الرحالة الغربيون كن أول من يقيّم
اسم الكتاب: رحلة جوزيف بتس إلى مصر ومكة و المدينة المنورة تأليف:جوزيف بتس ترجمة: د. عبد الرحمن عبد الله الشيخ الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب عام النشر:1995 م رحلة الصبى جوزيف للحج ترجع أهمية رحلة "جوزيف بتس"(الحاج يوسف) إلى أنها الوحيدة التى تصف طريق الحج الغربى البرى القادم من بلاد المغرب العربى مروراً بمصر حتى الديار الإسلامية المقدسة،ويعد ثانى أوروبى يزور مكة فى التاريخ الحديث بعد "لودوفيكو دى فارتيما" الايطالى، كما يعد اصغر رحالة فقد بدأ رحلته سنة 1680م وكان عمره دون الخامسة عشر، فقد ولد فى "اكسون" بانجلترا ، ودفعه ذكاؤه إلى أن يغادر انجلترا فيما يقول عنه الرحالة"بيرتون" ليرى العالم، فعمل بحاراً وهو فى السادسة عشر من عمره على إحدى السفن، ووقع فى اسر احد البحارة الجزائريين، فاتخذه عبداً وعاش "بتس" فى كنف سيده بضع سنين، ثم اصطحبه ليحج معه إلى مكة، وسلكا طريقاً بحرياً إلى الإسكندرية، فرشيد، ثم أبحرا فى النيل إلى القاهرة، ثم إلى السويس فالطور فرابغ على الساحل الشرقى للبحر الأحمر، وكان سيده قائداً لكتيبة خيالة، روى عنه"بتس" انه كان فى شبابه خليعاً، إلا انه بعد رحلة الحج اعتقه سيده، وعاش فى الجزائر باختياره، وكان يتقن اللغة العربية، والتركية، وعرف "بتس" الشرق العربى فى الوقت الذى كانت فيه الحروب مستعرة بين البربر والمورسكيين، وهم المسلمون الذين طردوا من أسبانيا، تؤازرهم الدولة العثمانية، حتى أصبح يقال عن الشخص الذى تحول للإسلام بأنه أصبح تركياً. المنادى للحج فى الجزائر عندما تكون إحدى السفن جاهزة للإبحار إلى الإسكندرية، ينادى المنادى فى مدينة الجزائر التى كان يعيش فيها"متس" معلناً إقلاعها، ويذكر أن الحاج بالبحر يكون سعيداً لأنه أقل تكلفة، وأكثر أماناً من السفر بالبر،وتستغرق الرحلة ثلاثين، أو أربعين يوماً حتى تصل إلى الإسكندرية، مكث بها عشرين يوماً، ومنها انتقل إلى القاهرة، ثم السويس، ووصل إلى الطور بعد إبحاره بيومين، ومكث مبحراً فى البحر الأحمر حوالى شهر إلى أن وصل إلى مقام الشيخ"حسن المرابط" وهو ولى من أولياء الله الصالحين، وبعد بضعة أيام يصل إلى رابغ، حيث لبس كل الحجاج ملابس الإحرام، فيما عدا النساء، ويصف ملابس الحجاج فبقول:" ولبس كل واحد منهم قطعتين من القماش القطنى الأبيض،إحدى القطعتين تلف حول الوسط وتغطى الجزء السفلى حتى الأعقاب، والقطعة الثانية تغطى الجزء العلوى من الجسم عدا الرأس، ويلبس الحاج فى قدمه خفاً غير مخيط، ولا يغطى الجزء العلوى من القدم عدا الأصابع، وتؤثر الحرارة تأثيراً شديداً فى ظهورهم، وأذرعهم، ورؤوسهم، حتى لو تعرض أحدهم للإعياء فان الشريعة لا تسمح له بان يضع فوق رأسه غطاء" الدليل ووصل"بتس" إلى جدة، وهى أقرب الموانى إلى مكة، والتى لا تبتعد عنها أكثر من يوم، ويستعرض كيف قابل احد الأدلاء القادمين من مكة ليدلهم على كيفية أداء مناسك الحج، فقد كان جميع الحجاج المرافقين يجهلونها، و بمجرد وصولهم إلى مكة سار بهم الدليل فى شارع يتوسط البلدة، ويؤدى إلى الحرم، وبعد