الفرق بين المجتهد والوارث عند ابن عربي كن أول من يقيّم
الاجتهاد عند ابن عربي منزلة أقل رتبة من رتبة الوراثة، وتفسيرك يا سيد فريد لكلام ابن عربي خطأ كما أرى أنا، وسوف ألخص هنا للقراء نظرية الوراثة كما يراها ابن عربي، وهي عند معظم المسلمين اليوم تخبيص ولغوصة =كما نقول باللهجة الشامية= قال في الفتوحات يبين الفرق بين الوارث والمجتهد: فمن ورث محمدا صلى اللّه عليه وسلم في جمعيته كان له من اللّه تعريف بالحكم، وهو مقام أعلى من الاجتهاد، وهو أن يعطيه اللّه بالتعريف الإلهيّ أن حكم اللّه الذي جاء به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في هذه المسألة هو كذا، فيكون في ذلك الحكم بمنزلة من سمعه من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وإذا جاءه الحديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجع إلى اللّه فيه، فيعرف صحة الحديث من سقمه سواء كان الحديث عند أهل النقل من الصحيح أو مما تُكلم فيه. فإذا عرف فقد أخذ حكمه من الأصل، وقد أخبر أبو يزيد بهذا المقام، أعني: الأخذ عن اللّه عن نفسه أنه ناله، فقال فيما روينا عنه يخاطب علماء زمانه: (أخذتم علمكم ميتاً عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت). ولنا بحمد اللّه في هذا المقام ذوق شريف، فيما تعبدنا به الشرع من الأحكام وهذا مما بقي لهذه الأمة من الوحي وهو التعريف لا التشريع. وأما أهل الإجتهاد .... فإن المخطئ من المجتهدين والمصيب واحد لا بعينه، لكن المصيب في نفس الأمر ناقل، والمخطئ في نفس الأمر مقرر حكم مجهول ....وأهل اللّه ما لهم من حكم في الشرع إلا المحكوم به على التعيين عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو الورثة على الحقيقة، فإن الوارث لا يرث إلا ما كان ملكاً للموروث عنه إذا مات. وحكم المجتهد المخطئ ما هو ملك له عينه حتى يورث عنه فليس بوارث لأن ما عنده سوى تقرير ما أدّاه إليه نظره ... فهو كالعَصَبة، لا نصيب لهم في الميراث على التعيين، إنما لهم ما بقي بعد إلحاق الفرائض بأهلها. فإن مات =أي النبي= عن غير صاحب فريضة ... يرثه في خلقه أو في حاله لا في حكمه من هذه الأمة من صادف ذلك الحال أو الحكم... فأمة محمد صلى اللّه عليه وسلم المؤمنون به أتباع كل نبيّ وكل كتاب وكل صحيفة جاء أو نزل من عند اللّه في الإيمان به لا بالعمل بالحكم. فما بقي نبيّ إلا وقد أومن به . فالنبي محمد صلى اللّه عليه وسلم له الإمامة والتقدم. وجميع الرسل والأنبياء خلفه في صف، ونحن خلف الرسل وخلف محمد. ومن الرسل من يكون له صورتان في الحشر: صورة معنا وصورة مع الرسل كعيسى، وجميع الأمم خلفنا. غير أن لنا صورتين: صورة في صف الرسل عليهم السلام، وليست إلا لعلماء هذه الأمة وصورة خلف الرسل من حيث الإيمان بهم. وكذلك سائر الأمم لهم صورتان: صورة يكونون بها خلفنا وصورة يكونون بها خلف رسلهم. فوقتا يقع نظر الناظر على صورهم خلفنا، ووقتاً