البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات الشحي راعي رؤوس الجبال

تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
بو شباب وين قبيلة الشحوح    كن أول من يقيّم

في أوائل عام 1930م قام الشحوح بثورة ضد النفوذ و التدخلات البريطانية في الثورة التي عرفت في المصادر البريطانية باسم : حادثة السفينة ( أورموند ) وعرفت أيضا ً باسم : ثورة الشيخ حسن بن محمد شيخ مدينة خصب وما جاورها ، و الحقيقة أن حادثة ثورة الشحوح هذه تعطينا فكرة واضحة عن مدى تنامي الشعور القومي العربي و الشعور الإسلامي الديني لدى الشحوح . فلقد كان الدفع القومي العربي ، وموجة الكراهية ضد الإنجليز سائدة في بقية أقطار الأمة العربية ، وقد أوصلت أصواتها إلى المنطقة ، فكانت الصحف المصرية و العراقية وكذلك الصحف الهندية المعارضة للوجود البريطاني تصل إلى المنطقة ، فيتأثر بها الشحوح وكل أبناء الخليج العربي مما أدى إلى تزايد الشعور بالعزة القومية العربية . وفي الوقت نفسه كانت الحكومة الإيرانية تبدي اهتماما ً خاصا ً بمنطقتي رأس مسندم ورؤوس الجبال بصورة عامة ، وكانت ترى أن سيطرتها على تلك المنطقة أمر ضروري لتأمين خطي الملاحة الجوي و البحري بين الهند و بريطانيا . وقد ازدادت مخاوف إيران عندما علمت أن بعثة مسح بريطانية ستقوم بمسح المنطقة جغرافيا ً وطبيعيا ً للقيام لإنشاء القواعد العسكرية فيها . لذلك قامت إيران معتمدة على كراهية الشحوح الفطرية للإنجليز وتعصبهم الشديد للإسلام بإنفاد الموفدين إلى المنطقة لإثارتها ضد التدخلات الإنجليزية هناك. والحقيقة أن بريطانيا اهتمت بمنطقة رؤوس الجبال مرة أخرى هذا العام ، ويهدف القيام بمسح المنطقة لأغراض عسكرية أو سياسة فإنها أوفدت سفينة أبحاث هي المسماة ( أورموند ) وعليها فريق من الجيولوجيين لدراسة منطقة رؤوس الجبال . -------------------------------------------------------------------------------- وعندما وصلت السفينة إلى المنطقة ثار الشحوح ومنعوها من الاقتراب من مياههم الاقليمية . وفي الواقع ، فإن ثورة عام 1930 هذه جسدت حقيقة مهمة وهي وحدة الشحوح التامة ، فتلك القبائل وإن كانت تختلف أحيانا ً فيما بينهما إلا أنها إزاء الخطر الخارجي يد واحدة . وهكذا اجتمع الشحي من بني هدية بأخيه الشحي من بني شتير ووقفا موقفا ً واحدا ً ضد الإنجليز كما سنرى في التفاصيل . وعلى حال فإن السفينة الإنجليزية أورموند ألقت مراسيها أمام مدينة ( خصب ) وكان حاكمها الشيخ حسن بن محمد الشحي الذي قام بالاتصال بكافة شيوخ الشحوح و أخذ موافقتهم على الحؤول دون الباخرة و الاقتراب من البر ، وأرسل تهديدا ً لربان السفينة ومن فيها بعدم الاقتراب من اليابسة . كان ذلك في أوائل عام 1930م وبقيت السفينة وسط المياه وأرسلت رسالة إلى المقيم البريطاني في مسقط واسمه برترام توماس تطلب منه حلا ً . وقبل أن ندخل في تفاصيل الأحداث ، لا بد أن نذكر هنا ماذا كان انطباع برترام توماس عن الشحوح بصورة عامة : يقول توماس في كتابه مخاطر الاستكشاف في الجزيرة العربية عن ذلك الموضوع : في