البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات عمرو عمرو على بركات

تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
فى الرحالة الغربيين عموما    كن أول من يقيّم

اسم الكتاب: رحلة بيرتون إلى مصر والحجاز
تأليف: ريتشارد ف. بيرتون
ترجمة: د. عبد الرحمن عبد الله الشيخ
الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب
عام النشر:1994م (3 أجزاء)
الحاج السير بيرتون
كان لحصول الروائى البلغارى المولد"إيليا ترويانوف"(1965م) على جائزة معرض لايبزغ بألمانيا للكتاب عام2006 عن روايته"جامع العوالم" كشفاً جديداً للرحالة البريطانى الضابط السير"ريتشارد بيرتون"(1821ـ 1890م) فقد ألف"ترويانوف" روايته الفائزة من خلال ما جمعه من كتابات الرحالة"بيرتون" حول العالم فى الهند، ومكة،و اكتشافه لمنابع النيل بأفريقيا، ويعد"بيرتون" أول أوربى يدخل متخفياً إلى مكة والمدينة، ويزور الأماكن الإسلامية المقدسة بهما فى القرن التاسع عشر، وكان من قبل عميلاً لبريطانيا فى إيران، والهند، وسافر إلى الصومال كتاجر عربى،ودخل جزيرة العرب كطبيب أفغانى،وكان أول أوروبى يصل إلى بحيرة "تنجانيقا"،وعبر القارة الأمريكية، وقضى أعوامه الأخيرة فى ترجمة"ألف ليلة وليلة"،كما ترجم ووضع تعليقاته على الكتاب الهندى"كاماسوترا"،ويعد"بيرتون" عبقرية لغوية فقد تعلم خلال رحلاته ثلاثين لغة،وكان من بينها اللغة العربية التى أتقنها تماماً، وقد قام الدكتور"عبد الرحمن عبد الله الشيخ" بترجمة رحلة"بيرتون"Pilgrimage To Al-Madina And Meccah،فقد دخل الحجاز عن طريق الحج من مصر، مستقلاً سفينة الحج من ميناء السويس إلى ينبع،حيث بدأ رحلته للحج باحثاً عن أمتعته الضائعة، فأخبروه بضرورة مقابلة"جعفر بك" المحافظ التركى، والقائد العسكرى، وجامع المكوس، وقد وصفوه بأنه"كلب ابن كلب" لا يرد سلام المسلمين ويظن أن كل الناس أوساخ لابد أن يدوسهم الأتراك بأقدامهم،وعرف أن الحكومة تعرقل حجاج السفن، وتسهل الحج البرى، حيث أن حجاج البر سينفقون أموالهم داخل الحدود المصرية على الأقل لمدة خمسة عشر يوماً،إلا انه نجح فى الحصول على تأشيرة من البك فى القاهرة ليحج بالسفينة،ويرصد فيما رصد أن عدد الحجاج الذين يمرون بالسويس فى طريقهم إلى مكة المكرمة راح يتناقص باطراد مؤخراً، فقد حصل من الأرشيفات الحكومية انه عام 1852م كان عدد الحجاج هو4893 بالضبط، بينما وصل عام 1853م إلى عدد 3136 حاج فقط، ويسجل مشهد تنوع الناس الغير متجانس بميناء السويس فى رحلة الحجاز، حيث كل الأجناس من كل الطبقات، وكل الألوان، يرتدون كل الأزياء، فالمرء لا يرى من بينهم أهل البلاد المجاورة لمصر فحسب، وإنما يرى بينهم أيضاً نسبة كبيرة من أهل وسط أسيا، ومن بخار، وفارس، وبلاد الجراكسة، وتركيا، والقرم، وهم يفضلون هذا الطريق(طريق السويس) عن طريق استانبول، نظراً للصعاب و الأخطار التى تعترض قوافل الحج البرية من دمشق وبغداد،وارتفاع تكاليفها.
ينبع
ويصل"بيرتون" إلى ينبع الميناء البحرى لأهل المدينة، بينما يعد جدة الميناء البحرى لأهل مكة،ويذكر أن سكان ينبع يفاجئون عيون المسافر القادم من مصر، لأنهم يمثلون ظاهرة جديدة بالنسبة له، فهم أكثر أجناس شمال الحجاز تعصباً ورغبة فى المشاكسة والعراك،الشيخ الوجيه منهم مسلح تسليحاً زائداً عن الحد، وملتحف بثياب كثيرة، وفقاً للعادات المتبعة،وشيخ العرب طاغية الصحراء يملى أوامره على اى شخص تابع له، والمسافر المتمدين من المدينة المنورة يغرز فى حزام وسطه مسدساً معمراً ويخفيه تحت عباءته، والبدو يمشون باختيال متجهمين، وحتى المسالمون من أهل ينبع لا يخرج الواحد منهم إلا وقد حمل نبوته على كتفه الأيمن، وهم خبراء فى استخدام النبابيت بإتقان، ولا يختلف لباس نساء ينبع عن نساء مصر إلا القليل اللهم فى الحجاب، فحجاب الينبعيات ابيض اللون بشكل عام، وفى حوالى الساعة السابعة مساء اليوم الثامن عشر من شهر يوليو يعبر بوابة ينبع إلى الشرق على سهل جبل رضوى والبحر عن يمينه، فى قافلة تتكون من اثنى عشر بعيراً تسير فى صف واحد رأس كل جمل مربوطة فى ذيل الجمل الذى أمامه، ولم يخرج عن الصف إلا "عمر افتدى" ، وكان أمامه عم"جمال" الذى وبخه لسؤاله"محمد" مرافق "بيرتون" من أين عرفت هذا الهندى? فرد عليه"بيرتون" أتحب أن يقال عنك مصرى أى فلاح? ولا يظهر على كل أعضاء القافلة اى مظاهر للرفاهية سوى امرأة عجوز هى الست"مريم" قد اتخذت لنفسها"شبرية" اى سرير خفيف ثبتته بالعرض فوق الجمل، بينما كل أعضاء القافلة باستثناء"عمر افندى" كانت عليهم علامات الفقر، يرتدون أقذار بالية، وخرق ملفوفة حول رؤوسهم، واكتشف أن البدو لا يبيعون اللبن، فهم يرون أن بيع اللبن من معانى الخسة والوضاعة، بينما يدعون الأغراب إلى شرب اللبن مجاناً.
