متابعة الموضوع نبأ الخلق في تاريخ العالم من الميلاد إلى الفناء كن أول من يقيّم كيف نقرأ التاريخ وقد غدت وقائعه بعيدة عنا؟، ولماذا نقرأ التاريخ أصلاً؟، أللمتعة فقط أم لنيل عبرة أم لبناء تصورات تصل الماضي بالحاضر وتتيح تطلعاً أفضل نحو المستقبل؟، هناك من يقرأ التاريخ ويسلّم بالمعطيات التي ساقها المؤرخ ومن يقرأ التاريخ بحذر وتشكك، فالأول يدافع عن التاريخ انطلاقاً من التسليم بكل ما جاء في الكتب، والثاني يقرأه قراءة من يظن أن المؤرخين لم يتصفوا بالموضوعية دائماً وأحياناً ما دوّنوا الوقائع استناداً إلى رغبة الحكام أو خوفاً منهم، فكيف تقرأون كتب التاريخ؟، وهل أنتم مع الأخذ بكل ما جاء فيها أم تنظرون بعين فاحصة ناقدة، وعلى أي أساس تسلمون بالمدونات التاريخية أو تتشكّكون بما جاء فيها؟، إن كتب التاريخ العربي تشكل مصدراً بالغ الثراء لمن يريد أن يبني تصوراً عن علاقة العرب بأنفسهم وعلاقتهم بالعالم، وقد قال ابن الأثير في كامله: يؤسفني جدا أن تستمر الحقيقة في الغياب عن هذه الأمة النائمة، والتي زادها نوما كسلها في التماس عقيدتها الصحيحة مكتفية بما حملته أقلام التحريف على أديم التاريخ، لقد كان المؤرخون الرسميون يصحبون الملوك في حملاتهم ولكنهم لا يبصرون هزائمهم بل يسجلون أو يخترعون من عندهم تفاصيل نصرهم، لأن كتابة التاريخ كانت قد أضحت فنا للزينة والتجمل، وكما قيل عن أكبر سلطان الهند بأنه قد تحلى بمعظم الفضائل ما دام قد استأجر معظم أقلام المؤرخين، فكان خير رياضي وخير فارس وخير محارب بالسيف ومن خيرة المهندسين في فن العمارة وكان كذلك أجمل رجل في البلاد كلها، أما الواقع فإنه كان طويل الذراعين مقوس الساقين ضيق العينين كسائر المنغوليين رأسه يميل نحو اليسار وفي أنفه ثؤلول. والسؤال هو: كيف نقرأ التاريخ؟. كما فعل الطبري عندما قال في مقدمة كتابه: لقد نقلت وعليك أن تنقح أنت، وليس كل ما كتبته كلام صحيح أو خطأ فأنا ناقل فقط، إذاً بقي علينا أن نعرف الصحيح من السقيم إذ لابد أن نضع في اعتبارنا أن المؤرخ الذي سجل لنا التاريخ إنما هو بشر مثلنا يخطئ ويصيب وعرضة للأهواء والمصالح المختلفة، كما أن كل شخص عندما يكتب التاريخ فإنه يكتبه من الوجهة التي يراها هو فقراءة التاريخ يجب أن تكون بعين ناقدة فاحصة، وقبل أن نبدأ كتابنا هذا أرى من الضروري تعريف علم الكلام. ويسمى (الفقه الأكبر)، حيث إن علم الكلام يبحث في الأحكام الأصلية الاعتقادية وعلم الفقه يبحث في الأحكام الفرعية العملية ويرجع إطلاق هذا الاسم إلى عصر أبي حنيفة، وفائدة علم الكلام هو أن يصير الإيمان والتصديق بالأحكام الشرعية متيقناً محكماً لا تزلزله شُبَه المبطلين، وموضوع علم الكلام هو المعلوم حيث يتعلق به إثبات العقائد الدينية، وأما منزلته عند علماء المسلمين فهو من أشرف العلوم لأن موضوعه يدور حول ذات الله وصفاته، ومن الواضح أن شرف كل علم إنما هو تابع لشرف موضوعه، ولا شك أن اهتمام بعض العلماء المشهورين به ومؤلفاتهم الكثيرة في موضوعه شاهد صدق على المكانة الرفيعة التي كان يتمتع بها علم الكلام من قبيل الأشعري والغزالي والفخر الرازي والطوسي... وغيرهم. وبهذا علينا التحقيق والتمحيص في الأحداث التاريخية، فهناك أمور قلما يطرحها الباحثون على بساط البحث وقلما تتعرض للتحقيق والتمحيص، فما هو السر في ذلك وما هو السبب يا ترى؟