البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات محمد جميل جانودي

 1  2 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
حول مدحت باشا    كن أول من يقيّم

بسم الله الرحمن الرحيم . قال تعالى: ((ولا تقف ما ليس لك به علمٌ إن السّمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسؤولاً)). إن أي مسلمٍ يريد أن يحكم على قضية من القضايا، عليه أن يضع نصب عينيه الآية الكريمة السابقة، وفيما يتعلّق بمدحت باشا فعلينا أن نتحرى المصادر التي يُتوخى فيها الصدق والحق قدر المُستطاع، وعلينا أن لا نستقي معلوماتنا من مصادر لُدغنا منها أكثر من مرة.. وأقصد تلك التي كتبها بعض الفرنجة بقصد قلب الحقائق لتلميع محبوبيهم أو النيل من مبغوضيهم. وإنني أنصح في هذا الشأن قراءة كتاب" السلطان عبد الحميد" لمحمد أورخان، فَربما يكون المؤلف قد ألقى فيه الضوء على مدحت باشا.وهناك كتب أخرى يمكن الاستئناس بها في هذا المجال.. مثل كتاب " صحوة الرجل المريض" لموفق بني مرجة، وكتاب عن تاريخ الدولة العثمانية لإسماعيل آغي.والله الموفق.

18 - مارس - 2009
مدحت باشا أبو الأحرار
كتاب المعجزة العددية في القرآن الكريم    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد: فاستكمالاً للبحث أود أن أشير إلى كتاب قيم ألفه الأستاذ صدقي البيك وسماه "المعجزة العددية في القرآن الكريم". فصل فيه كثيرًا من الأمور المرتبطة بالبحث، وقام بنفسه بالعد التقليدي للكلمات بعيدًا عن استخدام الحاسوب، وحصل على نتائج ذات أهمية، وفند فيه  بعض التمحلات التي كان محمد رشاد خليفة قد افتعلها في بعض حالات العد ليحقق ما يدعو إليه، وقد ذكر لي الأستاذ صدقي أنه راسل الدكتور محمد رشاد خليفة، وبين له ما أخطأ فيه. وأن الرجل قد أرسل إليه كتابه الذي ألفه ليطلع عليه. ومن جملة الأمور التي انتقده فيها أن رشاد خليفة قد تمحل في عدد كلمات "الله" الواردة في البسملة ليجعل من ذلك العدد مضاعفًا للعدد 19، فرد عليه بقوله: إن كلمة"الله" في البسملة مرققة، وإن عدد كلمات "الله" المرققة في القرآن هو من مضاعفات العدد 19، وهذا قد يجعل المرء يفهم سر قراءة الهاء مضمومةً في الآية " بما عاهد عليهُ الله.." في سورة الفتح، خلافاً لما هو مألوف (بكسر الهاء)، فلو كانت الهاء مكسورة لرققت كلمة "الله" ولزاد العدد واحدًا وما أصبح من مضاعفات العدد 19. كما ذكر أمورًا أخرى جديرة بالقراءة والتدقيق.
أما من مجهة كون الاهتمام بهذا النوع من الإعجاز يصرف الناس عن الهدف الأول للقرآن وهو الإرشاد والهداية والتوجيه.. فما أحسب أن ذلك كائن، فلا يتعارض هذا مع ذاك.. فالذين يغوصون  في علوم أعماق البحار، والفضاء، وغير ذلك بقصد النظر في ملكوت الله والاطلاع على أسرار آيات الله المنظورة والمبثوثة في أرجاء الكون ما أحسب أن أحدًا يجوز له أن يتهمهم بأنهم يضيعون وقتهم في ذلك وأنهم بعملهم ذاك ينصرفون عن الاهتمام بأحكام القرآن وتوجيهاته،على ألا يشغلهم عملهم عن أداء ما أوجب الله عليهم. ويضبط كل تصرف للمرء قول الرسول صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" إضافة إلى ذلك نقول: إن اهتمام البهائيين بالعدد 19 وتقديسه، لا يعني أن كل من يبحث فيه وبعلاقته بحقيقة ما يكون متأثرًا بهم، أو معرّضًا لأن ينجرف في انحرافات لهم.. فهل إيمان فئة ما من الناس، عندها انحراف ما، بأن الصدق فضيلة يكون مبررًا لأن يبتعد المرء عن اعتقاد حقيقة "الصدق فضيلة" كي لا يُتهم بأنه ممالئ لتلك الفئة أو يسير في هواها، وعلى كل فإن الحذر مطلوب، فإن أعداء الحق كثيرًا ما يمزجزن السم بالدسم ليصلوا إلى بغيتهم.  نسأل الله تعالى أن يبصرنا بالحق ويجعلنا من أتباعه، وأن يجعلنا ممن يتدبر آيات القرآن الكريم ويعيننا على العمل بمقتضاها. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

17 - يونيو - 2009
من الإعجاز العددي في القرآن الكريم
لا إفراط ولا تفريط    ( من قبل 5 أعضاء )    قيّم

