي تنطوي عليها،من أجل الوصول الى السمات التي يمكن من خلالها الوقوف على المعطيات الحضارية،هذا بحساب المحتوى التاريخي الذي تتضمنه،والقائم على المعطيات الاجتماعية والثقافية التي كان لها المساهمة الفاعلة والأكيدة في إنتاج الأفكار السائدة.ومن هنا تبرز أهمية الاستبصار التاريخي وطبيعة النظرة الدقيقة والفاحصة التي يجب أن تنطوي عليها،لا سيما فيما يتعلق بأهمية الخلاص من التصورات الجاهزة التي تم ربطها بحقل التاريخ،والمستندة الى تركيز مجال النظر في معطيات التوصيف للأفكار،من دون أن يتم الالتفات الى النظم الأصلية التي أنتجت هذه الأفكار.حيث الغياب الفاضح لفعالية التفسير والتي تطال المعنى الأصيل الذي يقوم عليه التاريخ. على الرغم من التنادي الذي يصم الآذان،حول أهمية الوعي بالتاريخ والعمل على تغيير النظرة النمطية،التي تلبّست هذا المجال في حقل الخطاب الثقافي العربي المعاصر.إلاّ أن السقوط في الرؤية التقليدية بقيت هي الغالبة على محتوى التفعيل،والذي بقي يراوح في مجال المعالجات الجزئية، والتعالق عند الاستدراك المباشر،حيث الانتقال القسري من سيادة نمط للوقوع تحت إسار نمط آخر،يتم له التبشير وكأنه البديل النهائي.ومن هذه النظرة الحادة يكون الفقد وقد تلبّس مجمل العطاء الفكري العربي،والذي يبقى متحيّناً في المعطى المباشر الذي تفرزه مدركات الموضة الثقافية.ليكون الهدر وقد تمترس في صلب الوعي بالتاريخ حتى ليعم الالتباس والتداخل ما بين إدراك المعطيات المتعلقة بالتاريخ الحديث،حيث التركيز يكون متطلعا نحو كم الأحداث التي تفاعلت في المعطى الزماني المنشّد نحو مفصل الماضي،من دون أن يكون التطلع نحو المفاصل الأساسية الأخرى التي يتألف منها عنصر الزمان باعتبار"الحاضر والمستقبل".وعبر هذا القصور المعرفي الفج يكون الاندراج في الوعي التاريخي المجزوء. الغايات والنتائج الانفتاح المعرفي الذي ميّز الاتجاهات التاريخية الحديثة،جعل منها شديدة الاتصال بالحقول والعلوم الإنسانية المختلفة.حتى كان النهل والتفاعل قد تبدى واضحاً في الوصول الى المعطيات الفكرية،والتي برزت في الاتجاهات الجديدة النازعة نحو الخلاص من التصورات القديمة التي جعلت من ميدان التاريخ متوقفا عند المدركات الثابتة والساكنة.ومن روح التفاعل الجديد يكون الاتجاه نحو استقراء درجة الفعل الإنساني بقطاعيه الفردي والجمعي،والتأكيد على أن ملمح الإنتاج الرئيس في كل هذا يقوم على هذا الكائن الذي يكون المسؤول الأول عن صنع التاريخ. التلاحم بين الحدث والفكر يكون المجال الذي ينطوي عليه الوعي الجديد،والذي يفرض بمعطياته على الموقف الذي يتحيّنه الإنسان.لكن الأهم في كل هذا يقوم على حالة التبادل في التأثير ما بين الظواهر والإنسان حتى ليصل الأمر الى التداعي ما بين الطرفين.فليس الإنتاج للظواهر من قبل الإنسان يكون بمثابة المرجعية القصوى التي لا تقبل النقض.وبالمقابل فأن تأثيرات الظواهر تبقى فاردة ملامحها على واقع العلاقات السائدة داخل النطاق الاجتماعي.فالأمر لا يرتبط بالمنتجين للأفكار فقط،بقدر ما يرتبط بالواقع الاجتماعي الذي يكون في الأصل مجالاً واسعا من الاتجاهات والميول والأهواء،والتي تحتاج الى المزيد من التنسيق والتنظيم بل وحتى المتابعة. الإمكان بوعي الظواهر يستدعي التركيز على التفحص العميق للظواهر،هذا بحساب إلغاء النظرة الجاهزة والمسبقة حول الطارئية التي تتلبس معطيات هذه المفردة.فالأمر هنا يتعلق بحالة الاشتراك حول تداول المعاني المرتبط بأية ظاهرة مجتمعية،ومدى التعميم الذي يتبدى حضوره في حالة التواطؤ على المعاني التي تشمل الحياة الإنسانية بمجملها.وليس التوقف عند هذا الجانب الاقتصادي الذي يوجه جلّ جهوده نحو ترصد مجال اجتماعي بعينه،من خلال تكريس مجالات العزل والتحديد.والعمل على شحذ المعنى وجعله مقصورا في نطاق شديد التحديد. التنويع والاختلاف يمنح مجال التاريخ لتفهم المزيد من الظواهر التي تتعلق بالميول والاتجاهات التي تغطى على المجتمعات حول العديد من الظواهر،التي تشكل مجالاً مشتركاً.فظاهرة التغيير تبرز ملامحها على مختلف الصعد والتطلّعات حتى لتكون فحواها قائمة على التنوع والاختلاف ،إن كان على الصعيد الفردي أم الجمعي.لكن الأهم فيها يكون الاستناد قائماً على هذا المجمل الذي تقدمه المعطيات المرتبطة بالعلوم الإنسانية.حيث التوجّه نحو مكامن الزوايا المتنوعة،من أجل الوقوف على الثمرات المعرفية التي تدحض التوقفات المستندة الى المكنون الواحد. الاجتهاد الذي ولجت فيه المناهج الحديثة حول استقراء ملامح الظاهرة،يكون المستند الأبرز فيه قائماً على هذا التنويع والاختلاف في محاولة البحث.ومن هنا يكون الاتجاه وقد أفرد المزيد من محاولات الاجتهاد والتطلع الى توسيع مجالات النظر،بحثا عن فهم أكثر تفصيل وأدق نتائج.ولعل المفصل المعرفي الأهم يقوم على هذا المعطى،الذي يحاول النأي عن مجال الاستدراكات أو التوقفات المرتبطة بالغايات المتعلقة بجهة إنتاج المعنى. من هنا يكون الاتجاه نحو مجموعة من القراءات،والتي لا تعدم أن تكون محاولات لاستجلاء طبيعة العلاقات السائدة داخل الخطاب الثقافي ومحاولة إمعان النظر في الفواصل التي تميّز ما بين الغاية والنتيجة.وبقدر الارتباط بالنتاج الثقافي الذي يجسد مضمون الخطاب المتعلق بظاهرة ما.فإن القراءة التأويلية تحاول الخروج من إسار توزيع العلاقات التقليدية والقائمة على ربط المعنى بالغايات المتعلقة بمنتج الخطاب،ومحاولة كسر طوق الاحتكار الذي تقف عليه جهة الإنتاج.من خلال توجيه النظر نحو جملة من المدركات قوامها الرؤية التي ينطوي عليها العالم،حيث تكريس مجال العناية والاهتمام بالمحيط الواسع الذي يشكله المعنى الإنساني العام والشامل.وليس هذا الطابع الداخلي والذي يتم التعبير عنه من خلال مدركات موغلة في المحلية،حيث يكون التقاطع في المعنى حتى لتكون الدعوة الى أهمية تحديد المصطلحات. التفاصيل الصغيرة الفسحة المنهجية التي وفرتها القراءات المتعددة،تجعل من مجال النهل منفتحاً نحو تعيين مجال النظر الى العديد من الجوانب النفسية واللغوية والمدركات القيمية.فالأمر لا يخلو من مجالات لا شعورية تكون كامنة عند هذا المدرك الذي يعن على فحوى المعنى الذي يحتويه خطاب التغيير،لا سيما إذا ما كان الاقتراب من المعطى المتعلق بالتغيير الاجتماعي ،كناموس تقوم عليه طبيعة التوجهات التي تميز المفاصل الرئيسة فيه.هذا مع الأهمية الى إبراز محتوى الفعل الذي يحتويه خطاب التغيير بوصفه فعلاً،يستند الى مستوى الطموح بالانتقال من مضمون سائد،الى دائرة الانتقال نحو مضامين أكثر سعة وشمولاً. الانتقال والتحوّل والتغير لا يتوقف عند المدركات الرئيسة،والتي تكون بمثابة اللافتات التي لا يمكن التغاضي عنها.فمجال الأهمية يبقى الأشد حضورا في دائرة المشغلات والتنقيبات التي يسعى نحوها الملاحظ والدارس.ألاّ أن ثمة تعالقات تبقى حاضرة في تلك التفاصيل الصغيرة التي تحتويها التفاعلات داخل النطاق الاجتماعي.ولعل المكوّن اللغوي تحيل الأهمية والتأثير،هذا بحساب الأبحاث والاجتهادات التي أقدم عليها اللسانيون في تدقيق شديد الحضور،لا سيما فيما يتعلق بالتطور اللغوي والنظر إليه من خلال المقاربة مع الكائن الحي،حتى ليكون الرصد في صلب نمو المفردة وطريقة التداول والاستخدام وتنوعات المحتوى والسياقات الفاعلة فيها.ويعكس مجال وطريقة استخدام المفردة المتعلقة بالتغيير،عن جملة من المدركات المتعلقة بالحاجة والارتباط والتأثير.هذا بحساب المعنى المتداول إن كان شعارا أم رؤية وتصور قوامه التفعيل والتأثير،أم أنها مجرد علامة فاقدة للمعنى،حيث محاولة الاتكاء على المفردة من أجل إمرار المزيد من الغايات والمآرب المتعلقة بالأهداف الذاتية.وبقدر ما يكون التفحص في المدلول الحقيقي للمفردة،يتم تحديد مجال المعنى الذي يمكن أن يتم تركيبه في مفردة أخرى،ولكن بذات المضمون احتكاما الى السياق الذي يتم إدراجه فيها.