فى المدينة المنورة
على حمار هزيل بائس بادى عظام الظهر، مصاب بالعرج فى إحدى سوقه، وسراجه بلا ركاب، وحل حبل محل لجامه، ركبه"بيرتون" حيث وصل به فجأة للمسجد النبوى بعد أن مر بشوارع موحلة لأنهم رشوها بالماء قبل حلول المساء، والمسجد النبوى متوازى الأضلاع، طوله حوالى أربعمائة وعشرين قدماً، وعرضه حوالى ثلاثمائة و أربعين قدماً، وامتداد طوله يمتد تقريباً امتداداً شمالياً جنوبياً، وكما هى العادة فى المساجد الإسلامية فهو مبنى مكشوف مع وجود مساحة واسعة فى الوسط تسمى الصحن أو الحوش، أو الحصوة الرملية، ويحيط بها رواق ذو صفوف أعمدة، كصفوف الأعمدة فى أروقة الكنائس الايطالية، وأسقف الأروقة مستوية، تعلوها قباب، الواحدة منها على شكل نصف برتقالة، وعلى طول الجدار الشمالى القصير من الداخل يوجد الرواق المجيدى نسبة إلى السلطان العثمانى الحالى، أما الجدار الغربى فعنده رواق بوابة الرحمة، وفى الجدار الشرقى بوابة النساء، أما الروضة وهى أكثر المواضع قداسة فى المسجد النبوى فيحتضنها الجدار الجنوبى القصير، وهو مبلط ببلاط جميل من الرخام الأبيض، ومغطى هنا وهناك بحصر خشنة فوقها سجاجيد غير نظيفة بليت بفعل أقدام المؤمنين.وقد دخل"بيرتون" إلى الروضة الشريفة، وصلى ركعتين التحية، ثم صلاة العصر،ورتل مائة وتسعاً، ومائة واثنتى مرة سورتين من القرآن هما"قل يا أيها الكافرون"، وسورة الإخلاص، كما أشار عليه مرافقه الشيخ"حامد"، وبعد سجدة الشكر حاصره الشحاذون الذين بسطوا مناديلهم على الأرض أمامه، وقد نثروا عليها القليل من القطع النحاسية لإثارة نوازع الكرم والسخاء لديه، كان قد اعد لذلك الأمر فقبل مغادرته لمنزل الشيخ"حامد" قد صرف مبلغ دولارين إلى قطع نقدية صغيرة.
بيت الله الحرام
يغادر"بيرتون" الزريبة وهى ميقات الإحرام قبل مكة للقادم من المدينة، ويسجل مشهد الجموع التى تهرول مسرعة فى ملابس الإحرام البيضاء والتى يتناقض بياضها بشكل حاد مع جلودهم السمراء، ورؤوسهم الحليقة تلمع فى ضوء الشمس بعد أن ذهبت شعورهم الطويلة مع الريح، وكانت تلبيتهم"لبيك .. لبيك" تدوى بين الصخور، وفى إحدى الممرات التقى صدفة بالسلفيين(الوهابيين) المصاحبين لقافلة بغداد، وكانوا يهتفون بالتلبية، وبسيرون فى طابورين على قرعات طبلة نقارية كبيرة، ويحمل جمل المقدمة علماً أخضر مكتوب عليه"لا اله إلا الله محمد رسول الله" وكانوا جبليين غلاظاً ضفروا شعورهم فى ضفائر رفيعة،ويصف"بيرتون" أول مشاهدته للكعبة قائلاً:" وأخيراً تحقق هدف آمالى ومخططاتى التى استغرقت أعواماً كثيرة وهدف رحلتى الطويلة الشاقة لأداء الحج، ولا شك أن الوسط السرابى والوجد الدينى يعطيان لهذا المبنى وما عليه من ستارة كالطيلسان جاذبية خاصة، فالكعبة المشرفة لا تمثل أثراً عملاقاً اشيب كما فى مصر، ولا اثر يتسم بالتناسق والجاذبية الفنية كما فى اليونان وايطاليا، ولا هى اثر يتسم بالروعة البربرية كما فى مبانى الهند، لقد كان منظر الكعبة غريباً متفرداً، وقليلون هم الذين وضعوا المبنى فى اعتبارهم عند النظر إليها، ويمكننى أن أقول بصدق انه من بين كل المؤمنين العابدين المتعلقين بأستار الكعبة باكين، والضاغطين بقلوبهم على الحجر الأسود، لا أحد أعمق مشاعراً من الحاج القادم من الشمال البعيد، لقد بدا الأمر لو أن الحكايات الشعرية العربية تنطق بالصدق، وان أجنحة الملائكة، لا نسائم الصباح، هى التى تحرك أستار الكعبة السوداء، أما أنا فقد أحسست بانجذاب صوفى وإحساس بالرضى"، لاشك أن "بيرتون" فى أدب رحلاته عموماً يملك ثراءً قوياً فى رسم الكواليس، والأحداث إلى الحد الذى جعل "ترويانوف" يجد لديه منهلاً شديد الخصوبة لروايته"جامع العوالم"، فهى نموذج لأحدث أدبيات إعادة إنتاج أدب الرحلات فى العالم والذى يفتقده الأدب العربى.

