في الحقيقة انا ممن لا يحبذون المفاضلة بين المشرق والمغرب؛ ذلك لأني ارى أنهما الوطن بنصفيه، فكل شيئ فيهما تكاملي ، فلا فضل لأحدهما على الآخر ، اللهم إلا بابتداء الرسالة الحضارية للأمة في بقعة جغرافية معينة هي جزء من اجزاء الوطن ، ثم انسيابها وانتشارها في بقيةالأجزاء، أما الثمار والنتائج فقد عمت ارجاء الكون كله، ويلاحظ المراقب المتابع الفطن أن الريادة في حمل الرسالة ، والريادة الفكرية، والذود عن البيضة قد استوى فيه الطرفان ،وكل ابلى بلاء حسنا فيما أنيط به ، وتولاه من ثغر أو ابتكار ؛ في أدب ، أو علم ، أو فن ، أو قيادة؛ ابتداء من خالدبن الوليد ، مرورا بعمروبن العاص، وعقبة بن نافع أو طارق بن زيادالى القرطبي وابن سينا وابن الهيثم ، وابن خلدون ، والمتنبي ، وغيرهم كثير ... انتهاء الأمير عبد القادر ، وعمر المختار ،والخطابي ، وأمين الحسيني ، وعرابي ،والعقاد ، طه حسين ، والجابري ... والقائمة تطول..المهم في تصوري النظر الى الشهد من كل الزوايا ، والأبعاد عندئذ سنرى أن كل هذه الروافد الرقراقة من نبع عذب زلال واحد( إن هذه أمتكم أمة واحدة ...)

كم كنت أتمنى أن يكون العرب والمسلمون أول من يغيث المستضعفين، والمحتاجين، والمكلومين في كل أصقاع العالم!!! كم كنت أتمنى أرى الشباب العربي المسلم في مقدمة ركب هيئات الإغاثة والمساعدات التي تجوب اماكن الكوارث ، والمجاعات، كم تمنيت أن أراهم في صحرائنا الإفريقية التي مزقتهاالويلات والمجاعات والحروب والأوبئةالفتاكة، وقد جبت تلك البقاع مرارا-بحكم أني منها- فكنت أقابل الأمريكي ، والفرنسي، والسويسري ، والإنجليزي، والكندي، والأسترالي، بل والنيوزيلندي أحيانا،ولكنني بحرقة أقولها لم أقابل أحدا من بني جلدتي ، وملتي يتعرض للأتربة ، والزوابع، أويعرض بشرته الطرية لسموم الصحارى، ولظى أشماسها الحارقة في سبيل إغاثة ملهوف أوتتطبيب مريض، أو تقديم شربة ماء للظماء ، والعطاشى، أو حتى مواساة مكلوم مجروح!!! فإين أنتم يا أبناء العروبة والإسلام وقد منى الله عليكم بنعمه وآلائه الكثيرة?!!

يبدو أن صدورناضاقت حتى اصبحنا لانستطيع أن نناقش قضية تاريخية ،أو متعلقة بأنسابنا إلا وأقحمنا فيها الولاءات السياسية، والتسميات والحدود التي وضعها لنا الإستعمار البغيض الذي ذهب وتركنا حراسا أمناء لهذه الأصنام والطواطم نتقاتل على اشبارها وأذرعها كأننا جمعنا في هذه البقعة من كواكب متباعدة، ومتناحرة كل يسعى إلى خطف ما يمكنه خطفه، وإعطاء ظهره للآخر بل سلاحه وبندقيته!!! يا إخوتي الأكارم لاتنسوا مابينكم من وشائج قربى ، وعلائق دم، وأرحام، وروابط دين وعقيدة، وتاريخ حضاري مشترك ، ورقعة جغرافية واحدة!!! إن قضية الصحراء أو غيرها ستحل وستتجاوزها المنطقة إن عاجلا أو آجلا... فلا تنسوا الفضل بينكم..!!!وناقشوا تاريخكم بموضوعية، وأحيوا مادرس منه، عسى ذالك يعيد الحياة إلى أوصالنا الممزقة، بفعل ما تاركه العدو لنا من بؤر توتر ، ومشاحنة،وإلاً ماذا نفعل نحن الذين مزقنا بين سبع دول هي المغرب والجزائر وموريتانيا ومالي والنيجر وليبيا..لخ?!!في نظري أن هذا لا يعيبنابقدرمايجعلنا عنصرا مهما لتقوية الأواصر، والروابط بين هذه الدول المتجاورة، ويعطينا نشوى بأن لنا أهل وأقارب في هذا الإمتداد الجغرافي الفسيح والحيوي، نتنقل بين جنباته حيث نشاء أليست هذه مغنمة?!

