البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات صادق السعدي -

 7  8  9  10  11 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
تهافت المثقف    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

رأي الوراق :

 
 
   دخلتُ المجلس فشعرت بالوحشة. أين الاصدقاء والسجالات بين الأنداد والمحبين. هل خلص الكلام وانفضّ المجلس. أم هي سنة الأشياء، ولكل شيء عمر مفترض! أم أن وسائل الإتصال الأخرى مثل الفيسبوك وغيرها قد شغلت اهتمام البعض فانصرف إليها مودعا أياما جميلة يرى من المتعذر رجوعها؟ ملل أم استراحة؟ أم الظرف الذي تمر به بلادنا حيث يلوذ بعضنا بالصمت مكتفيا بما يرى ويسمع، حيث يُمتهن الكلام وتشاهد العجب.
   كانوا عندما يريدون التعبير عن إعجابهم بحديث يسمعونه أو يقرؤونه يقولون : هذا هو الكلام. أين هو الكلام في كل هذا الصراخ والشد االإعلامي الذي نشهده اليوم؟ كل الذي نسمعه لا يبعث على الراحة ولا يداوي جرح أحد. الفراغ كبير وليس في المجلس من نسامره. شخصية واحدة تحاور نفسها في مسرح لامعقول وفي فضاء يردد صدى كلام غير مفهوم.
   كنت أستمع لحوار شاعر يقال أنه كبير لأن كلامه كبير وسنّه كبير، يتحدث عن زعيم كبير. سأله محدثه: أنت تحبه... أجاب: أنا أعشقه! هذا الزعيم ليس هو القذافي وإلا لكانت كارثة وفضيحة كبرى. لكنّه زعيم من طراز مختلف من وجوه، وإن تشابها من وجوه أخرى. لماذا تعشقه أيها الشاعر الكبير؟: لقامته الفارعة، وسكار هافانا. أنت معذور اذن أيها الاديب الأريب في حبك لقائد ذا قامة فارعة ينحني أمامك لاشعال سكار من النوع الفاخر مختوم بختم القائد ومستورد من دولة ثورية تناهض الإمبريالية العالمية في أيام الحصار والشعب يموت جوعا ومرضا. ولكن أليس من الحق أن نقول أن ذلك كان ضرورة للتعبير عن قوة الدولة وصلابة موقفها في وجه العدو الذي يريد ان تركع لإرادته الغاشمة بإذلال الأمة بشخص زعيمها؟ هيبة الدولة ورمز عزّتها وقوّتها: عربة من ذهب، وسكار هافانا!
  ذكر لي أحد الأخوة الأتراك ونحن نقف في باحة أشهر قصور آل عثمان الى جانب أحد الجدران: أن هذه البلاطات تقوم على كميات كبيرة من الذهب. والقصة تقول: أن إحدى الدولة الاوربية عندما سمعت بنية السلطان العثماني في بناء قصر جديد، بعثت اليه مقدار من الأموال الذهبية لبناء ذلك القصر. شعر السلطان بالإهانة، كما شمّ راحة كريهة من هذه المبادرة، فأمر أن يكسّر الذهب ويخلط مع مادة البناء استخفافا بقيمته، وتعبيرا عن صلابة الدولة وقوة اقتصادها.
   نلفّ وندور حول فكرة نخشى أن تولد شوهاء في زمن اللامبالاة. كل ما نرى ونسمع يثير فينا الفزع قبل اليأس والقنوط. لم أشعر بهذا اليأس والقرف والمرارة القاتلة كما الآن. زمن متخشب نخرت فيه سوسة الفساد في السياسة والدين والأخلاق والأقتصاد ... لم أشعر بالخوف أيام الحروب والملاحقة والعسف، أيام التحدي على ما كان فينا من قلة حيلة وضعف في مواجهة نظام عات بما لا يوصف أو يقاس. كان هناك أمل وأصرار على العمل والعيش والقراءة بمتعة لم أعد أجدها اليوم. حتى الطعام لم يعد كما في أيامنا التي خلت، لا طعم ولا رائحة طيبة. الأشياء، كل الأشياء بلا مذاق. هنا في بلاد الغربة والبرد والضباب، أو هناك حيث الشمس كما يرى السياب، أجمل في بلادي من سواها. وقد أتفق معه، لكن لا خير في بلاد لا كرامة للإنسان فيها ولا حرمة مصانة. وما دمت في ذكر السياب فمن نافلة القول أن أذكر أن السياب عاش في الغربة مريضا بائسا، ومات وحيدا. وعاد محمولا بنعش يدور فيه بعض الحمالين بحثا عن بيته وأسرته.

