تغيير الإدارة التربوية كن أول من يقيّم
فهمت من النقاش المراد إثارته من قبل الأخ "الزائر" أن مسؤولية تسيير الشأن التعليمي تهم الإدارة التربوسية بشكل مباشر وأنها هي وحدها التي يجب أن تضطلع بهذا الأمر المضني والشاق. هذا التساؤل في غير محله ومحاولة تحميل الإدارة التربوية كامل المسؤولية في ما يقع من تجاوزات وسلوكات لاتربوية، هو أمر غير مقبول في التربية الحديثة.
لقد كان التسيير الإداري في المؤسسات التعليمية في الماضي سلطة يتحمل الدير في إطارها كافة الأعباء التي تهم السير الطبيعي للدراسة سواء تعلق ذلك بالجوانب التربوية أو التدبير المادي والمالي. هده الممارسة كانت مرتبطة بعقلية لا تؤمن بالتسيير الديموقراطي ويعتقد أصحابها أن الشؤن كلها ينبغي أن تكون ممركزة في يد واحدة وأن إشراك الأطراف الأخرى هو ضرب من "الفوضى" ونوع من التسيب الذي تكثر فيه الآراء وتتداخل فيه الأفكار مما يؤدي بلإدارة إلى فقدان "هيبتها" وتقلص صلاحياتها في فرض " النظام".
إن ميل مجتمعاتنا إلى إرار الديموقراطية لا يمر حصريا عبر الهيئات السياسية والأنظمة التشريعية، بل يبدأ من المدرسة بالدرجة الأولى. لاعتبارات عدة أهمها أن المدرسة بذرة وثمر، فهي بذرة لأن الطفل يتلقى فيها مجموعة من المعارف ويستضمر القيم المجتمعية وينمو كما ينمو أي كائن حي، وعندما يكبر و يصير عضوا فاعلا داخل مجتمعه يتحول من بذرة إلى ثمرة، فينقل تلك المعارف وتلك القيم على وجه التحديد إلى أبنائه وكل الأفراد الذين سيحتك بهم أو يتفاعل معهم في مسار حياته.
على هذا الأساس ينبغي أن تنفتح المدرسة على محيطها ويكون التعليم شأنا مجتمعيا يهم المتعلم وهيأة التدريس ورجال الإدارة التربوية والآباء والمنتخبين وكل القطاعات الحكومية المعنية بالتربية والتكوين. إن الإدارة وحدها في ظل تعقد شروط الحياة الإجتماعية للأفراد أصبحت عاجزة عن تحمل كل أعباء التسيير والتدبير وهي بذلك في أمس الحاجة إلى تدخل الجميع من ضمان سير طبيعي للدراسة وكذلك بغية معالجة بعض الظواهر التي أصبحت تغزو الفضاءات المدرسي ومن أهمها الهدر المدرسي وتفشي ظاهرة تعاطي المخدرات وتطور أساليب العنف المدرسي المادي منه والرمزي....
هذا الوضع يدعونا جميع إلى التفكير في تفعيل بعض الآليات التي من شأنها إخراج الإدارة التربوية من قوقعتها ودفعها لتغيير سلوكاتها الممركزة، ولن يتأتى ذلك إلا بإعطاء دفعة قوية ونفس جديد لمختلف المجالس التربوية والتعليمية وخاصة مجالس التدبير حتى تضطلع بمهامها الحقيقية وتتحول من مجرد شعارات للاستهلاك إلى أدواة حقيقية لدمقرطة المؤسسات التعليمية وتحقيق اللامركزية واللاتركز التي لا تتحقق من خلال القوانين الجافة والجوفاء أو المذكرات التنظيمية التي لا يقرؤها أحد الآن، بل من خلال تغيير العقليات واندماج الجميع في الإصلاح. |