بسم الله الرحمن الرحيم، مما لا يختلف عليه اثنان أن " لا إكراه في الدين"، فالمرء حر باختيار دينه... واختيار دين ما هو عقد بين الشخص نفسه وصاحب الدين.. ومن يختاره فعليه الالتزام ببنود هذا العقد، وفي الإسلام بنود عديدة تلزم من اختاره أن يتقيد بها، وفي حال مخالفتها يترتب على المخالف والمخل أمور بعضها يُنفذ في الدنيا، وبعضها بين يدي رب العالمين يوم العرض.. فمثلاً هناك بند يقول: السرقة ممنوعة ومحرمة ومن فعلها تُقطع يده في الدنيا وذلك ضمن حيثيات وشروط استنبطها أهل الذكر من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم. فليس لمن اختار الإسلام بكل طواعية دينًا له أن يأتي ويقول: أنا لا أرضى بهذا العقاب، أو إنه عقاب جائر.. كما أنه ليس لكل ذي لب أن يقول : إن فلانًا ( الذي اختار الإسلام) والذي سرق"مثلاً" غير مخل ببنود العقد المبرم بينه وبين الله.. وهو حر..وقس على ذلك... والآن يُطرح سؤال مهم لكل من رضي الإسلام واختاره رضًى من أعماق النّفس، تُرى هل يجوز له أن يمر مرور الكرام على من يقول: إن النص القرآني بشري، أو آن الأوان للثورة عليه، وأنه منتج ثقافي... قد يُقبل الأمر فيما لو كان الحديث عن فهم البشر للنص..  وذكر الأسماء غير مهم، وإنما من حيث الأصل يُقال لمن يقول ذلك أنتَ أخطأت خطأً فادحًا وكبيرًا ونسفت أهم بند من بنود العقد الذي توجب عليك الالتزام به حين اخترت الإسلام... وقول أي شخص عنه بما قال القرآن عن مثل من يقول ذلك لايعتبر ظلمًا أو جورًا أو انغلاقًا في الفكر... والكلام نفسه عن الذي يقول عن الإيمان بالغيب إنه ضرب من العمل الخرافي أو الأسطوري.. والقرآن يمتدح المؤمنين بقوله: "الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة... " فالله يثني ويمدح من يؤمن بالغيب وفلان من الناس يذم ويقدح.. وقائل ذلك، بداية، يقول عن نفسه إنه اختار الإسلام دينًا .. فعجيب ذلك.. وهل يلام الناس العقلاء مسلمين أو غير مسلمين أن يشيروا إلى التناقض الفاضح لديه...؟ القضية ليست قضية اتهام أو تزمت أو تحجر في العقل وقصور في التفكير... وإلا فليتفضل أصحاب النهى والعقول الفذة وليحلّوا لنا العقدة... بعيدًا عن الأسماء والأشخاص.. فلنتفق في البداية على طريقة التعامل مع أمثال هذه الأمور.. وبعد ذلك يكون الإسقاط على الأشخاص منوطًا بالأشخاص أنفسهم حين يعلنون؛ وعلى الملأ، نقضهم لبنود العقد (أو بعضها) المبرم بينهم وبين الإسلام.. ومن مظاهر احترام الشخص أن تناديه بأحب الأسماء إليه، وأن تصفه بما وصف هو نفسه... فهل يريد المنافحون عن أصحاب تلك المقولات ومحبوهم ألا يُحترموا بعدم مناداتهم بأحب الأسماء إليهم وعدم وصفهم بما هم وصفوا أنفسهم به... اللهم أرنا الحق حقّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، وارزقنا الشجاعة على قول الحق ولو على أخص ما يخصنا.. فالحق أحق أن يُقال.. اللهم اغفر لنا ولجميع الذين عملوا السوء بجهالة ولم يُصروا على ما فعلوا، إنك أنت الغفور الرحيم.  

12 - يوليو - 2010
ساعة الفجر الحزينة
تحية لأخي الدكتور يحيى...    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

رأي الوراق :