5 - سبتمبر - 2004
حقائق التاريخ
تمثل القراءة العربية    كن أول من يقيّم

أكاديمي وباحث متخصص في شؤون تاريخ الفكر العربي الحديث د.إسماعيل نوري الربيعي imseer@yahoo.com تمثلات القراءة العربية القراءة أولاً انشغلت الثقافة العربية في التوجّه نحو تحديد مسار القول،من خلال الانخراط في توجيه القراءة،والتطلع الى تحديد النظر في المجال الواحد،الذي يهلل له هذا التيار أو ذاك،لتبدأ رحلة الاتباع والتقليد والانغلاق الشديد في ممارسة النقل المباشر،حتى تكون النتيجة التواري للمبادرة والوقوع في إسار الخضوع للمنطلقات الثابتة التي لا تعرف سوى السكونية والجمود.فيما يضحى الخاسر الأكبر في كل هذا حرية القراءة المفترضة،والتي تغدو واقعا لكل هذا الزخم الذي تفرضه توزيعات السلطة وعلى مجمل الحقول. الخضوع الطويل الذي حدد مجال القراءة،جعلها تستمد حضورها وتأثيرها من واقع الفرز الذي تنتجه النصوص.فيما تفترض القراءة النقدية الى أهمية حضور القراءة أولاً،باعتبار التطلع نحو الانخراط في مجال البحث العميق الساعي نحو ملامسة مساحة المسكوت عنه،ومحاولة تخطي الثوابت والممنوعات التي تفرضها الأنماط السكونية،التي لا تقبل بأي مجال للتغيير.وإذا كان ديدن القراءة الحديثة تسعى نحو الإفادة من النتائج التي توصلت إليها المناهج العامية المتعددة.فإن التوجه نحو الاختلاف سيكون له الحضور الأهم في كل هذا،حيث محاولة الخلاص من فروض المطابقة،وحفز جميع الجهود من أجل الوقوف على التمعّن في الظاهرة الواحدة وإشباعها درساً وتمحيصاً،بحثاً عن المزيد من النتائج والتي لا تعد هي الأخرى أمراً إنهائياً،وإلاّ فإن المحاولة الأولى التي تتصدى لها القراءة الأولى،تكون جهودها وقد ضاعت هباءً. من واقع التملك للحقيقة تعرضت الثقافة العربية الى تسلل أعراض الهيمنة والسيطرة،التي علقت بالسلطة السياسية.ومن هذا المضمون كان الافتقار لفسحة التنوّع،حتى انعدمت المبادرة في المجال الثقافي،الذي يفترض فيه أن يكون،المساحة التي تدور فيها مواقعات الإبداع والتحرر من أغلال الاشتراطات.بل أن الملفت في الأمر يتبدى في هذا التعاطي الشديد المباشرة،الذي يفرضه النص بكل ثقله على واقع الممارسة الثقافية،حيث يكون الاستتباع وقد طغى على كل شيء. الانهماك في الحدث في ظل غياب الحوار وانعدامه،يتعرض السؤال الثقافي الى الضمور والتلاشي.فيما يتعالى الصوت حول هذا السكون والانقطاع الذي تعاني منه الثقافة العربية،بحساب المقارنة مع الآخر.في الوقت الذي يتم فيه تغييب معالم الركن الرئيس الذي تستند إليه الثقافة الفاعلة والمستندة الى توسيع مجال النقد،وجعل هذا الأخير في صلب عملية القراءة والركون إليه بوصفه جزءاً أصيلاً،لا يمكن التغافل عنه أو استحضاره لأداء مهمة محددة،ليكون الاكتفاء منه بنهاية المؤثر الذي استدعى استخدامه.ومن هذا المنطلق كان الركود الى النقد،من اعتبار تفعيل مجال التماهي مع النص باعتباره جزءاً أصيلاً من قوام فعل الثقافة الواسع والشامل،من دون الاتكاء الى هذه الإجرائية الشديدة المباشرة التي تفترضها الإخضاعات الأيديولوجية والقائمة على المعطيات المرتبطة بجعل النص الثقافي أداة ووسيلة لإقرار مجال الحقيقة وتثبيتها لصالح هذا الطرف بازاء الطرف الآخر. الاستغراق الذي وقعت فيه الثقافة العربية،جعل منها منهمكة في توجيه الجهود نحو الأحداث التي تميز مجال التفحّص والتدقيق،في الوقت الذي تستدعي الدراسات الحديثة الى أهمية التوقف المتأني والطويل عند تركيز مجال النظر عند تحليل لتفسير المرتبط بالأحداث.ليكون التلمّس العميق لهذه المجالات الواسعة التي بقيت تعاني من الإهمال،حيث الفقدان الواضح لمساحة كان من الممكن أن تقدم المزيد من النتائج الملفتة والمهمة،والتي يمكن لها أن تغيّر مسا ومجال القراءة الثقافية العربية.وإذا ما برزت بعض الاتجاهات الحديثة من قبل بعض الباحثين العرب،لولوج هذا المجال الذي يتيح المزيد من الفاعلية المعرفية،فإن الأمر بقي يدور في فلك الاجتهادات الفردية،والتي تجعل منها قابعة في الركن القصي الذي يعاني من الإهمال وانعدام الفرصة.فيما تكون المساحة الأوسع للأصوات التي بقيت تعتاش على المقولات القديمة التي تعاني من الاستهلاك وتبديد الجهود،باعتبار النسخ المباشر الذي تفرضه استحكامات الفئة التي فرضت حضورها على الواقع الثقافي. الحدث وطريقة الوعي يفرز التصوّر العلمي المزيد من النتائج المتعلقة بالحدث ومجالات التأثير المباشرة التي تتفاعل في نطاقها.وإذا كانت الجهود قد انصبّت نحو تعقّب مجالات الحدث والتطلع الى استقراء التفاصيل المتعلقة به،باعتبار إسباغ الأهمية القصوى عليه.فإن معالم التأثير تبقى فاردة حضورها على مجال مستوى الوعي،باعتبار أن المدركات الجاهزة والتي طالما تم الاتكاء عليها،قد فقدت المؤثر الذي كان يميز قابلية الأداء فيها.فالنظر الى الحدث لم يعد قائما على المكونات التي يفرزها من مؤثرات مباشرة على مدى الواقع.بقدر ما يكون التطلع نحو تمييز مفاصل التغيير الذي يسبغه عليه المجتمع((فردياً أم جمعياً))ومدى الأثر الذي يحدثه على مختلف القطاعات.وما بين الحدث وطريقة الوعي به،يكون الوقوف على التفاعلات والتداعيات التي يفرضها الوعي وليس الحدث. في تمثل الهزيمة التي أحاقت بالعرب خلال صراعهم مع إسرائيل،لم يكن الأمر لينطوي على انعدام القدرة الذاتية على مواجهة العدو والاقتصاص منه.بل أن المعيق الأصيل في المواجه،كان يتوقف طويلاً عند طبيعة الوعي بالعدو.فقد تم استدعاء كمّ الشعور بالأوج والعظمة الحضارية،وصير الى جعله في صميم الوعي إبان المواجهة،والتي لم تتوقف عند طارئ عرضي أو حادثة واحدة،بل أن الأمر يقوم على سلسلة طويلة ومتعددة من الهزائم التي لا تعرف الانقطاع.ولعل الملفت في الأمر يقوم على الإفصاح الشديد والواضح الى توفير جميع القدرات والإمكانات لتسير دفة المواجهة والوثوق من إمكانية صنع الانتصار،ألاّ المحبط في كل هذا كان يقوم على انعدام فعل تفسير الحديث والاكتفاء بالواجهة التي تفرضها المعطيات المباشرة.فعلى الرغم من الانكفاء المستمر والمتكرر الذي كان يعاني منه العرب في المواجهة مع إسرائيل،إلاّ أن الخطاب التقليدي بقي هو المتسيّد على واقع التفاعل،حتى ليبدو الأمر وكأنه غير قابل للتحويل والتبديل.بل أن الشعارات بقيت تفرض نفسها على واقع الخطاب العربي المعاصر،حتى شلّت فيه القدرة على المبادرة أو المرونة.فالتخوين التكفير يبقى الحاضر الدائم والذي تتقمصه دورة القصاص. عناء السؤال تفرض عناصر التفسير حضورها على واقع الوعي العربي بالعديد من القضايا،التي تميز المفاصل الرئيسة الفاعلة على مستوى الفهم والتمثل.حتى لتبقى الكثير من الالتباسات تفرد حضورها القوي والكثيف على مجمل المفاهيم والتصورات،التي بقي الوعي بازائها عالقا لا يعرف لها سبيلاً أو طريقاً لجعلها واضحة من أجل التطبيق وإدراجها في ثنايا الممارسة.بل أن الاختلاطات والتداخلات ما بين الحقول يكون له من التأثير،ما يجعل من الإحساس بالقضية الواحدة عبئاً شديد الإثقال،لا يمكن تحققه وفق منطق التفاعل الموضوعي.باعتبار هذا الأخير يمثل الطريق نحو انفاء مجال الإشكاليات التي تعيق الوصول الى لب القضية بشكل مباشر. بقيت العديد من القضايا التي يتم تداولها في الوسط الثقافي العربي،من دون أن تجد الوعي المعقول،الذي يفي بمتطلبات الفهم المساهم في إدراك الظواهر التي تهيمن على المواقعات التي تنشر بقلوعها على حساب المهم،في جردة من التصفية اللاموضوعية،حتى ليكون الأمر وقد تبدّى في سلسلة من التقمصات العامدة الى إزاحة المعرفي،والتنطّع بكل ما هو عاطفي،قوامه الحماس. من مجمل حساب الأولويات والتقديم والتأخير،الذي تندرج فيه الذات،يكون الواقع المعرفي العربي نهباً لسيدة توجيه العناية والاهتمام نحو التيارات الكبرى والرئيسة،في محاولة للامساك بمرجعية إطلاق الأحكام حول الصالح والطالح.في الوقت الذي تفترض الحاجة الماسة والمباشرة للواقع العربي،أهمية التطلع الى البحث العميق والجاد في المشغلات والاشكالات التي تعن على الواقع،حتى تجعل من مسألة الوعي بالعديد من القضايا،في عداد المستحيلات والتصوّرات الطائشة والخائبة.وهكذا يعيش العرب معضلة السؤال،الذي يبقى يسير على غير هدى،من دون أن يجد له غاية أو مستقرا.حول المزيد من القضايا العالقة،والتي تبقى تثير الارتباك والحيرة لدى المفكر وليس على مستوى المواطن العادي،الذي آثر الركون الى الراحة من عناء الاسئلة.

5 - سبتمبر - 2004
الثنائيات التلفيقية في الفكر العربي
التبصرات المعرفية    كن أول من يقيّم

أكاديمي وباحث متخصص في شؤون تاريخ الفكر العربي الحديث د.إسماعيل نوري الربيعي- تورنتو imseer@yahoo.com الخطاب العربي؛نحو تبصرات معرفية حضور النص يبقى الخطاب العربي المعاصر يدور في فلك القراءة الإسقاطية،المستندة الى جعل الكلي والشمولي متغلباً على الفحص الدقيق المعني بالتفاصيل المتعلقة بالعلاقات الداخلية التي يشتمل عليها الخطاب.فيما يكون السياسي متصدرا على النص،حتى ليكون الغياب فاضحا لمجمل العوامل الأخرى المؤثرة،والتي تستدعي الاهتمام والرعاية.وعلى الرغم من الأهمية القصوى التي افرزنها طبيعة الدراسات الألسنية،التي وجهت عنايتها نحو العلاقات التي تنتجها اللغة،إلاّ أن الانهمام الذي يتبدى من قبل المثقف العربي،يندرج في هذه العلاقة القائمة على البحث عن المعنى المباشر الذي تفرده اللغة ،والتي تضيع منها علاقات السياق والدلالة،والتي يمكن من خلالها الوصول الى تفجير المعاني الكامنة فيها.ولعل الإفصاح الأهم يتبدّى في هذا التعامل المباشر مع النص،حيث الاعتبار الأشد حضورا يتمثل في الاعتبارات المتعلقة بالعوامل والظروف التي رافقت إنشاء النص،ولكن بطريقة الملاحظة المباشرة التي توجه اهتمامها نحو الجوانب السطحية. الاستغراق الذي يقع فيه المثقف العربي،في المضامين الأيديولوجية،يجعل منه دائراً في فلك الاتهامية المفرطة،حتى ليغلب النزوع على هذا الاقتطاع الواسع من مجمل النص قيد التفحّص.ليكون الفقد في أقصاه من هذا المجمل الذي يتكون منه الخطاب،بحساب الإقصاءات والتهميشات التي يقع فيها المثقف العربي،انطلاقا من الاندراج في لوثة الانقسام والتوزيع للخطابات،حيث يكون الاستتباع وقد طغى على المحتوى الفكري والمعرفي،الذي يفترض أن يتضمنه الخطاب.ومن هذا الحضور يتم ضياع توجيه العناية بالظروف والمكونات التي أرست دعائم وتفاصيل الخطاب المعرفي المعاصر.حيث تبرز الاشتباكات في أقصاها ما بين الموّجهات والمؤثرات،والتي تقوم أصلاً على الاختلاف والتفاوت وعدم التطابق.إلاّ أن التطلّع الحثيث نحو الهيمنة والفرض واثبات الحضور،يجعل من الخطاب مجرد أداة مباشرة ووسيلة قوامها؛تفريغ الشحنات العاطفية ومحاولة العبث بالعقول،من خلال محاولة جعلها في صلب عملية صياغة الشعارات. مقومات الرفض والقبول القراءة المباشرة للنص المعاصر تجعل منه واقعاً في إسار التأثيرات المباشرة للمفاهيم السائدة وطريقة العمل الشائع.ومن هنا يكون الفقد الفاضح للمضامين النقدية التي يجب توفرها في القراءة الصحيحة.وإذا كانت عملية النقد تقوم على المقومات الأصيلة الباحثة عن المستويات المختلفة من العناصر التي يتألف منها النص.فإن الأمر في القراءة العربية ينطوي على المزيد من المواقف المسبقة،والتي يسود عليها طابع التمترس والتخندق المباشر لمواجهة حالة السجال المبين بين الموجّهات والمواضعات المختلفة.ومن هذا الاندراج في التفاصيل التي تبرز مواطن الخلاف،يتم التغييب للمضمون العام والشامل الذي يجب أن يكون عليه الخطاب.حيث الفقد الملفت لاستقراء طبيعة الآليات الفاعلة والعميقة والتي تفصح عن المحتوى الثقافي الذي يميز طريقة التفكير ومستويات الوعي داخل مجتمع ما. وقع المثقف العربي أسيراً لتجليات التأثير الذي يفرزه نطاق التاريخ الفكري،حيث الاندراج في تحديد الموجهات الفكرية وترصد مقومات الرفض أو القبول فيها.ومن هذا التحديد الموغل في المباشرة يتم شطب الأهمية التي تنطوي عليها طريقة ترصد ملامح الفعل الاجتماعي،وطريقة الاحتدام في المواقف التي تميز توجهات وتطلعات الأفراد من أجل تطمين حاجاتهم الاجتماعية،والمتمثلة في الحصول على شرعية الحضور والمكانة المميزة،التي تجعل من خطابهم الأكثر تحصيلاً على الشرعية.وبقدر الارتباط بمكامن الإنتاج الفكري والمعرفي،فإن معادل الارتباط هنا يكون وقد تعالق في محاولة تقديم سلطة النص وسطوته وتكثيف حضوره داخل الوسط الاجتماعي.ومن هذا المقترب الذي يحاول الإمساك بقياد الاشتراطات المتعلقة بالتنافس،يكون السعي نحو تقديم مجالات البحث عن ضمانة الإمساك بقياد سلطة الخطاب بكل مدركاته المعرفية والثقافية.الى الحد الذي يكون فيه الاتجاه السائد،وقد تماثل في الكثير من التفصيل والتدقيق،في الوسائل والأدوات التي يعمد إليها الأطراف الفاعلون في الحقول الأخرى.انطلاقاً من تقديم غاية السيطرة التي تمثلها السلطة. الوعي بالنص إن ترصد ملامح التنافس داخل الواقع الخطابي،لا يعني بأن التصادم في الأفكار يكون بمثابة المعيار الذي يتم من خلاله توزيع الأدوار،أو تحديد الأنماط السائدة على الصعيد الاجتماعي.بل أن التطلع الأصل هنا يكون في هذه المحاولة المتوجهة نحو الإفلات من سيطرة محتوى النصوص وما تفرضه من مفاهيم على الواقع الاجتماعي.وإبراز ملامح آلية الفعل الداخلي فيها،من خلال تفعيل مجال التحليل،والوقوف على طريقة حضور النصوص في المجال الاجتماعي ومدى تفاعلها فيه. طريقة الوقوف على الأثر الذي يتركه النص في الواقع،يكون خاضعاً للعامل الزمني الذي يحدد مديات الفعل وطريقة الحضور.فالقراءة التحليلية الباحثة عن ترّصد آليات الفعل الداخلي،تستدعي التطلّع نحو هذا المؤثر البالغ الأهمية،والذي يحدد مجال الاشتراطات التي تحددها المقارنة المباشرة بين النص المعاصر والتراثي على سبيل المثال،لكن من المهم هنا الالتفات الى الوعي بمدلول المعاصرة الذي يتم تداوله.انطلاقا من ضرورة التمعن العميق في العلاقات الاجتماعية السائدة والأنماط التي تفرزها،مع أهمية الوقوف على الاستيعاب بالتحقيب التاريخي الذي يميز الخطاب المعرفي بمجمله.ومن هنا يكون الترصّد للفوارق التي تميز كل حقبة عن الأخرى،حتى وإن كان العامل الزمني شديد الاقتراب.وعلى هذا يبرز مكنون الوعي بالحقب التي ميّزت مراحل تطور الخطاب العربي المعاصر،والتبدلات الواسعة والكبيرة التي ظهرت في الأوضاع والمواقف وطريقة استخدام اللغة والمفاهيم والجهاز الاصطلاحي. وإذا كان الحديث يركز على موضوعة التحليل الداخلي،فإن الأمر لا يخلو من الإفرازات التي خلفتها طبيعة المواقعات المباشرة التي جاءت لتشير الى نهاية حقبة وبداية أخرى جديدة،ليقوم على هذا التغيّر،الكثير من التحولات التي تطال طبيعة الوعي بالنص،لا سيما على صعيد التباعد الزمني،والذي يمنح المجال واسعاً للقراءة الواعية المتطلعّة نحو الخلاص من المؤثرات المباشرة التي يفرزها.ومن هنا يكون الاتجاه نحو التفاعل مع القضايا الرئيسة بالرؤى التي يقدمها الحاضر. ترّصد ملامح الخطاب يمنح الفاصل الزمني للتفاعل مع النص،الفسحة الواسعة لاستجلاء المزيد من الملامح والمضامين لأساسية الفاعلة فيه.خصوصاً وأن الوقوف على المعاني يكون مستنده قائماً على المنطلقات التي توفرها آليات التحليل الخالية من المؤثرات المباشرة التي تبرزها مقومات الخطاب.ومن هذا المضمون تكون القراءة لمجمل القطاع لخطابي نابذة للجاذبية التي يتحصل عليها الخطاب،لا سيما وأن مدار الإعجاب وتكريس الحضور،يكون له الدور الأهم في تغييب ملامح الترصد العقلي،وجعل القراءة منخرطة في لوثة التهليل والإعجاب والإفراط في الثناء المؤذي.هذا بحساب المقارنة المباشرة ما بين الواقع المتردي والخطاب الذي يدعو الى نبذه وإقصاءه. النظرة المتمعنة في الأحوال والأوضاع التي يعيشها المثقف العربي باعتباره المنتج الرئيس للخطاب،تجعل منه في وضع قوامه الاختلاف مع مكانة المثقف النهضوي أو حتى الثوري.فكمّ الطروحات المقدمة في مجمل القطاعات الخطابية،يكشف عن حدة التقاطع في الوعي،بل أن الاستدراك النقدي العام والشامل،والذي يوجه اهتمامه الى العديد من الحقول والأنطقة؛الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية،يجعل من الوقوف على ملامح الخطاب العربي،قابلاً للخضوع للمزيد من عمليات الاستمكان.والتي تتيح إمكانيات وسعة لترصد الكثير من ملامح الثقل ووطأة التأثير المباشر.وعلى هذا فإن مكانة الريادة وجاذبية النص الأول بدأت تفقد الكثير من كاريزميتها،بعد أن تتم الاستفادة من هذا المجال الزمني.حيث يكون مستند المنطلقات والرؤى والتصورات،وقد تطلعت ننحو تقديم المقومات التي تستمد حضورها من الواقع الحضر،وليس المؤثرات الماضوية،التي تجعل من أمر التغني والإعجاب أصلاً غير قابل للمناقشة أو حتى الاستقراء.لدور السؤال حضورا فاعلاً باعتبار الانشغال بالمعطيات التي تفرض المفاهيم والجهاز الاصطلاحي القائم على التحديد العلمي والدقيق.ومن هذا كلله يكون التطلع نحو إعادة مجال التفكير بالقضايا الرئيسة التي كانت تفرض بثقل ملامحها على واقع التداول الخطابي،الذي يجعل من كل القدرات الكامنة فيه وقد توجهت نحو التفحص في مدارات التصادم الذي فرض بثقله على الخطاب العربي المعاصر.

