البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات صادق السعدي -

 6  7  8  9  10 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
الطنطل والعصا وأبو طبر    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

 
 
    في العادة أن الأب هو من يلوّح لولده غيرالمطيع بالعصا، أما الأم مكسورة الجناح فتخوّف أبناءها بالطنطل! حتى عندما يكبر أحدنا ويشبّ عن الطوق، لا يستطيع نسيان الطنطل. عندما يتشاجر أحدهم مع غيره ويتظاهر بالقوة ويدعو الى التحدّي، يقول له خصمه: لا تصير طنطل براسي! أي لا تتظاهر بالشجاعة فلست أخاف من ذلك.
   وفي كل ميدان من ميادين الحياة العامة تجد الحاجة لوجود طنطل ما يمثل وظيفة اجتماعية أو دينية أوسياسية.. في بداية السبعينيات من القرن الماضي، ظهر مصارع في العراق اسمه عدنان القيسي. أصبح هذا الرجل اسطورة في بلد يعشق الأساطير، ويمجّد الأبطال الطناطل! ويتداوى بكرامات الاولياء، ويتصاحب الفقر فيه مع الغنى ولا يرفع أحدهما الآخر على رغم أنف المنطق. لم ينازل أحدا من أبطال العالم إلا غلبه وأذلّه أمام الجماهيرالتي كانت تحتشد في الملعب أو تجلس أمام التلفاز في البيوت والمقاهي. أصبح هذا البطل الأسطوري خبز الناس وفاكهتم. أدرك الكثيرون أسرار هذه اللعبة المفضوحة وأبعادها، لكنهم وجدوا أنفسهم بحكم التعوّد وحبّ التسلية، يصفّقون مع من يصفّق، كلما شاهدوا بطلهم يرفع خصمه بطل العالم بالمصارعة ويهوي به الى الأرض، ويصيحون: عدنان، عكسيّة، عكسيّة! وهي الضربة التي اشتهر بها هذا المصارع حيث يهزم خصمه وينهي النزال لصالحه، بالعكسيّة!
   أصبح عدنان القيسي أغنية على فم الصبايا الحالمات:
 عدنان القيسي يكول كصّن شعرجن
سوّن ذيل الحصان واني بطلجن
 والمثال الذي يسعى كل شاب للإقتداء به لا سيما تقليد ضربته التي خلقت مشاكل عديدة في العراق، مما دفع الدولة وقتها الى إنهاء هذه اللعبة التي كانت قد استنفذت أغراضها!
   وكان قد تزامن مع جود هذه اللعبة ظهور مسرحية إسمها:(أبو طبر)! طنطل من طناطل الظلام. كان سلاحه الوحيد هو الطبر- الساطور- ينتقل بين البيوت، لا تعيقه الأبواب المقفلة بإحكام، ولا الشبابيك الحديدية. يصطاد ضحيّته في الوقت الذي يريد، والمكان الذي يحب دون أن يترك أثرا يدل عليه. يقتل لأجل القتل! ويتوعّد الناس بالموت واحدا بعد الآخر. أدخل الرعب قي قلوب العراقيين. الكل أصبح هدفا ل ( أبو طبر)! صار الناس ينامون في النهار، ويسهرون في الليل خوفا من الطنطل السفّاح.
   وبدأ الجار يهمس في أذن جاره: أتظن أن الحكومة متورّطة  في هذا الأمر! لقد اعتقلوا الكثير من الناس، ولايزال هذا المجرم طليقا. كل الذين قبصت عليهم السلطة ليلا كانوا من مساعدي الطنطل. ولم يكن الطنطل من بينهم. أصبح الأمر الآن واضحا عند الناس! واضطرّت السلطة الى إنهاء هذه المسرحيّة أيضا.
  وكان الفصل الأخير على شاشة التلفاز؛ يُضحك الثكلى:
هذا أبو طبر!!
 

5 - يوليو - 2011
كيف حسبتها يا أبا الطيب؟
ثوب عنترة ووجه شيبوب    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

 
 