اناخة الجمال، وجههم الدليل إلى حوض الماء للوضوء، ثم توجه بهم ليدخلوا إلى الحرم من باب السلام، بعد أن تركوا أحذيتهم عند شخص موكل بها عند الباب، وعندما وقع نظر الحجاج للمرة الأولى على الكعبة فاضت عيونهم بالدمع، وهم يرددون خلف الدليل كلماته،ولم يستطع "بتس" أن يكبح دموعه من الانهمار عند رؤية حماس الحجاج، وان كان قد وصفهم بالكائنات البائسة،وبعد أن أتم الطواف والسعى بين الصفا والمروة، عاد إلى مكان اناخة الجمال، وبحثوا عن سكن، ويصف كيف أن الحجاج يعملون على استغلال كل وقتهم فى مكة بالعبادة، وراحوا يقضون وقت فراغهم فى الحرم يطوفون حول الكعبة التى تبلغ حوالى أربعة وعشرين خطوة مربعة، وقد تم تثبيت حجر أسود فى أركان بيت الله. ويصف "بتس" حمام مكة فيقول:" وفى مكة آلاف من الحمام الأزرق لا يجرؤ احد على صيده، أو إيذائه، وبعضه أليف لدرجة انه يتناول قطعة لحم من يدك، وقد قمت بنفسى كثيراً بإطعامه فى المنزل الذى أقيم به، وهذه الحمائم تأتى فى أسراب كبيرة إلى الحرم حيث يقدم لها الحجاج الطعام، فثمة اناس فقراء من أهل مكة يأتون للحجاج حاملين معهم نوعاً من الأوانى مصنوعة من الخزف مليئة بالحبوب ويتوسلون للحجاج طالبين منهم شراء بعض الحبوب لإطعام حمام النبى(ص) وقد سمعت أن هذه الحمامات لا تطير أبداً فوق الكعبة كما لوكانت تعلم أنها بيت الله الحرام، ولكنى اعتقد أن هذا خطأ كبير، فقد رأيت هذه الحمائم تطير فى الغالب فوق الكعبة". فى جوف الكعبة وقد كان وقت حج "بتس" مباحاً لجميع الحجاج الدخول إلى جوف الكعبة فقد وصفها يقول:" وعندما يدخل اى مسلم للكعبة فان عليه أن يصلى ركعتين فى كل ركن من أركانها..وهم يصلون بخشوع كامل واستغراق شديد، فهم لا ينشغلون بالتطلع والحملقة حولهم، لأنهم يعتبرون ذلك إثما، بل يقولون أن من يتطلع فى جوف الكعبة يصاب بالعمى.. ولم أضع هذه الأقاويل فى اعتبارى، واعتقد اننى لم أجد فيما رأيت شيئا غريباً فلم أرى سوى عمودين خشبيين فى الوسط لمساندة السقف، وقضيبا حديديا مثبتا فيهما، علقت عليه ثلاثة مصابيح فضية،أو أربعة، واعتقد انه من النادر إضاءتهم، وأرضية الكعبة من الرخام، وكذلك الجدران الداخلية، وثمة كتابات على هذه الجدران الداخلية، لم يكن لدى الوقت الكافى لقراءتها، ومع أن الجدران الداخلية مغطاة بالرخام إلا أنها مغطاة بالحرير على ارتفاع قامة الحجاج، ولا يمكث الحاج فى داخل الكعبة إلا لحظات قليلة، فنادرا ما يمكث احد أكثر من ثمن ساعة، لان هناك آخرين ينتظرون دورهم للدخول..وعند غسيل الكعبة بماء زمزم يتم إبعاد السلم المتحرك،فيتزاحم الناس ليلتقوا ماء غسيل الكعبة، أما المكانس، التى ينظف بها بيت الله الحرام فيتم تكسيرها إلى قطع صغيرة، وتنثر فوق الحجاج المجتمعين، ويحتفظ من يحصل على عصا صغيرة من هذه المقشات بها كذكرى مقدسة". اسم الكتاب: رحلات فارتيما(الحاج يونس المصرى) تأليف: لودوفيكو دى فارتيما ترجمة: د. عبد الرحمن عبد الله الشيخ عن ترجمةجون وينتر جونز الانجليزية عن الايطالى. الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب. عام النشر:1994م الحاج فارتيما الايطالى