26 - أبريل - 2012
هل من ناصر ینصرنی؟
تهافت المثقف 2    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

 
 نعم بعض الحمالين وقد أعياهم البحث لأن حكومة الثورة الجديدة التي كتب فيها السياب قصديدة وهو على فراش المرض وقبل موته بأشهر قليلة يقول:
يا للعراق أكاد ألمح عبر زاخرة البحار
في كل منعطف و درب أو طريق أو زقاق
عبر الموانئ و الدروب
فيه الوجوه الضاحكات تقول قد هرب التتار
و الله عاد إلى الجوامع بعد أن طلع النهار
طلع النهار فلا غروب
يا حفصة ابتسمي فثغرك زهرة بين السهوب
أخذت من العملاء ثأرك كف شعبي حين ثار
فهوى إلى سقر عدو الشعب فانطلقت قلوب
كانت تخاف فلا تحن إلى أخ عبر الحدود
كانت على مهل تذوب
كانت إذا مال الغروب
رفعت إلى الله الدعاء ألا أغثنا من ثمود
من ذلك المجنون يعشق كل أحمر فالدماء
تجري و ألسنة اللهيب تمد يعجبه الدمار
أحرقه بالنيران تهبط كالجحيم من السماء
و اصرعه صرعا بالرّصاص فإنّه شبح الوباء
هرع الطبيب إليّ آه لعلّه عرف الدواء
للداء في جسدي فجاء

26 - أبريل - 2012
هل من ناصر ینصرنی؟
تهافت المثقف 3    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

 
 
هرع الطبيب إليّ و هو يقول ماذا في العراق
الجيش ثار و مات قاسم أيّ بشرى بالشّفاء
و لكدت من فرحي أقوم أسير أعدو دون داء
مرحى له أي انطلاق
مرحى لجيش الأمة العربية انتزع الوثاق
يا أخوتي بالله بالدم بالعروبة بالرجاء
هبّوا فقد صرع الطغاة و بدّد الليل الضياء
فلتحرسوها ثورة عربيّة صعق الرّفاق
منها وخر الظالمون
لأن تموز استفاق
من بعد ما سرق العميل سناه فانبعث العراق
 
 كانت قد أخرجت أسرته من البيت لعودة ملكيته للحكومة. أتمنى أن لا تكون الذاكرة قد خانتني فيعد ذلك افتراءا على حكومة الثورة. ولكن هل يجوز الإفتراء على هؤلاء المفتريّن يا أستاذنا النويهي إن كنت معي على الخط! والله وحشتني أيامك. ما أخبارك أيها الصديق العزيز.
   نعم حكومة الثورة. قرر مجلس قيادة الثورة. كل القرارات ثورية. لم نكن في يوم خارج نطاق الثورة وحكم الثائرين. قمة الهرم لا تقف على الهواء ولم تأتي من فراغ، جماهير تصفق، ومثقف داعم ومساند. كان طه حسين يرى أن التحامق مع الحمقى حماقة! هم قالوا أنها حركة، حركة تصحيح. لكن العميد اعتبرها ثورة مجيدة أطاحت بعرش الفساد في البلد. والرجل معه حقّ، فقد أمرنا الرسول الكريم أن نعامل الناس بحسب عقولهم، وأن نداري السفهاء.
   أيّ فرح هذا وأين الوجوه الضاحكات أيها الشاعر على فراش المرض في نبوءة أراحك الموت من نتائجها الوبيلة؟ كان فولتير كما ذكروا، يتمنى لومات على دين العجائز. أما أمي التي لم تكن تُحسن غير قراءة القرآن، ولم تقرأ يوما كتابا مسطورا فكانت تقول: هذه الأرض تماما كالمرأة، إذا شاخت لا تلد، وأذا ولدت لا تنجب الأصحاء إلا ما ندر.
  عندما دخل الإنكليز القدس بعد هزيمة العثمانيين، كتب الكاظمي قصيدة تعبيرا عن شعوره المزدوج والساخر في الوقت نفسه، فهو مسرور بهزيمة العثمانيين من جهة، ومستاء من المحتل الجديد من جهة أخرى:
نبأ لاقت المســامــــع منــه           ما يلاقي المسرور والمنكود
فلهذا هننـاً بـــه وســـــرور           ولـذاك الزفيـــر والتنـكيـــد
فهنيئـــا لمعشـــر قد أبــادوا          وعـزاء لمعشــر قد أبيـدوا
والى الفخر من بقى وشهدنا          منه وجها وللجنان الشهيـد
 
