د مشهد ابن القارح مع زهير بن أبي سلمى وعبيد بن الأبرص كن أول من يقيّم
هاكما مشهدان مسرحيان للمعري وفق المعايير العالمية لفن المسرح ولم أضف عليهما سوى ما ورد بين قوسين للإيضاح:
وينظر الشيخ في رياض الجنَّة فيرى قصرين منيفين، (فيقول لنفسه):
(ابن القارح ) : لأبلغنَّ هذين القصرين فأسأل لمن هما .
فإذا قرب إليهما رأى على أحدهما مكتوباً: هذا القصرلزهير بن أبي سلمى المزني وعلى الآخر: هذا القصر لعبيد بن الأبرص الأسديّ فيعجب من ذلك ويقول ( لنفسه) :
(ابن القارح ) : هذان ماتا في الجاهليّة، ولكّن رحمة ربنّا وسعت كلَّ شيء؛ وسوف ألتمس لقاء
هذين الرّجلين فأسألهما بم غفر لهما.
فيبتدىء بزهير فيجده شابّاً كالزَّهرة الجنيَّة، قد وهب له قصرٌ من ونيَّة، كأنّه ما لبس جلباب هرمٍ،
ولا تأفَّف من البرم. وكأنَّه لم يقل في الميمّية :
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولاً، لا أبا لك، يسأم!
ولم يقل في الأخرى :
ألم ترني عمَّرت تسعين حجّةً، وعشراً تباعاً عشتها، وثمانيا?
(ابن القارح ) : جَير جير! أنت أبو كعب وبُجير?
(زهيـر) : نعم.
(ابن القارح ) : بم غُفر لك وقد كنت في زمان الفترة والنَّاس هملٌ، لا يحسن منهم العمل?
(زهيـر) : كانت نفسي من الباطل نفوراً، فصادفت ملكاً غفوراً، وكنت مؤمناً بالله العظيم،
ورأيت فيما يرى النَّائم حبلاً نزل من السَّماء، فمن تعلق به من سكَّان الأرض سلم،
فعلمت أنَّه أمرٌ من أمر الله، فأوصيت بنيَّ وقلت لهم عند الموت: إن قام قائمٌ يدعوكم
إلى عبادة الله فأطيعوه. ولو أدركت محمّداً لكنت أوَّل المؤمنين.
وقلت في الميميّة، والجاهليّة على السّكنة والسّفه ضاربٌ بالجران:
فلا تكتمن الله ما في نفوسكم ليخفى، ومهما يكتم الله يعلم
يؤخّر، فيوضع في كتابٍ، فيدَّخر ليوم الحساب، أو يعجَّل فينقم
(ابن القارح ) : ألست القائل:
وقد أغدو على ثبةٍ كرامٍ نشاوى واجدين لما نشاء
يجرُّون البرود وقد تمشَّت حميّا الكأس فيهم والغناء
أفأطلقت لك الخمر كغيرك من أصحاب الخلود ? أم حرَّمت عليك مثلما
حرّمت على أعشى قيس?
(زهيـر) : إن أخا بكرٍ أدرك محمّداً فوجبت عليه الحجَّة، لأنّه بعث بتحريم الخمر، وحظر
ما قبح من أمر؛ وهلكت أنا والخمر كغيرها من الأشياء، يشربها أتباع الأنبياء،
فلا حجّة عليَّ.
فيدعوه الشَّيخ إلى المنادمة ؛ فيجد من ظراف النَّدماء، فيسأله عن أخبار القدماء. ومع المنصف باطيةٌ من الزُّمرُّد، فيها من الرَّحيق المختوم شيءٌ يمزج بزنجبيل، والماء أخذ من سلسبيل.
(ابن القارح ) : أين هذه الباطية من التي ذكرها السّرويُّ في قوله:
ولنا باطيةٌ مملوءةٌ جونةٌ، يتبعها برذينها
فإذا ما حاردت أو بكأت فتَّ عن خاتم أخرى طينها
مشهد ابن القارح مع عبيد بن الأبرص
ثم ينصرف إلى عبيد فإذا هو قد أعطي بقاء التأبيد، فيقول:
(ابن القارح ) : السلام عليك يا أخا بني أسدٍ.
( عبيد) : وعليك السلام، وأهل الجنّة أذكياء، لا يخالطهم الأغبياء،
لعلَّك تريد أن تسألني بم غفر لي?
(ابن القارح ) : أجل، وإنّ في ذلك لعجباً ! أألفيت حكماً للمغفرة موجباً،
ولم يكن عن الرَّحمة محجَّباً?
( عبيد) : أخبرك أنّي دخلت الهاوية، وكنت قلت في أيّام الحياة:
من يسأل الناس يحرموه وسائل الله لا يخيبُ
وسارهذا البيت في آفاق البلاد، فلم يزل ينشد ويخفُّ عني العذاب حتى أطلقت من
القيود والأصفاد، ثم كرِّر إلى أن شملتني الرحمة ببركة ذلك البيت،
وإنَّ ربّنا لغفور رحيم.
فإذا سمع الشَّيخ، ثبّت الله وطأته، ما قال ذانك الرّجلان، طمع في سلامة كثير من أصناف الشعراء.
(ابن القارح ) : ألك علم بعديِّ بن زيدٍ العباديّ ?
( عبيد) : هذا منزله قريباً منك. |