5 - سبتمبر - 2004
هل نحن اصحاب عقول تفكر وهل نحن مثقفون..
الواقع والأفكار    كن أول من يقيّم

أكاديمي وباحث متخصص في شؤون تاريخ الفكر العربي الحديث د.إسماعيل نوري الربيعي imseer@yahoo.com تحوّلات العالم؛الولاء للواقع وليس للأفكار صناعة التفرّد يرّكز العالم اهتمامه في هذه الدعوة الطاغية المتوجه نحو الحرية.فعل استقبال يبدر عن الجماهير الواسعة العريضة،وفعلٌ مباشر قوامه التفعيل والتحفيز تؤكد على توجيه قوة تركزت مكنوناتها في الجهة الليبرالية،هذا بحساب الانشغال في تقسيم العالم الى مناطق نفوذ أيديولوجي،يغلب عليها طابع التصادم والصراع والانشقاق الإنساني،حيث العداء والكراهية يصل الى مستوى يصعب الوقوف على درجة قياس له. بقي المرتكز الاقتصادي ومعدل النمو فيه،يمثل الدالة العميقة الأثر في هذا التنافس المحتدم بين الطرفين الاشتراكي والرأسمالي،ليكون الكشف من خلال الفاعليات التي اتجه نحوها كل من الطرفين في تدبيج تحالفاته.فتثمير الازدهار والبحث الدائب عن الربحية كان الهاجس الذي ميز الفعالية الليبرالية بعمومها.حتى كان الوصول الى مجال من الحرية التي أتاحت المزيد من الانفتاح والإنجاز وصولاً الى تحقيق الأهداف الواسعة والشاملة.فيما توقفت لحظة الفعل الاشتراكي عند مجال البحث عن التحالفات المباشرة،والتي تم التعبير من خلالها عن هذا التطلع نحو بلدان العالم الثالث،التي أضحت بمثابة العبء على مستوى الأداء والإنجاز فيه. إنها الاشتراطات التي حفزت في عمق النموذجين،وجعلت من تطلعاتهما قائمة على الاختلاف والتباين.سياق تفكير يجعل من المصلحة والمنفعة متفشية في عموم العلاقات الخاصة والعامة،حيث تكون الفسحة متاحة للجميع،هذا مع أهمية الملاحظة أن الانفتاح هذا يبقى خاضعاً لإرادة السلطة العليا التي تجعل من الأولويات في صلب عملها واتجاهاتها الرئيسة.بالمقابل اشترط النموذج المركزي للاشتراكية على مصلحة النخبة السياسية،والمتبلورة في هذا التحديد الشديد الضيق بالقيادات،التي جعلت من نفسها فوق الجماهير لاعتبارات تتعلق بالأسبقيات النضالية التي انغمست فيها،حتى غدا مشروع نضالها عبئاً لا بد للجماهير أن تدفع فاتورته.وانطلاقا من واقع التضييق وتركيز مجال التحديد.فإن البحث عن تحالفات كان مرتكزها يقوم على توسيع مجال الاستعارة المستمد من المخزون البلاغي الذي يحفل به قاموس النضال والثورية والعمل على حرية الشعوب المضطهدة وتكريس الجهود المحاربة الإمبريالية.لتكون النتيجة،نقل النخبوية النضالية من مجالها المركزي الى النموذج الفرعي،الذي أنتج عن تفريخ قادة في العديد من بلدان العالم الثالث يعتاشون على هذا التفرد والتخصيص الذي صنعوه لأنفسهم،من خلال تركيز محددات الوعي الزائف،الى الحد الذي لا يتورعون عن حق الخصوصية،ما داموا قد عملوا على تحرير الشعب. الوقوع في شراك الهيمنة هل كان الصراع بين القوى العظمى يقوم على تصادم الأفكار فقط،أم أن موّجهات المصالح وتوزيعاتها،كانت تحدد وجهات أخرى ومحفزات أشد أختلافا.حتى ليكون الفاصل في تحديد مجال الاختلاف القائم حول الوعي بالزمن لا سيما في طبيعة النظرة الى المستقبل،والذي لم يكن وليد رغبة بالحضور ومحاولة إشباع الذات الأيديولوجية وكل ما يتعلق بالأحاسيس والرومانسيات المتعلقة بالنضال والثورة.بل أن المتاح وفسحة الحركة كانت واقعة تحت إسار التحديد والتوزيع المسبق،انطلاقا من تقسيمات النفوذ التي تكوّن مجال العلاقات الدولية. يفصح دور التاريخ بطريقة شديدة الوضوح،عن ضعف مساحة التنافح الأيديولوجي في المجتمع الليبرالي،الذي أوضحت رؤاه ومضامينه المباشرة عن هذا اللقاء العام والشامل بنموذج دولة الرفاهية،على الرغم من ظهور ملامح التوترات داخل هذا المجال،والمتعلقة بقضايا الأجور والتضخم وتأثيرات العولمة والاضرابات العمالية والبطالة.ولعل الفسحة التي يتيحها مجال الفعل السياسي الداخلي،ضمن المنظومة الليبرالية،يجعل من ملمح الانضواء الأيديولوجي محدود الأثر الى مدى بعيد.على الطرف المقابل يبرز مجال الأيديولوجيا بكل قوة والذي يتلاحم باليوتوبيا المستندة الى حلم الثورة العامة والشاملة،التي يجب أن تبسط أفكارها وعلاقاتها على العالم أجمع.لكن هذا الحلم سرعان وما وقع في شراك توزيع النفوذ الذي يحدده نطاق العلاقات الدولية.فلقد أشارت التجربة المباشرة الى هذا الذواء الذي عانت منه الكثير من الكيانات الثورية وفي عزّ وقوة الاتحاد السوفيتي.ولعل خيبة الأمل والرجاء بالقوة العظمى الساندة،كان قد برز في أكثر من مكان.إذ بقيت كوبا عبئا شديد الإثقال على السوفيت،في ما تم تصفية سلفادور اللندي في تشيلي،تحت عين وبصر السوفيت،تحت وازع تقسيمات النفوذ،وبذات القدر تكشف الميوعة واللين السياسي إزاء قضية الصراع العربي-الإسرائيلي،هذا بحساب موازنة القوى ومدى المبادرة الصادرة من لدن القوتين خلال عصر الحرب الباردة .يكشف فعل المشاركة الذي يتبناه النظام السياسي،عن إمكانية الإفساح والتوسيع لمجال المساهمة الجادة والفاعلة من قبل المجموع،والذي يعبر عنه من خلال التأكيد على دور المؤسسات والهيئات المدنية،نحو تخليق المجالات الأوسع والأرحب.في الوقت الذي يتوقف نطاق الممارسة،عند هذه النظرة الجامدة الخالية من الروح،والمتوقفة عند مقولات نطق بها هذا الزعيم أو ذاك القائد في مرحلة تاريخية سابقة. إنجاز ما لم يتم إنجازه الفاصلة الأشد حضورا في طريقة استقراء الوعي بهذا الزخم من خلال الأفكار،تبرز في طريقة الاستجابة من قبل الفاعلين الاجتماعيين،مع أهمية تمييز الدور المهم والحافز ل اللاعبين السياسيين.فقد استطاع المكوّن الفكري الغربي الى إعمال روح العقل من خلال حفز مجال النقد الذي يطال كل شيء،من الصغير الى الكبير.من دون التوقف عند المحرمات والممنوعات أو توصيفات القائمة السوداء.حتى كان الوصول الى مرتبة يمكن إدراجها بالعليا مع الفعل التاريخي،الذي تم النظر إليه من خلال توسيع دور الإنسان فيه،وليس تحديد مجال النظر والعمل على فرز مجالات الهيمنة. الوضوح الذي طبع المشهد العقلي الغربي،جعله يتحرر من هذه المسلمات التي تفرضها تلك الوصايات الصادرة من لدن الأيديولوجيا،التي تعمد إلى لي عنق التاريخية لتجعل منها تاريخانية قوامها الارتباط بالغايات المحددة،والتي يصل التداخل فيها الى حد الإقرار سلفاً بإنجاز ما لم يتم إنجازه بعد.ومن هذه المفارقة اللفظية،يمكن الوقوف على نظام التسمية الذي تقوم عليه الشيوعية على سبيل المثال.فهي وعلى الرغم من إقرار مريديها على أنها مرحلة لاحقة،إلا أن قواعد الإخلاص الأيديولوجي تفرض هذه التسمية،ليكون الارتباط الذي تقوم بحفزه اليوتوبيا في حلم تنقطع فيه الأواصر مع الواقع. يمكن العثور ومن دون بذل جهد كبير،على كم هائل وواسع من الإدانة والرفض والسخط والشطب،الذي يتم إلحاقه عادة بالتاريخي.في مساحة التفعيل الأيديولوجي.حتى ليكون التاريخ وقد تمظهر في أداة للمعاقبة والمراقبة،الذي تحدده اشتراطات الأخ الأكبر،الذي يعمد الى ضبط كل شيء،الحركات والسكنات والتطلع الى قياس درجة الإخلاص العقائدي والانضباط الإيماني.ومن هنا يكون المجال الأوسع لدور أجهزة البوليس السري،التي تتوجه الى قراءة النوايا والأفكار التي يمكن أن تعّن على رؤوس الجماهير.وهكذا تبرز فوبيا السلطة،لتعبّر وبكل ما لديها من أدوات ووسائل،عن ترصدات التآمر الذي لا ينقطع من قبل الآخر،والخوض في تكريس مجال السرية والتعمية،تحت لا فتة الحفاظ على الأمن القومي.ومن هذا التراكم الذي تفرضه العقيدة الجاهزة والإيمان الافتراضي،يكون القمع وقد تجسّد في لبوس مرّكب شديد التعقيد،يكون فيه الجميع تحت طائلة سلطته،بما فيهم القامعون أنفسهم. اللقاء مع الحقائق التوقف الطويل من لدن الأيديولوجيا حول هذا الهوس الدوغمائي،الذي يجعل من الرأي تهمة مباشرة،يمكن من خلالها الإلغاء والتهميش والإقصاء للأفراد والجماعات.تكون بمثابة السمة الطاغية على الموّجهات الراديكالية الكامنة في النظام السياسي،لكن توصيفات من هذا النوع لا تتوقف عند الأنظمة الموغلة في الأدلجة.فالولايات المتحدة وعلى الرغم من توكيدها على التأسيس الليبرالي الذي يقوم على الحرية والديمقراطية،شملتها تفاعلات من هذا النوع،لا سيما خلال الحقبة المكارثية التي توجهت نحو محاربة الرأي تحت دعوى التهديد الشيوعي الذي بات على أبوابها.ولعل التوقف عند نموذجين من هذه الحقبة،يكشف عن تفاعلات النظام الليبرالي،الذي لا يمكن النظر إليه دائماً بهذه النموذجية والتكامل المطلق.فمن وسط هوليود حيث قلعة صناعة السينما العالمية وقع المخرج((ايلي كازان))ضحية التعاون مع اللجان الخاصة،حتى نال الاحتقار والعزل من قبل زملائه.هذا مع أهمية الالتفات الى أصوله الشرق أوربية.فيما نال((رونالد ريغان))أقصى غايات الاهتمام والرعاية الى الحد الذي غدا فيه رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية. البحث عن الطريقة المثلى للالتقاء مع الحقائق التي يثبتها الواقع،هذا هو المقصد والهدف الذي ترسمته الليبرالية طريقا لها.وهكذا انغمست في مجال فعل التعديل والتجديد للرأسمالية،من دون الخضوع لقداسة يمكن أن تفرضها نظريات أو مرحلة تاريخية.والمقياس الأصل الذي تفاعلت فيه واستندت إليه يقوم على طبيعة المنجز الراهن،حيث الرخاء وابتناء نموذج دولة الرفاهية.فيما يكون النظر الى المستقبل استنادا الى ما هو كامن وحاصل.فقد أثبتت التجربة المباشرة عن عقم الانغماس في الآمال وتهويمات الأحلام،إذ مازال الغرب يتذكر سنوات الأزمة الاقتصادية العالمية 29-1933،والتي جعلت من النظام الرأسمالي على شفير النهاية. لم يعد العالم يحتمل عصاب الانضواء الأيديولوجي،فالتجديد والإصلاح يكون الإثبات الأكثر حضوراً في تفعيل حركة الواقع،نحو تحقيق الغايات والأهداف التي تهم الإنسانية وليس الولاء للأفكار.فقد تعرضت النظرة القديمة الى النهاية،وباتت المنفعة تمثل بيان التوافق والتوائم داخل النظام الاجتماعي،الذي يجسد عموم الفعالية السياسية والاقتصادية والثقافية.وعلى هذا فإن التطبيقات صارت تعتاش على التحوير والتبادل في المضامين والرؤى والتصوّرات.ولم يعد غريبا أن تجد تطبيقات اشتراكية في صلب النظام الرأسمالي،إنه عالم المبادرة والتفاعل.