  والحديث يطول...

26 - أبريل - 2012
هل من ناصر ینصرنی؟
رسوم وأطلال    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :

 
   نعم أيها الأخ العزير أحمد عزو. ولكن في كفى كلام قد أتوقف عنده مستعينا فيه بكلام الغير نقلا حرفا بحرف وزفرة بزفرة، أتفق معه في الكثير وقد أختلف أو نختلف في الكثير لكن خلاف الرأي يفترض أن لا يفسد للود قضية وإن كان الواقع قد لا يتوافق مع كثير مما نزعم ونقول. لماذا يا عزيزي الأستاذ محمود تعسكرت وهل في الميدان موطيء قدم لعسكري يقاتل أشباح وشياطين وغيلان في معركة ليست معركته وفي ساحة مساومات وسمسرة أول الخاسرين فيها من يؤمنون بقضية إسمها وطن. أتذكر الجواهري فأضحك على سذاجتي حيث ظننت يوما أن الأمر كما قال وهو يعيش في أجواء العصر العباسي وتنطع الشعراء في شبابهم:
 
مضت حجج عشر ونفسي كأنها         من الغيض نهر سدّ في وجهه المجرى
خبرت بها ما لو تخلدتُ بــــعده         لما ازدت علمـا في الحيـاة ولا خبــرا
 
لم أفهم شيئا، أو أنني فهمت أكثر مما يجب ربما!
وعند التناهي يقصر المتطاول
لماذا لا نعيش بسلام كما الآخرين؟ لماذا لا نقبل ما يقبل به الأخرون؟ لماذا لا نكون بلهاء والسلام؟!
 
 

1 - مايو - 2012
هل من ناصر ینصرنی؟
الحكاية من البداية    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

 
    إنّ الأوضاع الراهنة التي يعيشها العرب اليوم، والعراق على وجه الخصوص، هي التي دفعتني الى الكتابة في مثل هذا الموضوع الشائك. أعرف مسبقا خطورة الكلام في مسألة الطائفية. لاسيما وهو يتناول مسائل في غاية الحسّاسية مما قد تسيء دون قصد الى هذا الطرف أوذلك. متجرّدا ما استطعت من عقدة الإنتماء المذهبي إلا من نزوة قد تظهر هنا أو هناك ولا أدّعي العصمة فأنا كغيري ابن هذا المذهب أو ذلك إنتماءا ونشأة. وهذه هي المعضلة التي واجهت ولا زالت أكثر من كتب في هذه القضية: التحيّز الفاقع للمذهب الذي ينتمي إليه، والرجال الذين ورث تقديسهم من حكم رجال آخرين كتبوا في ظرف تاريخي تبلبلت فيه العقول، وساءت الظنون، وسقط المؤرخ في فخ الحاكم وتملق المحكوم. وخاف الكاتب النزيه على نفسه ورزقه وعياله فجامل وخاتل ورمّز وأخفى نصف الحقيقة، والحقيقة لا تقبل المناصفة بين الظلمة والنور. وتعرّض الكثير منهم للأذى والتهميش والضرب والإهانة. وأُحرقت مئات الكتب بتهمة الهرطقة والزندقة وفساد العقيدة في زمن كان رمز الفساد فيه هو الحاكم نفسه وزبانيته. إرهاب مارسته السلطة من قرون طويلة في حق العالم والمفكر وصاحب القلم الحر.