بسم الله الرحمن الرحيم: أخي الدكتور يحيى، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأشكرك على كلماتك الرقيقة ودعائك الخيّر، وأقول " ولك مثل ذلك". أخي الفاضل كلنا يبحث عن أن يطمئن قلبه على كل ما يشغل باله، أكان ذلك سلبيًا أم إيجابيًا.. وجزاك الله خيرًا على ما بذلت من جهد حين قدّمت شرح الآية الخاصة باطمئنان قلب النبي إبراهيم عليه السلام، نحويًا وبلاغيًا ..
أخي الفاضل: لم يتطرق تعليقي على ما سبقه من تعليقات وكلام إلى ذكر اسم معين ولا حتى لقب.. وإنما كان على ما قيل أو يقال بغض النظر عن قائله.. وكل ما دار تعليقي حوله حول انتقاد الأقوال والعبارات والمفاهيم التي وردت حول القرآن وعلم الغيب.. وإن مطالبتك لي بإبراز الكتب أو المراجع التي وردت فيها تلك الأقوال تتضمن اعتراضك على تلك الأقوال وكأنك تتحدى من أن يكون ما قد قيل؛ قد قاله مَن توَجَّه إليه التهم.. وتكون بذلك قد نلت أجر الذب عن مسلم بريءٍ مما نُسب إليه. وكم كنت سأفرح ويبرد صدري لو أني قرأت في تعليقات من هم معجبون بالمرحوم لمعرفتهم به عن قرب أن يُضمنوا تعليقاتهم نفيًا قطعيًا وواضحًا مدعمًا بالأدلة من أن الرجل لم يقل بما ذكر عنه الدكتور عبد الصبور شاهين( حسب ما ذكر) ويقولون بملء أفواههم له ولمن يتهم.. لا ... وألف لا.. دلونا على المجلس الذي تحدث فيه الرجل ما تقولون أنه قاله، أو أرونا الكتاب الذي ألّفه ويقول فيه ما تدّعون... بل على العكس إن بعضهم أورد ما يدل على صحة ما نسب إليه فمثلاً خذ العبارة " لقد طالب أبوزيد بالتحرر من سلطـة النصوص وأولهـا القرآن الكريم الذي قال عنه : القرآن هو النص الأول والمركزي في الثقافة [3] لقد صار القرآن هو نص بألف ولام العهد[4] وقال أيضاً: "هو النص المهيمن والمسيطر في الثقافة" [4] وقال : "فالنص نفسه - القرآن - يؤسس ذاته دينًا وتراثًا في الوقت نفسه [5] وقال مطالبًا بالتحرر من هيمنة القرآن : " وقد آن أوان المراجعة والانتقال إلى مرحلة التحرر لا من سلطة النصوص وحدها، بل من كل سلطة تعوق مسيرة الإنسان في عالمنا، علينا أن نقوم بهذا الآن وفورًا قبل أن يجرفنا الطوفان [6]
أقول مناقشًا بعض القول وليس من نُسب إليه: تُرى أي نص يريده القائل أن يكون مهيمنًا في الثقافة إن لم يكن القرآن الكريم الذي يقول عنه ربنا سبحانه وتعالى: " الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا" فهل يجرؤ أحد أن يقول: إن هناك نصّا بشريًا ليس فيه عوج.. حتى نقول: هيمِنْ يا أيها النص في الثقافة بدلاً من القرآن؟وأنت رائدنا في ذلك... وهل يتفق ذلك مع ما نتلوه صباح مساء من أيات قرآنية قالها الله عز وجل حول عدم وجود خلل أو خطأ أو اختلاف في القرآن.. وهل يتفق ذلك مع الآية الكريمة: " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم"
أخي الدكتور يحيى، ليس من منهجي أن أتهم شخصًا باسمه وبعينه، بل إنني أحسن الظن في كل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله وقبِل الإسلام دينًا وأقرَ بجميع ما جاء به... فالتألي على الله كبيرة من الكبائر... وأنا أشكرك أن أضأت أمامي مصباحًا يشير إلى أن العبارات: القرآن منتج ثقافي ... والإيمان بالغيب نوع من الخرافة.. وأن ليس للنص القرآني سلطة مطلقة.. ليس صحيحًا نسبتها إلى من نُسبت إليه.. وآمل أن أسمع وأقرأ عمن يعرف الحق الأبلج أن يهتف ويقول: لا.. لم يقل فلان ما تنسبون إليه... " قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين".
بقيت ملحوظة صغيرة أريد أن أشير إليها وهي أنه حتى الكتب والمراجع وأشرطة التسجيل الصوتية لا تصلح في عصر التقنية العالية أن تثبت أو تنفي قولاً.. ولكن يُستأنس بها فقط من غير أن يترتب على ذلك الاستئناس أي تجريح أو أذى ريثما يتم التأكد من الأمر كفلق الصبح.. ومن يدري فرب متهم وهو بريء يريد الله أن يرفع مقامه عنده ويكثر من حسناته.. شكرًا لأخي الدكتور يحيى وثبته على الحق وصرفه عن الباطل وصرف الباطل عنه. ولجميع من يراقب الله في كل قول أو عمل.
_______
وأهلا بك في سراة الوراق أستاذ (محمد جميل) يسرني أن تتقبل دعوتي للمشاركة الدائمة في مجالسنا، وتتضمن ميزة (سراة الوراق) النشر الفوري، في هذه المجالس (بلا مراقبة تذكر) كما تقتضي أن تقوموا بإضافة نبذة عن سيرتكم العلمية في الزاوية المخصصة لذلك في صفحة اشتراككم وشكرا.                                 المشرف

14 - يوليو - 2010
ساعة الفجر الحزينة
شكر     ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

أخي المشرف، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد فإنه مما يسعد نفسي، ويسر فؤادي أن أقرأ كلماتك اللطيفة والمعبرة عن كثير من المعاني النبيلة... ويسعدني أيضًا أن أشارك معكم في كل ما يعود بالنفع والخير للناس أجمعين... والسلام عليكم.

16 - يوليو - 2010
ساعة الفجر الحزينة
النص الموحى من الله هو المقدس.     ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