5 - سبتمبر - 2004
ماذا تعني الفضيلة فى زمن العولمة
موجودة عند أي مكتبة    كن أول من يقيّم

أين تقيم?في البلاد العربية ، أي مكتبة يوجد فيها هذان الكتابان، ودمت بخير

5 - سبتمبر - 2004
ممكن مساعدة في ايجاد كتب للدراسة
التاريخ والمعنى    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

المعنى والتاريخ؛في إدراك التحول أكاديمي وباحث متخصص في شؤون تاريخ الفكر العربي الحديث د.إسماعيل نوري الربيعي imseer@yahoo.com محاولات الاستقراء علاقة التحديد التي يتم فيها إخضاع التاريخ إلى هذا المكوّن الثابت الذي ظهر في فترة سابقة ،إن كان على مستوى الشكل أو المضمون وحتى طريقة التصوّر القديم.إنه الاستغراق في هذا النقل شديد الانتقائية،والذي يتم عن طريقة ممارسة القسر والإيغال في تحديد الموجهات التي يجب أن يخضع لها المجتمع.وتحت مجال الرؤية الجاهزة يكون النزوع نحو تقنين الجهد البشري بكل ما يتعلق بالإنجاز والممارسة على صعيد الواقع،من خلال تكريس عامل النقل لكامل التراث وإسباغ رؤاه على التاريخ.حتى لتكون الأداة والوسيلة الداعمة للموقف بازاء التيارات والاتجاهات المناوئة.حيث قوام الاختلاف الذي يجعل من الأفكار مجرد وسائل خالية من القيمة التاريخية التي تحاول ادعاءها.ولعل أسباب هذا الادعاء تقوم على طريقة الإثبات،التي يكون الاستناد فيها إلى هذه الإجراءات المتعلقة،بمحاولات الإلغاء والإقصاء للآخر،واعتبار الحقيقة ملكا خاصا غير قابل للمشاركة أو المناصفة. الطريقة الخاصة التي يتعامل بها فريق أو جماعة بشرية بما تملك من تراث،تجعل من محاولات الاستقراء الأخرى مجرد تهويمات زائدة خالية من القيمة المعرفية.بل قد تصل ردة الفعل إلى مجال التشكيك واتهام الطرف الآخر بقلة البضاعة العلمية.ولعل الأعراض التي تفرض بقسماتها على واقع الرؤى المتصلبة تكون من التحجر بمكان،إلى حد الانكماش في داخلها المغلق الذي يضيق بأي نقطة التحام،يمكن أن يكون بمثابة التهديد لمواقعه التي تحصّل عليها،حتى صارت تقترب من المقدّسات التي لا تقبل المساس بها. افتقاد المرونة في طريقة استقراء التاريخ،وغياب المبحث النقدي الخارج عن نطاق الأطر المعرفية الجاهزة والراسخة،يجعل من عملية الوعي بالتاريخ مسألة شديدة التعقيد،خصوصا بما يتعلق بنقل المعرفة الجاهزة من سياقها الزمني،والعمل على جعلها مندمجة في تفاعلات ثقافية واجتماعية شديدة الاختلاف.لا سيما في ما يتعلق بتلك الآليات التي تفرضها طريقة التفاعل المباشر مع الوقائع والأحداث.إن كان على مستوى نقل الحدث شفاهة أم كتابة،أو طريقة التفاعل مع الأبعاد القائمة في الحدث على مستوى التمثل والوعي فيه،وتلمس مدى الرموز والمعاني الكامنة فيه.وطريقة التداول الاجتماعي وتأثيرها في المخيال الاجتماعي.من حيث التهويل والمبالغة التي قد يتم إلصاقها بحدث أو شخصية،خصوصا وإن المؤثرات التي تفرزها كل مرحلة تكون لها مقايساتها الخاصة ورؤاها المرتبطة بطبيعة الممارسات السائدة،والوظائف الخاصة للمعاني خلال كل حقبة تاريخية خاصة. طبيعة الممارسات يلعب الإسقاط دورا شديد الأثر في تشويه صور الوعي بالتاريخ.ومن هنا تبرز أهمية البحث في التفاصيل التي عملت على تحديد تلك الوجهة والغاية للفعل الإنساني الذي منح الحدث روحه ودفقه وبث الحياة فيه.وعند قراءة تفاعلات أي مجتمع أو أمة،لا بد من إبراز مجالات التأثير التي عملت وحفزت بداخلها،حتى قيّض لها إبراز مقومات التفكير،والذي لا يمكن وتحت أي ظرف أو حال أن يكون واحدا.فالفكر ما هو إلاّ انعكاس شديد المباشرة لواقع العلاقات السائدة في فترة زمنية لها مواصفاتها وسياقاتها ووظائف المعاني التي تنتشر في داخلها. من المهم بمكان الالتفات إلى طبيعة التفاعل الذي تفرزه المجتمعات،حيث تبدو الأهمية المتعلقة بطبيعة الممارسات والعمليات التي تندرج في مسارات الثقافة والواقع.مع قيمة ما تفرزه طبيعة الاستقبال للمعاني التي يتم تداولها داخل النطاق الاجتماعي.فالأفكار التي يتم طرحها داخل النطاق الاجتماعي لن تحصل على القيمة المفترضة فيها،من دون أن يكون لها ذلك التأثير الذي تُسبغها عليها الجماعة الاجتماعية، التي تكون بمثابة المتلقي الذي يشارك في تخليق المعنى وتوسيعه ومنحه المدركات المقبولة.ومن هذا الإنجاز الذي لا يمكن التغاضي عنه،تبرز طبيعة الاستمرار في تداول المعنى،والتي يمكن أن تعمل على تحميله بالإضافات أو القوة أو التركيز،حتى ليغدو جزءا أصيلا من مكونات الثقافة الخاصة لأي مجتمع. الولوج في عالم المعاني التي يدرجها التاريخ في المضمون الاجتماعي،يتخذ أبعادا وتشكيلات شديدة التنوع والاختلاف.إلاّ أن الاستقراء العلمي الصارم يمكن أن يؤشر إلى البعض من ملامح إمكانية الملاحظة المستندة إلى الوقوف على السلسلة المرتبطة بالأصل الزمني للأحداث والنصوص.ومن هذه الفاصلة التي تكون شديدة الحضور بين المراقب الخارجي والجمهور الواقع تحت إسار المعنى المتداول،تبدأ مدركات الفرز الذي يمكن أن يحدد مكامن الاختلاط والتداخل بكل هذا الإرث الثابت والمستمكن من المعاني الثابتة.لكنها تبقى فسحة لدى طرف أو جهة،يمكن تبيّنها واستجلاء بعض ملامح الثراء القائم فيها.وبقدر ما يحمل الإرث التاريخي من أباطيل ومبالغات وخيالات وأساطير،فإنه يبقى الذاكرة الاجتماعية التي تحدد مدارج الاذكارات والاتمامات المتعلقة بالقيم والمعايير التي ترسم والى حدّ بعيد ملامح الهوية الثقافية ومكونات الدوافع الآيديولوجية،من حيث التّقبل أو الرفض،الاقتراب أو البعد.ومن هنا تحديدا يكون التاريخ وقد اقترب من طريقة فهم المجتمعات. التعبير عن الواقع البحث عن التفسير هو ما يعّد الفكرة الأصل المتعلقة بهذا التعالق الذي يفرض حضوره بين مجتمع ما وامكانية استجابته لنمط محدد من الأفكار والرؤى والتصورات.وعلى الرغم من دور الوسيط الذي يؤدي دور الناقل للأفكار،إلاّ أن الأهمية تبقى متركزة في هذا الجانب الأصلي،والذي يمكن ترصده في طبيعة الاستجابة الصادرة عن المجتمع،ومدى قوتها وقدرتها على تمثل المعاني الكامنة فيها.وبمجرد التفاعل مع المضمون الذي تقدمه الأفكار،يكون منطلق البدء في هذا الكم من الانحرافات التي يتم إقحامها على المعنى،والتي لا تتوقف عند مجال تفعيل الخيال في مجال الأدب والعاب البلاغة،بل يكون التسلل داخل نطاق الأفكار الفاعلة في صلب الحياة. تجتهد الكثير من الاتجاهات الفكرية في ربط أصولها ومرجعياتها بمصادر تراثية تحظى بالقوة والأهمية.ومن هنا يبرز مجال الانتساب إلى المرجعيات المستمدة من الأصول المقدسة أو الانتماء إلى قوة تحظى بالإجلال والتقدير والاحترام.لكن تفصيلات الواقع المباشر سرعان ما يفصح عن هذا التقاطع بين الادعاء وطبيعة التطبيق على المجالات الاقتصادية والثقافية،حتى ليكون من العسير الفصل بين هذه الحالة التي يبقى مكانها قابعا في الخلف،في حين أن مجريات المباشرة وأحداثها،تكون معّبرا عن واقع الغايات والمرامي التي تعن على الحاضر.ولا يقف الأمر على الاتجاهات والتيارات الفكرية،بل أن هذا التطلع يكون صادرا من هيئات ومؤسسات وحكومات ،تحاول من خلال هذا التعكز على التاريخ أن تحصل على الخطوة والمكانة الرفيعة ،التي توفرها شرعية الحضور. لقد أوقفت العديد من الايديولوجيات الرسمية جهودها نحو ترصين حضورها ومواقعها في الحيز الاجتماعي،من خلال محاولة تدّبر وسائل الإلغاء والرفض لبعض التيارات والاتجاهات الفكرية المناوئة.إلاّ أن الملفت في الأمر يقوم على وجود بعض ملامح الرغبة في عدم نهاية تلك التيارات،خصوصا إذا كان الاقتراب من ذات المحاور الفكرية.ولعل هذا التناقض والتداخل في منطلقات العلاقة بين الرسمي والمعارض السري،يكشف عنه طبيعة التداول الفكري القائم في المجتمع العربي.والذي أوضحت عنه العديد من التجارب الرسمية،لا سيما في مجال الفكر القومي الذي اقترب من الحركات الإسلامية في العديد من المنطلقات الفكرية،على الرغم من حدة العداء القائم بينهما حول الأصول الفكرية والمستندة إلى التقاطع بين العلماني والإيماني. التحويل الوظيفي يكشف واقع التمثل للأفكار عن طبيعة الابتعاد والاقتراب من المضمون الأصلي.فالتحويل الذي تعمد إليه بعض الاتجاهات وبانتماءاتها المختلفة في داخل التراث وتحويله من وظيفته الأصلية المستندة إلى تثبيت معالم الهوية والتجليات الأخلاقية للشخصية التاريخية،إلى تفعيل من التحزّب والانتماءات الفرعية والتطّلع إلى توجيه اسهم التقاطع والتوزيعات داخل المجتمع الواحد،تكون بمثابة القطيعة التاريخية مع الأصول. كيف يمكن الوقوف على أشكال التحويل التي تجنح إليها بعض الحركات الفكرية،في صلب مضمون التراث المعرفي والفكري.وكيف يتسنى الوقوف على ملمح التقاطع مع الواقع،إذا كانت المحاولات تترى للحضور على صعيد الواقع الموضوعي،حيث الحضور والفاعلية التي تجسدها من خلال التأثير على الجمهور وإمكانية حشد الاتباع،وجعلها جاهزة للمنافحة والدفاع عن هذا التيار دونا عن غيره،واعتباره أصلا من الأصول،لا يمكن التغاضي عنه أو تجاوز الآثار الناجمة عنه. الوعي بالحداثة يستغرق المزيد من الجهود،لفرز المضامين التي تقدمها والتأثيرات المباشرة التي تحدثها في صلب الواقع.وبالوقوف على البدايات يكون الفرز في كم الحداثة.فالأفكار الكبرى عبرت عن هذا التمثل الذي يعمد إلى تقويض القديم ويعمل على هز مرتكزاته.إلا أن هذه البدايات ومن خلال وقوعها في دائرة التأثير الزمني تتحول إلى تراث هي الأخرى،لا سيما في مجال التداول الفكري.لكن التوقف عند مجال الحداثة لا يعني أن الأمر يتعلق ببعد أحادى تقوم عليه،فالواقع يفرز ما بين حداثة مرنة وأخرى متصلبة.ولعل هذا التنويع الذي تظهر عليه،يكون بمثابة حافز الحيوية الكامن فيها.وإذا ما كانت متصلبة على الصعيد الروحي والثقافي،فإن الجانب المادي فيها يكشف عن آليات للاستقبال الواسعة من لدن المجتمعات المختلفة.ولا يقف الأمر عند المدركات التي قدمتها الحضارة التكنولوجية أو المعلوماتية،حيث التفاعل الواسع والهائل إلى الحد الذي بات الاعتقاد السائد يقوم على تغييب ملامح الخصوصيات وانتفاء أهمية الهوية الثقافية،واعتبارها جزءاً من الماضي.بل يعود واقع التفعيل المادي إلي جذور تاريخية موغلة في القدم.وهذا ما يكشف عنه واقع التقليد المباشر الذي ينهجه الإنسان للإفادة من تدجين الجمل أو الحصان في ألوف السنوات ما قبل الميلاد.فيما يكون النهل المباشر عادة بشرية شديدة القدم في مجال تقليد الأزياء والأسلحة وعادات الاستهلاك.