أما تاريخيافإن الأشراف في الجزائر جاؤا من مناطق مختلفة؛ منهم من جاء من شبه الجزيرة العربية مباشرة واستقر به الحال في هذه المنطقة التي عرفت حديثا باسم الجزائر، وكانت تعرف في العصور الإسلامية السابقة باسماء مختلفة؛ كالمغرب الأوسط كماسميت باسماء الإمارات الإسلامية التي حكمت في حينها،ومنهم من قدم من بلادالأندلس قبل سقوطها وبعده ، ومنهم من قدم من منطقة سبته ، ومنهم من قدم من فاس ومكناس ومنهم من قدم من سجلماسة ، وتفيلالت وغيرها،وهذه المنطقة الصحراوية الممتدة من بلاد السوس إلى النعمة وولاته مرورا بشنقيط في موريتانيا الحالية،وأوكد لك أن بيوت الأشراف الذين اعرفهم خاصة في منطقة توات- الجنوب الجزائري حاليا-كلهم يعرف بدقة متناهية من أين جاء ، ومتى جاء ، ومن هو أول من قدم من اسلافه إلى المنطقة وكل هذا موثق ، وبروايات محفوظة بالتواتر جيلا بعد جيل. وأضيف-يا اخي الكريم- إن تاريخ هذه المنطقة منذ فجر الإسلام حتى يومنا هذا هو من الوضوح بمكان بحيث لا يمكن أن تضيع فيه أسرة ، أومجموعة من الناس مهما كانوا بسطاء فما بالك ببيت شريف من أرومة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

وللتصحيح الساقية الحمراء ليست مدينة إنما هي إقليم ممتدفي المنطقة المساحلة للمحيط الأطلسي، وكانت هذه المناطق تعرف بإقليمي الساقية الحمراء ووادي الذهب، وتوجد في هذين الإقليمين عدد من المدن ، منها ؛ مدينة العيون ، ومدينة السمارة ، ومدينة الداخلة وغيرها ، وكلها مدن حديثة نشأت مع الإستعمار الإسباني ماعدا مدينة السمارة التي تأسست على زاوية الشيخ المجاهد الكبير الشيخ ماء العينين، الذي قارع الإستعمار الفرنسي في المغرب والصحراء وبلاد شنقيط (موريتانيا)وأظن أنه-حسب المصادر-أول من اهتم ببناء المدن والدور من أهل المنطقة.

اخي الكريم الذي ضن علينا حتى بكتابة اسمه الكريم في هذه الزاوية الكريمة ، أقول لك: انه يبدو أنك لم تدرك المقصود في هذا الحوار- المراد منه أن يكون حضارية ، ومحفزا للهمم،

والأفكار- بتسمية ( المغرب) فالمغرب يا أخي الكريم الذي يقابل المشرق ليس  المملكة المغربية العلوية ، وإنما هو باختصار هذه الرقعة الجغرافية الممتدة من برقة في ليبيا إلى الجزر الأطلسية المحاذية للسواحل المغربية الموريتانية، وقد عرف تاريخيا بهذا الإسم الإصطلاحي منذ الفتح العربي الإسلامي الميمون لهذا الإقليم في فجر القرن الهجري الأول.

وهذا مبحث يطول الحديث فيه ربما تكون لنا عودة له قريبا عندما نرى ما بجعبتكم حول هذا الموضوع.

أم ولد مصطلح فقهي بالدرجة الأولى ويعني؛  الأمة أو الجارية التي يدخل بها سيدها في الفراش، وعندما تلد له ولدا- سواء كان ذكرا أو أنثى -تصبح تلقائيا من ساعتها حرة ، فلا تورث في حالة موت سيدها الذي أصبح زوجها ، ولا تباع ولاتشترى، فقد تحررت بفضل الوليد الذي انجبته من أخشائها!! والله اعلم....

بالصدق نطقتي -يا اختي الفاضلة-  فقد اخذنا الحديث إلى ما لا ينبغي إثارته خاصة في هذه اللحظة التاريخية -حسب تعبير الأستاذ هيكل-  التي تحتم علينا أن نحشد قدرات الأمة مجتمعة لمواجهة التحديات الكبيرة التي نواجهها على كل الأصعدة...