بسم الله الرحمن الرحيم. ليس جديدًا عند المسلمين أن يميزوا بين الثابت الذي له قداسته وهي دائمًا في مصلحة الخلق، وبين المتحول الذي هو نتاج بشري كفهم النص المقدس.. فهاهوالصحابي الجليل الحباب بن المنذر يقف أمام الرسول صلى الله عليه وسلم مستفسرًا منه عن الموقع الذي نزل فيه الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في غزوة بدر حين سأله: هذا المنزل؛ أمنزل أنزلكه الله فيه لا نتقدم عنه ولا نتأخر أم هو الحرب والمكيدة؟ فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: بل هو الحرب والمكيدة..فقال الحباب: إنه ليس بمنزل.. وأشار إليه بمكان آخر فتحوّل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ذلك المكان الذي ذكره الحباب.. ولو أننا راجعنا جميع كتب التفسير وشروح الأحاديث لوجدنا أن النص يُميز عن الشرح فإما أنه يوضع بين قوسين أو على هامش الصفحة أو في وسطها.. والشروح البشرية تكون واضحة بأسلوبها وسياقاتها.. ويبرز عدم قداستها ما تتضمنه من كثير من العبارات كـ "قيل" و" يُرجح" و" ذكروا" وأحيانًا مخالفتها للعقل مخالفة لا يمكن قبولها مهما أجري عليها من تفسيرات وتأويلات، وفي حقيقة الأمر لو دققنا فيها لوجدنا أنها مخالفة لنص أو أكثر.. وليس على المتدبر الحصيف إلا أن يتمعن النصوص ليجد تلك المخالفة.. هذا يعني أنه لا يوجد في الإسلام مسلم يحترم انتماءه لهذا الدين يُضفي صفة القداسة المطلقة على بشر أيا كان هذا البشر.. فهذا الإمام مالك حين يقف على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم في إحدى زياراته له يقول: " ما من أحد يُؤخذ منه ويُرد عليه إلا صاحب هذا المقام" وأشار إلى قبره الشريف صلى الله عليه وسلم... ومن هنا قرر الأصوليون من علماء الأمة أن العصمة هي فقط للأنبياء وفيما يوحى إليهم .. وأما البشر فهم غير معصومين فكلامهم، منه ما يُقبل ويُعمل به، ومنه ما يُرد ويُنحّى جانبًا...ولنأخذ على سبيل المثال أيضًا قصة موسى عليه الصلاة والسلام مع الرجل الصالح حين التقى به حسب موعد حدده الله سبحانه وتعالى بينهما.. وشاهد موسى بأم عينه، القصص الثلاث التي حيرته .. وأخذ يسأل موسى عنها وبعد أن أعلمه الرجل الصالح بحقيقة كل منها قال له: " وما فعلتُه عَنْ أمري" فكي يقطع دابر الشكوك والتساؤلات المريبة حسم الأمر بقوله ذاك.. وكأنه يقول لموسى: ياموسى إياك أن تظن أن ذلك من عندي.. لا .. بل هو بأمر ربي.. فسلّم به واقبْله واطمئنّ له.. وهذا الكلام صادر ممن؟ ممن قال عنه الله سبحانه وتعالى " فوجدا عبدًا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلّمناه من لدنا عِلما" فإذا كان حال الذي عِلْمُه من لدن ربه يضع في حسبانه أنه يمكن لموسى أن يتردد في قبول ما ذكر له فيبادر على الفور بقول"وما فعلته عن أمري" أفيليق بالآخرين الذين لم يُزكهم الله تعالى بمثل تلك التزكية السامية أن يضفوا على أقوالهم صفة القداسة،كما أنه لا يليق بغيرهم أن يمنحوهم ذلك...  فلست أدري من أين جاءت فكرة أن للنص البشري قداسة  موجودة لدى المسلمين.. اللهم إلا إذا ظهر شخص ما، يريد أن يدلس على الآخرين في زحمة الأفكار والجدل ويقول ذلك حتى إذا ما اقتنع الناس بصحة كلامه الذي يقول فيه: إن المسلمين يُنزلون أقوال البشر منزلة النصوص وعلينا أن نرفع القداسة عن ذلك.. وهذا لا غبار عليه، ولكنه هو يعتبرها خطوة تمهيدية ليعوّد العقول على قبول إسقاط القداسة عن أقوال البشر ومن ثمّ ينتقل بعد ذلك إلى مرحلة أخرى فيسقطها عن النص ذاته..كأن يقول: ليس للنص القرآني سلطة مطلقة، ولا ينبغي أن يكون له هيمنة في الثقافة.. " وهكذا يُستمرأ هذا القول، عند فئة من الناس لم يعرفوا طبيعة هذا الدين، والتمييز بين قول الله ووحيه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه وبين قول زيد أو عمرو من الناس.. فيأتي بالتدرج ليجعلَهم يقبلون بما سبق من منكر القول.. ومن الجدير التنويه إلى أن العلماء رحمهم الله قد اجتهدوا في كثير من الأمور.. وأصابوا في جل اجتهاداتهم، فليس معنى ما ذكر سابقًا أن يُرفض كل ما لديهم بحجة أنه قول بشر.. بل الميزان هو الوحي والعقل..وبهما يصل الناس إلى شاطئء الأمان حين يجدون أنفسهم في بحر متلاطم من أمواج عاتية من الأفكار المتباينة والمختلطة وإن كان بعضها بحسن نية وبعضها الآخر بخلاف ذلك.. وما أجمل أن نتذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم " إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد عليها أمر دينها " وبهذا الحديث قطعت جهيزة قول كل خطيب.. فالتجديد في فهم النص واستنباط الأحكام منه بما يلائم عصر المجدد..وليس في النص ذاته.. فالنص محفوظ بحفظ الله له مهما حاول الآخرون الاقتراب منه اقتراب إلغاء أو تحريف فسيحترقون بنور ذلك الحفظ ..فبالله أليس من نشاز القول أن نضخم فكرة "تقديس القول البشري " عند المسلمين بعد هذا الحديث...ولا يمكن أن تُقام الحجة على هذا القول بأن أحدًا من الناس وقف على منبر ما، أو في مجلس ما، وأخذ يطلق لسانه بأقوال واهية...ما أنزل الله بها من سلطان..لأن قوله من "الزبد" وسيذهب جفاءً..وهو سيتحمل وزرفي الدنيا والآخرة.. في الدنيا بانصراف الناس عنه، وتفنيد ما يقول وتقزيم عقله وفكره وفي الآخرة بمساءلة الله له " ولا تقف ما ليس لك به علم؛ إن السّمع والبصر والفؤاد؛ كل أولئك كان عنه مسؤولا" ذلك لأنه خالف نص القرآن " ومن الناس من يُجادل في الله بغير علم ويتّبع كل شيطان مريد* كُتب عليه أنّه من تولاه فأنّه يُضلّه ويهديه إلى عذاب السّعير"  وأخيرًا يجدر بنا أن نتذكر والأمة تعيش مثل هذه الأفكار  قول الرسول صلى الله عليه وسلم " يا مقلب القلوب ثبّت قلوبنا على دينك".اللهم آمين. وصلى الله على محمد وجميع إخوانه من الأنبياء والمرسلين.