، وربما نجد أكثر من تفسير لهذه الظاهرة وقد يستهوينا أو لنقل يرضينا أحدها ويرضي غيرنا التفسير الآخر ثم يرضي آخرين تفسير ثالث لها، ولكن يجب أن لا نعجب إذا وجدنا أحياناً أن الحق الذي لا محيص عنه: صحة الأسباب والعلل المطروحة جميعاً دون استثناء، ولكن ذلك يكون بحسب اختلاف المواقع والمواضع وبحسب رؤية الأهداف والاستجابة لما اختلف من الدوافع، ولكي نقترب قليلاً من الإجابة المطلوبة نقول: إنه ربما يكون ذلك لأن بعض الباحثين: 1- لم ير في طرح تلك الأمور فائدة بل رأى أنها أمورٌ جانبية وجزئية ليس لها كبير أثر على الصعيد الواقعي والعملي. 2- أنهم قد تعاملوا معها من موقع الغفلة عن نقاط الضعف أو القوة فيها، فأخرجوها بذلك عن أن تقع في دائرة اهتماماتهم في الشأن العلمي لاعتقادهم أنها من المسلمات أو من الأمور التي تستعصي على البحث لعدم توفر المعطيات الكافية لإثارته بصورة كافية. 3- أن من شأن إثارة بعض الموضوعات أن يخل بالوضع العام حينما يكون سبباً في إحداث قروح عميقة ومؤلمة في جسم الأمة ويزرع فيها بذور الحقد والشقاق، ويتسبب في خلخلة العلاقات ثم في تباين المواقف. 4- هنالك سبب آخر له أيضاً حظ من التواجد على نطاق واسع ولكنه لا يفصح عنه إلا الأقلون، وهو أن بعض الباحثين لا يرى في هذه الموضوعات ما يثير فيه شهيته ولا يجلب له من المنافع مما يسهل عليه معاناة البحث وتحمل مشاقه، بل هو يجد فيها نفسه في مواجهة هجمة شرسة من قبل فئات حاقدة وشريرة وقاسية لن يذوق في حياته معها طعم الراحة بعد أن أقدم على ما أقدم عليه، بل إنها لن تتركه يسلم بجلده دون عقاب أدناه التشهير والتجريح والشنآن إن لم يكن التكفير ثم الاضطهاد والأذى والحرمان. 5- ولكن أستطيع أن أقول: إن إثارة وطرح أمثال هذه الموضوعات على اختلافها على بساط البحث هو الأولى والأجدى حتى ولو فرضها البعض من الأمور الجزئية والجانبية، إذ أن جزئيتها لا تقلل من حساسيتها وأهميتها لاسيما إذا كانت جزءاً من التكوين الفكري، أو تُسهم في وضوح الرؤية العامة التي يفترض فيها أن ترتكز على جزئيات منتشرة ومبثوثة في مختلف المواقع والمواضع، أو أنها على الأقل تفتقر إلى تلك الجزئيات لتصبح أكثر وضوحاً وأوفى تعبيراً وحكاية عما يراد لها أن تعبر أو أن تحكي عنه، ومن جهة ثانية، فإن الاهتمام بالمصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة وعلى حساب العلم والفكر والدين، لهو من الأمور التي يستحسن بالباحث الواعي والرسالي الذي نذر نفسه لخدمة الدين والأمة أن يجعل لها محلاً في تفكيره وأن يفسح لها المجال للتأثير عليه في حركته نحو أهدافه الإنسانية السامية، وهذا بالذات هو ما يبرر لنا رفض أن يكون نأيه بنفسه عن بعض الموضوعات بدافع الجبن والخوف من حدوث السلبيات عليه هو شخصياً. أما الموازنة بين السلبيات التي سوف يتركها طرح الموضوع على السلامة العامة وعلى بنية الأمة ككل، فإنها تصبح ضرورية من أجل تحديد الطرف الأهم في مقابل المهم وهو ما يختلف باختلاف الظروف والأحوال، وعلى وفق ما ينتهي إليه من نتائج في هذا المجال يكون التحرك ثم يكون تسجيل الموقف، ولكن من الضروري تخصيص قسط من الجهد الفكري والعملي باتجاه إيجاد الأجواء والمناخات المناسبة لطرح ومعالجة