5 - سبتمبر - 2004
دعوة للوصول الى تعريف دقيق وموضوعي لمفهوم التاريخ
المعرفة العربية -الرياضيات نموذجا    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

الرياضيات:د.إسماعيل نوري الربيعي- تورنتو - كندا_ أخذ العرب عن الهنود نظام الترقيم، بعد أن كانوا يعتمدون في الترقيم على حساب الجمل، ولم يكن النظام الهندي يقوم على شكل واحد، بل أن العديد من الأنواع كان يقوم عليه. لكن هذا الأمر لم يجعل من العرب يتوجّهون للأخذ بهذا النظام والأشكال المتفرعة عنه، دون أن تكون لهم لمساتهم الخاصة. فكان لهم الإسهام المباشر في تطوير استعمال الأرقام، حيث تم وضعها في رسمين، تم استخدام الأول في الأقطار المشرقية وصار يطلق عليها الأرقام الهندية، فيما عرفت الأرقام الغبارية في أقطار المغرب العربي والأندلس(1) ويعود الفضل الأول والرئيس إلى العرب في نقل الأرقام الغبارية إلى أوربا، عن طريق الاتصال وبحكم الجوار وانتقال العديد من طلبة العلم إلى الأندلس، حتى أنها صارت تعرف في أوربا بالأرقام العربية. والميزة الأهم في كل هذا أن الممارسة الأدق والأكثر كفاءة، قد تمثلت في التطوير الذي أدخله العرب على الأرقام، من خلال استخدام الأرقام العشرية وإدخال الصفر كقيمة واضحة في حساب الأرقام (2) . ولا يخفى أن الهنود كانوا يستخدمون الفراغ كدليل على الصفر، لكن العرب وبشكل علمي، استنبطوا البديل المناسب، وعن طريقهم عرف الأوربيون مدلول الصفر، والذي لا يخرج في لفظته المستخدمة عن الصفر العربي. وهكذا قيضّ للأوربيين استخدام الأرقام العربية التي اختصرت لهم الأشكال التي درجوا على استخدامها في الأرقام الرومانية، هذا بالإضافة إلى الإمكانية التي تتيحها الأرقام العربية في تركيب الأعداد (3) ومهما بلغت قيمتها، وتبرز قيمة الصفر في تسهيل العمليات الحسابية لاسيما في مجال تقسيم الأعداد وضربها، بعد أن كانت من أعقد العمليات في زمن اليونان. على الرغم من اكتشاف العرب للصفر، ونقلهم لهذه المعرفة إلى أوربا، إلا أن الاستخدام المباشر له، لم يبرز وبشكل واسع إلاّ خلال القرن السادس عشر. أما على صعيد الكسر العشري، فيرجع اكتشافه، وريادة استخدامه إلى العالم العربي المسلم "الكاشي". ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أن العرب اجتهدوا في وضع المؤلفات الخاصة بعلم الرياضيات، وبرعوا في تسهيل وتيسير العمليات الحسابية، وهذا دفع الأوربيين إلى ترجمة المؤلفات والنهل من علومها والأفكار(4) الواردة فيها. كان للعناية الفائقة التي أبداها العرب بعلم الرياضيات، أن وضعوا منهجاً خاصاً لتعليمها، لاسيما المبتدئين، آخذين بالاعتبار التيسير وشرح الخطوات اللازمة من أجل الوصول إلى النتائج . وكان لتطور هذا المنهج أثره البالغ على طرق تدريس الرياضيات في أوربا، حيث اجتهدوا في اقتباس البرامج التعليمية عن العرب وبشكلً يكاد يكون تفصيلياً(5) .وقد برع العرب في التعامل مع المسائل الرياضية، حتى غدت لدى طائفة كبيرة منهم كوسيلة إمتاع واختبار للقدرة الذهنية والذكاء، فيما توسعت أبحاثهم لتشمل العديد من المواضيع، كان من بينها المتواليات الهندسية والعددية وقوانين الجمع بينها. الأفق العلمي الذي ترك فيه العرب بصماتهم في علم الرياضيات، لم ينحصر في إطار الجغرافية المجاورة، إنما توسعوا إلى الحد الذي انفتحوا على ثقافات وحضارات لهاباعها ومركزها المميز في النشاط العلمي. وعليه فأن المعرفة الرياضية تراوحت ما بين الترجمة المباشرة أو المعلومات المنقولة عن طريق الحافظة، والتي يحملها المهاجرون بين الأقاليم الإسلامية الواسعة الأرجاء(6) هذا بالإضافة إلى حالة التداخل ما بين الأفكار العلمية الدقيقة والتي تقوم على الاستنتاج والاستنباط، والأفكار القديمة التي تشكو من الترّهل وانعدام القيمة. وكان هذا الأمر يبرز وبشكل ملحوظ عندما يتدخل أدعياء المعرفة في مجال لا يعرفون منه سوى القليل من المعلومات فيه، مما يؤدي إلى تداخل ما بين حالة التطوّر التي تفرضها عمليات الاستنتاج والنقلة التقليديين الذين يضعون تصوراتهم وفقاً للمعلومات الموروثة، وليس أدل من الخلط الذي يقع فيه بعض المشتغلين في العلوم الرياضية، حين يعتمدون في عملياتهم الرياضية على المنهج المصري القديم في حل مسائل الكسور(7) العشرية . بقي التأثير الهندي في علم الرياضيات العربي واضحاً، لاسيما وأن الأساس الذي قامت عليه الفرضيات التي قدمها البيروني ت 400 هـ قد استمدت أصولها من هذا المرجع، لكن علوم المثلثات كانت تقوم على الأصول اليونانية. وهناك عامل آخر كان قد تبدى على شكل وسيط في انتقال المعرفة إلى العرب، (8) والذي تمثل في المؤثرات الفارسية الواصلة ما بين الثقافتين الهندية والعربية. لعبت حركة الترجمة من اليونانية دوراً فاعلاً في رسم صورة مختلفة عن الواقع، إذ كان الكم الأكبر من الكتب الرياضية، قد تم ترجمتها عن اليونانية، مما أسبغ على الرياضيات طابعاً يونانياً، وقد ساهم توجّه المشتغلين في هذا المجال للتوسع في نشر واستنساخ الأصول اليونانية لكتب الرياضيات، في تعميق التأثير اليوناني. فعلى سبيل المثال أجتهد قسطا بن لوقا ت 300هـ في وضع كتاب المتوسطات بين الهندسة والهيئة، ليأتي من بعده نصير الدين الطوسي خلال (9) القرن السابع الهجري ليعيد ذات الكتاب . وكانت أسماء علماء اليونان في مجال الرياضيات الأكثر شهرة وحظوة، بحكم عامل الترجمة لأعمالهم إلى العربية، حيث عرف إقليدس، أبو لونيوس، البرغامي، ثيودووسوس الطرابلسي، نيقوماخوس الجرشي، مينيلاوس، وأرخميدس. ويبقى الأخير صاحب الشهرة الأوسع في الوسط الرياضي العربي، حيث نسبت إليه العديد من المؤلفات في هذا المجال. لكن الصعوبة الرئيسة(10) كانت تكمن في توّزع المعلومات والفرضيات على أكثر من كتاب مترجم، مما يخلّ بمصداقية هذه المصادر. لكن الإضافات التي درج عليها العلماء العرب كان لها الأثر البالغ في بروز هذه الظاهرة تتجلى بوضوح الجهود التي بذلها العالم الخوارزمي ت 232هـ في مجال الترقيم، حيث تعود إليه البواكير الأولى في تنظيم قواعد الأرقام، وإرسائها وفقاً للأسس العلمية، حيث عني بالأرقام ومنازلها في كتابه"الجمع والتفريق بحساب الهند" هذا بالإضافة إلى الجهود التي بذلها في مجال علم الجبر والذي يستند(11) إلى الأصول اليونانية والهندية والبابلية، حيث وضع كتاب "المختصر في حساب الجبر والمقابلة"، عامداً إلى اختصار العمليات الرياضية في ست معادلات رئيسة. فيما تقوم فروضه إلى تحويل الحدود السالبة إلى موجبة عن طريق نقلها إلى الجانب الآخر من المعادلة، والعمل على اختزال المتشابهات (12) من المعادلة. أجتهد العالم العربي المسلم في تنظيم وتعديل الفرضيات التي قدمها العلماء السابقون، حيث عملوا على التوصل إلى الحلول الضائعة. وكان من بينهم أبو كامل شجاع بن أسلم " القرن الرابع الهجري" الذي تمكن من إنهاء العمل الذي قدم له ديوفانتوس في مجال المعادلات ذات المجهولات الخمسة. فيما تمكن الماهاني ت 261هـ من التوصل إلى فرضية أرخميدس في موضوع الكرة والأسطوانة،(13) ليأتي من بعده أبو جعفر الخازن ت 361هـ واضعاً اللمسات النهائية عليها. أما أبو بكر الكرجي ت 430هـ فقد عمل على دراسة وتطوير فرضيات ديوفانتوس، وصنّف العديد من الكتب مثل؛ كتاب الفخري في الجبر والمقابلة، والكافي في الحساب، والربع في الحساب(14) وكان عمر الخيام ت 517هـ قد وضع كتاب مقالة في الجبر والمقابلة، والذي أثبت من خلاله إيجاد المقدار لحدين مرفوعين لأس أكثر من اثنين، كما عمل على حل المعادلات التكعيبية من الدرجة(15) الثالثة . تعددت حقول الاهتمامات المعرفية الرياضية لدى العلماء العرب، حيث أبدوا عناية بارزة في الاشتغال على المربعات السحرية التي عمل عليها طلاب المدرسة الفيثاغورية، حيث تقوم هذه المربعات على بقاء المجموع ثابتاً بالنسبة للأرقام المحيطة بالمربع، هذا مع الاختلاف في طريقة الجمع أن كان عمودياً أو أفقياً أو وترياً. وكان أخوان الصفا قد اشتغلوا على أربعة أصناف منها، فيما عمل البوني ت622هـ واضع كتاب الغايات في أسرار الرياضيات، على مضاعفة المربعات استناداً إلى الاعتماد على التوالي في الأرقام. أما بالنسبة للأعداد المتحابة، فأن أبحاثهم قادتهم إلى أن المقصد في هذا يعود إلى تساوي مجموع عوامــل العددين،(16) وكان أبرز من أهتم بدراسة هذا الموضوع، إخوان الصفا وثابت بن قرةت289هـ الذي توصل إلى إيجاد قاعدة ثابتة لهذا الموضوع. أما الخجندي ت391هـ فقد توصل إلى إثبات أن حاصل جمع عددين مكعبين (17) لا ينتج عنه عدداً مكعباً. توصل العلماء العرب إلى إيجاد الكثير من الحلول للمسائل الرياضية المعقدة، وتمكنوا من حل معادلات الدرجة الثانية بالطرق الهندسية، بل أنهم تعرضوا للعديد من المسائل المختلفة التركيب واضعين لها الحلول عن طريق الجبر والهندسة، فيما قسموا الزاوية إلى ثلاثة أقسام متساوية، مستخدمين في ذلك منحني نيكوميدس بكل براعة وفهم. هذا بالإضافة إلى استخدام الرموز بشكل دقيق وواضح لاسيما الأفكار التي وضعها أبوالحسن القلصادي بالنسبة للجذر والمجهول والمال والمكعب المجهول والمساواة والنسبة. والواقع أن استخدام الرموز كان له الأثر الفاعل في وضع الحلول لمعادلات الدرجة الثالثة عن طريق قطوع المخروط، كان لهذا العمل أثره الهائل في تقدم العلوم الرياضية، وكان ثابت بن قرة(18) من الرواد في هذا المجال، حتى أنه سبق أعظم علماء أوربا في العصور الحديثة. ولم يتوقف العلم العربي عند هذا الحد، بل أجتهد في وضع الحلول المبتكرة والرائدة لمعادلات الدرجة الرابعة. الحالة الأكثر بروزاً كانت قد تجلت في التوفيق الحاذق والدقيق بين علوم الجبر والهندسة، حتى أنهم كانوا السباقين إلى وضع الأسس التي قامت عليها قواعد الهندسة التحليلية، والتي كان لها الأثر في فسح المجال أمام علم التفاضل والتكامل. وعلى الرغم من جهود علماء اليونان في وضع الحلول للمقدار ذي الحدين، لاسيما إقليدس، إلا أن عمر الخيام كان قد برع في أيجاد المقدار الجبري ذي الحدين والمرفوع إلى قوة أسها أكثر من أثنين. وكانت الجهود قد انصبت على إيجاد مجموع مربعات الأعداد الطبيعية، مع الدراسة العميقة للجذور الصماء، فيما تمكنوا من الوصول إلى القيم التقريبية للأعداد التي لا يمكن التوصل إلى جذرها، وكانت الوسيلة في ذلك المعرفة الواسعة(19) في علوم الجبر. يشير الباحث قدري حافظ طوقان إلى الجهود المميزة التي بذلها ابن حمزة المغربي في تسهيل العمليات الرياضية التي مهدت لظهور اللوغاريتم، هذا علي الرغم من ادعاء مؤرخي العلوم في الغرب، بان هذا الاكتشاف يعود للعالم الرياضي "نابيير"، على اعتبار أنه عمل على تسهيل عمليات الضرب التي تحتوي على رفع في الجيوب، والفكرة تقوم على تحويل العمليات المعقدة إلى عمليات جمع في حساب المثلثات، والواقع أن ابن حمزة كان قد أجتهد في مجال دراسة المتواليات العددية والهندسية، ويعود(20) له الفضل في التهميد لا كتشاف اللوغاريتم. كان أبناء موسى بن شاكر قد برعوا في مجال الهندسة، حيث وضعوا كتاب معرفة مساحة الأشكال الذي ذاع صيته في القرن الثالث الهجري. وقد أسسوا فيه لوضع البرهان الخاص بقياس الدائرة، التي تميزت بسمات خاصة ومتفردة عن نظرية أرخميدس. واهتموا بقياس(21) مساحة المثلث عن طريق حساب أضلاعه، واجتهدوا بقياس حجم المخروط والكرة وحساب الوسيط بين مقدارين معلومين. وكان لهم فضل التعريف بتقسيم الزاوية إلى ثلاثة أقسام. بالإضافة إلى استخراج الجذور التكعيبية بوجود عدد تقريبي. وقد حرص أبناء موسى على التعاون مع العلماء العرب من أجل الوصول إلى أفضل النتائج(22)، حيث تجلى ذلك في تمكن ثابت بن قرة في دراسة الحجوم المكعبة والأشكال المربعة، والمخروطية وشبه الكروية، حتى أنه بدأ في وضع بعض القوانين الممهدة لحساب التكامل، بل أن قوانينه التي وضعها كانت أكثر شمولاً وتيسيراً من القوانين التي وضعها أرخميدس. وكان لهذه الدراسات أثرها في العديد من العلماء العرب، من أبرزهم أبراهيم بن سنان ت335هـ والكوهي ت378هـ الذي برز إبان الدولة البويهية(23) وواضع تصانيف "تثليث الزاوية وعمل المسبع المتساوي في الدائرة" وأحداث النقط على الخطوط وكتاب مراكز الدوائر. من بين المشتغلين على كتاب الكرة والأسطوانة لأرخميدس، يبرز الحسن بن الهيثم ت430هـ، حيث أهتم بدراسة (24) الدائرة وقياس الأضلاع المنتظمة التي يمكن أن ترسم فيها، والخروج بنتيجة مفادها أن المضلع ذو الأضلاع الأكثر، يكون أكبر مساحة من المضلع المرسوم في نفس محيط الدائرة ذي الأضلاع الأقل(25). فيما أجتهد العديد من العلماء العرب في دراسة نظرية إقليدس حول المستقيمات والزوايا، ومن أبرزهم الجوهري ت. 214هـ ونصير الدين الطوسي ت672هـ والسمر قندي (26) ت674هـ. لا يمكن إغفال أهمية الدور الذي لعبه اليونان، في إرساء دعائم علم الهندسة، والإضافات البارزة التي قدموها في هذا المجال. وكان إقليدس الاسم الأكثر حضوراً في علوم الهندسية، انطلاقاً من الأقسام الرئيسة التي وضعها والتي لم تتجاوز الخمسة. وكان العرب قد تعاملوا مع هذه الأقسام بكل فطنة وبراعة، حتى أنهم (27) وضعوا لمساتهم الخاصة على المسائل التي وضعها إقليدس في كتابه الموسوم "الكتاب" فيما أطلق عليه العلماء العرب "الأصول" أو "الأركان". وكانت الترجمة الأولي لهذا الكتاب قد وضعت إبان حكم "أبوجعفر المنصور" وبأكثر من ترجمه على يد أبرز العلماء العرب المسلمين من أمثال حنين بن أسحق وثابت بن قرة ويوسف بن الحجاج(28). فيما كانت المواضيع التي تناولها، قد تراوحت ما بين السطوح والأقدار المتناسبة وبين السطوح والعدد والمنطقات والجذور والمجسمات(29). وكان الأبرز من المشتغلين على هذا الكتاب واختصار مقولاته وأفكاره، ابن سينا وابن الصلت، فيما عمد ابن الهيثم إلى تأليف كتاب في الهندسة على منواله. أما محمد البغدادي فقد وضع فرضياته في المثلث والمربع والمخمس، انطلاقاً من روح الكتاب. ولم يكتف العالم العربي بأفكار إقليدس، بل استند إلى أفكار أبولونيوس في مجال استخدام المنطق وتطبيقه على الهندسة من أجل وضع البراهين على النظريات الهندسية، وتمكنوا في ذلك من بلوغ دراسة أشكال المخروط المكافئ والزائد والناقص. أما على صعيد المؤلفات، فإن العلماء العرب قدموا للمكتبة الهندسية العالمية، الكثير من النتاج العلمي الثر والذي شمل موضوعات المساحة والحجم والتحليل والتقدير العددي والتركيب وتقسيم الزاوية والمضلعات. ومن نافل القول تجب الإشارة إلى أن الأوربيين المحدثين لم يعرفوا إقليدس وأبو ولونيوس، بل وعلم الهندسة برمته، إلا عن طريق الترجمات العربية للتراث العلمي(30) اليوناني. كان للهنود معرفة واسعة في مجال علم المثلثات، لذا أتجه العرب نحو النهل من الأساسيات التي