8 - مايو - 2012
جذور الصراع الطائفي في العراق
إسماعيل الصفوي     ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

 
     ظهر في أواخر القرن التاسع الهجري في إيران شاب طموح إسمه أسماعيل الصفوي. متصوف وشاعر غزل رقيق، يكتب المدائح للنبي وآل بيته. وكان قد ورث النزعة الصوفية من أبيه. وللوراثة دخل كبير في نشأة الإنسان وميوله ونزواته وسلوكه الشخصي. وكان القدر قد مهّد له الطريق ليسعى في طلب الحكم بقلب جسور وكفاءة عالية في إزاحة كل المعوّقات من أجل الوصول الى السلطة. وقد اجتمع مع ما ذكرنا فساد الأوضاع السياسية والإجتماعية ومقارعة خصوم لم يكونوا أقلّ عنفا وشراسة من هذا الرجل. وكانت الفرصة مؤاتية لهذا الشاب الطموح أن يحكم هذه البلاد في ظل الإنقسام الداخلي الذي كانت تشهده الدولة الفارسية والتهديد الخارجي وغياب الحاكم القوي القادر على ضبط الأوضاع والحكم بقبضة قاهرة. وقد تمكّن بالفعل أن يصفي جميع خصومه وأعدائه السياسيين على حداثة سنه ليتوّج ملكا على بلاد فارس عام 1502م.
    كان إسماعيل الصفوي متصوّفا من أهل السنة، ثم قرّر أن يتحوّل الى مذهب التشيّع الغالي. ولعلّ الذين مرّوا في مثل هذه التجارب في الإنتقال من مذهب الى مذهب أو عقيدة الى عقيدة مخالفة، عادة ما يذهبون الى أقصى ما في تلك العقيدة من تطرّف ومغالات. ولنا في التاريخ القديم والحديث نماذج كثيرة لا يسع المجال لذكرها.
    ذكروا أن سبب ذلك التحوّل هو زيارة الإمام علي لإسماعيل الصفوي- أو لإبيه لا يهم- في الرؤيا أو المنام، فكان ذلك الحلم أو الرؤيا أو الكابوس سمّه ما أحببت، سببا في اعتناقه مذهب التشّيع. وقد يكون الدافع السياسي هو السبب في ذلك الإنقلاب المذهبي العاصف. لقد أراد إسماعيل الصفوي- كما يرى آخرون وهو الأقرب الى المنطق- مواجهة الدولة العثمانية التي كانت تناصبه العداء، بسلاح مذهب مخالف. وكان الكثير من أتباعه من المتضررين من سياسة الدولة العثمانية فعبّأهم ضد خصومه بهذه العقيدة.
 

8 - مايو - 2012
جذور الصراع الطائفي في العراق
عمر وعلي    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

 
    دخل إسماعيل الصفوي بغداد سنة 914هـ 1508 م. ولم تكن هذه المدينة الحزينة قد نزعت بعد ثياب الحداد الطويل على ضحاياها بيد المغول والمجاعة والأوبئة التي كانت تفتك أحيانا بأكثر من نصف سكان العراق. أدخل هذا الفاتح الجديد لبغداد ما هو أخطر من كل الأوبئة التي ضربت هذا البلد المنكوب عبر تاريخه الطويل، وباء المذهبية في أقبح صورها. ولم يكن العراق منذ تمصيرالكوفة والبصرة بعيدا عن الشحن الطائفي أو الصراع القبلي الذي تأسس على خلفية الجمل ثم صفّين، وقبل ذلك مقتل الخليفة عثمان بن عفان. وكان الجرح عميق وفي كل بيت من بيوت المسلمين نائحة وطالب ثأر. وانقسم المسلمون الى شيع وطوائف. لعلي شيعته في الكوفة وبعض نواحي البصرة ومصر. ولطلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة شيعة ينافسون شيعة علي مناطق النفوذ والولاء والنصرة والمحبة. وفي الشام شيعة معاوية من غير منافس. ولم يكن أبو بكر ولا عمر بن الخطاب وقتها طرفا في هذا الصراع بين الإطراف المتخاصمة. كان شيعة علي هم شيعة عمر. ولم يذكر التاريخ حتى في صفحاته المتطرفة أن أحدا من من أنصار علي وأتباعه ومحبيه، كانوا ينالون من أبي بكر أو عمر ، بل العكس من ذلك كانوا يذكرونهم بخير ويقرّون بفضلهم. لقد كان على رأس جيش معاوية عبيد الله بن عمر. وقد حاول جيش الشام استفزاز أتباع علي للنيل من عمر عندما كانوا ينادون: معنا الطيّب ابن الطيّب، فكان شيعة علي يجيبونهم: بل معكم الخبيث ابن الطيّب. لم ينجح أنصار معاوية مع أن الظرف حينئذ كان يساعدهم في تحقيق غرضهم من تحويل وجهة الصراع وكسب المزيد من الشرعية في قضية كانت أصلا فاقدة للشرعية، ظاهرها حقّ وجوهرها باطل.
   أقول في ذلك الوضع الحسّاس والمتوتّر كان شيعة علي أعقل من السقوط في ذلك الفخ الذي سقط فيه الشيعة بعد ذلك نتيجة القهر والإقصاء والظلم من الأنظمة المتلاحقة التي لبست عمامة عمربن الخطاب وحكمت الناس باسمه، فتماهت صورة عمر في الذهنية الشيعية بصورة الحاكم الجائرمن عام 41 هجرية الى لحظة سقوط تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس ببغداد في 9 نيسان سنة 2003 م.
 