خلف رسلهم، ووقتاً على المجموع فهذه أحوال العلماء في الآخرة في حشرهم. وأما ورثة الأفعال: فهم الذين اتبعوا رسول اللّه محمد صلى اللّه عليه وسلم في كل فعل كان عليه وهيئة مما أبيح لنا اتباعه حتى في عدد نكاحه وفي أكله وشربه وجميع ما ينسب إليه من الأفعال التي أقامه اللّه فيها من أوراد وتسبيح وصلاة لا ينقص من ذلك فإن زاد عليها بعد تحصيلها فما زاد عليها الأمن حكم قوله صلى اللّه عليه وسلم فهذه وراثة أفعاله وأما وراثة أحواله فهو ذوق ما كان يجده في نفسه في مثل الوحي بالملك فيجد الوراث ذلك في اللمة الملكية ومن الملك الذي يسدده ومن الوجه الخاص الإلهيّ بارتفاع الوسائط وأن يكون الحق عين قوله وأن يقرأ القرآن منزلاً عليه يجد لذة الإنزال ذوقاً على قلبه عند قراءته فإن للقرآن عند قراءة كل قارىء في نفسهأو بلسانه تنزلاً إلهياً لابد منه فهو محدث التنزل والإتيان عند قراءة أيّ قارىء كان غير أن الوارث بالحال يحس بالإنزال ويلتذ به التذاذا ًخاصاً لا يجده إلا أمثاله فذلك صاحب ميراث الحال وقد ذقناه حالاً بحمد اللّه وهو الذي قال فيه أبو يزيد لم أمت حتى استظهرت القرآن (الوراق 2475)
وقال في موضع آخر (ص 2580): فاعلم أن الورث على نوعين معنوي ومحسوس، فالمحسوس منه ما يتعلق بالألفاظ والأفعال وما يظهر من الأحوال. فأما الأفعال فأن ينظر الوارث إلى ما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يفعله مما أبيح للوارث أن يفعله اقتداء به لا مما هو مختص به عليه السلام مخلص له في نفسه ومع ربه وفي عشرته لأهله وولده وقرابته وأصحابه وجميع العالم. ويتبع الوارث ذلك كله في الأخبار المروية عن رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم، الموضحة لما كان عليه في أفعاله من صحيحها وسقيمها، فيأتيها كلها على حد وردت لا يزيد عليها ولا ينقص منها. وإن اختلفت فيها الروايات فليعمل بكل رواية، وقتاً بهذه ووقتاً بهذه، ولو مرة واحدة، ويدوم على الرواية التي تثبت، ولا يخل بما روى من ذلك، وإن لم يثبت من جهة الطريق فلا يبالي، إلا أن تعلق بتحليل أو تحريم، فيغلب الحرمة في حق نفسه فهو أولى به، فإنه من أولى العزم، وما عدا التحليل أو التحريم فليفعل بكل رواية. وإذا أفتى إن كان من أهل الفتيا وتتعارض الأدلة السمعية بالحكم من كل وجه ويجهل التاريخ ولا يقدر على الجمع فيفتى بما هو أقرب لرفع الحرج، ويعمل هو في حق نفسه بالأشد ... كأحمد بن حنبل فإنه كان بهذه المثابة، روينا عنه أنه ما أكل البطيخ حتى مات وكان يقال له في ذلك فيقول: ما بلغني كيف كان يأكله رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.
... وما رأينا أحداً ممن رأيناه أو سمعنا عنه عمل على هذا القدم إلا رجل كبير باليمين يقال له الحداد، رآه الشيخ ربيع بن محمود المارديني الحطاب وأخبر أنه كان على هذا الحال من الاقتداء، أخبرني بذلك صاحبي الخادم عبد اللّه بدر الحبشي عن الشيخ ربيع.
