مطر الخريف
(كاواباتا ياسوناري)
.1 _ لقد رأيت بام عيني وابلاً من النيران
المتساقطة على جبال مغطاة
باوراق خريفية قرمزية اللون
.2 _ ترتفع الجبال شاهقة وقريبة جداً
من جانبي الجدول الذي بدا كوادِ عميق
حيث لم يكن بامكاني رؤية السماء الا
اذا نظرت عاليا, وكانت السماء زرقاء الا
انه قد لفتها عتمة خفيفة حيث ان وقت
المساء قد اقترب .
.3 _ حتى الصخور البيضاء في قاع النهر
بدا عليها نفس المسحة . ربما اكون قد
شعرت بحلول المساء من خلال استقرار
أوراق الخريف المتساقطة والتي احاطت
بي من جميع الجهات ولكن لم يكن هناك
انعكاس للاوراق على مياة النهر الزرقاء
والعميقة وقد تساءلت لماذا, وفي تلك
اللحظة بدأت ارى مشهداً ( منظرا ) لوابل
النيران المتساقطة فوق المياه الزرقاء .
.4 _ وما شاهدته لم يكن شرارات من
النيران الماطرة في وسط الهواء ولكنها
شظايا صغيرة لضوء يضطرب على سطح
الماء . لم يكن هناك ادنى شك بأن هذه
الشظايا كانت تتساقط من السماء
وتختفي في المياه الزرقاء الواحدة بعد
الاخرى ولم يكن بامكاني رؤيتها الا بعد
اصطدامها بالماء لانها تتساقط على خلفية
من الاوراق المتساقطة سابقا .
.5 _ وتطلعت الى اعلى الجبال وعبر
السماء كانت هناك شرارات لا يمكن
حصرها تتحرك بسرعة مذهلة , واثناء
مشاهدتي تلك , فان السماء كانت
تبدو كنهر جارِ , نهر يحمل كل تلك
الشرارات من النار بين قمم الجبال .
.6 _ كان ذلك حلم رأيته وانا على متن
قطار سريع متجه الى كيوتو بعد حلول
المساء حيث اخذتني غفوة لمدة قليلة.
.7 _ كنت في طريقى للقاء شابة في
فندق كيوتو كانت احدى فتاتين اتذكرهما
من ايام الدراسة عندما ادخلت في وقتها
المستشفى لاجراء عملية جراحية لازالة
حصوة في المرارة منذ خمس عشرة سنة
مضت.
.8 _ في وقتها كانت احدى هاتين
الفتاتين طفلة ولدت بدون مجرى للقناة
الصفراوية حيث ان المواليد بمثل هذه
الحالات لا يعيشون غالبا الا لمدة سنة
واحدة, وقد اجريت لها جراحة لادخال
مجرى صناعي بين الكبد والحويصلة
الصفراوية , وقد لمحتها عندما كانت في
الممر تحملها امها على ذراعيها ,
اقتربت منها ونظرت اليها ملياً قائلا :
مبروك " تبدو رائعة !". اجابت الأم :
شكرا لك " لقد قالوا بانها لن تعيش
وستموت اليوم او غداً ! " , " انا بانتظار
احدهم ليقلنا الى المنزل . "
كانت الطفلة تنام بسلام وقد بدت
ملابسها بتصميم الكاميلا واسعة حول
الصدر ربما بسبب الأربطة الطبية التي
تغطي جروح العملية .
كانت فكرة طائشة ان اتحدث مع الام
بتلك الطريقة , ولكن وجودي مع رفاق
مرضى كان يشعرني بالارتياح وعدم الحرج
.كان ذلك المستشفى مختصا بالجراحة
حيث اتى العديد من الاطفال لاجراء
عمليات جراحية في القلب , كانوا يلعبون
في الممر وبجوار المصعد, كنت اشعر
برغبة في الحديث معهم, وكانت
اعمارهم تتراوح بين الخامسة والثامنة .
ان الأطفال الذين يولدون بعيوب خلقية في
القلب يجب ان تجرى لهم العمليات
الجراحية وهم لايزالون صغار , فبدون تلك
الجراحات قد يتعرضون لخطر الموت المبكر.
.9 _ من بين اولئك الاطفال , لفتت
انتباهي طفلة كنت اراها في المصعد ,
تقريبا كلما صعدت فيه , وتبلغ من العمر
حوالي خمس سنوات , كانت تجثم في
زاوية من المصعد ويبدو وجهها المتجهم
من بين سيقان الناس الاخرين .