   وعاد أخيرا من رحلته المحفوفة بالأهوال والمخاطر على حمار ضال في صحراء الجزيرة العربية. ذهب بحثا عن النوق الصافير مهرا لحبيبته عبلة. وعاد بعد أن تعرّض لضربة شمس غير مسبوقة في تاريخ هذه المنطقة. نفق حصانه في رحلة المغامرة، وحالفه القدر الذي لامردّ لحكمه وقضائه، فوجد مركوبا لم يكن مناسبا لكنه يفي بالغرض والوصول الى مضارب بني عبس. أقبل وقد تغيّرت سحنته وانطمست ملامحه، وألبسته حرارة الشمس ثوبا من القطران احتفاءا بعودة ابنها البارالى حومة الدار.
   وانقسم الناس سماطين، وهكذا هم في كل زمن منقسمون في شأن أبطالهم التاريخيين. بنو عبس يصفّقون ويهللون: عنترة، عاد عنترة ومعه النوق العصافير مهر الغالية عبلة. وذبيان تسخر من هذا الإدعاء الكاذب الرخيص، وتصرّ أنّه شيبوب في ثياب عنترة.
   يبحث في مضارب القبيلة، يقلّب وجوه النساء بأجفان أحرقها لهيب العشق وحلم العودة، وعينين غائرتين من تعب السفر ومخاطر الطريق. لا يزال في الأفق خيط من ضوء الأمل يتبدّى شاحبا. ما زالت النوق العصافير بين يديه، وحمار يركبه، وسيف بتّار ورهان مع الزمن. لا بديل سوى الصبر والجلد، أو المنافي ولعنة التاريخ الذي لا يرحم المنهزمين:
 من الحلم أن تستعمل الجهل دونه          إذا اتسعت في الحلم طرق المظالم
وأن ترد المــــاء الذي شطـــره دم          فتسقي إذا لم يسـق من لم يزاحــم
ومـن عـرف الأيام معـرفتي بـــها           وبالناس روّى رمحـه غير راحـم
فلـيـس بمرحـوم إذا ظفـروا بـــــه           ولا بالردى الجاري عليـهم بآثــم
   ظنّ القذّافي أن مداهنة أمريكا سوف تجعله في أمان يحكم هو وأبناءه من بعده، وأن تعويض ضحايا لوكربي بمليارات الدولارات ترسّخ قدمه أكثر في أرض ليبيا. قال بعد أن تعنتر لسنوات، ورفع سيفه في وجه الصليبيين والإستعمار: أمريكا دولة عظمى، شئنا أم أبينا! علينا أن نكون واقعيين ونتعامل معها على هذا الأساس، وإلا داستنا الأقدام! نفس اللعبة تتكرر في نفس الطريقة الساذجة والملعونة، يمارسها الحكام الذين أصبحوا كأنهم دمى متشابهة تتحرك بوتيرة واحدة على نغمة واحدة: الموت لأمريكا، الموت للصهيونية، تعيش فلسطين عربية حرة. عاش الشعب- بالأمس كان يقتل الآلاف من أبناء شعبه ويفتخر بكل وقاحة أمام الناس أنه لا يرفّ له جفن وهو يفعل هذا بالخونة وعملاء الإستعمار! حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين. وجبت لك الجنة إذن بفتوى مشايخ السلطان وعلى الضحايا السلام!
  صرنا من فقرنا نستشهد بأقوال الصهاينة: العرب لا يقرؤون، وإذا قرأوا لا يفهمون. وإذا فهمنا لا نعمل بطبيعة الحال وحكم العادة. قال لي أحدهم هنا: أنظر الى أحوال العرب، وانظر الى إسرائيل، هل كان بإمكانكم لو حكمتم هذه الأرض أن تجعلوها أجمل مما هي الآن! كانت الإجابة على طرف لساني، لكني تذكرت شعارات الحاكم العربي، فآثرت الصمت على مضض.
   وأخيرا وليس آخرا، بارك البشير تقسيم السودان بالعدل والإحسان، بعد أن كان يلوّح بعصاه الشهيرة في وجه أعداء الوحدة ودعاة الإنفصال. فعصفور في اليد، خير من عشرة على الشجرة، وربما المنفى والسجن. وليذهب الوطن الى الجحيم! 
 

