{وسخ الكوارة} و {وسخ الدلاحة } في الطب : كن أول من يقيّم
{ الدلاحة } في المغرب ، كما سبق التعريف بها ، هي ما يعرف في المشرق بـِــ: " البطيخة الخضراء ذات اللب الأحمر ".... و من أسمائها الشائعة في بعض المناطق المغربية ، إسم { الكوارة } ، و في هذا الإسم إشارة إلى الشكل الكروي للدلاحة ، وهي la pastèque بالفرنسية ... و من العجائب و الغرائب التي أضحكت أستاذي و صاحب الفضل علي سيدي و مولاي الحاج جانا موحى [1] حين حكيتها أمامه ، حتى ظهرت سن عقله كما يقول المغاربة ، هذه النكتة عن " الكوارة " و " الدلاحة " في الطب ... و ملخص القصة ما يلي : أخذت من أستاذي ، الحاج جانا موحا ، أطروحة نال بها صاحبها شهادة الدكتوراة في الطب ، و كان موضوعها عن الطب التقليدي بالمغرب ، في حقبة من تاريخه ، و من ضمن جوانب الدراسة ، ترجمة للقصيدة المعروفة باسم الشقرونية في الطب إلى الفرنسية ... و مما جاء في القصيدة ، هذين البيتين : و عظم ديك أسود إن أحرق * بحطب من الكرنب المنتقى فـعجــنه بـوســخ الـكــوارة * يـعــيـد حملا حكمة البكارة والبيتان عبارة عن وصفة طبية لصنع دواء مركب من العناصر التالية : رماد عظم ديك أسود + رماد حطب الكرنب + وسخ الكوارة . و يستعمل هذا المعجون الطبي ـ حسب القصيدة ـ لإعادة غشاء البكارة عند العذارى إذا ما تعرض الغشاء إلى تمزيق أم ما شابه ... و و صفة طبية مثل هذه ، و في عضو حساس مثل العضو المعالج هنا ، تتطلب كل الإجراءات الضرورية لضمان نظافة الدواء المركب و إعداده في أحسن ظروف النظافة و التعقيم . و حتى نفهم وجه الغرابة في هذه النازلة ، لا بد من التعريف بما هو في حاجة إلى تعريف في عناصر الوصفة الطبية المقصودة في اصطلاح الأطباء القدامى ، و منهم ناظم القصيدة ، الطبيب صالح بن المعطي إبن شقرون المكناسي رحمه الله ... فأهم مركبات الوصفة هي : عظم الديك ، حطب الكرنب ، و و سخ الكوارة . و الكرنب هو النبات المعروف باسم chou potager بالفرنسية ، و cabbage بالإنجليزية . و أما وسخ الكوارة في كتب الطب ، فهو مادة من إنتاج النحل ، و هي عبارة عن مادة راتنجية يجمعها النحل من براعم و سيقان و أوراق أشجارة عديدة و خاصة منها أشجار الفصيلة الصنوبرية ، إسمها العمي هو la propolis ، غير معروفة حتى من طرف العديد من الأطباء في عصرنا هذا ، و هي مادة عجيبة لها من الخصائص ما لا يكاد يصدقه العقل حتى عند الأطباء ...و ميدان العلاج بها و بباقي منتوجات النحل هو تخصص طبي حديث نسبيا يعرف باسم l Apithérapie . سبق لي أن قدمت من { وسخ الكوارة = propolis } هذا كمية إلى أستاذي الحاج جانا موحا ، و أخبرني بعد شهر من تسلمها مني ، أنه أجرى تجارب عن تأثيرها في العشرات من سلالات الجراثيم و الميكروبات ، وتأكد عنده تأثير مادة {وسخ الكوارة} هذه في جميع السلالات المستعملة في التجارب و بدون استثناء .... و أما المقصود بالكوارة في تسمية هذا الدواء النباتي في كتب الطب القديم ، فهو قفير النحل . أو بيوته الكروية الشكل ، التي يطلق على البيت الواحد منها ، عند بعض النحالين ، و في بعض المناطق العربية ، إسم { كوارة النحل }. و بما أن أستاذي يعرف مادة { وسخ الكوارة } على حقيقتها ... فإنني لما أعدت أطروحة الدكتورة إلى مكتبه ، أخذها مني و سألني عن ملاحظاتي عنها ... و من ضمن ملاحظاتي ، ذكرت صفحة البيتين المذكورين أعلاه ، و أخبرت أستاذي أن صاحب الأطروحة لم يفهم ما المقصود بمصطلح { وسخ الكوارة } ، فترجمها إلى déchets de Pastèque ، بمعنى { وسخ الدلاحة } .... و ما إن سمع أستاذي نص الترجمة حتى ضحك ضحكة صادقة عميقة خالصة ، ما رأيته قط يضحك مثلها ، و هو المرح بطبعه ، اللطيف في سلوكه ، المتواضع في تعامله ، ذو الخلق الرفيع و الأخلاق العالية ... و لما سكت عنه الضحك ، قال لي بحزم : " لاشك أن صاحب الأطروحة من قبيلة بني " فلان " الذين يطلقون إسم { الكوارة } على { الدلاحة }.... يا للعجب !!!! .... و هل يتصور صاحب الأطروحة هذه ، حالة التعفن التي سيصبح عليها العضو المعالج بعد وضع عجين { وسخ الدلاحة } عليه .... فكن على يقين يا إبن الفقيه ، أنني سأكاتب عميد الكلية ، و سيتم استدعاء صاحب الأطروحة ، ليكون على علم بخطئه الفادح هذا ، و سيُطلـَب منه مراجعة ترجمته و تصحيح هذه الفقرة فيها ....". هذه قصة { الكوارة } و { الدلاحة} يا أساذ زهير ،و هي من المُغَرَّبات ... و إلى مُـغَـرّبـة أخرى ، كما يقال عندنا . .............................................. [1] الحاج جانا موحا : هو عسكري سامي ، و أستاذ في كليتيْ الطب و الصيدلة بالدار البيضاء، و في كلية العلوم بمراكش / خبير في النباتات الطبية و هو المسؤول الوطني عنها ، و رئيس قسم أمراض الدم ، و رئيس مختبرات التحاليل الطبية بالمستشفى العسكري إبن سينا بمراكش ، تشرفت بمعرفته و البحث في النباتات الطبية المغربية تحت إرشاده لمدة تقارب العشر سنوات ما بين 1987 و 1997 . , أكن له كل احترام و تقدير ، و أعترف بفضله العلمي و الأخلاقي علي . و الله أسأل أن يجزيه عني خير الجزاء و أوفره ، و أن يحفظه و عائلته بما حفظ به الذكر الحكيم . إنه سبحانه بكل شيء عليم و على كل شيء قدير . |