ورد ذكره فى موسوعة التراجم العالمية المطبوعة فى باريس سنة 1827م،فقط نص فرنسى نعرف منه انه رحالة ايطالى قام برحلة فى القرن السادس عشر، وان هذه الرحلة هامة جداً للمشتغلين بتاريخ الجغرافيا وللمؤرخين بشكل عام، فقد ولد"فارتيما"(1470 ـ 1517م) فى بولونيا بايطاليا، وانه رحل منها إلى البندقية، وقد ذكر هو فى رحلته أن والده كان طبيباً، وقد تمت الرحلة فى أواخر القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر، حيث كانت أوربا تعيد تقييم معارفها عن العالم الاسلامى، غادر أوروبا قرب نهاية 1502م، وفى مطلع 1503م وصل إلى الإسكندرية وعبر النيل وصل إلى القاهرة، ثم عاد فأبحر من الإسكندرية إلى بيروت، ثم طرابلس، وحلب، ودمشق، وخلال رحلته قام بتثقيف نفسه ذاتياً بالثقافة الإسلامية، وفى حامية مملوكية بمصر كان قد أعلن إسلامه وسمى نفسه"يونس" ومن دمشق ذهب إلى مكة للحج، فى يونيو 1503م، ومن ميناء جده يبحر إلى جنوب البحر الأحمر وعبر مضيق باب المندب يصل إلى مدينة عدن، وهو فى طريقه إلى الهند، ويقبض عليه فى عدن بتهمة التجسس للمسيحية، ولكن يفرج عنه، ويستأنف رحلته إلى صنعاء، ويأخذ سفينة من ميناء عدن إلى الخليج الفارسى، وفى الطريق يزور بلاد الصومال فى أوائل عام 1504م. من دمشق إلى مكة تحرك من دمشق صوب مكة فى اليوم الثامن من شهر ابريل سنة 1503م، ونجح فى تكوين صداقة عميقة مع القائد المملوكى للقافلة، والذى كان أصله مسيحياً، وتحول للإسلام، والبسه لباس المماليك، ومنحه حصاناً جيداً، وكان قد جعله بصحبة المماليك الآخرين، حتى وصلت إلى موقع يعرف بالمزريب، وهو مكان تجمع القوافل قبل التوجه إلى مكة، وفى طريقه مر بمدينتى سدوم وعاموراء، والوارد ذكرهما فى الكتاب المقدس إنهما خربتا بسبب معجزة الرب، وهذا ما اقره "يونس" بان الكتاب المقدس لم يكذب، وأثناء عبور الوادى الذى يبلغ طوله على الأقل عشرين ميلاً، مات منهم ثلاثة من بين ثلاثة وثلاثين شخصاً عطشى، وقد دفن كثيرون فى الرمال، وتركت رؤوسهم دون أن تغطى بالرمال، لأنهم لم يكونوا قد اسلموا الروح تماماً، وعثروا بعدها على بئر بها ماء فعمهم الفرح، وفى اليوم التالى قدم 24الف بدوى قائلين أن الماء ماؤهم وانه يجب أن يدفعوا لهم، ولما اخبروهم أنهم لايستطيعون الدفع لهم شرعوا يقاتلونهم وحاصروهم نهارين وليلتين، ونفذ منهم الماء والطعام، وبدأت الحرب معهم، إلا أنهم لم يستطيعوا المواصلة، فتناقش قائد القافلة مع التجار المسلمين وانتهى الأمر بان قدموا للبدو 1200من الدوكات الذهبية، وانتهت الحرب مع البدو العراة الذين يركبون خيولاً غير مسرجة. جبل الأقزام فى نهاية اليوم الثامن وجد"يونس" جبل محيطه بين عشرة أميال واثنى عشر ميلا يقطنه ما بين أربعة آلاف وخمسة آلاف يهودى، يروحون ويجيئون عراة، ويبلغ طول الواحد منهم خمسة أشبار أو ستة، وأصواتهم كأصوات النساء، ويغلب عليهم السواد، ولا يأكلون إلا لحوم الغنم، وهم مختونون، ويعترفون بأنهم يهود، وإذا ما وقع احد المسلمين بين أيدهم سلخوه حياً، وعند سفح هذا الجبل وجدوا بركة ماء حملوا من مائها الكثير، وكان اليهود غير سعداء بفعلتهم