17 - يوليو - 2010
ساعة الفجر الحزينة
شكر    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

أخي الأستاذ زهير، شكرًا من أعماق القلب على متابعتك واهتمامك...لست أدري؛ ربما كان الخطأ مني.. الذي قمت به هو أني فتحت صفحة "موضوع جديد" وبعد الكتابة اخترت "إرسال" . أم توجد طريقة أخرى؟

19 - يوليو - 2010
مع التحية إلى من أحب وأحترم
تحية طيبة    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

الأخ الفاضل الأستاذ زهير، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... سأفعل بما أشرت إليه فيما يتعلق بأي موضوع، أما بالنسبة  لروايتي الخاصة بابن تيمية، فقد حاولت أن أتقصى من أجلها مراجع كثيرة...جهدت ألا أدع شيئًا يُذكر عن الشيخ إلا وأوردته بالأسلوب الروائي.. ولا أدعي الإحاطة التامة... وبسبب ذلك فاق عدد صفحاتها ألف صفحة... ولي صديق عمل منها "سيناريو" وأصبحت جاهزة لِتُعرض كمسلسل.. ومن خلال بحثي وصلت إلى ما رجحه العلماء والباحثون إلى أن "حران" المنسوب إليها شيخ الإسلام "ابن تيمية" هي تلك البلدة الواقعة في جنوب تركيا بالقرب من مدينة "أورفة" الحالية والتي كانت تسمى "الرّها".فهي قريبة من الجزيرة الفراتية، وحرّان هذه مشهورة بأنها مهد الفلاسفة، وبلاد الصابئة والصابئين.. وتحتوي على آثار قديمة، ومعابد... ويُقال أن قبيلة بني نمير العربية نزحت إليها.. وبناء على ذلك ينسب بعض الدارسين "ابن تيمية" إليها وأنه عربي الأصل. قال ذلك العلامة بكر القضاعي...إلا أن الإمام محمد أبو زهرة -رحمه الله- يقول في كتابه القيّم عن ابن تيمية: (لم يذكر المؤرخون الذين قرأت لهم القبيل الذي تنتمي إليه أسرة "ابن تيمية"، فلم يذكروا له نسبة إلا أنه الحرّاني، فنسبوه إلى بلده حران موطن أسرته الأول، ولم ينسبوه إلى قبيلة من قبائل العرب، وإن هذا يُشير إلى أنه لم يكن عربيّا، أو لم يُعرف أنه عربي منسوب إلى قبيلة من القبائل العربية، ولذلك نستطيع أن نفهم أو أن نعلم علمًا ظنيّا أنه لم يكن عربيّا، ولعلّه كان كرديّا، وهم قوم ذوو همة ونجدة وبأس شديد، وفي أخلاقهم قوة وحدة... ُثم يقول: " ولم يذكر المؤرخون شيئًا عن أمه، ولا قبيلتها، وهي في الغالب ليست عربية.. " انتهى كلام أبي زهرة. وأضيف: إنني وجدت في أثناء بحثي إلى أن اسم أمه: ست النعم بنت عبد الرحمن بن عدوس الحرانية. وبالمناسبة أسوق ما ذكره المؤرخون عن سبب تسميته بـ"ابن تيمية" فقد سُئل جدّه عن اسم تيمية فأجاب أن جده حج إلى بيت الله الحرام، وكانت امرأته حاملاً، لما كان بتيماء، وهي بلدة بقرب تبوك ويعرفها كل من يتجه من المدينة المنورة إلى تبوك، رأى صغيرة حسنة الوجه قد خرجت من خباء أهلها، فلما رجع إلى بلده وجد امرأته قد وضعت جارية فأتوا بها إليه فتذكر جارية تيماء، فقال: يا تيمية... يا تيمية.. يعني أنها تشبه تلك التي رآها بتيماء.. وقد ألفت كتابًا لترجمته سميته" القطوف الندية من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية" وهو ترجمة مختصرة لحياته.والسلام عليكم. 

