جودة المعاني كن أول من يقيّم
ـ جودة المعاني : فالكتابة الأدبية إعطاء صور جميلة للمعاني، وجودة المعاني تتوزع على اتجاهين فيما يتصل بالشعر: 1. جودة المعاني من جهة صلتها بالأغراض الشعرية، وتحت هذا الاتجاه يندرج: أ. جودة المدح ، ونلخصه في مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في وصف زهير حيث قال: " لم يكن يمدح الرجل إلا بما يكون في الرجال..." والرجال يُمدحون بأربع: العقل، الشجاعة، العدل، والعِفة، ويختلف معنى المدح تِبعًا لصنف الممدوح. ب. جودة الهجاء، وذلك إذا كثرت فيه أضداد الفضائل، وقد تـُجمَل المعاني فيه، وقد يُفرط الشاعر في ذكر نقيصة واحدة. ت. جودة المراثي، فقد يرثي الشاعر بذكر بكاء الأشياء التي كان المتوفى يحسن إليها في حياته، وكلما أشبهت المرثية المِدحة في معانيها كان ذلك أحسن. ث. جودة التشبيه؛ إذ يحسن التشبيه حين يكون بين المتشابهين من وجوه الاشتراك أكثر مما يكون بينهما من وجوه الانفراد. ومن التصرفات التي تحسّن التشبيه: ـ جمعُ التشبيهات الكثيرة في بيتٍ واحد كما في قول امرئ القيس يذكر فرسه: له أيطلا ظبي وساقا نعامةٍ وإرخاءُ سِرحان وتقريبُ تتفل ِ ـ تشبيه شيء واحد بأشياء في بيت أو تعبير قصير. ـ تشبيه شيء بشيء استنادًا إلى مذهب جديد لم يقع للشعراء من قبل، كما في قول الشاعر: فلمْ أرَ إلا الخيلَ تعدو كأنما سَنـَوَّرُها فوقَ الرؤوس ِالكواكبُ ج. جودة الوصف، والذي يقول عنه قدامة بن جعفر في كتابه نقد الشعر: " ذكر الشيء بما فيه من الأحوال والهيئات" ، ويحسن الوصف كلما أكثر الشاعر من المعاني التي رُكب منها الموصوف ثم بأبرز المعاني في الموصوف وأولاها، ويمثـّله للحِسّ بنعتِه" ح. جودة النسيب، وهو ذِكر الغزل أو ذكر خلق النساء وأخلاقهن، وتصرّف أحوال الهوى به معهن، وخير النسيب ما أعرب الشاعر فيه عن تهالك في الصبابة والشوق، وأفصح فيه عن إفراط في الوَجد واللوعة، وأظهر فيه هِيامه بالمحبوب وانقياده التام له. 2. جودة المعاني من جهة التقديم والتأخير الأمثل لها، ومن صفات الجودة هنا: أ. صحة التقسيم: أي استيفاء أقسام الشيء أو الأمر. ب. صحة المقابلات: أي أن يأتي الكاتب بمعنيين أو أكثر ثم يأتي بما يوافق كلاًّ منها أو يضادّه على سبيل المقابلة الصحيحة. ت. صحة التفسير: أي أن يأتي الكاتب بمعانيَ تستدعي التفسير فتؤتى معان ٍ تفسرها دون إخلال. ث. التتميم: أي أن يذكر الكاتب مع المعنى كلَّ أحواله التي تجعله كامل الصحة والجودة. ج. المبالغة: وهي أن يتزيد الكاتب في معنى حال من الأحوال كقول أوس بن غلفان الهُجَيمي: وهم تركوك أسلح من حُبارى رأت صقرًا ، وأشرد من نعام ِ ح. التكافؤ: أي أن يأتي الكاتب بطباق ٍ في وصفه، كقول الشاعر: حلو الشمائل، مرٌّ باسلٌ يحمي الذمارَ صبيحة الإرهاق ِ خ. الالتفات أو الاستدراك: أي أن يأخذ الكاتب في معنى من المعاني ، فيعِنّ له خاطر فيه، فيعود إليه مؤكدًا أو معللاً أو موضحًا كقول الرمّاح بن ميّادة: فلا صرمُه يبدو، وفي اليأس ِ راحة ولا وصله يصفو لنا فنـُكارمُه د. الاستغراب والطرافة: أي أن يكون المعنى مما لم يُسبق الشاعر إليه. المرزوقي والمعنى: والمرزوقي في شرحه ديوان الحماسة أتى بعبارة "شرف المعنى وصحته" كعنصر من عناصر عمود الشعر في المقدمة؛ إذ إنه يرى أن المعنى لا بد أن تتوافر فيه صفتان: الشرف والصحة ، أي أن يكون المعنى من أحاسن المعاني المستفادة من الكلام ومبتكرًا، وأن يكون ساميًا في منا سبته لمقتضى الحال ، وعرضه في صورة زاهية تشعر بصحته. |