هذه. فى المدينة المنورة يصف"يونس" المسجد النبوى فيقول:" كى نشرح لك عقائد المسلمين، يجب أن تعلم انه فوق القبة التى تحتها قبر النبى(ص) يوجد المقام، ويمكن أن تطوف فى داخله، وهناك خدعة يدلسون بها على كل أفراد القوافل فى أول ليلة يصلون فيها لقبر الرسول(ص)، فقائد قافلتنا أرسل لقيم المسجد النبوى وطلب منه أن يريه جسد النبى(ص) مقابل أن يعطيه 300 أشرفى ذهباً... وعندئذ أجابه القيم بخيلاء وغضب:"كيف لعينيك التى اقترفت الكثير من الذنوب والمعاصى فى هذه الدنيا أن ترى الرسول(ص) الذى من اجله خلق الله السماوات والأرض!" وقال له قائد القافلة :"اعمل معروف ودعنى أرى جسده الطاهر وبمجرد أن أراه سأفقأ عينى حباً له".. وعاد إليهم قائد القافلة يقول:" انظروا كيف كنت أريد أن أبعثر 300 اشرفى" وكانت قافلتنا قد عسكرت بالقرب من البوابة على بعد مرمى حجرين، وقد بدأ المسنون فى الصياح "لا اله إلا الله..محمد رسول الله"فلما سمع القائد هذه الضوضاء أسرعنا إلى أسلحتنا بأيدينا ظانيين أنهم بدو يزعمون سلب القافلة، وقلنا لهؤلاء المسنين: لما هذه الجلبة? وماذا تقولون?.. أجابنا هؤلاء المسنون قائلين: أنت ما تبصر النور اللى بيجى من بيت النبى ورا من السما?..انتم مماليك لا تستطيعون رؤية هذه الأمور الروحية، فأنتم لستم صادقين فى عقيدتكم" مكة وصل "الحاج يونس" إلى مكة فى الثامن عشر من شهر مايو، وكان دخوله إليها من ناحية الشمال حيث يصف دخوله لمكة قائلاً:" وبعد دخولنا مباشرة وجدنا أنفسنا ننحدر نحو السهل، ويوجد جنوب مكة جبلان يكاد احدهما يلامس الآخر، وبينهما بوابة تفضى إلى بوابة مكة والى جهة الشرق يوجد ممر جبلى آخر وكأنه واد يمر عبره الطريق المؤدى إلى جبل عرفات،.. ويعانى أهل مكة من نقص كبير فى المياه فإذا أراد احد منهم أن يشرب كمية الماء التى يحتاجها، تكلف أربعة كاترينات فى اليوم الواحد، وجانب كبير من مئونتهم يأتى من القاهرة عبر البحر الأحمر،كما ترد لمكة من الهند كميات كبيرة من الجواهر وكل أنواع البهارات، ومن أثيوبيا ومن البنغال، وكميات كبيرة من الأقمشة القطنية والحريرية" ويترك "الحاج يونس" وصف مدينة مكة العمرانى والاقتصادى، ويصف الحرم المكى وقت رحلته :" فى وسط مكة يوجد مسجد جميل يشبه الكولوزيوم فى روما، إلا انه غير مبنى بالحجارة الضخام، وإنما من طوب أحمر، وله تسعون بابا، أو مائة باب، ذوات أقواس، وعند دخولنا المعبد انحدرنا عشر درجات، أو اثنى عشر درجة، وحول هذا المدخل كان يجلس باعة يبيعون الجواهر ولا شىء غير الجواهر، وعندما تنزل الدرجات المذكورة تجد كل أنحاء هذا المسجد وكل شىء حتى الجدران مغطاة بالذهب، وتحت أقواس المسجد يجلس حوالى 4000 أو 5000 إنسان رجالا ونساء يبيعون مختلف أنواع المواد العطرية، ولا استطيع أن اصف لكم روعة الروائح التى شممتها فى هذا المسجد، إنها تظهر كرائحة مشبعة بالمسك زاخرة بأكثر العطور إنعاشا ابتهاجا.. وفى موضع آخر من المسجد الحرام ثمة مكان مسور يوجد به اثنان على قيد الحياة من حيوان وحيد القرن، قد أهداهما ملك أثيوبيا إلى سلطان مكة تعبيراً عن ولائه له" . عمرو على بركات |