قدمها الهنود، لكنهم ارتقوا به من مجرد فرضيات بدائية، إلى نظريات شاملة لها من التأثير الكبير في مجال الهندسة والصناعة، حتى غدا المهتمون بتاريخ العلوم، يطلقون على علم المثلثات بالعلم العربي على اعتبار الجهد البارز الذي قدمه العلماء العرب في مجال الفصل بين علم المثلثات والفلك، لاسيما على يد نصير الدين الطوسي، وكان الاهتمام الأكثر بروزاً قد ظهر في مجال العناية بالنسب بين أضلاع المثلث. واستندت أبحاثهم إلى روح النقد العلمي الصارم، حيث درسوا نظريات(31) اليونان في مجال قياس جيب الزاوية، وأثبتوا خطأها من خلال تقديم البراهين الدقيقة، فيما عملوا على قياس مساحة المثلثات الكروية والمستوية، والعمل على استخدام المماسات والقواطع في (32) قياس الزاوية. من إعلام المشتغلين في العلوم الرياضية، يبرز أبناء موسى بن شاكر أو ما يطلق عليهم " بنو موسى"، الذين عاشوا في كنف الرعاية الخاصة من قبل المأمون ت 218هـ، الذي عهد بهم إلى أحد خاصته المقربين وهو أسحق المصعبي، وهذا بدوره جعلهم تحت إشراف يحيى بن أبي منصور لدراسة العلم في بيت الحكمة. وكان الأبناء الثلاثة "محمد، أحمد، الحسن" قد نهلوا من المصادر العلمية التي تزخر بها مكتبات بغداد، والاتصال المباشر بأبرز العلماء، حتى قيض لهم أن يصلوا إلى مكانة متميزة في مجال المعرفة، حتى كان لهم الباع الأهم في مجال دراسة الهندسة والفلك والميكانيك، فيما تمكن " الحسن" من وضع الشروح الضافية على مقالات إقليدس. وتتجلى المتابعة والأشراف المباشر من قبل المأمون، في مناقشاته المستمرة والمتصلة لأبناء موسى، وحثه إياهم لدراسة (33) الأصول، والتركيز على المصادر المهمة، التي تعينهم على بناء شخصيتهم العلمية. ما يميز أبناء موسى في مجال البحث العلمي، إغداقهم السخي للحصول على الكتب والمصادر والأصلية، حتى أنهم دفعوا مبالغ طائلة لترجمة كتب الأصول، وحرصوا على الاتصال بأبرز الأسماء العلمية من أمثال حنين بن أسحق وثابت بن قرة، وفي هذا يتضح أن أبناء موسى استثمروا عاملين توفرا لهم هما : المال والنفوذ السياسي، ليكونا في خدمة العلم وتطوير الأبحاث. لكن المنافسة وحب الذات لم يكن بعيداً عنهم، فعلى الرغم من انشغالهم في البحث والتقصي عن (34) المعرفة، إلاّ أنهم تورطوا في لعبة الدسائس وحوك المؤامرات، وكان من بين ضحاياهم الفيلسوف الأشهر " الكندي" ت 260هـ الذي تعرض للاتهام والإقصاء في بلاط المتوكل ت 247هـ ولم يتوقف أبناء موسى عند هذا الحد، بل انغمسوا في تقريب هذا الطرف على حساب الآخر، إذ عملوا على تقديم الفرغاني لوضع المخططات الخاصة بالقناة التي تجلب المياه إلى مدينة الجعفرية القريبة من سامراء، على حساب الإقصاء المتعّمد لسند بن على الذي بزغ نجمة وبدأت الأضواء تُسلّط عليه. والواقع أن هذا العمل كاد أن يودي بمكانة أبناء موسى ويعرضهم للأضطهاد، لولا مقتل المتوكل (35). لقد مثل أبناء موسى فريق عمل موّحد، حيث عملوا في موضوع الميزان الذي يهتم بدراسة الأشكال المستوية والكروية وتقسيم الزاوية إلى ثلاثة أجزاء، ووضع الدراسات حول مخروط أبو لونيوس، أما على الصعيد الشخصي فقد عمل محمد على موضوعات الفلك، وأهتم الحسن بدراسة الهندسية، فيما أنشغل أحمد بدراسة الميكانيكا. والواقع أن الأخوة الثلاثة كان لهم الفضل الأبرز في تقديم أفكار أرخميدس حول(36) مساحة الدائرة والكرة والأسطوانة إلى أوربا . يعتبر الكندي المولود في الكوفة عام 185هـ، من الأسماء العلمية التي تحظى بالاحترام والتقدير، نتيجة للجهود العلمية الموضوعية وفي مجالات مختلفة، وكان الرجل قد دأب على تحصيل علومه في الحواضر الإسلامية الكبرى مثل مدينته التي ولد فيها والبصرة وبغداد وقد تهيأت له فرصة التقرب من السلطة السياسية العليا، فحظي بالرعاية والتكريم من لدنها، لاسيما المأمون الذي بوأه أرفع المناصب العلمية، والمعتصم الذي عهد إليه بتأديب ولده. ولم تقتصر براعة الكندي على الدراسات والأبحاث، بل عرف عنه قدرته الكبيرة وعلمه الواسع في مجال المعرفة باللغة الإغريقية، حيث عمل في مجال الترجمة إلى اللغة العربية، بالإضافة إلى الجهود البارزة التي بذلها في تنقيح التراجم، حيث عني بتنقيح ترجمة كتاب أوثولوجيا لأرسطو طاليس، حتى عدّ من(37) الأربعة الأشهر في الترجمة وهم؛ حنين بن أسحق وثابت بن قرة وعمر بن فرخان الطبري، بالإضافة إلى الكندي. وعلى الرغم من سعيه الدؤوب في الترجمة، إلاّ أن آثاره فقدت، مما جعل البعض من الباحثين الأوربيين يشيرون إلى أنه أعتمد على ترجمة النصوص السريانية، التي مثلت دور الوسيط ما بين العلم اليوناني والعلم العربي. لقد وردت العديد من الإشارات إلى الجهود الهائلة التي بذلها الكندي في مجال التأليف، حتى كتب عنه بأنه قد خلّف مائتين وواحد وثمانين كتاباً في مختلف العلوم الطبية والفلسفية والرياضيات والبصريات والفلك والأخلاق والسياسة والموسيقى. ويشير المشتغلون في إحصاء العلوم إلى أنه وضع حوالي اثني عشر كتاباً في مجال الحساب، وثلاثة وعشرين رسالة في علوم الهندسة. ويؤكد الباحثون إلى أن الكندي قد عاش مرحلة التماس المباشر مع العلوم اليونانية والسريانية، وبهذا فأنه وزملاءه يعود لهم الفضل في وضع الأساس للمنهج العلمي (38) والمصطلحات التي تم تداولها لاحقاً في حقول العلوم. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن الكندي كان له قصب السبق في دخول العنصر العربي لمجال علوم الأوائل، التي كانت منغلقة على فئة من المشتغلين الفرس والسريان والصابئة. تعود الأسباب المتعلقة بإغفال أهمية الكندي في مجال الرياضيات، فقدان أغلب آثارها العلمية، وظهور بعض الأجزاء الصغيرة في هذا المصّنف أو ذاك لكن عنايته بوضع التعاريف والمصطلحات، كانت بارزة وواضحة بدليل أنه كان المشتغلين الأوائل في الترجمة، وعليه فأنه اجتهد في وضع المصطلحات المتداولة في المجال الرياضي، مثل الجذر والضرب والقسمة والاتصال والانفصال وكانت له العديد من المساهمات الدقيقة في استخدام المصطلح العلمــي، لاسيما عنايته البارزة في موضوع الأبعــاد الثلاثــة المتعلقة بالطول والعرض والعمق(39). ويؤكد بعض الباحثين إلى أن كلمة رياضيات التي تصف العلم المهتم بالهندسة والحساب والجبر والمثلثات، إنما تعود إلى بنات أفكار الكندي، على اعتبار التقسيمات التي وضعها حول الحكمة النظرية التي تعني بدراسة " الربوبية، الرياضيات، الطبيعيات"، حيث أن بحثه على المحسوسات جعله يركزها في العلم الطبيعي، أما ما ينفرد بذاته ويتصل بالمحسوس فيتعلق بالعلم الرياضي، وبالنسبة للعلم الربوبي فأنه لا يتصل بالمحسوس. وقد أشار الكندي من خلال بحوثه الفلسفية، إلى بلوغ الدرس الفلسفي لا يمكن الانخراط في شؤونه وتفصيلاته، إلاّ عن طريق الرياضيات(40) . يسطع نجم العالم الرياضي الحسن بن الهيثم المولود في البصرة عام 354هـ، وكان بالإضافة إلى عنايته بالعلوم الرياضية قد برع في مجال الفلك والبصريات، وقد استطاع أن يضع حوالي ثلاث عشرة رسالة علمية في الرياضيات، مثل (41) مثل مساحة الجسم المتكافئ ومقدمة ضلع المسبع وتربيع الدائرة وأصول المساحة. ولعل السمة البارزة في المنهج الذي اخطته ابن الهيثم يتجلى في التركيز على الحق والعدل ورفض إتباع الهوى، فكان هذا طريقه لاستنباط الكثير من البراهين العقلية والمنطقية لاسيما في الهندسة والأرقام والمعادلات، وقد عمل بجهد واضح وسخي على الهندسة المستوية والفراغية، وكانت له اليد الطولي في تطور الهندسة التحليلية، وتمكن من وضع (42) القوانين لقياس مساحة الكرة والهرم والاسطوانة المائلة والدائرة. كان للسمعة العالية التي حصل عليها، قد جعلت من الخليفة الفاطمي الحاكم ت 412هـ، أن يًوجه إليه الدعوة للإقامة في بلاطه والاستفادة من علمه، لاسيما لضبط فيضان نهر النيل. لكنه عندما قام بدراسة موقع المكان، وجد أنه من العسير الوصول إلى حل عمليّ، مما جعله يتقدم باعتذاره إلى الخليفة الذي قبله منه (43). لكن الأجواء المشحونة التي كانت تملأ البلاط الفاطمي، حفزت ابن الهيثم لإدعاء الجنون كي يتمكن للتحرر من القيود المفروضة عليه، ليتجه إلى تعليم الرياضيات في الجامع الأزهر ونسخ الكتب الرياضية الخاصة بمؤلفات إقليدس وبطليموس حتى وفاته بالقاهرة 432هـ (44). تعود العلاقة الأولى لانتشار أسم ثابت بن قرة الحراني ت 289 هـ إلى اتصاله بمحمد بن موسى بن شاكر، الذي تعرف عليه في مدينة حران خلال عودته إلى بغداد، ونتيجة لنشأة ثابت في وسطه الديني الخاص "الصابئي" فقد كانت الفرصة أمامه لتعلم اللغة السريانية واليونانية، والتي أفادته في عمله، وساهمت في إطلاعه على أهم المخطوطات العلمية. وهكذا قيض له أن يتقرب من البلاط العباسي حتى صار من ندماء الخليفة المعتضد ت 289هـ والمقربين إليه، حتى أن خطوته شملت أبناء(45) طائفته الذين تمتعوا بالكثير من الحرية والآمان. أهتم ثابت بالعلوم الدينية، حيث كتب رسالة باللغة السريانية عن ديانة الصابئة ، والموسيقى بالإضافة إلى اشتغاله بالفلسفة الفلك، لكن العمل الأبرز كان قد تركز في ترجمة كتب أرخميدس الكرة والاسطوانة وحساب مساحة الدائرة وكتاب أبو لونيوس المخروطات،بالإضافة إلى العديد من الرسائل العلمية التي وضعها بطليموس. ولم يتوقف عن مهمة الترجمة بل أجتهد في وضع الشروح على كتب أرسطو وأقليدس وجالينوس وأبقراط. وكانت عائلته قد اكتسبت شهرة واسعة ومكانة أثيرة في العلم العربي، حيث برز أبنه سنان ت 332هـ الذي عمل طبيباً خاصاً في البلاط العباسي وإبراهيم أبن سنان ت 335هـ الذي(46) الذي برع في علوم الرياضيات وثابت بن سنان ت366هـ الذي عمل في الطب. عرف عن ثابت عنايته البالغة بالعلوم الهندسية، حتى أن جهوده التي بذلها في مجال إدخال الجبر على الهندسة، قد ساهمت في ترسيم أبعاد الهندسة التحليلية. بالإضافة إلى تمهيده لحساب التفاضل والتكامل، بل أن جهوده في دراسة الرياضيات أثمرت عن أثنين وعشرين كتاباً، وعمل على تقسيم الزاوية إلى ثلاثة أقسام متساوية، وتمكن من إيجاد حجم الجسم المتولد من دوران القطع المكافئ حول محوره وأسهم في دراسة المربعات السحرية والأعداد التامة(47) والناقصة والزائدة. ترقى أهمية الخوارزمي ت 232هـ إلى تأليفه لكتاب" الجبر والمقابلة الذي وضعه بناء على توجيهات الخليفة المأمون، ولا يخفى لما للجبر من أهمية عملية في وضع الحلول للعديد من المشاكل المتعلقة بالإرث والوصية وتنظيم المعاملات التجارية. وكان لإقامة الخوارزمي في بيت الحكمة إطلاعه على عيون الكتب،بالإضافة إلى الرعاية الخاصة التي نالها من قبل المأمون أثرها في بروز هذا العلم العربي الخاص. وقد حرص بشكل مباشر إلى معالجة العديد من القضايا عن طريق إبراز دور الرياضيات وجعلها في خدمة المجتمع، وهكذا يتبدى دور العالم العربي المسلم ومنهجيته، والفوائد المباشرة للعلم،(48) فعلم الجبر لم يقف عند موضوع المعاملات، بل تخطاه إلى جوانب أخرى مثل إصلاح الأراضي و الري وفنون الهندسة. وتبقى القيمة الأهم في استناد العلماء اللاحقين على النظريات التي وضعها الخوارزمي، بالنسبة للعلماء العرب أو العلماء الأوربيين المحدثين . بدليل أن إطلاق تسمية الجبر التي وضعها، قد أقتبسها الأوربيون عنه وبشــكل مباشر،(49) من خلال ترجمة النص العربي إلى اللاتينية. كان السعي الذي بذله الخوارزمي في مجال تنظيم الأرقام واضحاً، إلى الحد الذي انتشرت طريقته في مختلف أقاليم الدولة الإسلامية، وعن طريق الأندلس أقتبس الأوربيون هذه الأرقام، التي تدعى الغبارية والتي ينتشر استعمالها في أقطار المغرب العربي. وكان كتابه في الحساب والذي ترجم إلى اللاتينية بعنوان" الفورتمي"(50)، قد برز تأثيره في أوربا، لاسيما في المعاملات التجارية وتنظيمها، بالإضافة إلى الاستخدام الواسع من قبل المتخصصين في العلوم الرياضية. ويتبدى النشاط العلمي الذي بذله في المؤلفات الرياضية التسعة، التي شملت مواضيع الزيج والجمع والتفريق،(51) بالإضافة إلى بعض المؤلفات الفلكية. من الأسماء العلمية البارزة، كان أبوكامل شجاع بن أسلم المصري ت318هـ، الذي تمكن من وضع العديد من المؤلفات الرياضية، وكان له تلاميذ بارزون في هذا المجال. ويبرز واضحاً تأثره بمؤلفات الخوارزمي لاسيما في مجال علوم الجبر، حيث ركز جهده عليها حتى تحصل على لقب أستاذ علم الجبر. ولم يخرج عن أسلوب الخوارزمي في حل المسائل المعقدة، بل تمكن من تطبيق فرضياته بشكل حاذق ودقيق. وهذا مكنه من الوصول إلى إيجاد الجذرين الحقيقيين للمعادلة الجبرية ذات(52) الدرجة الثانية، مع جهده الواسع الذي بذله في مجال جمع وطرح الأعداد الصماء. ويعد أبوكامل شجاع نموذجاً للعالم العربي المسلم الصميم، من حيث تواضعه العلمي وإرجاع الفضل إلى أهله، فعلي الرغم من التطوير الذي وضعه على فرضيات الخوارزمي، إلا أنه بقي يشير وبكل صراحة إلى أسبقية الخوارزمي وأهميته المطلقة في علم الجبر(53). ويتبدى جهده العلمي الثر في وضعه لأثني عشر مؤلفاً في الرياضيات تناولت العديد من الموضوعات كالمساحة والهندسة والجبر والجمع والتعريف وطرائف في الحساب، فيما برزت محاولاته الخاصة في الأشكال الهندسية، وشرح المعادلة التي درجتها أعلى من الدرجة الثانية، والعناية بربط علم الجبر(54) بالفرائض الإسلامية. الميزة الأهم في العلم العربي، كانت قد ارتكزت إلى الارتباط والوثيق بين العلم والدين، على اعتبار أن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وهكذا كان سعي العالم العربي إلى استيعاب وأدراك خلق الله من أجل الوصول إلى الفكرة التي تؤكد على أن عبادة الله من دون علم، كعبادة الأوثان. ومن هنا سما العالم العربي بالدنيوي المادي إلى المقدس الروحي، ليصبح الدين والعلم كل يتم الأخر ويتكامل معه(55). وعلى اعتبار القيمة التي تفرضها علوم الرياضيات في تنظيم المعاملات والوصايا والتركات، التي تمثل جزءاً رئيساً من هيكلية العلاقات الإسلامية. وعلى هذا فانهم طوعوا المعارف التي اقتبسوها عن الأمم الأخرى، وجعلوا منها متوافقة مع حاجاتهم وغاياتهم التي فرضها الدين الإسلامي، كما أن هذا التطويع أسهم وبشكل واضح في ظهور النهضة(56) العلمية في أوربا. كانت الرياضيات، شأنها شأن العلوم الأخرى في خدمة الدين، حيث يسعي المسلم إلى تطبيق فروض دينه بشكل دقيق، وعليه كانت الدقة هي الأساس الذي استند عليه العلماء العرب المسلمون، لارتباطها بالمقدسات، وكانت الرياضيات قد حملت سمات التفكير الإسلامي الذي يرتبط بالله الخالق الأعظم "اللامتناهي" ، حيث تتمثل الأعداد بوظيفة زمانية ومكانية غير سكونية، انطلاقا من التعاليم الإسلامية التي تفرض إيفاء الحقوق إلى أهلها بشكل دقيق. وهكذا جاءت فكرة الأعداد بمنهج لا متناه يعتمد على الصيرورة الأزلية كما يشير في ذلك(57) روم لاندو.