20 - يوليو - 2010
مع التحية إلى من أحب وأحترم
توضيح....    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

أخي الدكتور يحيى، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... أبدأ من الأخير ومسألة ممالحة الأستاذ زهير... ممالحة أخ مسلم إذا لم يكن فيها جرح له ولا كذب ولا ضرر لأي مسلم آخر.. فأمر لا أحسبه إلا خيرًا...ولكن الحقيقة أنني لا أعرف ما إذا كان السيد زهير كرديّا أم لا، وما ذكرتُه هو رد على استفسار منه، وأحسب أنني عزوت ما ذكرته إلى الأستاذ الشيخ محمد أبي زهرة، ولم أقل ذلك من عندي؟ وبالمناسبة فإنني لا أهتم كثيرًا للقوم أو العرق إلا بقدر ما يخدم الدعوة.. ذلك لأن هذا محسوم بقوله تعالى : " إن أكرمكم عند الله أتقاكم".
أما فيما يتعلق بأسئلتك حول "ابن تيمية" فاعلم يا أخي العزيز أنني ما كتبت الرواية الأدبية، الْمُشار إليها، وكان شأني كحاطب ليل.. بل اطّلعت على ما كتبه هو أو ما كُتب عنه سلبًا أو إيجابًا.. وكنت أورد ذلك في الرواية بما يتفق مع طبيعة العمل سواء على صورة حوار أو سرد.. فإذا كان جواب سؤالك يكفيه "نعم " أو "لا" فأقول " نعم ولا أدعي الإحاطة الشاملة" أما إذا كان السؤال يقصد إلى إبداء رأيي فيما سألت.. فأقول : المبدأ الذي أعتمده في مثل هذه الأحوال: إنني أتعامل مع كل مسلم بمنطلق حسن الظن ، والابتعاد عن التجريح الشخصي، وأنظر إلى القول فإن كان لا يخرج عن أحدِ مدلولات نصٍ صحيح، وفق أسس اللغة وأصولها، من غير تمحل أو تعسف أو...  فمقبول ولو أني خالفته إلى اقتضاء وجه آخر لفهم النص.. فالرسول صلى الله عليه وسلم حين قال للصحابة عقب الانتهاء من غزوة الخندق: لا يُصلين أحد العصر إلا في بني قريظة.. كان الصحابة حيال قوله فريقين: أحدهما فهم النص بحرفيته فلم يُصلِّ إلا في بني قريظة مع تأخير وقت الصلاة، والآخر فهم من قوله صلى الله عليه وسلم أنه يريد الاستعجال فصلى أفراد هذا الفريق العصر حيث هم ثم انطلقوا... فقبل الرسول من الفريقين ولم يلُم أحدًا منهما... من هذا المبدأ أنظر إلى أي قول... أما إن كان القول واضح البطلان... والبشر معرضون لقول الباطل.. فهو مردود كقول؛ مع الْتماس العذر لقائله ولا سيما إن كان له فضل، ومشهود له في الدعوة والعلم والجهاد. وذلك اجتهاداً بالاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال في الفعل الكبير الذي فعله حاطب بن أبي بلتعة قبيل فتح مكة، ورأى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن هذا الفعل يستحق القتل وطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك فرد عليه صاحب القلب الكبير ومن هو رؤوف رحيم بأصحابه " وما يُدريك يا عمر.. لعلّ الله اضطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.." قال له ذلك بعد أن سمع من حاطب تفسيرًا لما فعل .وكذلك حين قال لأبي بكر رضي الله عنه لما كان أبو بكر يتعهد ثوبه من الإسبال ولكنه يُسبل من غير إرادته.. " ما مِثْلُكَ يا أبا بكر يُرخي ثوبه خُيلاء.." على العموم لا أريد أن أدخل بجدال ومراء حول أشخاص..أما حول الأقوال؛ فلا بأس إن كان في حدود ما ينتفع به الناس في دنياهم وآخرتهم.. ومن أراد أن يتثبت من أمر ما، فهذا حقه، وما أكثر الكتب والمراجع والمصادر المتاحة، ولاسيما في أيامنا هذه والحمد لله..وإذا وجد هذا الباحث أن ما توصل إليه يُنتفع به فجزاه الله خيرًا على إيصال نفعه لكل من يستطيع.. . أما فيما يتعلق بالمصادر فمما لا ريب فيه أنه لا ينبغي لشخص أن يورد شيئًا إلا بعد أن يشير إلى المصدر حفاظًا على أداء الأمانة بحق. وأود الإشارة هنا إلى أمر وهو أنه إذا كان الكذب قد وقع على سيد الخلق والمعصوم.. فهل يمكن أن ينجو أحد بعده من تلك الآفة...فعلى المسلم أن يتحرى الدقة فيما ينقل أو يروي...وأن يتبيّن إن جاءه فاسق بنبأ.. فلا يهرول إلى إذاعة ذلك النبأ أو التصرف بما لا يجوز...هذا مع جزيل شكري للدكتور يحي على ما كتب عن متدبري القرآن وحول " رقيب وعتيد" وعلى ما سيكتبه.. فهو ذو قلم سيال، وذو صبر.. نفع الله به، وأدخله في عِداد المعنيين بالحديث: " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث... " ومنها " علم يُنتفع به" . وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

22 - يوليو - 2010
مع التحية إلى من أحب وأحترم
كل الناس أفقه من عمر!    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم

بسم الله الرحمن الرحيم
كل الناس أفقه من عمر...
نعم... قالها عمر –رضي الله عنه- ولكن في موقفٍ مختلف.. قالها حين كان يومًا على المنبر وطلب من الناس أن لا يغالوا في مهور النساء، ولما نزل قالت له امرأة من قريش: نهيتَ الناس أن يزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم؟ قال: نعم. فقالت: أما سمعت قول الله تعالى: ((وآتيتم إحداهن قنطارا)) ( القنطار: المال الكثير). فقال: اللهم غفرانك، كل الناس أفقه من عمر.
ثم رجع فصعد المنبر، وقال: يا أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا في مهور النساء، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب فليفعل.
صحيح أن هذه الحادثة تدل على أن عمر قد غاب عنه ذلك الحكم القرآني.. وما يضيره في ذلك؟ بل إن هذا أمر جِبِلّي في حياة الناس، حتى ولو كانوا من العباقرة الأفذاذ... وهب أن ذلك تكرر مرات ذوات العدد.. فماذا في الأمر؟  فلو أنّ عمر لن يُخطئ وأن عثمان لن يُخطئ أو أي واحد من الصحابة لن يُخطئ لما كان هناك من حاجة لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان حين جهّز جيش الْعُسرة " ما ضرّ عثمان ما فعل بعد اليوم " فهذا يعني أنه يمكن أن يفعل خطأً..والرسول صلى الله ليه وسلم يقول:" كل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون" [ عن أنس، بلوغ المرام]   لكن الذي لم يغب عن عمر منذ أن تولّى الخلافة هو تعويده للناس أن يقولوا الحق، لا يخشون في الله لومة لائم ولا حتى "درّة عمر" كما يُقال.. وما فعلته المرأة حين اعترضت عليه لخير دليل على ذلك، وأعظم وأكرم بما فعل حين صعد المنبر ثانية وتراجع عن قوله السابق.. فلله درك يا أمير المؤمنين.. وحادثة أخرى لا تقل أهميّة عن الأولى، فقد جاءت إلى عمر بُرود من اليمن، ففرقها على النّاس بُرْدًا بُردًا..ثم صعد المنبر يخطب وعليه حُلّة نها  فقال: اسمعوا رحمكم الله. فقام إليه سلمان، فقال: والله لا نسمع، والله لا نسمع. فقال: ولِمَ يا عبد الله؟ فقال: يا عمر!تفضّلت علينا بالدّنيا، فرّقتَ علينا بُرْدًا بُرْدًا، وخرجتَ تخطب في حُلّة منها؟ فقال: أينَ عبد الله بنُ عمر؟ فقال: ها أنذا يا أمير المؤمنين! قال: لِمَن أحد هذين البُردين اللذين علي؟ قال: لي. فقال لسلمان: عجلتَ عليّ يا أبا عبد الله، إني كنتُ غسلتُ ثوبي الْخَلِقَ، فاسْتعرْتُ ثوب عبد الله. قال: أما الآن فقل: نسمع ونُطع [ الطبري 5:24].
ولا يقدح في كون عمر خليفة المسلمين وأمير المؤمنين أن يُراجَع في مرة أو مرتين أو أكثر أو أن يغيب عنه أمر... وإلا لما كانت الشورى بين المؤمنين .. فكيف يُلجأ إلى الشورى إن كان كل ما يراه الأمير مبتوتًا في صحته، ولا يغيب عنه شيء... وهذا ما جعل عمر مطمئنًا في ولايته.. فهب أنه قد غاب عنه أمر أو أمور.. فلا ضير ما دام إلى جواره أعوانه ووزراؤه يذكرونه وينبهونه ويسألهم إن اقتضى الأمر سؤالهم.. وكثيرة تلك الحالات التي كان يسأل فيها إخوانه ولا سيّما حبيبه وأخاه وأبا زوجته أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ومع الاعتراف والإشادة بصفاته الفردية فإن عدله وزهده وفتوحاته وكل حسن جميل لديه يوم خلافته كان بهم... وهذا المعنى يتضح بدقة من رد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لمن سأله في عهد خلافته عن كون الأمور في عهده ليست كما كانت في عهد أبي بكر وعمر فقال: كانوا أمراء على مثلي وأنا أمير على أمثالكم!!.
من جهة أخرى ليس من الضروري التذكير بأن قولة عمر : "كل الناس أفقه من عمر" هي عبارة تُحْسب له لا عليه.. فهي تدل على تواضعه واعترافه بفضل الآخرين.. وتشجيع الناس على تحري أقواله ومراجعته فيما يرون أنها غير صحيحة أو مخالفة للأولى... وهو من هو في موقعه ذاك. ويترتب على خير من ولي أمور الناس بعد عصر الخلافة الراشدة أن يبذل ويجهد كثيرًا حتى يبلغ أقل من مدّه أو نصف مده..وما هو ببالغ..
وأمر آخر، فقد ورد أن عمر كرر العبارة نفسها حين التقى فتًى في الطريق يحمل ماءً فاستسقاه عمر؛ فأضاف الفتى إلى الماء عسلاً، وقدمه لعمر، فقال عمر: لا أشربه وحين سأله الفتى عن السبب قال له: أنسيت قول الله تعالى " أَذهبتم طيباتكم في حياتكم الدّنيا". فقال لفتى: هذه لست لك ولا لأحد من المسلمين يا أمير المؤمنين.. هي في حق الكفار.. فقال عمر " كل الناس أفقه من عمر.
