هوامش على رائعة زهير في ذكرى الترابي كن أول من يقيّم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسعد الله اوقاتكم، وليس لدي كلمات أبرر بها انقطاعي سوى المعزوفة المشروخة بتقارب الزمان وتسرب الوقت كأنه الماء بين اصابعنا.
شدتني اليوم كلمات الاستاذ زهير في ذكرى حسن الترابي أحسن الله اليهما، وأعادت لي ذكريات تطاول عليها الزمان ومر عليها ما يقرب من عشرين سنة ان لم يكن أكثر. في ذلك المساء الماطر من ليالي بير عجم (قرية الاستاذ الفاضل جودت سعيد) جمعتنا سهرة تواجد فيها خليط مدهش من مختلف المذاهب والأفكار، وبدأ أحد الحضور بالكلام حول خاطرة تداعبه تفسر بعض ما غمض من تراثنا المترامي الأطراف والمتوزع غصبا بين طوائف وملل انتهبته كأنها اللصوص وقعت على فريستها فاقتسمت غنائمها في ظلام دامس. بدأ صاحبنا يسرد فكرته ?وهي لا تحضرني بتفاصيلها الآن- وبدأ يقرأ في عيون الموجودين استنكارهم مما يطرح، فبدأ صوته بالذبول ولم يجد بداً من الاعتذار بين يدي الأستاذ على جرأته في طرح ما قال. هنا نظر اليه الأستاذ جودت بوجهه المشرق وتأمله طويلا على عادته، وصمت حتى ظننا أنه لن يعقب، وساد سكون هو أقرب للصخب! فجأة انطلق الأستاذ بصوته المترقرق ولكنته المحببة يقول: والله يا أخوان نحن نعيش أتعس أيام مرت بها الأمة ولا أخال أن هناك دركاً أدنى يمكن أن ننزلق اليه، ولكن مع ذلك أرى فيما وصلنا اليه جانباً مشرقاً. وهنا اتجهت الأبصار اليه باهتمام، وبعد صمت زاده وقاراً وهيبة تابع يقول: أرى أن ما وصلنا إليه من خور في القوى وفشل في كل الميادين هو القعر الذي ليس وراءه قاع، ويبقى في ذلك نعمة كبرى وهو أن ننبذ عنا هذه الأثقال التي تنوء بها ظهورنا مما ورثناه من حق وباطل، وصحيح ومدعى، وهذا جدير أن يفتح لنا باب الخوض في كل ما حرمناه على أنفسنا أو حرمه علينا أباؤنا الأوائل بين حريص وجاهل ومندس. يا أخوان لا تطردوا أي فكرة تتراءى في رؤوسكم فليس بعد ما وصلنا اليه خسارة نخسرها ولن يأتي أي منكم بشئ هو أضر على المسلمين مما هم عليه، ومن يدري فربما يكون فيه باباً للخلاص ولو صغيرا.
انتهى كلام الاستاذ، أو بالأصح ما يحضرني من كلامه، ورأيت أنه جدير بالذكر في معرض الكلام عن الزوبعة التي أثارتها رؤى الترابي وما خلفته من دعوات للرجم والنبذ على عادة ما يأتي به أرباب التجديد وما يقومون به من تحريك للمياه الآسنة وما يستتبع ذلك من استفزاز ولعنات و-الأهم- من تحريك للفكر وتقليب للنظر.
هذا ما ورد في بالي اسجله في مجلسكم العامر دون تنقيح وتمحيص على ما يفرضه علينا الزمان الذي نعيش فيه، وآمل من الأستاذ ضياء خانم، أن تسامح تقصيري وأن تدعو لي أن أعود إلى سيرتي الأولى وأفتك من زحمة الأرقام والأسهم والشيكات، فربما يسمع الله دعاء بياعة الكرز وأنعم بها وأكرم.
|