كانت عيناها الحادتان تتلألآن بشدة
وشفتاها المتمردتان مطبقتين ( مزمومتين ).
وحسب قول ممرضتي فإن الفتاة تستقل
المصعد لمدة ساعتين او ثلاث يوميا .
عندما رأيتها تجلس على المقعد في
الممر كانت تبدو عليها نفس النظرة
المتجهمة, وعندما حاولت الحديث معها
لم تشملني حتى ولو بنظرة واحدة .
.10 _ " يالها من طفلة واعدة بمستقبل
زاهر! " هذا ما قلته لممرضتي. لكن فجأة
لم نعد نراها!!. سألت الممرضة :
" أُجريت لها العملية ? اليس كذلك ?
هل هي بخير ? " . اجابت الممرضة:
" لقد عادت للمنزل بدون ان تجري لها
العملية " . " فقد رأت طفلا يموت في
نفس الغرفة , ولم تفلح اي طريقة لثنيها
عن العودة لمنزلها " . " آه ... فهمت
ولكن في تلك الحالة ألن تموت صغيرة ? "
.11 _ الآن انا في طريقي الى كيوتو لاقابل
تلك الفتاة بعينها, والتي غدت امرأة شابة
اليوم .
.12 _ أيقظني من غفوتي صوت قطرات
المطر التي تصطدم بنوافذ قطارالمسافرين.
وقد تلاشى حلمي. كنت واعيا عندما كان
المطر ينهمر على نوافذ القطار , عندها
بدأت اغفو , من الواضح ان الجو كان
عاصفا بحيث اصبحت طرقات المطر تسمع
داخل القطار . وكانت قطرات المطر التي
تصطدم بنوافذ القطار تتسرب بشكل مائل
على زجاج النوافذ ولكنها كانت لا تزال
محتفظة باشكالها . كان بعضها يتسرب
من احد ى الحافتين الى الاخرى من
النافذة واثناء جريانها كانت تتوقف لحظات,
ثم تتحرك قليلا , وتتوقف مرة اخرى , ثم
تتابع تحركها بعدها .
وخلال مراقبتي لحركتها بدأت استمع الى
ايقاع . فبعضها يتحرك بسرعة, والاخرى
تسقط للأسفل, وقد رسمت قطرات المطر
كل انواع الخطوط المتداخلة على النافذة,
ولذلك كانت تسمع كايقاع , كموسيقى.
.13 _ لم تكن رؤيتي للنار المتساقطة
على جبال الخريف مصحوبة بأي صوت .
ومع هذا لم يكن هناك شك بان موسيقى
قطرات المطر المتساقطة على النافذة قد
اصبحت الرؤيا .
.14 _ وبناء على دعوة تاجر كيمونو كنت
اعرفه , كان علي حضور عرضا أزياء
للسنة الجديدة في فندق كيوتو بعد يومين
وضمن قائمة العارضات المشاركات ميزت
اسم بيبو ريتساكو , لم اكن لأنسى اسم
تلك الفتاة الصغيرة , على الرغم من انني
لم اكن اعلم بانها قد اصبحت عارضة ازياء
, لم اكن مسافرا الى كيوتو لرؤية ازياء
الخريف , بل لرؤية ريتساكو.
.15 _ استمر هطول الامطار طوال اليوم
التالي ايضا, لذا امضيت الأمسية بمشاهدة
التلفاز في بهو الطابق الرابع.
وكان من الملاحظ وجود ثلاث او اربع
استقبالات زواج تتم في الغرف المجاورة ,
وكان البهو مزدحما بالضيوف الذين اتوا لذلك
الغرض. رأيت عروسا تمر بي وهي ترتدي
زياً رسمياً . وكانت تلتقط الصور للعرسان
الجدد الذين انتهوا من مراسم سابقة في
موقع خلفي، لذا استدرت لمشاهدتهم ايضا .
.16 _ حضر مضيفي تاجر الكيمونو لتحيتي
وسالته ان كانت بيبو روتساكو موجودة ,
واشار بعينيه الى موضع بالقرب مني ,
تلك هي , تقف قرب نافذة يغطيها ضباب
المطر, مصوبة نظرها نحو عروس وعريسها
يتم التقاط صور لهما.
كانت شفتيها مزمومتين . لقد عاشت
حتى اصبحت امرأة طويلة وجميلة .
كنت اتوق ان اتوجه نحوها واسألها
إن كانت تتذكرني, ولكني تمالكت نفسي
عن فعل ذلك .
.17 _ همس التاجر في أذني :
" سترتدي كيمونو عروس في عرض يوم
غد" .
____________انتهت__________________