{ الزنجبيل } و { السنوت } كن أول من يقيّم
إليكم القصة التي وعدت بذكرها عن { الزنجبيل } [*]...
كان شغلي الشاغل في وسط الثمانينات ، البحث في أسماء النبات الطبي في الطب النبوي ...
و من الأبحاث التي عانيت فيها الكثير من الصعوبات في تحديد أسماء النبات ، بحثي في ماهية { السنوت } المذكور في كتب الطب النبوي .
نجد في كتاب الطب النبوي لإبن قيم الجوزية [1] ما نصه : " و في سنن إبن ماجة ، عن إبراهيم بن أبي عبلة ، قال :" سمعت عبد الله بن أم حرام ـ وكان ممن صلى مع رسول الله صلى الله عليه و سلم القبلتين ـ يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" عليكم بـ{السنا} و { السنوت } ، فإن فيهما شفاء من كل داء إلا السام . قيل : يارسول الله ، و ما السام ? قال : المـوت "...
و بهامش الحديث ما نصه : و أخرجه أيضا الحاكم ، و أخرجه النسائي عن أنس و نحوه . و سيبين المؤلف المراد بالسنوت ، وأنه بفتح السين و ضمها ، و الفتح أفصح .../ هـ...
و يعرف كتاب الطب النبوي هذين النباتين المذكورين في الحديث بما نصه :
1ـ { السنا } و فيه لغتان : المد والقصر . و هو : نبت حجازي ، أفضله المكي ، دواء شريف مأمون الغائلة قريب من الإعتدال . يسهل الصفراء و السوداء ، و يقوي جرم القلب . و هذه فضيلة شريفة فيه .....الخ ....
2 ـ { السنوت } و فيه ثمانية أقوال : [ أحدها ]: أنه العسل . [ و الثاني ]: أنه رُبُّ عكة السمن يخرج خططا سوداء على السمن ، حكاهما عمر بن بكر السكسكي . [ الثالث]: أنه حب يشبه الكمون ، و ليس به . قاله ابن الأعرابي . [ الرابع ]: أنه الكمون الكرماني . [ الخامس ]: أنه الرازيانج . حكاهما أبو حنيفة الدينوري عن بعض الأعراب . [ السادس ] : أنه الشبت . [ السابع ] : أنه التمر . حكاهما عبد اللطيف البغدادي .
قال بعض الأطباء : و هذا أجدر بالمعنى و أقرب إلى الصواب ، أي : يخلط { السنا } مدقوقا بالعسل المخالط للسمن ، ثم يلعق ، فيكون أصلح من استعماله مفردا ، لما في العسل و السمن من إصلاح { السنا } و إعانته على الإسهال . و الله أعلم ./هــ.......
هذا باختصا هو الموضوع .... و خلال بحثي عن المراجع الممكن الاعتماد عليها لفك بعض هذه الألغاز و الرموز ... وجدت في الأكشاك المختصة في بيع الجديد من الإصدارات ، من كتب و مجلات ، كتابا جديدا في موضوعه و شكله و طريقة عرضه و نوعية مفرداته ... وجدته كتابا متميزا عما ألفت قراءته في المطبوعات الأخرى .... عنوان الكتاب " حول رموز القرآن الكريم " ، و مؤلف الكتاب هو الدكتور بهاء الدين الوردي [2] ... و بعد قارءتي للكتاب ، عرفت أن مؤلفه طبيب مشهور بمدينتي مراكش ، سُمْعَتُهُ طيبة عند الجميع ... و نظرا لمعرفة الدكتور بشتى اللغات و سعة علمه و سمو أخلاقه ... وقع في خاطري أنه سيكون خير معين لي في تحديد اسم { السنوت } هذا ... فتوكلت على الله وقصدت عيادته الطبية التي كانت موجودة بأحسن موقع بجامع الفنا ... دخلت العيادة فوجدتها تغص بعشرات المرضى من كل الأعمار ، و في حالات مَرَضية متنوعة ... منهم الجالس و المتكئ والمضطجع والنائم الذي لم يعد يستطيع حتى الجلوس ...
أخبرت مساعد الطبيب أنني جئت في استشارة ثقافية من الدكتور ، فطلب مني الانتظار ...
و ما أن خرج المريض الذي كان مع الطبيب حتى جاء المساعد و أشار علي بالدخول عند الدكتور الذي استقبلني بوجه باش مشرق ... و سألني عن الموضوع ... و باختصار شديد عبرت عن إعجابي و تقديري لموضوعات مؤلفه الجديد ، وتكلمت عن جوانب مشتركة في ما ذهب إليه من اصطلاحات لبعض المفردات و ما جاء عنها في تاريخ النحالة و الميتولوجيا الإغريقية ... فاستحسن ما قلته و نصحني بكتابته و نشره ليستفيد منه الآخرون ... ثم عرضت عليه موضوع الزيارة و هو مفهوم { السنوت } المذكور في الطب النبوي و ما جاء عنه في مختلف اللغات .... و ما إن أتممت السؤال حتى ذهب الدكتور إلى مكتبة كبيرة و بدأ يبحث في رفوفها ... و فهمت أنه يريد البدء في البحث عن الاسم ... عندها تذكرت المرضى الذين ينتظرون الدخول عند ه ، فأشفقت لحالهم ، و طلبت من الدكتور أن يعطيني رقم هاتفه على أن أتصل به بعد ثلاثة أيام لمعرفة جوابه .... ثم شكرته و غادرت العيادة ...