منطقة مسندم أو رؤوس الجبال تعيش قبائل تتسم بالقوة و العنف هي قبائل الشحوح ، بحكم وعورة منطقتهم وبعده صاروا يتمتعون بشيء من الانعزال بحيث أصبحوا يعتبرونه لونا ً من ألوان الاستقلال . و التركيب القبلي في هذا الجزء ذو طبيعة عسكرية ( يقصد الشحوح ) وهم أي نوع من النظم الحكومية المعروفة ، كما أن هذه المنطقة تشكل نموذجا ً للأقاليم الشرقية البعيدة كأقليم كردستان بالنسبة للهند . فما إن تضعف السيطرة المركزية في مثل هذا الأقليم حتى تنفجر وتتمرد . مثل هذه الموافق ليست لها أسباب سياسية بالمعنى الإيديولوجي للكلمة أي أن مثل هذه الأقاليم لا مطالب قومية لها على الاطلاق ( كذا ) و إنما ينشأ هذا الموقف من تقييم خاطئ للواقع يؤدي بالناس في لحظة من اللحظات إلى أن يفعلوا شيئا ً ما إذا كان لا بد للشعور القبلي أن يعبر عن ذاته . -------------------------------------------------------------------------------- فالقبلي ( يقصد الشحي ) لا يكن احتراما ً فطريا ً للقانون و إنما العكس هو الصحيح ، كما أن العدالة و المساواة بوصفهما اعتبارات مجردة لا تستأثر باهتمامه ، فضلا ً عن أن العدالة و المساواة بوصفها اعتبارات مجردة لا تستأثر باهتمامه ، فضلا ً عن أن مظاهر الحياة المدنية وأجهزتها مثار احتقاره وسخطه ، ومن ثم فإن الرجال المسؤولين عن إدارة شؤونه لابد و أن يقدروا فيه تلك الصفات و أن يدركوا أيضا ً أن القبلي يعبد القوة دون سواها وأنه في المدى البعيد ولكي يتلاءم بشكل أو بآخر مع أشكال الاقتناع بالوضع ، أي بالتهديد بالقوة . وإذا تعذر ذلك فبالحقائق ، وإذا ما جردت أنت من مظهر القوة فإنه قد يسلبك أموالك و حياتك إن استطاع أما بالنسبة لقبيلة الشحوح فإن هذه الاعتبارات لم تكن قائمة في ذلك الوقت فالتمرد الذي وقع في المنطقة كانت دوافعه من الخارج . وهذا ما عرفته من أحد الشيوخ المقربين من مسندام والذي كان يعتبر من أكثر الشيوخ ثقافة واستناره . ففي أعقاب الحرب العالمية كانت الصحف المصرية و الهندية و العراقية التي تعالج الشؤون السياسية بدأت تنتشر في عمان ، وكانت النافذة التي تطل منها أبناء العالم على أسماع أهل المنطقة . أما السبب الآخر في الاعتراض على وجود السفينة ( أورموند ) فكمن في كره الشحوح لكل ما هو أجنبي . -------------------------------------------------------------------------------- وعلى كل حال فإن موطن الشحوح منطقة محظورة على الأجانب حتى أن أي أوروبي لم يجرؤ على اختراقها ، حتى ولا التجار الهنود الذين تعج بهم منطقة عمان وسواحلها قد استطاعوا أن يستقروا أو يجدوا عملا ً في منطقة الشحوح . فالشحي يقسم البشر إلى قسمين : مسلمين أو مشركين . أما نظرية التسامح تجاه المسيحيين و اليهود باعتبارهم من أهل الكتب السماوية فتقتصر على رجال الدين فقط . وهكذا الأمر بالنسبة لرجال السفينة أورموند فقد اعتبر الشحوح رجالها من الصنف الثاني أي من المشركين . إلى هـــــنا ينتهي تقرير المقيم السياسي برترام توماس حول الشحوح في تلك الحقبة التاريخية من الزمن .

31 - يناير - 2004
مملكة هرمز