8 - مايو - 2012
جذور الصراع الطائفي في العراق
علي وعمر    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

 
    وقد قالوا قديما لا ينبغي لشيعي أن يكتب في عمر. ولكي يعتدل الميزان في كفتين فلنا أن نقول: لا يصح أن يتحدّث السني في علي لأنه قطعا سوف يفضّل عليه عمر، ولا في الحسين بن علي، لأن من قتلوا الحسين في نظره إما مجتهدون، وإما مأجورون في قتلهم رجل خرج على الإجماع وسنة جده الذي أمر بقتل من يريد تفريق شمل هذه الأمة وهي جمعاء!
      والإعتراض الذي لا يخلو من وجاهة هو: ليسوا سواء من يترحّم على جميع الصحابة وبين من يفرق بينهم فيقدس طرف ويشتم طرف آخر. لا نتوقّع من الشيعة أن تقول كلمة منصفة في أبي بكر، ولا حكما عادلا في عمر، وهي ترى أن الأول قد خالف وصيّة النبي واغتصب الخلافة من علي، والثاني كسر ضلع الزهراء! هذا كلام صحيح قطعا. لكن لماذا؟ هذا هو السؤال. لعلّ الجواب هو أنّ أحد الأطراف كان حاكما لقرون حتي استقرّ في في ذهنه اعتقاد راسخ أنّه أصلح وأحقّ في الحكم من الطرف الآخر. ولابدّ أن يكون هو الحاكم والطرف المخالف له مذهبيّا لا محكوما فقط بل هو في السلالم الدنيا من الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والتعليمية...
   والخاسر أوالمهزوم هو الذي يتهم ويشكك ويعلو صراخه ويشتم. إنها حيلة العاجز، فما بالك ومع العجز تاريخ من المظالم والقهر والملاحقة والإقصاء والقتل.غيّر مواقع الأسماء ودع المعادلة التاريخية كما هي، سوف تكون الصورة هي هي، والنتيجة واحدة: المحكوم المخالف لمذهب الحاكم يصرخ ويشتم. لو قدر لعي أن يسبق أبا بكر وعمر الى سقيفة بني ساعدة ويقدم نفس الحجج والمبررات التي عرضها في السقيفة أبو بكر، لكان أتباع عمر اليوم هم أتباع علي، وشيعة علي هم شيعة أبي بكرالمغتصَب حقه في الخلافة. ولكانت أم المؤمنين عائشة وربما حفصة بنت عمر المعتدى عليها، المكسور ضلعها! ولكان المقتول في كربلاء أحد أبناء أبي بكر وعمرلا الحسين بن علي. ولكانت المجالس الحسيّنية بكرية عمرية، لهما أضرحة ومزارات. ولكان شيعة علي وهم أكثرية حاكمة تترضّى على جميع صحابة رسول الله، الأكثرية في جناح المذهب الحاكم وتحسن الظن بهم! ولكنّ الطرف الآخر قطعا لا يرضى هذه النتيجة. ولأنه عاجز فسوف يشتم عليا وأتباعه وأكثر الصحابة المتواطئين معه. ويأتي بالف دليل وحجة على بطلان هذه الشرعية المزعومة. وقد لا يرضى بالموقف السلبي والشتائم. عندها يلجأ الحاكم المنتصر الى خيارآخرهو استعمال العصا الغليظة. ويكون ضحايا الدولة الأموية والعباسية ومن ورثهما بعد ذلك، ضحايا الدولة العلويّة!
    ومن ويرى أن مثل هذا الكلام فذلكة ولعب بالألفاظ واستفزاز غير مقبول، نحيله الى واقعنا المعاش بكل أبعاده الطائفية حيث يصبح عمر من حصّة السنّة، وعلي من حصّة الشيعة، فئة تعتاش على ثراث عمر، وأخرى على تراث علي في محاصصة طائفية أطرافها عمائم ولحى ومدارس ومؤسسات وشيوخ وتلاميذ وكتب ووسائل إعلام بأشكالها المختلفة...
وللحديث بقية...