فشكرا لك على هذا التنبيه الجميل !!!

يا اختي الكريمة (علياء) إن أجمل ما كتب في الشعر العربي- وخاصة في الغزل والنسيب- هو ماكتبه شعراء رجال بإجماع النقاد منذ بدأت الكتابة تتناول هذه المواضيع بالنقد والتمحيص في العصر العباسي إلى يومنا هذا؛ وتستطيعي مراجعة كتب تاريخ الأدب العربي ، وكتب البلاغة والنقد.

وإذا لم أتهم بالمفاضلة بين المرأة والرجل فإنني أستطيع القول بكل ثقة الباحث أن الرجل فاق المرأة حتى في الأشياء التي تخصها هي :(التجميل...العطور ، والماكياج..وصناعة حلييها..و الأزياء النسائية الأول على مستوى العالم هو رجل ... الطبخ مثلا - وكان إلى عهد قريب من اختصاصاتها-الطباخ الأول في العالم رجل)

ولكن قد اتفق معك على شيئ واحد: هو أن المرأة نفسها هي أجمل مخلوق وهبه الخالق عز وجل للكون عامة وللرجل خاصة...أما شعرها فهو عادي تماما، وبإمكانك أن تقارني بين غزل ، ونسيب؛ ابن زيدون و ولادة بنت المستكفي.. أو بين السياب .. ونازك ، أو بين نزار قباني والأميرة سعاد الصباح.. أو بين أي شاعرة مصرية وأمير الشعراء شوقي... أوبين أي شاعرة لبنانية والأخطل الصغير ، أوجبران خليل جبران.. والأمثلة كثيرة فقط علينا كباحثين أن نبعد التعصب عندما نتناول قضايا كهذه خاصة إذا كان ذلك في ملتقي أدبي وفني جميل ورائع تتحاور من خلاله شرائح ،وأطياف من بقاع الوطن الكبير بأجمعه كل يدلي بدلوله، وينثر ما بجعبته من درر ما عب من معين تراث الأمة الجميل..

في واقع الأمر، وبمراجعة تاريخ المنطقة منذ استقر الإسلام الحنيف بها لم نسع تعارضا يستدعي التوقف عنده بين الآمازيغية كلغة لشريحة مهمة وفعالة من شرائح المجتمع في المنطقة ، وبين اللغة العربية كلغة لكل شرائح ومكونات المجتمع في المنطقة بإعتبارها لغة الدين الحنيف ولغة التجارة والأدب والثقافة والإدارة ( الحكم) حتى وإن كان الحكام آمازيغ، وحتى إن كان المتعاملون في الحقل التجاري فيهم نصارى، ويهود.

هذه واحدة ، أما النقاط الثلاث الأُخر( الآمازيغية: والدين .. والهوية .. والسياسة): فمن المعلوم أن دين أغلبية الآمازيغ هو الدين الإسلامي،وقد عرف عنهم تمسكهم الشديد به والدفاع عنه  والدعوة له، وخير دليل على ذلك أن أغلب الدول التي قامت في المنطقة قامت على أكتاف عناصر آمازيغية بإستثناءات بسيطة ك ( الأدارسة.. والسعديين .. والعلويين ) أما بقية الدول فهي آمازيغية دما ولحما؛الحماديون.. والرستميون .. والمرينيون .. والمرابطون .. والموحدون..الخ ، وكلهم لم يجد غضاضة في تبني اللغة العربية ، والحضارة العربية ، بل ومنهم من كان يشجع نهضتها ويكثر العطايا والهدايا والمنح السخية للمشتغلين بها.

وكانت اللغة العربية هي لغة الحكم والإدارة في عهودهم، ولم نسمع أو نقرأ قط فيما سمعنا وقرأنا عن تلك الأزمنة القريبة-نسبيا- لم نسمع أن من هم من دعا إلى آمازيغية أو تعصب لآمازيغ ضد عرب أو غيرهم ..

وخلاصة القول : أن هذه التناقضات أو الحساسيات هي دعوات طارئة على المنطقة وعلى أهلها من عرب وآمازيغ،وقد جاءتنا مع ما جاء به الإستعمار الغربي من دعوات لتمزيق الصف الواحد ، وإثارة النعرات العرقية ، والمذهبية، لكي يجد لنفسه موطئ قدم بين ظهرانينا.