كلمة لابدّ منها كن أول من يقيّم
كانت بداية معرفتي بالشاعر المبدع زهير ظاظا من خلال نافذته نوادر النصوص. قرأتها وقتها كلها تقريبا وذلك في جلسة واحدة. عرفته من خلالها باحثا مدققا، وموسوعيّا بامتياز،
وأديبا في ذوقه واختياره الرفيع. ثم دخلتُ الى مجالس الوراق، فوقعت عيني على موضوع الاستاذ الصديق الحميم والاديب الرائع عبد الرؤوف النويهي عن محنة الفلسفة عندنا، وغياب الفلاسفة.
وكانت السيّدة ضياء هي القمرالذي بدأنا ندور حوله وزهير يمطرنا بعطر قصائده، ممعنا بالقصد في جعلنا نرقص طربا على وتره الشعري الشجي. وهنا كانت معرفتي مرة أخرى بالاستاذ زهير،
لكن هذه المرة كونه شاعرا كبيرا لايشق له غبار، ولا يجاريه إلا القلة من المبدعين في هذا المضمار. |
كنتُ قد تبتُ منذ عشرين عاما أو يزيد عن اقتراف الشعر، لكن زهير وكما عهدناه، حرّك الراكد من البركة وأطاح بدواعي ذلك الغياب الطويل، وظهرت لي أول قصيدة على الوراق في مجلس الفلسفة،
وتجاوب معها مبدع ضياء نامه. وتراشقنا بالشعر حبّا واخاءا. وكان السبق له في كل مرة دون منازع. ولعل ثاني قصائدي لم تكن حميدة، حيث لم تهتدي لسبيلها وشطّت بها الدلالة الى مرمى لم يكن
هدفي على الاطلاق. ومن لطفه كانت( سعد السعود)
ليعود ماء الوصل iiمتصلا |
|
وتـعود ريمة تكسر iiالطبقا |
وضياء تضحك في دخيلتها |
|
انّـا كـلانـا نجهل iiالافقا |
كان زهير قد بدأ يتسائل عن هذا الطارق على حين غفلة. مايؤسفني ان كثيرا من رسائل زهير لم تصلني في باديء الامر. ذهبت أدراج الرياح. لعلها تضمنت حينها هذ السؤال:
من أنت ؟ صديق قديم دخل الوراق بقناع شاعر وثوب ناثر ساخر؟ من الحجّي في ( بكاء على القبور وضحك على الانساب)؟ كان فيه الكثير من زهير دون أن أعلم. هل تخاطرنا من قبل وهل تؤمن
بالتخاطر أستاذ زهير. بل الاعجب من ذلك انني كتبتُ مرة في زاوية الصور :
هـا أنـا ذا أجلس في iiجبتي |
|
مـستغرق التفكير في عمّتي |
هـل نـسي السعدي تعليقها |
|
عـلى بقايا الشيب من iiلمّتي |
عـشـر مضت أجمعا iiمتعبا |
|
من السنين البيض في راحتي |
ثـم ثـمـان بـعدها iiأقبلت |
|
لـكـنـها ماقصّرت iiقامتي |
لأرى بعد أيام صورة زهير في الجبة والعمة. كانت دهشتي حقا كبيرة لا لاني هتكتُ الستور والحجب وقرأتُ طالع زهير من غير كفّ ولا فنجان،
بل لاني كنتُ مأخوذا بهذه الصفات التي لاتجتمع في شخص انسان، ولو اجتمعت لظهر فيها النشوز والنتوء والتنافر، ولجار بعضها على البعض الآخر بالزيادة والنقصان.
وما علق في الذاكرة عن الشاعر والاديب والباحث زهير ظاظا يبقى دون ما علق في القلب، واستقرّ في الوجدان، وحفظه الضمير.
|