8 - مايو - 2012
جذور الصراع الطائفي في العراق
العثمانيون والفرس    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

 
   وكتب التاريخ مشحونة بتبادل التهم والسباب بين علماء وكتاب المذهبين المختلفين. فلم يكن اسماعيل الصفوي صاحب بدعة غير مسبوقة. وقد شهد العراق قبل ذلك صراعا مذهبيا بين الشيعة والسنة، كما عرف الصراع بين المذاهب السنية نفسها اتسم بالعنف والتكفير أيضا، لكن لم يصل الامر يوما الى تعريض الناس الى الفتنة وقهرهم والنيل من عقائدهم وشتم رموزهم الدينية بالصورة التي عرفها العراق بعد الغزو الصفوي. وكما تعرّض علي بن أبي طالب الى الشتم على المنابر في مرحلة ليست بالقصيرة من تاريخ المسلمين بلغة عربية فصيحة، فقد أخذ كل من أبي بكر وعمر حصلتهم من هذه الشتائم بالعربية والأعجمية! وتعرّض السنة في العراق الى بلاء عظيم. ولمّا كان الصراع سياسيا في طبيعته وجوهره، فقد قرر السلطان العثماني أن يصفي حسابه مع الدولة الصفوية التي كانت قد أخذت في الإتساع وتهديد تخوم الدولة العثمانية ولكن بغطاء مذهبي هو الثأرلأهل السنة في العراق. وبالفعل شنّ السلطان سليم الأول حملة شعواء على الشيعة في الأراضي التابعة لسلطة الدولة العثمانية، قتلا وتشريدا. وفي كل الاحوال لم يكن أكثر الضحايا طرفا في هذا الصراع المذهبي البغيض بين الفرس والعثمانيين.
    ولعل من أغرب قضايا التاريخ التي سفكت فيها دماء ملايين من البشر، وخلفت ولازالت أضغان ومدارس وأطنان من الحبر والورق، وحروب حديثة استعملت فيها أقذر الاسلحة وأشدّها فتكا بالبشر، أقلام ورجال فكر وعلماء دين، ملوك وسلاطين... أن تكون هناك قضية غاب خصومها، ومحكمة لا مثيل لها في تاريخ البشرية، موكّلون بلا وكالة، وقضاة يصدرون أحكاما في غياب أصحاب الحق الشرعي في المطالبة بالحقوق. وجمهور دخل قاعة المحكمة بطريق القهر والإكراه، وانقسم بمرورالزمن وما ورث الخلف عن السلف، الى فريق موالاة وفريق معارضة. مسرحية تاريخية هزلية جنائزية من الدم والدموع قرّر الممثلون فيها كما ذكر بعض أبطالها أنّ جده السابع كان قد أوصى ولده إذا سقط عن خشبة المسرح أن يكمل الدور ولده من بعده حتى لحظة التجلي والظهورأو قيام الساعة.
    والعراق كان ولايزال الأرض التي حملت هذا الارث الثقيل دون سواها من البلاد العربية، ودفع أبناؤها وما زالو ثمن سياسات داخلية وخارجية، لم يكونوا يوما طرفا حقيقيا فيها إلا بالقدر الذي يدفع فيه الحاكم الناس في كل مرة بما يمارسه ضدهم من إقصاء وتهميش وسياسة غير عادلة ولا منصفة، عدوان وقتل وتشريد الى التخندق الطائفي في محاولة لحماية هويتها التي يريد الحاكم الطائفي انتزاعها بحجة مصلحة الطائفة التي يزعم أنّه يمثلها.
 