7 - يناير - 2007
الرحالة الالمان إلى الحجاز
الرحالة الغربيون    كن أول من يقيّم

اسم الكتاب: رحلة جوزيف بتس إلى مصر ومكة و المدينة المنورة
تأليف:جوزيف بتس
ترجمة: د. عبد الرحمن عبد الله الشيخ
الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب
عام النشر:1995 م
رحلة الصبى جوزيف للحج
ترجع أهمية رحلة "جوزيف بتس"(الحاج يوسف) إلى أنها الوحيدة التى تصف طريق الحج الغربى البرى القادم من بلاد المغرب العربى مروراً بمصر حتى الديار الإسلامية المقدسة،ويعد ثانى أوروبى يزور مكة فى التاريخ الحديث بعد "لودوفيكو دى فارتيما" الايطالى، كما يعد اصغر رحالة فقد بدأ رحلته سنة 1680م وكان عمره دون الخامسة عشر، فقد ولد فى "اكسون" بانجلترا ، ودفعه ذكاؤه إلى أن يغادر انجلترا فيما يقول عنه الرحالة"بيرتون" ليرى العالم، فعمل بحاراً وهو فى السادسة عشر من عمره على إحدى السفن، ووقع فى اسر احد البحارة الجزائريين، فاتخذه عبداً وعاش "بتس" فى كنف سيده بضع سنين، ثم اصطحبه ليحج معه إلى مكة، وسلكا طريقاً بحرياً إلى الإسكندرية، فرشيد، ثم أبحرا فى النيل إلى القاهرة، ثم إلى السويس فالطور فرابغ على الساحل الشرقى للبحر الأحمر، وكان سيده قائداً لكتيبة خيالة، روى عنه"بتس" انه كان فى شبابه خليعاً، إلا انه بعد رحلة الحج اعتقه سيده، وعاش فى الجزائر باختياره، وكان يتقن اللغة العربية، والتركية، وعرف "بتس" الشرق العربى فى الوقت الذى كانت فيه الحروب مستعرة بين البربر والمورسكيين، وهم المسلمون الذين طردوا من أسبانيا، تؤازرهم الدولة العثمانية، حتى أصبح يقال عن الشخص الذى تحول للإسلام بأنه أصبح تركياً.
المنادى للحج فى الجزائر
عندما تكون إحدى السفن جاهزة للإبحار إلى الإسكندرية، ينادى المنادى فى مدينة الجزائر التى كان يعيش فيها"متس" معلناً إقلاعها، ويذكر أن الحاج بالبحر يكون سعيداً لأنه أقل تكلفة، وأكثر أماناً من السفر بالبر،وتستغرق الرحلة ثلاثين، أو أربعين يوماً حتى تصل إلى الإسكندرية، مكث بها عشرين يوماً، ومنها انتقل إلى القاهرة، ثم السويس، ووصل إلى الطور بعد إبحاره بيومين، ومكث مبحراً فى البحر الأحمر حوالى شهر إلى أن وصل إلى مقام الشيخ"حسن المرابط" وهو ولى من أولياء الله الصالحين، وبعد بضعة أيام يصل إلى رابغ، حيث لبس كل الحجاج ملابس الإحرام، فيما عدا النساء، ويصف ملابس الحجاج فبقول:" ولبس كل واحد منهم قطعتين من القماش القطنى الأبيض،إحدى القطعتين تلف حول الوسط وتغطى الجزء السفلى حتى الأعقاب، والقطعة الثانية تغطى الجزء العلوى من الجسم عدا الرأس، ويلبس الحاج فى قدمه خفاً غير مخيط، ولا يغطى الجزء العلوى من القدم عدا الأصابع، وتؤثر الحرارة تأثيراً شديداً فى ظهورهم، وأذرعهم، ورؤوسهم، حتى لو تعرض أحدهم للإعياء فان الشريعة لا تسمح له بان يضع فوق رأسه غطاء"
 
