إنها حضارة المسلمين جميعهم . كن أول من يقيّم
هناك من يصر على أن الحضارة التي بلغها العالم الإسلامي أيام زمان ، كانت حضارة عربية خالصة ، وأن العرب أسبق من الإسلام وجودا ، فلهذا كان لزاما علينا أن نقدم العرب على الإسلام …؟ فنقول الحضارة العربية الإسلامية . أي بمعني حضارة العرب المسلمين …..؟ وتعميقا للفهم أن كل الإبداعات التي قام بها المسلمون بشتى نحلهم وأعراقهم هي إبداعات وانجازات عربية بحكم اللغة والدين ، إذا يمكن القول بأن الإسلام لا تقوم له قائمة ٍ إلا بالعرب لأن النبي محمد منهم واللغة العربية لغتهم .. هذه اللغة التي تحولت في نظر البعض اٍلى سلالة ، بالرغم من كونها لسان من الألسن ، تعلمتها الأقوام لفهم الإسلام . وتعدد الألسن على مستوى الفرد أو المجتمع له مزايا ، مثل ما أورده الشاعر العراقي صفي الدين الحلي الذي كان كثير الترحال والذي قال : بِقَدْر لُغَاتِ الْمَرْءِ يَكْثُرُ نَفْـعُه ===== =وَتِلْكَ له عِنْدَ الشَّدِائِدِ أَعْوَان فَبَادِرْ إِلَىٰ حِفْظِ اللُّغَاتِ وَفَهْمِهَا ا===== فَكُلُّ لِسَانٍ فِي الْحَقِيْقَةِ إِنْسَان في البداية كان كفار قريش ، وبانتشار الإسلام واتساعه داخل شبه الجزيرة في عهد الرسول وخلفائه كان التطابق واضحا بين الإسلام والعرب ، (المسلم = العربي) أي أن الإسلام في البداية كان دينا قوميا في مقابل قوميات الفرس والرومان …، ثم تراجع بعدها المد العربي باتساع رقعة الإسلام ، وتحولت الهوية العربية إلى هوية ثقافية بفعل لغة الضاد ، ، ثم اتضح فيما بعد أن اللغة وحدها ليست كافية لتحديد ملامح الهوية ، وأصبح التمايز جليا بين العرق ، والدين واللغة ، وغدت المفاهيم أكثر وضوحا ودقة في الأذهان ، فالعربي يقابله التركي والفارسي والقبطي والأمازيغي ، والمسلم يقابله اليهودي والمسيحي والملحد ، ، واللغة العربية تقابلها الانجليزية والفرنسية والصينية …… القاسم المشترك الواحد الموحد هو الإسلام الذي هو مصدر اعتزازنا وفخرنا . الأمر ياسادة فيه إجحاف …؟ لأن العروبة تحمل في طياتها مفاهيم عدة أولها ، الاثنية ( العرقية ) وثانيها اللغة ، وثالثها البعد الهوياتي بأبعاده ومشمولاته المتفرعة . العرب واٍ ن تحملوا عبء الجهاد في الأول ، وكونوا دولة عربية خالصة استندت على ركيزة العصبية ، والجهاد ، والاحتفاظ بالسلطة أيام الأمويين ، اٍلآ أن زمام الأمر أفلت من أيديهم بعد نشوء الدولة العباسية التي قامت على ركائز مغايرة تماما ، إذ أصبح الحكم في أيدي الموالي ، والإبداعات في شتى المجالات كانت لهم ، بعدما حرموا من الوصول إلى السلطة في عهد بني أمية ، فبرع من هؤلاء الموالي العديد في المجال الديني والسياسي والأدبي والعلمي ، ……… أي بعبارة أدق كان منهم البخاري ومسلم ، و ابن سينا ، والخوارزمي ، والإمام مالك، وابو حنيفة النعمان ، و صلاح الدين الأيوبي ، و الظاهر بيبرس ، وابن طولون ، ويوسف بن تاشفين ، وطارق بن زياد وأسد بن الفرات و محمد الفاتح …..الخ……. الخ. ولو أعددتهم جميعا لما سمحت الذاكرة على تخزين أسمائهم ، فما بالك مجهوداتهم التى بذلوها في خدمة الإسلام وبلغة الإسلام . اٍذا قلنا الحضارة العربية الإسلامية فإننا هضمنا حقوقهم في الانتماء إلى أصولهم ، وفتحنا المجال من( حيث ندري أو لا ندري) للعصبيات الأخرى في البروز والظهور ، فمن قائل يقول بأن الحضارة إسلامية فارسية ، وآخر يقول بأنها حضارة إسلامية هندوسية ، وثالث حضارة إسلامية قبطية ، ورابع حضارة إسلامية تركية ، وخامس حضارة إسلامية أمازيغية ، بدعوى أن هذه العصبيات جميعها شاركت بنصيب وافر في بناء صرح هذه الحضارة . والإسلام بمعانيه السمحة سوى (بتشديد الواو) بين الجميع ، ووضع التقوى والإيمان أساس التفاضل بين البشر، فأين لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى؟ ، وأين إن أكرمكم عند الله أتقاكم؟ ، وأين إن العربية ليست لأحدكم بأب ولا أم؟…. ، أين… ؟ أين ..؟ التعقل يفرض علينا أن نعطي للمفاهيم معناها ، وأن نزن الحقوق بمعاييرها الدينية الإسلامية ، وأتذكر في هذا المقام كتاب المستشرقة الألمانية زيغريد هونكة الذي عنونته أساسا ( شمس العرب تسطع على الغرب ) وبعد إفهامها وتفهمها للأمر تحول العنوان إلى (شمس الإسلام تستطع على الغرب ) وشتان من ذا وذاك . المنطق يرجح القول بأن الحضارة التي بلغناها بالأمس( وليس اليوم) هي حضارة بنيت بجهد جميع المسلمين، فارسيهم وعربيهم ، قبطيهم وأمازيغيهم ، تركيهم وزنجيهم ، هنديهم وبنغاليهم …… فالقول أن الحضارة عربية إسلامية قول مردود …. الحقيقة الساطعة أن الحضارة إسلامية والعرب جزء من الأمة الإسلامية ، وليست كل الأمة الإسلامية …. وبدلا من الوقوف على الأطلال والتغني بأمجاد الماضي ، فلنعمل ونكد لاسترجاع ما فاتنا من سبق حضاري ، تداركه يستدعي شد الحزام ، وشحذ الهمم ،وترويض العقل ، لضمان نوع من المواكبة النسبية لعالم متهيج ومتسرع في جميع مناحي الحياة .
|