8 - أكتوبر - 2004
هل يمكن للعرب أن يستعيدوا العلم
اقتصاد المعرفة    كن أول من يقيّم

العرب واقتصاد المعرفة

د.إسماعيل نوري الربيعي

كيف ينظر العرب إلى قضية التعليم ، هذا بحساب أن العالم الراهن بات يعيش الثورة المعلوماتية والتقنية ، تلك التي لا تعرف الهدوء أو السكينة ، بل أن الصخب والقلق صار ملازما للواقع الاجتماعي الذي يعيشه المجتمع البشري برمته. حتى أن التشكيك بالمعلومات والإمكانات والقدرات أضحى ملازما للمجمل من الفعاليات والرؤى والتصورات. ومن نظرة بسيطة إلى مجمل التفاعلات التي يعيشها العالم يكون الإفصاح عن المتغيرات المتسارعة واللاهثة والتي لاتني عن الإشارة إلى هذا الكم الهائل من المخترعات والمكتشفات التقنيات التي لا تعرف التوقف أو الكسل.عالم يعيش رعب المعلومات والتنافس الحاد الذي لا يعرف الرحمة أو التردد. فما أن يطلع الاكتشاف المذهل على العالم، حتى يكون نظيره الذي يبزه وقد تخطاه في اليوم التالي.