 
الدليل
ووصل"بتس" إلى جدة، وهى أقرب الموانى إلى مكة، والتى لا تبتعد عنها أكثر من يوم، ويستعرض كيف قابل احد الأدلاء القادمين من مكة ليدلهم على كيفية أداء مناسك الحج، فقد كان جميع الحجاج المرافقين يجهلونها، و بمجرد وصولهم إلى مكة سار بهم الدليل فى شارع يتوسط البلدة، ويؤدى إلى الحرم، وبعد اناخة الجمال، وجههم الدليل إلى حوض الماء للوضوء، ثم توجه بهم ليدخلوا إلى الحرم من باب السلام، بعد أن تركوا أحذيتهم عند شخص موكل بها عند الباب، وعندما وقع نظر الحجاج للمرة الأولى على الكعبة فاضت عيونهم بالدمع، وهم يرددون خلف الدليل كلماته،ولم يستطع "بتس" أن يكبح دموعه من الانهمار عند رؤية حماس الحجاج، وان كان قد وصفهم بالكائنات البائسة،وبعد أن أتم الطواف والسعى بين الصفا والمروة، عاد إلى مكان اناخة الجمال، وبحثوا عن سكن، ويصف كيف أن الحجاج يعملون على استغلال كل وقتهم فى مكة بالعبادة، وراحوا يقضون وقت فراغهم فى الحرم يطوفون حول الكعبة التى تبلغ حوالى أربعة وعشرين خطوة مربعة، وقد تم تثبيت حجر أسود فى أركان بيت الله. ويصف "بتس" حمام مكة فيقول:" وفى مكة آلاف من الحمام الأزرق لا يجرؤ احد على صيده، أو إيذائه، وبعضه أليف لدرجة انه يتناول قطعة لحم من يدك، وقد قمت بنفسى كثيراً بإطعامه فى المنزل الذى أقيم به، وهذه الحمائم تأتى فى أسراب كبيرة إلى الحرم حيث يقدم لها الحجاج الطعام، فثمة اناس فقراء من أهل مكة يأتون للحجاج حاملين معهم نوعاً من الأوانى مصنوعة من الخزف مليئة بالحبوب ويتوسلون للحجاج طالبين منهم شراء بعض الحبوب لإطعام حمام النبى(ص) وقد سمعت أن هذه الحمامات لا تطير أبداً فوق الكعبة كما لوكانت تعلم أنها بيت الله الحرام، ولكنى اعتقد أن هذا خطأ كبير، فقد رأيت هذه الحمائم تطير فى الغالب فوق الكعبة".
فى جوف الكعبة
وقد كان وقت حج "بتس" مباحاً لجميع الحجاج الدخول إلى جوف الكعبة فقد وصفها يقول:" وعندما يدخل اى مسلم للكعبة فان عليه أن يصلى ركعتين فى كل ركن من أركانها..وهم يصلون بخشوع كامل واستغراق شديد، فهم لا ينشغلون بالتطلع والحملقة حولهم، لأنهم يعتبرون ذلك إثما، بل يقولون أن من يتطلع فى جوف الكعبة يصاب بالعمى.. ولم أضع هذه الأقاويل فى اعتبارى، واعتقد اننى لم أجد فيما رأيت شيئا غريباً فلم أرى سوى عمودين خشبيين فى الوسط لمساندة السقف، وقضيبا حديديا مثبتا فيهما، علقت عليه ثلاثة مصابيح فضية،أو أربعة، واعتقد انه من النادر إضاءتهم، وأرضية الكعبة من الرخام، وكذلك الجدران الداخلية، وثمة كتابات على هذه الجدران الداخلية، لم يكن لدى الوقت الكافى لقراءتها، ومع أن الجدران الداخلية مغطاة بالرخام إلا أنها مغطاة بالحرير على ارتفاع قامة الحجاج، ولا يمكث الحاج فى داخل الكعبة إلا لحظات قليلة، فنادرا ما يمكث احد أكثر من ثمن ساعة، لان هناك آخرين ينتظرون دورهم للدخول..وعند غسيل الكعبة بماء زمزم يتم إبعاد السلم المتحرك،فيتزاحم الناس ليلتقوا ماء غسيل الكعبة، أما المكانس، التى ينظف بها بيت الله الحرام فيتم تكسيرها إلى قطع صغيرة، وتنثر فوق الحجاج المجتمعين، ويحتفظ من يحصل على عصا صغيرة من هذه المقشات بها كذكرى مقدسة".
 
