 | عندما يموت العقل ... كن أول من يقيّم
بسم الله الرحمن الرحيم
في البداية أقدم الشكر إلى صاحب هذا الموضوع والذي بطرحه فتح باباً واسعا من التأمل في المأساة التي تمر بها امتنا الإسلامية والعربية ,من خلال قرأة سريعة لما أتى في كتاب الغامدي لم يشدني شيء أكثر من ما شدتني هذه الجملة : (( الحداثة و العلمانية هي سموم فكرية و مفاهيم ضلالية و خمور فكرية.)) والتي اعتقد أنها تمثل الأساس الفكري والهدف الرئيسي للغامدي والتيار الذي ينتمي إليه في حربهم التكفيرية .
شدني انه يجعل الحداثة والعلمانية في مقام واحد وكأنهما وجهان لعملة واحدة تتشاركان في الصفات التي يصفهما من دون تمييز , وربما يعتقد أن الحداثة هي العلمانية بعينها لا فرق بين الاثنين , من خلال هذا الواقع الذي يعرض لنا صورة واضحة عن البرنامج النموذجي للتفكير التكفيري والذي انفردت به السلفية دون باقي المذاهب الإسلامية نستطيع أن نتعرف على نظام يسعى إلى فرض الهيمنة الفكرية على المجتمعات الإسلامية والعربية عن طريق إقصاء الآخر بالموت أو التكفير , ولا ننكر أن هذا التيار له مساحته الغير صغيرة في أوساط مجتمعاتنا والشواهد على هذا كثيرة , يجول في ذهني احتمالان لفكرة الكاتب في جملته هذه , الأولى : أن الكاتب غير مدرك لمعنى الحداثة والعلمانية كل على حده ولهذا يصفهما بما وصف , والاحتمال الثاني : أن الكاتب مدرك تماما لمعنى الحداثة والعلمانية ولكنه ينفيهما بكل أشكالهما من الأساس , فإن كان يدري فتلك مصيبة وإن كان لا يدري فالمصيبة أعظم , ففي الاحتمال الأول تكمن المشكلة في أن الكاتب يجهل أساسا معنى ومفاهيم كلتا الكلمتين وهو يتصور انه عارف بهما فهنا نراه قد وقع في جهل مركب يجر ورائه الأفكار البسيطة إلى العداوة والبغضاء تجاه أمور ليس لهم معرفة بها في حقيقة الحال سوى ما يمليه عليهم شيخهم , وهنا في اعتقادي يكون البناء الأعوج للأسس الاجتماعية للمجتمع الإسلامي الذي تفرد به مشايخه في توظيف الدين على أساس ما يرون فيه مصلحة لمآربهم , فترى في بعض الدول الإسلامية حتى الآن من لا يعترف بهبوط الإنسان على سطح القمر بل ويعتبر ذالك كفرا ,
هذا في الاحتمال الأول ,وأما في الاحتمال الثاني فهذا ما أراه مصيبة بحق هو معرفة الكاتب بما يقول , فنفيه وإقصائه للحداثة وهي (( القانون الطبيعي للمسيرة الإستمرار والبقاء الإنسانية )) يعني أنه يدعو الأمة الإسلامية والعربية إلى قتل العقل والتمثل بالشيخ ابن تيمية , وترك التفكر والتأمل ونبذ الإشراك في قافلة التطور البشري , أي انه يدعو امة بأكملها للموت طوعا ورهبا , فما هي اللغة التي تعتقدون بأننا بها نستطيع أن نواجه هذا المد الحجري والذي اكل الدهر عليه وشرب ومع الاسف الشديد عاد إلينا الان متلبسا بحجة الإسلام ?!!
ينتصر الحق عندما يجادل العقل, ولكنه مهزوم إذا جادله الجهل.
لكم مني التحية والتقدير
| 22 - فبراير - 2006 | أطروحـة كونـية..! |