و بعد ثلاثة أيام بالضبط ، اتصلت به فقال لي : إن { السنوت } لفظة هندية ، تكتب في المراجع المختصة على شكل SNOTH ، و هي اسم { الزنجبيل } المعروف باسم Zingiber ، أدخلها التجار العرب إلى الجزيرة العربية في العصر الجاهلي ، و كانت موجودة و تتناقلها الألسن إبان ظهور الإسلام فذكرها النبي في كلامه و أوصى أصحابه باستعمال الدواء المسمى بها ...
رحم الله الدكتور بهاء الدين الوردي و غفر له ... و أصلح ذريته .... و جزاه عن العلم و طلابه خير الجزاء و أوفره ...
و من الأمانة العلمية أن أقول ، أن البروفسور عبد الباسط محمد السيد ، أطال الله عمره ، و أدام عليه نعمة الصحة و العافية ... و هو مؤلف لكتب عدة ، منها كتاب " الطب النبوي " ـ دار ألفا للنشر و التوزيع ، 2005 ـ قال في هذا الكتاب عن { السنا }[3] أن منه حجازي ، و اسمه العلمي هو Cassia acutifolia ، و منه هندي ، و اسمه العلمي Cassia angustifolia ، و قال : و السنا الحجازي و الذي يعرف بالمكي ، أفضل من الأصناف الأخرى ، و أكثر قيمة علاجية ... و روي في الطب النبوي ، أن مخلوط السنا و السنوت يحلل الأورام ..../هـــ ...
و يعرف البروفسور نبات { السنوت } بقوله : إنه النبات المسمى Anethum graveolens ..../هـــ... و هذا هو اسم نبات { الشبت } الوارد في القول السادس ، في الأقوال التي قيلت في السنوت . و هو نبات كثير الوجود في المغرب ، و يعرف فيه باسم { التبش } و هو قليل الاستعمال و لا يعرفه الكثير من الناس على أنه نبات طبي .
و يقول البروفسور أيضا في القنوات التلفزية أن " السنا و السنوت " هما " الشمر و الشبت " ، و يؤكد على قوله هذا ... و الشمر ، هو المعروف في المغرب باسم " زريعة البسباس " ...
و لي عودة إن شاء الله إلى تعريف مبسط لكل دواء من هذه الأدوية النباتية المذكورة في الطب النبوي ، في الملف الخاص به .
................................
[*] :أؤيد بإلحاح طلب الأستاذ سعيد ببرمجة تقنية تمكن سراة الوراق من تصحيح الأخطاء في كتاباتهم بعد نشرها في الوراق . و ما أكثر الأغلاط المنشورة في بعض كتاباتنا و لا نستطيع تصحيحها بعد إرسالها الأول إلى النشر في صفحات الوراق .
[1] : الطب النبوي لشمس الدين محمد بن أبي كر بن أيوب الزرعي الدمشقي إبن قيم الجوزية [ 691 ـ 751 هـ ] .
كتب المقدمة و راجع الأصل و صححه و أشرف على التعليقات : عبد الغني عبد الخالق .
وضع التعاليق الطبية : الدكتور عادل الأزهري ، رئيس الأمراض الباطنية بمستشفى الملك .
و خرج الأحاديث : محمود فرج العقدة ، من علماء الأزهر .
[2] د. بهاء الدين الوردي : ولد سنة 1931 ببغداد . نشأ و ترعرع في بيت علم و دين . و بعد حصوله على الباكلوريا هاجر إلى إسطنبول حيث التقى بالحضارة البيزنطية و العثمانية ، و درس السنة التحضيرية للطب ثم هاجر إلى فرنسا ، و درس الطب في جامعة بوردو حيث تزوج و أنجب ولدين . كذلك حصل على دبلوم الدراسات العليا في الحضارة الإسلامية و الدكتوراة في الطب بأطروحته الشهيرة " فقر الدم عند أكلة التراب " ...
استقر به المقام في المغرب ، و درس السومرية على الأستاذ المرحوم " رينو " في مراكش ، ثم درس الهيروغليفية و المصرية أيضا ، و هو إلى ذلك رسام ، أقام معارض كثيرة في المغرب و باريس و مدريد . عن [ الناشر ـ دار وليلي للطباعة و النشر ـ مراكش ].
[3] الإسم الفرنسي للسنـا هو Le séné ... و أسمه بالمغرب عند العطار هو [ سَـنـَّـا حْـرام ] بمعنى : سنا حرمي ، أي من الحرم المكي الشريف .
و المتعارف عند المغاربة قديما أن استعمال { السنا } كمسهل و مطهر للأمعاء ، بكمية قليلة جدا ، لا تتعدى غرامان من الأوراق التي تغلى في الماء و يشرب منها كأس إلى كأسين قصد الإسهال .... و هو من السنن المحببة عندهم و لو مرة في الشهر ، أو في السنة أو في العمر .
|