ومع أن روايات عديدة تروي احتجاج عمر بالآية الكريمة، إلا أنه لا توجد أي واحدة منها تحدّث أو يُفهم منها أن عمر كان يجهل مدلول الآية؛ وإنما كان يُفهم منها حرص عمر على التقشف وعدم التلذذ بالطيبات.. فقد ورد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: رأى عمر بن الخطاب لحمًا معلّقاً في يدي فقال: ما هذا يا جابر؟ قال: اشتهيت لحمًا فاشتريتُه. فقال عمر: أَوَ كلما اشتهيت اشتريت  يا جابر؟ ما تخاف الآية: ( أَذهبتم طيباتكم في حياتكم الدّنيا) ؟. [ الرياض النّضرة2/47]. تُرى لو فهم جابر أن عمر لا يعرف مدلول الآية ولا يعلم أنها تعني الكفار.. أما كان يرد عليه، ويجلي له الحق الغائب.. والقصتان التاليتان تبينان بوضوح صحة ما ذكرناه ..
الأولى:قدم أبو موسى في وفد البصرة على عمر قال: فقالوا: كنّا ندخل كلَّ يوم وله خُبَزٌ ثلاث، فربما وافقناها مأدومة بزيت، وربما وافقناها بسمن، وربّما وافقناها بالّلبن، وربما وافقناها بالقدائد (أي اللحموم المجففة) اليابسة قد دُقت ثم أُغْلي بها، وربما وافقنا اللحم الغريض (الطري) وهو قليل. فقال لنا يومًا: أيها القوم، إني والله لقد أرى تعذيركم وكراهيتكم طعامي، وإني والله لوشئت لكنت أطيبكم طعامًا، وأرفغكم (أرفهكم) عيشًا، أما والله لو شئت لدعوت بصلاء (شواء) وصِناب (خردل) وصلائق (خبز رقاق)، وكراكر وأسنمة وأفلاذ  (الْكِرْكِرة: زَور البعير، والسنام : أعلاه، أفلاذ: قطع من الكبد، وكل ذلك من أطايب ما يؤكل من الإبل)، ولكني سمعتُ اللهَ جلّ ثناؤه عيّر قومًا بأمر فعلوه فقال: ( أذهبْتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا واسْتمتعتم بها). [ ابن سعد 1/200، وسراج الملوك 109 و الفائق 2/18]
الثانية:كان حفص بن أبي العاص يحضر طعام عمر فكان لا يأكل. فقال له عمر: ما يمنعك من طعامنا؟ قال: إنّ طعامك جَشبٌ غليظ، وإني راجع إلى طعامٍ ليّن قد صُنع لي فأصيب منه. قال: أتراني أعجز أن آمر بصغار المِعزى‘ فيُلقى عنها شعرها، وآمر بلُباب البُر، ثم آمر به فيُخبز خُبزًا رقاقًا، وآمر بصاع من زبيب فيُقْذَف في سُعْن ( قُربة تُقطع من نصفها) حتى إذا صار مثل عين الحجل صبّ عليه الماء، فيصبح كأنّه دم غزال، فآكل هذا وأشرب هذا؟ فقال: إني لأراك عالمًا بطيب العيش. فقال: والّذي نفسي بيده لولا أن تنتقص حسناتي لشاركتكم في لين عيشكم، لكنني أسْتبقي طيّباتي لأني سمعتُ اللهَ تعالى يقول عن أقوام: (أذهبْتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا واسْتمتعتم بها) [ ابن سعد 1/201].
فمن الواضح أنه غير مطلوب من المرء إلا أن يقرأ ما سبق ليعلم أن عمر كان يعلم أن الآية لا تشمل المؤمنين، وإنما هي للكفار، انظر –مثلاً- إلى عبارته" والّذي نفسي بيده لولا أن تنتقص حسناتي لشاركتكم في لين عيشكم" فالمسألة هي خشية انتقاص الحسنات لا الخوف من أنه مشمول بالآية فيحرم بتاتًا من طيبات الآخرة..وأن ما كان منه لا يعدو كونه ضربًا من ضروب الزهد والتقشف والاقتداء بحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم. ويتضح ذلك جليًا حين نجد أن عمر كان يُحدث من يخاطبهم بتلك الآية بما رأى بأم عينه وشاهد بنفسه حين دخل على حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم..يقول: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حصير قال : فجلست ، فإذا عليه إزاره ، وليس عليه غيره ، وإذا الحصير قد أثر في جنبه ، وإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع ، وقرظ في ناحية في الغرفة ، وإذا إهاب معلق ، فابتدرت عيناي ، فقال : ما يبكيك يا ابن الخطاب ؟ فقال : يا نبي الله وما لي لا أبكي ! وهذا الحصير قد أثر في جنبك وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى ، وذاك كسرى وقيصر في الثمار والأنهار ، وأنت نبي الله وصفوته وهذه خزانتك . قال : يا ابن الخطاب أما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟. [صحيح الترغيب والترهيب].

24 - يوليو - 2010
مع التحية إلى من أحب وأحترم
 1  2