التسابق المحموم

بماذا يمكن الوصف في ظل هذا الكم الهائل من المتغيرات ، والتي راحت تفصح عن القدرات الهائلة للعقل البشري، والذي لم يتوقف عند حدود التصميم للبضاعة أو البراعة في التسويق أو الإنجاز في إدارة الأعمال، بقدر ما يكون الإفصاح عن بروز مصطلح اقتصاد المعرفة ، هذا الذي راح يتسيد المجال التداولي للعالم المعاصر.وإذا كانت النظريات الاقتصادية القديمة قد استندت إلى العناصر التقليدية في تكييف أنشطتها الاقتصادية ، فإن القفزة الراهنة التي يعيشها عالم اليوم راحت تفصح عن توسيع مجال التعلم باعتباره الغاية القصوى ، في سبيل بلوغ الاندماج في حالة التنافس والانجاز الذي لا يعرف التوقف. ومن هذا فإن التدريب والتأهيل والتعليم المستمر، لم تعد مجرد مصطلحات معدة للاستهلاك الإداري أو محاولة لملء الفراغ الوظيفي، بقدر ما راحت ترتبط وبوثوق شديد بمسألة التنمية البشرية، تلك التي لا تقوم على تفعيل مجال المهارات والقدرات الفردية فقط ، يقدر ما يكون التطلع فيها قائما على توسيع مجال المدركات العقلية، وتأهيل الكوادر القادرة على استيعاب حجم المتغيرات والتحولات الهائلة التي راحت تطغى على المعلومات المتسارعة، ومن هنا فإن الواقع بات يفصح عن توسيع مجال التنافس في حقل المواجهة التي راحت تزحف على العالم بلا هوادة أو رحمة.

في قراءته الضافية والعميقة لا يتردد د. نبيل علي من أهمية التمييز بين مفهومي التعلم والتعليم، وضرورة الوقوف على الفواصل الرئيسة بين المفهومين. فاللحظة الراهنة التي يعيشها العالم لم يعد من المجدي أو المثمر أن يكون التعامل معها وفق المعايير القديمة، القائمة على التطلع نحو التعليم بوصفه الغاية القصوى، باعتبار ما تنتجه من الحصول على كوادر وكفاءات متحصلة على الشهادات العليا، حيث الغاية القصوى التي تلبست خريجي المعاهد والجامعات العليا، والتي غدت بمثابة العائق والإشكال الذي ما انفك ينتج المزيد من الإعاقة والتوقف في وجه المتغيرات ،في الوقت الذي يحتاج الواقع المعاش إلى المزيد من التوسع في مجال تحصيل المهارات، والذي لا يأت من خلال الحسبة المباشرة ، والمستغرقة في تخريج الدفعات التي يحتاجها سوق العمل، ليكون الحال وقد أفرز حالة أخرى من العطالة والتعقيد للمشكلة القديمة ، بقدر ما تبرز الحاجة المباشرة إلى أهمية التعاطي مع التحولات التي نبرزها التطورات ، بروحية المتفاعل الواعي بحجم التوسع الذي تبرزه اقتصاديات المعرفة ، تلك التي أضحت واقعا ملموسا لا يمكن التغاضي عنه، حيث التنافس والتزاحم والصراع ، والذي يجعل من مسألة التعلم من الأولويات والركائز الأساسية في سبيل إحداث الخطوة المطلوبة نحو التقدم والتطور.

التعلم اللامحدود

عالم اليوم بات ورشة كبيرة يتم فيها التسابق المحموم للحصول على المعلومات الجديدة والقدرات المتميزة ، حتى أن بيل غيتس صاحب مشروع مايكروسوفت الرائد في صناعة المعلومات، لم يفتر لحظة من اقتناص الأفكار والتصميمات الخلاقة، وإغداق الأموال الطائلة عليها، في سبيل دعم موقفه في مجال فائق الحراك. وبالقدر الذي يعيش العرب لحظة الاستهلاك وتوسيع مجال التلقي، وانعقاد الدهشة جراء التسابق المحموم الذي تعيشه شركات إنتاج الهاتف المحمول والساتيلايت وبرامج المعلومات التي راحت تملأ الإنترنت، فإن الواقع اليوم راح يعلن و بمجاهرة لا تقبل التردد إلى أن التعليم العالي الذي مازال يمثل محلا للتفاخر في المجال العربي، لم يعد سوى البداية في مجال التعلم الواسع والهائل والذي لا يعرف الحدود أو النهايات.

يحضر الإلغاء والإقصاء بطريقة عاتية ومقلقة في التمثلات العربية للمجمل من المتغيرات التي تطرأ على العالم ، وهكذا تم الانخراط في تجليات مجتمع المعلومات ، من خلال الاندراج المباشر في توجه أغلب الجامعات العربية لا سيما الأهلية منها في تدريس مواد إدارة الأعمال أو الحاسوب، فيما تم إهمال تدريس المواد العلمية والإنسانية الأخرى، بحساب حاجة سوق العمل لهذه التخصصات.وإذا كان الواقع يشير إلى الطبيعة الربحية التي يقوم عليها مشروع الجامعات الخاصة، فإن طبيعة التفاعل مع المتغيرات المتلاحقة يبقى يعاني من العوز والقصور ، هذا بحساب أن الاندراج في مضمون التفعيل التقاني المعاصر لا يقوم على التهيئة المحدودة ، بقدر ما يستند إلى أهمية الوعي بثالوث الثورة الرقمية الراهنة والتي تقوم على المعرفة والخدمات والسلعة .هذا الثالوث الذي راح يخلب لب المستهلك ، حتى راح يدخل في منافسة مع الذات في سبيل الحصول على الجيل الأخير من التلفون المحمول أو الكومبيوتر المضاف إليه البعض من التفاصيل الصغيرة، لتتوسع دورة الاستهلاك في مجتمعات الهامش، وتتفاعل الثلاثية الرقمية في المجتمعات التي استوعبت وبكفاءة ملفتة أهمية التمييز بين وجاهة التعليم القديمة، والانغماس الصميم في مجال التعلم غير المقطوع. حتى كان النموذج الآسيوي خير شاهد على استيعاب مضمون التغير والتحول.

imseer@yahoo.com

 

3 - مارس - 2006
تكنولوجيا التعليم.
ابن خلدون والوعي بالتحولات    كن أول من يقيّم

 

الفكر الخلدوني وسياق التحولات

د.إسماعيل نوري الربيعي

كلية الآداب ? قسم العلوم الاجتماعية

 

يكاد اسم ابن خلدون 808 هجري، يمثل قاسما مشتركا، في المجمل من الدراسات العربية الإنسانية الحديثة والمعاصرة، باعتبار طريقة النظر الجديدة التي جاء بها، وحالة النقلة النوعية في مسار الدرس التاريخي الذي أحدثه.حيث الخروج من إسار النقل الذي كان طاغيا على المجمل من الدراسات، ليجعل منه مادة خاضعة للعقل، بل أن المسعى البارز الذي أسس عليه مؤرخنا ، إنما اعتمد فيه على تقديم مجال التجربة، بعد أن كان الدرس التاريخي يدور في فلك الأخبار ومتابعة الأحدث والروايات. وهكذا يتبدى المنهج الخلدوني من خلال العناية بالدرس التاريخي، حيث المسعى نحو البحث العميق في باطن التاريخ، بعد أن كان مقصورا على الظاهر منه.

التاريخ بوصفه منطلقا منهجيا

توجه المؤرخ العربي ، نحو العناية بالخبر، جاعلا منه بمثابة الغاية والهدف الرئيس ، باعتبار البحث عن الحقيقة ومحاولة التثبت من نقل الرواية عبر العناية بسلسلة الإسناد، ومن هذا راح المؤرخ العربي يشدد على طريقة الربط بين الراوي، واعتباره المنطلق والأصل الذي يتم من خلاله تحديد وتوجيه مسار الخبر التاريخي، وفي أحسن الأحوال ، فإن البعض منهم راح يتوسع في دائرة النقل ، في محاولة لتقديم أكثر من وجهة نظر ، ولكن في مسار نقل الرواية، حتى برز الجهد الذي قدمه المؤرخ الطبري 310 هجري، في تقديم أكثر من رواية في مصنفه ، من أجل توسيع مجال التمييز لدى المتلقي، حتى أنه لم يتردد من القول(( كان العلم بما كان من أخبار الماضين وماهو كائن من أنباء الحادثين غير واصل إلى من لم يشاهدهم، ولم يدرك زمانهم، إلا بأخبار المخبرين، ونقل الناقلين، دون الاستمزاج بالعقول)) تاريخ الرسل والملوك ج1 ص6 ،لابد من التوقف هنا عند أهمية التدقيق بين الاتجاهين ، العقل والنقل، فالأمر لا يقوم على مفاضلة مطلقة، أو تبخيس هذا الاتجاه على آخر ، بقدر ما يستند إلى أهمية التوقف عند السياقات التي فرضت أنماط التفكير السائد في حقبة تاريخية محددة ، فالنقل الذي ميز اتجاهات المؤرخ العربي المسلم كان مرتبطا بالعلوم الدينية ، بل أن الكثير من النتاج التاريخي ، إنما حفزته المدارك في سبيل التوجه ، نحو محاولة اللحاق بركب علوم تفسير القرآن الكريم، وهي العلوم النفيسة القدر ، وعليه كان الحرص نحو الضبط والتدقيق والتثبت.

الجهود المعرفية

تواصلت الجهود المعرفية في مجال الدرس التاريخي ، حتى كان مجال التصنيف الذي برع فيه المؤرخ المسعودي 346 هجري، والذي لم يتردد من القول(( فإنا صنفنا في أخبار الزمان، وقدمنا القول في هيئة الأرض... والأمم الدائرة والقرون الخالية، والطوائف البائدة على مر سيرهم في تغير أوقاتهم وتصنيف أعصارهم)) مروج الذهب ج1 ص 9.وهكذا تتضح معالم التنوع والاختلاف في طريقة التناول والتداول للموضوع التاريخي ، والذي لم يكن متوقفا عند مسار محدود ، بقدر ما برزت المحاولات الساعية نحو تثبيت الركائز المعرفية لعلم التاريخ، لكن النقلة الخلدونية تبقى حاضرة باعتبار ، حالة المخاض الذي أبرزته المرحلة التاريخية، حيث النهاية المفجعة التي تعرضت لها حاضرة الخلافة العربية الإسلامية في أعقاب سقوط بغداد على يد المغول عام 656 هجري، حتى كانت المقدمة والتي لم تكن مصنفا تاريخيا يسير على الطريقة المعهودة في تناول الأحداث والمرويات والأخبار ، بقدر ماكانت بمثابة ردة الفعل العقلية بإزاء الشتات والتشظيات والتوزعات والتقسيمات التي راحت تنال من جسد الأمة الإسلامية.

التفسير والتبرير

يعمد المفكر المغربي محمد عابد الجابري إلى وصف المقدمة قائلا(( فليس الشيطان وحده هو الذي يستطيع أن يجد في المقدمة ما يرضيه أو يسخطه، بل أن المؤمن والملحد، والكاهن والمشعوذ، والفيلسوف والمؤرخ، ورجل الاقتصاد ، عالم الاجتماع..... كل أولئك يستطيعون أن يجدوا في المقدمة ما به يبررون أي نوع من التأويل يقترحون لأفكار ابن خلدون)) كتاب العصبية والدولة ص 8،و بالفعل تبرز الظروف التي أحاطت بكتابة المقدمة، والتي صنفها خلال إقامته في قلعة ابن سلامة للفترة 776- 780 هجري. بعد سلسلة طويلة من المغامرات السياسية والمواجهات المحتدمة، بين الحظوة والتقدير والجاه في قصور الأمراء خلال خمس عشرة سنة حيث الحواضر والقصور، وعشر سنوات من حياة البادية، فكانت رؤاه التي عززتها التجربة المباشرة ، إن كان على صعيد المعرفة السياسية المباشرة ، أم على صعيد التجربة والوعي الاجتماعي.حيث حالة التبدل في ظروف المعاش التي نالته في أعقاب نهاية سلطان أمير بجاية على يد هجمات الأعراب ، تلك التي مثلت إشكالية في طريقة تناول ابن خلدون لهذا المصطلح، ، حتى كانت نقمته الشديدة عليهم ، ليحملهم أسباب الخراب وزوال الحضارة.فيما تتبدى منابع التفكير الخلدوني من طريقة دراسته وتلقيه العلوم على يد أساتذته، لا سيما  شيخه وأستاذه الآبلي، الذين غرسوا فيه المدى الموسوعي في التفكير، حيث الاشتغال المتنوع في العلوم الدينية والفلسفية والمنطق والتاريخ.

ما هي السمات الأساسية التي قامت عليها منهجية ابن خلدون،و ما هو الجديد الذي أضافه على المعرفة العلمية العربية، لقد كان التركيز عند البحث العميق عن مصدر الخبر باعتبار التدقيق في الصدق الذي يحمله أو الوهم والخطأ الذي من الممكن أن ينزلق فيه، فكان المسح الأولي الذي استثمره ابن خلدون في ترسيم معالم الموضوعية بإزاء العامل الذاتي، والذي يتبدى في الكثير من الأحوال والأوضاع، إن كان مناصرة لفريق على حساب آخر ، أو محاباة وطمع من أجل الحصول على مكاسب شخصية، أو الخضوع لتأثير الروايات المجزوءة الناقصة التحقيق.حتى أنه لا يتردد عن الإشارة المباشرة إلى أهمية توجه المؤرخ نحو التثبت والتحقق والسعي نحو توسيع المدارك والمعارف، من خلال العرض على الأصول والقياس بالأشباه والبحث عن الحكمة والوعي بطبائع الكائنات، كل هذا جعله بمثابة الموجه نحو القراءة والتحليل ، حيث السعي نحو التجريب والملاحظة المباشرة وتطبيقها على المجتمع الإنساني، واضعا أمامه القياس العقلي في طريقة اختيار الموضوعات ، فالعقل هو الميزان الذي يتم من خلاله تحديد أهمية القضايا والمسائل القابلة للبحث والتنقيب .

imseer@yahoo.com

 

 

 

 

 

29 - أبريل - 2006
تخليدا للذكرى 600 لوفاته
 1  2