أكثر الموضوعات حساسية، لأن ذلك هو الخيار الوحيد للأمة التي تريد أن تكون أمة واحدة تتقي ربها وتعبده وحده لا شريك له ولا تعبد أهواءها ولا مصالحها ولا أي شيء آخر إلا الله سبحانه وتعالى، ثم أنه من الأمور الواضحة والبديهية أن كثيراً من حقائق التاريخ قد تعرضت لأنواع من التحريف والتزييف لأهداف مختلفة من سياسية ومذهبية وفئوية وغيرها، ومن الواضح أن تحقيق كل ما يحتاج إلى التحقيق منها أمر يخرج عن حدود طاقة الفرد والأفراد وحتى عن حدود طاقة المئات والألوف منهم، فلا يمكن أن نتوقع ذلك من أي عالم مهما بلغ من العلم والمعرفة وقوة الفكر ودقة الملاحظة وجودة الفهم، خصوصاً إذا كان الموضوع الذي هو محط النظر خارجاً عن دائرة اختصاصه ولا يدخل في دائرة الأولويات في ما هو محط اهتماماته ومعالجاته، وعلى هذا الأساس نستطيع أن نتفهم بعمق ما نجده لدى بعض العلماء من انسياق أحياناً مع ما شاع واشتهر وإن كان خطأ، فيرسلونه إرسال المسلمات اعتماداً منهم على ذيوعه وشهرته إما غفلة عن حقيقة الحال أو للارتكاز الحاصل لديهم من استبعاد أن يكون الواقع يخالف ما هو معروف ومشهور أو يختلف معه، وذلك لا يخدش في عالمية ذلك العالم ولا يقلل من أهمية الدور الذي قام به ولا من قيمة النتاج العلمي الذي قدمه للأجيال وللأمة، أما إذا كان الخطأ الفاحش أو غيره قد وقع منه فيما يفترض أنه خبير وبصير فيه، فإن المؤاخذة له حينئذ تكون مقبولة ومعقولة ولها ما يبررها، ثم هي تكون والحالة هذه مؤثرة ومفيدة في تلمّس الموقع الحقيقي والمناسب لشخصيته العلمية والفكرية في مجال التقييم والتقويم، كتأثيرها في إعطاء الانطباع المقبول والمشروع عن القيمة الحقيقية لما قدمه من نتاج لاسيما في مجال اختصاصه، هذا مع الالتفات إلى أن إصابة الواقع في كل كبيرة وصغيرة أمر يكاد يلحق بالممتنعات إلا لمن أوقفه الله تعالى على غيبه، وليس ذلك إلا من ارتضى سبحانه من رسول ثم من آثرهم الرسول بما علمه الله إياه، وفقنا الله للعلم وللعمل الصالح وهدانا إلى صراطه المستقيم والحمد لله رب العالمين. أكثر من تحتفظ الذاكرة بأسمائهم من بين أولئك العلماء هم المؤرخون، لأننا مدينون لهم بما نعرفه عن تلك الحضارة التي لولاها لظلت غامضة غموض حضارة مصر الفرعونية قبل شمبليون، وخير ما يقال عن هؤلاء المؤرخين أنهم يفوقون غيرهم في اتساع دائرة جهودهم ونواحي نشاطهم واهتمامهم وأنهم يربطون الجغرافية بالتاريخ ربطاً موفقاً صحيحاً، وأنهم لا يفوتهم شيء مما يتصل ببني الإنسان وأنهم يعلون علواً كبيراً على معاصريهم في العالم المسيحي، ولكنهم مع هذا كله كثيراً ما يضلون في دياجير السياسة والحرب والبلاغة اللفظية وقلما يعنون ببحث العلل الاقتصادية والاجتماعية والنفسانية التي تتحكم في الحوادث، وإن مجلداتهم الضخمة لتعزوها الطريقة البنائية المنتظمة فلسنا نجد فيها إلا أكداساً من حقائق غير مرتبطة ولا متناسقة عن الأمم والحادثات والشخصيات، وهم لا يرقون إلى مستوى بحث المصادر بحثاً دقيقاً نزيهاً، ولشدة تقواهم وتمسكهم بالدين كانوا يعتمدون اعتماداً كبيراً على الإجماع وتسلسل الروايات تسلسلاً قد تكون مصدره حلقة من حلقاته خاطئة أو مخادعة، ومن أجل هذا تهبط قصتهم في بعض الأحيان إلى مستوى أقاصيص الأطفال وتمتلئ بالنذر وأخبار المعجزات