اسم الكتاب: رحلات فارتيما(الحاج يونس المصرى)
تأليف: لودوفيكو دى فارتيما
ترجمة: د. عبد الرحمن عبد الله الشيخ عن ترجمةجون وينتر جونز الانجليزية عن  الايطالى.
الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب.
عام النشر:1994م
الحاج فارتيما الايطالى
ورد ذكره فى موسوعة التراجم العالمية المطبوعة فى باريس سنة 1827م،فقط نص فرنسى نعرف منه انه رحالة ايطالى قام برحلة فى القرن السادس عشر، وان هذه الرحلة هامة جداً للمشتغلين بتاريخ الجغرافيا وللمؤرخين بشكل عام، فقد ولد"فارتيما"(1470 ـ 1517م) فى بولونيا بايطاليا، وانه رحل منها إلى البندقية، وقد ذكر هو فى رحلته أن والده كان طبيباً، وقد تمت الرحلة فى أواخر القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر، حيث كانت أوربا تعيد تقييم معارفها عن العالم الاسلامى، غادر أوروبا قرب نهاية 1502م، وفى مطلع 1503م وصل إلى الإسكندرية وعبر النيل وصل إلى القاهرة، ثم عاد فأبحر من الإسكندرية إلى بيروت، ثم طرابلس، وحلب، ودمشق، وخلال رحلته قام بتثقيف نفسه ذاتياً بالثقافة الإسلامية، وفى حامية مملوكية بمصر كان قد أعلن إسلامه وسمى نفسه"يونس" ومن دمشق ذهب إلى مكة للحج، فى يونيو 1503م، ومن ميناء جده يبحر إلى جنوب البحر الأحمر وعبر مضيق باب المندب يصل إلى مدينة عدن، وهو فى طريقه إلى الهند، ويقبض عليه فى عدن بتهمة التجسس للمسيحية، ولكن يفرج عنه، ويستأنف رحلته إلى صنعاء، ويأخذ سفينة من ميناء عدن إلى الخليج الفارسى، وفى الطريق يزور بلاد الصومال فى أوائل عام 1504م.
من دمشق إلى مكة
تحرك من دمشق صوب مكة فى اليوم الثامن من شهر ابريل سنة 1503م، ونجح فى تكوين صداقة عميقة مع القائد المملوكى للقافلة، والذى كان أصله مسيحياً، وتحول للإسلام، والبسه لباس المماليك، ومنحه حصاناً جيداً،  وكان قد جعله بصحبة المماليك الآخرين، حتى وصلت إلى موقع يعرف بالمزريب، وهو مكان تجمع القوافل قبل التوجه إلى مكة،  وفى طريقه مر بمدينتى سدوم وعاموراء، والوارد ذكرهما فى الكتاب المقدس إنهما خربتا بسبب معجزة الرب، وهذا ما اقره "يونس" بان الكتاب المقدس لم يكذب، وأثناء عبور الوادى الذى يبلغ طوله على الأقل عشرين ميلاً، مات منهم ثلاثة من بين ثلاثة وثلاثين شخصاً عطشى، وقد دفن كثيرون فى الرمال، وتركت رؤوسهم دون أن تغطى بالرمال، لأنهم لم يكونوا قد اسلموا الروح تماماً، وعثروا بعدها على بئر بها ماء فعمهم الفرح، وفى اليوم التالى قدم 24الف بدوى قائلين أن الماء ماؤهم وانه يجب أن يدفعوا لهم، ولما اخبروهم أنهم لايستطيعون الدفع لهم شرعوا يقاتلونهم وحاصروهم نهارين وليلتين، ونفذ منهم الماء والطعام، وبدأت الحرب معهم، إلا أنهم لم يستطيعوا المواصلة، فتناقش قائد القافلة مع التجار المسلمين وانتهى الأمر بان قدموا للبدو 1200من الدوكات الذهبية، وانتهت الحرب مع البدو العراة الذين يركبون خيولاً غير مسرجة.
جبل الأقزام
فى نهاية اليوم الثامن وجد"يونس" جبل محيطه بين عشرة أميال واثنى عشر ميلا يقطنه ما بين أربعة آلاف وخمسة آلاف يهودى، يروحون ويجيئون عراة، ويبلغ طول الواحد منهم خمسة أشبار أو ستة، وأصواتهم كأصوات النساء، ويغلب عليهم السواد، ولا يأكلون إلا لحوم الغنم، وهم مختونون، ويعترفون بأنهم يهود، وإذا ما وقع احد المسلمين بين أيدهم سلخوه حياً، وعند سفح هذا الجبل وجدوا بركة ماء حملوا من مائها الكثير، وكان اليهود غير سعداء بفعلتهم هذه.
فى المدينة المنورة
يصف"يونس" المسجد النبوى فيقول:" كى نشرح لك عقائد المسلمين، يجب أن تعلم انه فوق القبة التى تحتها قبر النبى(ص) يوجد المقام، ويمكن أن تطوف فى داخله، وهناك خدعة يدلسون بها على كل أفراد القوافل فى أول ليلة يصلون فيها لقبر الرسول(ص)، فقائد قافلتنا أرسل لقيم المسجد النبوى وطلب منه أن يريه جسد النبى(ص) مقابل أن يعطيه 300 أشرفى ذهباً... وعندئذ أجابه القيم بخيلاء وغضب:"كيف لعينيك التى اقترفت الكثير من الذنوب والمعاصى فى هذه الدنيا أن ترى الرسول(ص) الذى من اجله خلق الله السماوات والأرض!" وقال له قائد القافلة :"اعمل معروف ودعنى أرى جسده الطاهر وبمجرد أن أراه سأفقأ عينى حباً له".. وعاد إليهم قائد القافلة يقول:" انظروا كيف كنت أريد أن أبعثر 300 اشرفى" وكانت قافلتنا قد عسكرت بالقرب من البوابة على بعد مرمى حجرين، وقد بدأ المسنون فى الصياح "لا اله إلا الله..محمد رسول الله"فلما سمع القائد هذه الضوضاء أسرعنا إلى أسلحتنا بأيدينا ظانيين أنهم بدو يزعمون سلب القافلة، وقلنا لهؤلاء المسنين: لما هذه الجلبة? وماذا تقولون?.. أجابنا هؤلاء المسنون قائلين: أنت ما تبصر النور اللى بيجى من بيت النبى ورا من السما?..انتم مماليك لا تستطيعون رؤية هذه الأمور الروحية، فأنتم لستم صادقين فى عقيدتكم"
مكة
وصل "الحاج يونس" إلى مكة فى الثامن عشر من شهر مايو، وكان دخوله إليها من ناحية الشمال حيث يصف دخوله لمكة قائلاً:" وبعد دخولنا مباشرة وجدنا أنفسنا ننحدر نحو السهل، ويوجد جنوب مكة جبلان يكاد احدهما يلامس الآخر، وبينهما بوابة تفضى إلى بوابة مكة والى جهة الشرق يوجد ممر جبلى آخر وكأنه واد يمر عبره الطريق المؤدى إلى جبل عرفات،.. ويعانى أهل مكة من نقص كبير فى المياه فإذا أراد احد منهم أن يشرب كمية الماء التى يحتاجها، تكلف أربعة كاترينات فى اليوم الواحد، وجانب كبير من مئونتهم يأتى من القاهرة عبر البحر الأحمر،كما ترد لمكة من الهند كميات كبيرة من الجواهر وكل أنواع البهارات، ومن أثيوبيا ومن البنغال، وكميات كبيرة من الأقمشة القطنية والحريرية" ويترك "الحاج يونس" وصف مدينة مكة العمرانى والاقتصادى، ويصف الحرم المكى وقت رحلته :" فى وسط مكة يوجد مسجد جميل يشبه الكولوزيوم فى روما، إلا انه غير مبنى بالحجارة الضخام، وإنما من طوب أحمر، وله تسعون بابا، أو مائة باب، ذوات أقواس، وعند دخولنا المعبد انحدرنا عشر درجات، أو اثنى عشر درجة، وحول هذا المدخل كان يجلس باعة يبيعون الجواهر ولا شىء غير الجواهر، وعندما تنزل الدرجات المذكورة تجد كل أنحاء هذا المسجد وكل شىء حتى الجدران مغطاة بالذهب، وتحت أقواس المسجد يجلس حوالى 4000 أو 5000 إنسان رجالا ونساء يبيعون مختلف أنواع المواد العطرية، ولا استطيع أن اصف لكم روعة الروائح التى شممتها فى هذا المسجد، إنها تظهر كرائحة مشبعة بالمسك زاخرة بأكثر العطور إنعاشا ابتهاجا.. وفى موضع آخر من المسجد الحرام ثمة مكان مسور يوجد به اثنان على قيد الحياة من حيوان وحيد القرن، قد أهداهما ملك أثيوبيا إلى سلطان مكة تعبيراً عن ولائه له" .
عمرو على بركات