وقال في موضع آخر ( ص 1065): (ثم لتعلم أن مكان كل واحد من نبيه الذي هو وارثه إنما مكانه منه على الحال التي أثمر له طريقه، فانه لا يرث أحد نبياً على الكمال، إذ لو ورثه على الكمال لكان هو رسولاً مثله، أو نبي شريعة تخصه، يأخذ عمن يأخذ عنه، وليس الأمر كذلك، إلا أن الروح الذي يلقي على ذلك النبي، تمتد منه رقيقة ملكية لقلب هذا الرجل الوارث، في صورة حالة مشوبة في ظاهرها بصورة ذلك الملك، وتسمى تلك الروحانية باسم ذلك الملك، وتخاطب هذا الوارث بقدر حاله .... ومن هنا يتخيل من لا تمكن له في المعارف الإلهية ذوقاً أنه نبي، أو قد نال درجة أنبياء الشرائع، ولهذا قال بعض السادة من رجال الله: جعلك الله محدثاً صوفياً ولا جعلك صوفياً محدثاً)
وقال في موضع آخر (ص 279): قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العلماء ورثة الأنبياء ما ورثوا دينارا ولا درهما ورثوا العلم ولما كانت حالته صلى الله عليه وسلم في إبتداء أمره صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى وفقه لعبادته بملة إبراهيم الخليل عليه السلام فكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه عناية من الله سبحانه به صلى الله عليه وسلم إلى أن فجأه الحق فجاءه الملك فسلم عليه بالرسالة وعرّفه بنبوّته فلما تقرّرت عنده أرسل إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا فبلغ الرسالة وأدّى الأمانة ودعا إلى الله عز وجل على بصيرة فالوارث الكامل من الأولياء منا من انقطع إلى الله بشريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن فتح الله له في قلبه في فهم ما أنزل الله عز وجل على نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بتجل إلهيّ في باطنه فرزقه الفهم في كتابه عز وجل وجعله من المحدّثين في هذه الأمّة فقام له تهذا مقام الملك الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ردّه الله إلى الخلق يرشدهم إلى صلاح قلوبهم مع الله ويفرّق لهم بين الخواطر المحمودة والمذمومة ويبين لهم مقاصد الشرع وما ثبت من الأحكام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لم يثبت بإعلام من الله أتاه رحمة من عنده وعلمه من لدنه علما فيرقى هممهم إلى طلب الأنفس بالمقام تالأقدس نويرغبهم فيما عند الله كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبليغ رسالته غير أنّ الوارث لا يحدث شريعة ولا ينسخ حكما مقررا لكن يبين فإنه على بينة من ربه وبصيرة في علمه ويتلوه شاهد منه بصدق إتباعه وهو الذي أشركه الله تعالى مع رسوله صلى الله عليه وسلم في الصفة التي يدعو بها إلى الله فأخبر وقال ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وهم الورثة فهم يدعون إلى الله على بصيرة وكذلك شركهم مع الأنبياء عليهم السلام في المحنة وما ابتلوا به فقال أن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون نالذين يأمرون بالقسط من الناس وهم الورثة فشرك بينهم في البلاء كما شرك بينهم في الدعوة إلى الله وقال أيضا (ص 1021) : (وأما ختم الولاية المحمدية فهي لرجل من العرب، من أكرمها أصلاً ويداً ، وهو في زماننا اليوم موجود، عرفت به سنة خمس وتسعين وخمسمائة، ورأيت العلامة التي له، قد أخفاها الحق فيه عن عيون عباده وكشفها لي بمدينة فاس، حتى رأيت خاتم الولاية منه، وهو خاتم النبوة المطلقة لا يعلمها كثير من الناس، وقد ابتلاه الله بأهل الإنكار عليه فيما يتحقق به من الحق في سره من العلم به. وكما أن الله ختم بمحمد صلى الله عليه وسلم نبوة الشرائع كذلك ختم الله بالختم المحمدي الولاية التي تحصل من الوارث المحمدي لا التي تحصل من سائر الأنبياء، فان من الأولياء من يرث إبراهيم وموسى وعيسى، فهؤلاء يوجدون بعد هذا الختم المحمدي وبعده فلا يوجد ولي على قلب محمد صلى الله عليه وسلم. هذا معنى خاتم الولاية المحمدية وأما ختم الولاية العامة الذي لا يوجد بعده ولي فهو عيسى عليه السلام. ولقينا جماعة ممن هو على قلب عيسى عليه السلام وغيره من الرسل عليهم السلام وقد جمعت بين صاحبي عبد الله وإسماعيل بن سودكين وبين هذا الختم ودعا لهما وانتفعا به والحمد الله)
|