وبالأساطير، وكما أن في وسع كثيرين من المؤرخين المسيحيين أن يكتبوا تاريخ العصور الوسطى بحيث يجعلون الحضارة الإسلامية كلها ذيلاً موجزاً للحروب الصليبية، كذلك اقتضب كثيرون من المؤرخين المسلمين تاريخ العالم قبل الإسلام فجعلوه كله يدور حول الاستعداد لرسالة النبي محمد (ص)، على أننا نعود فنسأل أنفسنا: كيف يستطيع العقل الغربي أن يصدر على الشرق حكماً صحيحاً نزيهاً؟. إن اللغة العربية تفقد جمالها في الترجمة كما تفقد الزهرة جمالها إذا انتزعت من شجرتها، وإن الموضوعات التي تمتلئ بها صحائف المؤرخين المسلمين وهي التي تبدو ذات روعة وجمال لبني أوطانهم لتبدو مملة خالية من المتعة الطبيعية للقراء من أهل الغرب، الذين لم يدركوا حتى الآن أن الصلات الاقتصادية بين الشعوب واعتماد بعضها على بعض يتطلبان أن يدرس كلاهما الآخر ويفهمه حق الفهم، ولا يخفى ما للمنهج المتبع في التأريخ لموضوع معين من أهمية بالنسبة لبنية البحث وعلميته ومصداقية نتائجه، وغايتنا هي تقديم وصف تحليلي لنشأة وتطور مناهج تدوين العرب والأمم الأخرى لتاريخهم، فالعرب مثلاً بدؤوا بالرواية الشفوية في الجاهلية وصدر الإسلام وانتقالا إلى التدوين منذ سيرة ابن إسحاق عام 768م وصولا إلى ابن خلدون عام 1406م مؤسس المنهاج الحديث لتدوين التاريخ، ولا بد في البداية من التذكر بأن مهد العرب هو شبه الجزيرة العربية التي فرضت بيئة شمالها الصحراوي على عرب الشمال نظاماً بدوياً قبلياً غلب عليه الترحال، وأدت بيئة جنوبها الممطر إلى قيام دويلات إقطاعية معتمدة على الزراعة والتجارة لم تلبث أن تقهقرت وخضعت للشمال وانطبعت بطابعه البدوي القبلي، ومع أن عرب الجاهلية كانوا غير منقطعين عن الحضارات المجاورة إلا أن صلاتهم معها كانت في حدود ضيقة وكذلك تأثرهم بها وفي الوقت ذاته كانوا أميين في معظمهم، ومع أن الكتابة كانت معروفة لدى بعضهم إلا أن أدواتها المتاحة لم تكن تشجع على استعمالها، وخير دليل على ذلك كيفية كتابة القرآن الكريم على رقائق العظام والحجارة وسعف النخيل، وأيضاً فإن الشعر الذي هو ديوان العرب وموضوع فخرهم واعتزازهم ظل يجري تداوله مشافهة، فلا نجد راويا ثقة يزعم أن شاعرا في الجاهلية ألقى قصيدة من صحيفة مدونة، وظلت هذه الأحوال سائدة إلى أواخر العصر الأموي عندما بدأت فكرة التدوين تسلك طريقها في تسجيل غزوات الرسول (ص) وأحاديثه وفي تدوين بعض الأخبار التاريخية، إذن فإن العرب قبل الإسلام لم يؤرخوا لأحداث أيامهم ومجتمعاتهم وإنما كانوا يتداولون الأشعار والأخبار والقصص والأساطير شفويا في مجالسهم وملتقياتهم دون فحص أو تدقيق، وبهذا يلزمنا أن نعرف بأن تاريخ العرب سواء كان قبل الإسلام أو بعده أي بعيد ظهوره هو من الصعوبة بمكان، والسبب في ذلك يرجع إلى عدة أسباب نذكر منها تأخر التدوين عند المسلمين الأول والالتباس في التدوين، وما يهمنا أكثر هو التعرف على أسباب الالتباس في التدوين عند المسلمين ويمكننا تلخيصها فيما يلي: الخط العربي كان الخط العربي يكتب أولاً بلا نقط، ولم يكن عندهم ما يميز بين الباء والتاء والثاء أو بين الجيم والحاء والخاء أو بين السين والشين ...إلخ، فيكتبون بلقيس مثلاً حروفاً بلا نقط فتقرأ بلفيس أو يلقيس أو تلفيس أو بلفيش ...