7 - يناير - 2007
الرحالة الالمان إلى الحجاز
ربما يفيد    كن أول من يقيّم

كتاب "تقرير الحالة الحاضرة لمصر 1671" تاليف الرحالة الالمانى جوفنى ميكيله فنسيبيو، صادر عن المجلس الاعلى للترجمة القاهرة عدد رقم 1005به قائمة مراجع هامة قام باعدادها المترجم الاستاذ وديع عوض ان اردت نسخة ارسل لى عنوانكم البريدى على الميل وسوف ارسلها لكم هدية فى صحة الوراقين اجمعين
عمرو على بركاتbarakatamr22@yahoo.com

17 - يناير - 2007
الرحالة الالمان إلى الحجاز
الاستاذ زهير الموقر    كن أول من يقيّم

سعيد باهتمامكم بشخصى المتواضع، ولكن انا لم اغير الميل بتاعى منذ ولدت ولن اغيره يوم اموت ويوم ابعث حياً، اما الشيخ ابو البركات الذى أوضعكم السلحفاة تحت العمة لم يكن عنده ايميل وانما كان مشترك فى النت عن طريق نفحة من مولانا، وشاف الباسورد فى المنام، المهم ان ما حدث فى موضوع الرحالة الالمان وتجاوب مثقفيّ الوراق على التعاون مع اخونا السائل كشف لى مدى الثقة التى ينالها الوراق فى العالم العربى ولذا لى اقتراح هو ان يكون هناك موضع خاص بكتب السراه وابحاثهم المعاصرة، وارجو ان تكون اطلعت على موقع مكتبة المصطفى فهو موقع ثرى للغاية فى طرقة تحميل الكتاب وتعلم ان موقع الوراق ومثله من المواقع الرقمية قد حلت مشكلة الفهارس الغير متوفرة لجميع كتب التراث وعدم دقة المحقق منها، فهل هذه الميزة فى البحث سوف تسهم فى اظهار مكامن التراث الغائبة ام تحتاج الى تاصيل نظرى وعملى لآليات البحث الرقمى قد يعاوننا فيه المختصون فى علوم المكتبات?وتحياتى لشيخ السراه وراعيهم،الاستاذ زهير
عمرو على بركات
رئيس تحرير مجلة سراة الوراق النصف شهرية(مؤقتاً)
_____________
لونت مزحتك مع الشيخ أبي البركات بالأحمر يا أستاذ عمرو، وصارت لك نافذتان في قائمة السراة ريثما نعالج موضوع البريد الأول ??? (المشرف)