ولنا عودة إن شاء الله

11 - مايو - 2012
جذور الصراع الطائفي في العراق
والله زمان    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

 
   وألف أهلا بهذه الإطلالة البهية الكريمة لإستاذنا وشاعرنا ومعلمنا زهيرظاظا، وصديقي  الأستاذ النويهي الكبير بعلمه وأدبه وقلبه وخلقه وضميره الموجوع المتعب بقضايا هذه الإمة المنكوبة بالجهل والأمية وغلبت المصالح الذاتية على مصلحة البلاد والعباد، في ظرف تتعرض فيه البلاد العربية والإسلامية لحالة يصعب وصفها أو معرفة حقيقة ما يدور وما يحصل. وضع غير مسبوق من البؤس لا يمكن تصوّره أو احتماله في زمن لم يعد فيه كبير حتى في سوق المزايدة والبيع والشراء. غاب السياسي والمفكر والمربي والحكيم. حرقة  أحاول أن أضعها في سياقها بين السطور، ربما هي محاولة عرجاء لتجنب مزالق الطرق الوعرة والكلام الصريح. أي بؤس هذا الذي يجعلنا نتخبط في ظلمة التاريخ المصنوع على أعين هذا الحاكم أو ذلك الأمير أو السلطان.
   لم يخلص الكلام بعد. ما أكتبه هنا هو مجرد انطباعات خزنتها الذاكرة لقراءات ومشاهدات وصور وحالات إنسانية أتمنى أن يسعفني الوقت وفراغ البال المشغول والمرهق، في مواصلة ما وعدت به من بقية الحديث. ولكن كيف نعالج هذه الإشكالية المزمنة: (قل الحق ولو على نفسك، ولكن ما كل ما يعرف يقال). كم تركنا ما يجب أن يقال، وقلنا ما لا يجب قوله، وكم غلبتنا عادة الجسد وسنة البلد. خسرنا الكثير لكي لا نخسر كلّ شيء، ثم اكتشفنا أننا لم نربح شيئا ولم نحتفظ بشيء. لا أوجع من أن تكون لسان ببغاء، أو بنصف لسان، أو أن تتكلم بلغة تخشى أن يفهمها أحد! سوف تخسر القريب قبل البعيد.
    ما كتبته كان مجرد توطئة لحديث أملته الظروف الراهنة، قد يطول وقد يقصر، وقد أشرت في مقدمة الكلام عن صعوبة الولوج الى موضوع اختلف فيه جهابذة السلف والخلف. وهذا أمر طبيعي لأننا تحمّلنا تراثا ملغوما مثقلا بالتناقضات والأكاذيب والوضع والدس. والنتائج حصيلة المقدمات، تصلح بصلاحها، وتفسد بفسادها.
   في كل الأحوال أنا في منتهى السرور يا أستاذ زهير. هذا الإختلاف الجميل المطبوع بختم الصدق والمحبة هو ما نحتاجه في حياتنا العامة. نحن متورّطون بآفة المكابرة والعنجهية ومصادرة الرأي الآخر وخنقه. نحن نرجسيون وليتنا كنّا بجمال نرجس ليكون لتلك  النرجسية  مبرر مقبول. ما أبهى حضورك يا أستاذ زهير.
   وما أحلى هذه الطلة التي أعطت لهذا المجلس بعد يأس، أمل العودة لأيام زمان. سعادة غامرة أن تكون حاضرا معنا يا أستاذنا وكبيرنا عبد الرؤوف النويهي.
  ولا يزال للحديث بقية...
 

16 - مايو - 2012
جذور الصراع الطائفي في العراق
 7  8  9  10  11