الخ، وقس عليه ما تختلف به قراءتها بنقل النقط واختلاف مواضعها فوقع بسبب ذلك التباس في قراءة الأسماء، وظهر أثره في اختلاف المؤرخين والنسابين في أسماء الأشخاص والقبائل والأماكن، فمن أمثلة ذلك أن ابن خلدون يسمى أحد ملوك حمير أفريقش والمسعودى وأبو الفداء يسميانه أفريقس، وابن خلدون يقول الملطاط والمسعودى الملظاظ وابن خلدون يسمى والد بلقيس أليشرح والطبري يسميه ايليشرح وابن الأثير أبليشرح ...الخ. ولا يخفى أن هذا الخلل قد يتطرق إلى الأفعال والأسماء المشتقة فيغير المعاني ويبدلها، ويقال أن أول من كتب العربية إسماعيل عليه السلام، وقيل أول من كتب بالعربية من قريش حرب بن أمية بن عبد شمس أخذها من بلاد الحيرة عن رجل يقال له أسلم بن سدرة وسأله ممن اقتبستها فقال: من واضعها رجل يقال له مرامر بن مروة وهو رجل من أهل الأنبار، فأصل الكتابة في العرب من الأنبار وقد قال الهيثم بن عدي: قد كان لحمير كتابة يسمونها المسند وهي حروف متصلة غير منفصلة وكانوا يمنعون العامة من تعلمها، وجميع كتابات الناس تنتهي إلى اثني عشر صنفا وهي: العربية والحميرية واليونانية والفارسية والرومانية والعبرانية والرومية والقبطية والبربرية والهندية والأندلسية والصينية، وقد اندرس كثير منها فقل من يعرف شيئا منها. تناقل الخبر من أسباب الخلل في أخبار العرب تناقل الخبر أجيالاً على ألسنة بغير تدوين أو ضبط فيتعرض للتحريف، وذلك يشبه ما يحدث لبعض الأمم التي لا تكتب كالإسكيمو مثلاً فإنهم يصفون الرجل الإنجليزي بأبلغ من وصف العرب عاداً وأبناءه فيقولون: أنه عظيم الهامة له أجنحة، إذا نظر إلى رجل قتله بنظره، وأنه يبتلع كلب الماء لقمة واحدة، فهذه المبالغة لا تنفى وجود الإنجليز ولكنها تدل على قوتهم وشدة بطشهم فقس على ذلك مبالغات العرب. أما القبائل الساذجة التي تعيش معظم حياتها عيشاً معتزلاً بالنسبة إلى سواها، وتنعم بالسعادة التي تنجم عن جهل الإنسان بتاريخه الماضي فلا تحسّ بالحاجة إلى الكتابة إلا قليلاً، ولقد قويت ذاكراتهم بسبب انعدام المخطوطات التي تساعدهم على حفظ ما يريدون الاحتفاظ به، فتراهم يحفظون ويَعُون ثم ينقلون ما حفظوه وما وَعَوه إلى أبنائهم بتسميعهم إياه، وإنما هم يحفظون ويعون ويُسَمعون كل ما يرونه هاماً في الاحتفاظ بحوادث تاريخهم وفي نقل تراثهم الثقافي، ولا شك أن اختراع الكتابة قد صادف معارضة طويلة من قبل رجال الدين على اعتبار أنها في الأرجح ستؤدي إلى هدم الأخلاق وتدهور الإنسان، فتروي أسطورة مصرية إنه لما كشف الإله تحوت للملك تحاموس عن فن الكتابة، أبى الملك الطيب أن يتلقى هذا الفن لأنه يهدم المدنية هدماً وقال في ذلك: إن الأطفال والشبان الذين كانوا حتى الآن يُرغَمون على بذل جهدهم كله في حفظ ما يتعلمونه ووعيه، لن يبذلوا مثل هذا الجهد إذا ما دخلت الكتابة ولن يروا أنفسهم في حاجة إلى تدريب ذاكراتهم. نسبة الحادثة إلى غير صاحبها من أسباب التعقيد والالتباس نسبة الحادثة إلى غير صاحبها فإذا أشتهر رجل بمنقبة نسبوا إليه كل ما ينطوي تحت تلك المنقبة، فالفاتح ينسبون إليه كل فتح عظيم والحكيم يوردون عنه كل حكمة كما ينسبون كل بناء إلى سليمان أو ذي القرنين، وكما يقولون العمرين ويقصدون بذلك عمر بن الخطاب وأبو بكر الصديق وذلك لاشتهار عمر أكثر من أبي بكر، وينبغي الانتباه إلى ذلك في تحقيق الحوادث. |