21 - يناير - 2007
الرحالة الالمان إلى الحجاز
على رأى المثل    كن أول من يقيّم

تجاوبا مع مثل الاستاذ زهير هناك مثل عربى قديم اورده الثعالبى" كالمنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً ابقى" او بالعامية المصرية"مثل التى رقصت على السلالم لا اللى تحت شافوها ولا اللى فوق"
اما قصص الاخت يمامة فالموضوع انها تقوم بعمل مركب فهى تترجم وتعرب فى آن واحد وهذا لبس يقع فيه المترجمون، طالما ان الترجمة ليست عن اللغة الاصلية وتتم عن لغة اخرى وسيطة هنا تكون اشكالية الصياغة الخاصة للمترجم، فهو سيد الموقف وله ان يتحرر من كل روابط اللغة فى نصها الاصلى يعنى المفارقة فى قصة الجوارب او الحبكة هربت من الاخت المترجمة لانها كانت حريصة على البناء اللغوى العربى بينما هى لو اهتمت ببناء القصة كانت ظهرت المفارقة بين الشخصيات والاحداث والسؤال الخاص بلحظة التنوير، ارجوا ان تعيد الاخت يمامة الترجمة على نفس منهج المؤلف الاصلى الذى قام بعملية الكولاج او الفلاش باك بين حدثين فى الماضى وحدث فى والواقع وربط بينهما، وربما تكون وهو الغالب انها قصة رمزية يدرك مفرداتها ابناء ثقافتها حيث دلالة الجوارب والقبعات فى ثقافة اليابان وموضوع سيول والهجرة اليها كل هذا له خلفيات فى الثقافة اليابنية وخاصة فكرة الموت عندهم وفلسفة الاغتراب، وتحياتى
 ونحن نرحب بالاخت يمامة فى قسم الترجمة بمجلتنا.
عمرو على بركات
رئيس تحرير جريدة سراة الوراق

21 - يناير - 2007
من ترجماتي
السؤال عبر اطار العقل والنقل    كن أول من يقيّم

كتب بين المنقول والمعقول
                                                                                                                     عمرو على بركات
تُعد إشكالية المسلم المعاصرة فى كيفية تعامله مع النص القرآنى، بين مالا يحول دون قداسته، وبين مالا يجعل هذه القداسة تحول دون الحداثة، وحيث أن ثقافتنا تدور فى فلك النصوص، كما أن الغرب يدفعنا أن نظل فى تلك الدائرة إلى ابد الآبدين، ليضمن بقاء تلك المسافة الحضارية بيننا وبينه، فأن المسلم الحصيف عليه أن يتحرر من طقوسه القديمة التى سيطرت عليه طوال السنوات الماضية الممتدة، وهى مجرد طقوس لا أكثر، فى التعامل مع النص القرآنى، هذا التحرر يمكنه من الفكاك للمستقبل، ومواجهة الآخر, فبين أيدينا هذه الساعات ثلاثة كتب حاول أصحابها التمرد على المنهج القائم فى التعامل مع النص القرآنى, واضعين أنفسهم بين شقىّ رحى تقديس الماضى المنقول، وإعمال الواقع فى المعقول، هم: حجة الإسلام الإمام "الغزالى"، ود." محمد شحرور"، ود." نصر حامد أبو زيد"، يعد الأول مؤسساً لمنهج تطوير التعامل مع القرآن الكريم، بين الميل كلياً إلى النقل، والمغالاة فى إعمال العقل، فأصبح للإسلام حجة، والثانى تحرر كلياً من النقل، فأسس نظرية مستقلة، والثالث استند للمنقول ليحرر العقول، فاتهم فى عقيدته.
اسم الكتاب: قانون التأويل
تأليف : حجة الإسلام أبى حامد الغزالى
الناشر: مجهول
سنة النشر: 1993
"أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزالى الشافعى الطوسى" ولد فى مدينة طوس في خراسان في حدود عام 450هـ. عالم وفقيه ومتصوِّف إسلامى، أحد أهم أعلام عصره وأحد أشهر علماء الدين في التاريخ الإسلامي، توفى سنة 1111م، يعد بمفهوم العصر مثال للمثقف العولمىّ الذى أحاط بحداثة علوم عصره من الفلسفة الغربية، وعاد ليقرا بها تراثه، ويتجادل معه، استطاع باحتراف أن ينجوا من تهم عصره التى يُرمى بها التنويريين رغم حداثة أفكاره، وجرأتها، ولذا يتعامل معه بحذر كلاً من الدعاة للأصولية الجامدة، وأصحاب الأفكار العلمانية،من أشهر مؤلفاته:"إحياء علوم الدين"،و"تهافت الفلاسفة"،و"المنقذ من الضلالة".
سؤال فضائى
مثلما يحدث اليوم، وكأن الإمام"الغزالى" ضيفاً على إحدى الفضائيات، استثاره سؤال عن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أن الشيطان يجرى من أحدكم مجرى الدم"،واستطرد السائل فى الكشف عن جوانب الإحاطة، هل هو ممازجة كالماء بالماء، ام هو مثل الإحاطة بالعود؟وهل هو يباشر القلوب من خارجها؟ ام يباشر جوهرها؟ وهل هو مثل رؤية الجن فى صورة حيوانات؟ وما علاقة ذلك بالمصروعين؟ هل هو كلام جن يصرعه؟ وازداد السائل استطراداً بالسؤال عن عرض الجنة؟ ومكان حوض الرسول صلى الله عليه وسلم؟
قانون التأويل
أعلن "الغزالى" رفضه لمثل هذه الأسئلة المتكررة, وضجره منها، وأعلن كراهيته للخوض فيها, حيث بين المعقول والمنقول تصادم، وسعى لوضع قانوناً كلياً، فقد انقسم الناس إلى جماعة مفرطة الميل إلى المعقول، وجماعة مفرطة الميل إلى المنقول، والى متوسط طمع بين الجمع، والتلفيق، فأجمل "الغزالى" أنواع العلاقات بين التراث، والحداثة، وصنف دروب البحث فى العلاقة بين المنقول والمعقول فى خمس فرق:الأولى هم الذين مالوا كلياً للمنقول، ويرى أن هؤلاء إذا تمت مواجهتهم بتناقض علنى بين ظاهر المنقول قالوا:"إن الله قادر على كل شىء"، ويرى فى هؤلاء أنهم قصروا طلباً للسلامة من خطر التأويل والبحث، فنزلوا بساحة الجهل، واطمأنوا بها.والثانية هم الذين وقفوا عند الطرف الأقصى المقابل ومالوا إلى المعقول، ولم يكترثوا بالنقل، فان سمعوا من الشرع ما يوافق رأيهم قبلوه، وان خالف رأيهم؟ قالوا إنها حالات خاصة للأنبياء فقط لا تقاس على عموم الناس، تمادوا حتى نسبوا الأنبياء عليهم السلام إلى الكذب لأجل المصلحة. والثالثة جعلوا المعقول أصلاً لهم فطال بحثهم عنه، وضعف عنايتهم بالمنقول، فتجنبوا الوقوع فى غمرة الإشكال، وجحدوا، وأنكروا كل الظواهر المخالفة للمعقول، إلا ما تواتر عندهم كالقرآن، ورأوا أن يمتنعوا عن التأويل خشية الابتعاد فى التأويل عن العقل، حتى أنهم هدموا ثوابت فى الشرع مردودة لأحاديث صحيحة، ولكنها متعارضة مع العقل. والرابعة جعلوا المنقول أصلاً لهم وطالت ممارستهم له، وتطرفوا من المعقول ولم يغوصوا فيه، فلم يكثر عندهم المحال، ولم ينتبهوا إلى الحاجة إلى التأويل. والخامسة هى فرقة متوسطة جمعت بين البحث عن المعقول والمنقول، منكرة لتعارض العقل مع الشرع، ومن كذب العقل فقد كذب الشرع، ولولا العقل لما عرف الفرق بين النبى، والمتنبى، ويرى "الغزالى" أن هؤلاء هم الفرقة المحقة، ولكنهم انتهجوا مسلكاً ما أوعره، فهو شاق وعسير.
الغزالى والإعجاز العلمى للقرآن
يرى "الغزالى" أن الفرقة الخامسة بسبب طول ممارستها للعلوم العقلية، مكن أصحابها من القدرة على التلفيق، بين المعقول والمنقول، فى الأكثر بتأويلات قريبة، وهى بمفهوم عصرنا مثل أعمال الإعجاز العلمى للقرآن الكريم، ويرى أن القائم بهذا العمل يبقى أمامه لا مفر من احتملان يقوم بأحدهما:الأول يضطر إلى تأويلات بعيدة تكاد تنبو الأفهام عنها، وموضع آخر لا يتبين له فيه وجه التأويل أصلاً، ويرى استحالة ذلك، فالإنسان محكوم بقصوره عن الإحاطة بكل العلوم ليجتمع لديه من مفرداتها ما يؤكد مباينة تأويله للمعقول،{وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} (85) سورة الإسراء، ولا يستبعد استتار بعض الأمور عن كبار العلماء، ويوصى بالكف عن تعين التأويل عند تعارض الاحتمالات، فهو يرى فى النهاية ان إجابته عن هذه الأسئلة فى مقام التأويل الذى لا ينفع والمنقول الذى لا يضر، وان الإسراف فى عمل العقل يؤدى الى تناقض الشك نهايته مهما كانت دفوع الإيمان غايته.

21 - أغسطس - 2008
ما الفرق بين الفلسفة الكلاسيكية والحديثة ثم المعاصرة؟