10 - يوليو - 2011
كيف حسبتها يا أبا الطيب؟
أباطيل عرقوب    كن أول من يقيّم

 
   كنت قد وعدت أن أتناول في حديث مقبل دور المثقف في العراق، ثم نويت أن أعرج بعد ذلك للحديث عن دور المثقف في مصر بوصفها الشريان المركزي للثقافة العربية، كانت ولا تزال على الرغم من التحولات الكبيرة التي حدثت خلال قرن أو أكثر من الزمان، تغذي فيه مصر العالم العربي بكل أشكال الإبداع الفني والثقافي والأدبي. وفي تفاعلها مع كل من العراق وبلاد الشام التي أصبحت بعد ذلك قطرين منفصلين هما سوريا ولبنان، كانت مصر هي مركز استقطاب الجميع وحاضنة الثقافة العربية.
   ولكن قبل الحديث عن دور المثقف في مصر، لابد من من الوفاء بالوعد الذي قطعناه غير جازمين، لأننا لا نملك جرأة الشيوخ الواثقين من وعودهم بالنصر المؤزّر والظفر العظيم. لعل في االوقت متسعا إن أراد الله لنا ذلك قبل حلول الشهر الفضيل، وقد استعد له البعض بشحذ سكّينه على أهل البدع والزيغ والضلال. شحذها كعادته بسم الله وحب الخير وجمع الشمل ووحدة الإمة والتقريب بينها. وليس من الغريب أن نعرف بالمصادفة أو الحدس أو من فلتات اللسان أن هؤلاء المحسنين من أهل الكرامة والنخوة من العاملين والساهرين على حب الألفة، قد فضلوا التريث لبعض الوقت بعد أن وضعوا عناوين عريضة تمهيدا لصراع الديكة. لكن المناخ كما أخبرهم بذلك الغراب الأسحم، قد اعتدل قليلا فلابد من العمل بتوقيت بين بين، أو العمل بمبدأ: هدني أهدّك. وهذا مبدأ عام وإن كانت صيغته عراقية. اتركني أتركك. لاتتحرش بي حتى لا أتحرش بك. أظن واضح! قد تسأل أين الوضوح في كل هذا الغموض والألغاز الملغمة؟! ألم أقل إننا على أبواب شهر الله الحرام. والشيء بالشيء يذكر، فقد قررأحدهم حج البيت المعمور، فقال له الناس: ما شأنك وبيت الله وأنت لم تترك محرما إلا وقد فعلته. هل هداك الله وعزمت على التوبة؟ قال: لا. إنما استهوتني عبارة البيت الحرام!
   أذن عملا بمبدأ هدني أهدك، وبناءا على إشارات بعيدة المدى رفع المانشيت العريض، الذي يدهن في كل رمضان بدهان المحبة والتسامح ... عسل أسود كما يقولون. وربما هو تكتيك ورد التحية بمثلها:
ولي فرس للحلم بالحلم ملجم        ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوّم         ومن شاء تعويجي فإنّي معوّج
    وشعارهم في الحب! إن عدتم عدنا. فلعل وعسى لا تسمم بدننا في هذا الشهر الكريم كما في كل عام، حلوى رخيصة بعد الإفطارأو صلاة التراويح! يكفي ما نحن فيه من تخمة مقرفة، وتفاهات يقف عليها ويسيّرها عرابو ثقافة الدجل واللعب في بركة الدم الشريف.
    أشاهد العجب على الفضائيّات، وأقرأ المضحكات وما عشت فاقرأ عن المزايدين والمقامرين بسفه الكلام وانتحال الإباطيل.   
   نحن في شهر شعبان، وعلى الأبواب رمضان. والله المستعان.
    ومن الطريف ما دام حديثنا يدور حول أهمية الكلمة ومساهمة المثقف في بناء المجتمع أوهدمه، أذكر هنا قبل أن أختم كلامي لهذه الليلة،ما قاله أحد المثقفين من الأدباء من أن العالم لم يعرف الإستبداد والنظم الشمولية قبل عصر التوحيد الذي جاءت به الأديان السماوية من إبراهيم الى نبيّنا محمد (ص)! ليته جاء بشيء جديد نتفق عليه أو نختلف ليس في الأمر مشكلة. لكن هو التقليد وفي أسوأ أشكاله إثارة واستفزازا.
  
   والوجه الآخر لهذه العملات هو التطرف المقابل واليقين المبني على التمني والترجي وسذاجة الطرح. وكأن القضية عندهم مخارج حروف وليس البحث عن مخرج....
   وإن شاء الله لنا عودة...

28 - يوليو - 2011
مسؤولية المثقف وثمن الكلمة
فانوس رمضان    كن أول من يقيّم

أقـبلت يا رمضان وجهك متعب عـيناك تذرف والجبين iiمعصّب
فـانوسك  المكسور مثل iiنفوسنا ومع  الظلام على القلوب iiمحبب
ما عاد صوتك في السحور يهزّنا فـنقوم  من فرح اللقاء iiونطرب
أقـبلت لا صوت علا في مسجد عـند الأذان ولا ضمير iiيغضب
وأراك وحدك في الطريق iiمشيّعا وكـما أتيت مع الحرائق iiتذهب
نـزل  الإمـام وقام في iiمحرابه مـن هـول نازلة يحدث iiأشعب
مـا  بـين ناب الأفعوان iiوسمّه سـيـكون أيسر ما تلزّ iiالعقرب
هذا  الدم المسفوح أكبر من iiفمي وأشـدّ  من وقع الحديد iiوأصلب
ويصوم  عن ذلّ الخنوع iiمرابطا ويدور  من كأس الكرامة iiيشرب
هـذا  الدم المسفوح ليس يسومه مهما  اختلفنا في المذاهب مذهب
 

8 - أغسطس - 2011
مسؤولية المثقف وثمن الكلمة
عطر المفكر    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

رأي الوراق :

 
 
 
    يؤكد العارفون أن العقاد كانت له علاقة غير شرعية بإحدى النساء، كانت ثمرتها فتاة اعتادت على زيارته بين الحين والآخر، وكان العقاد يعطف عليها من غير أن يعلن أبوته لها. بعد وفاة العقاد حضرت الفتاة كما ذكروا مجلس العزاء، فظنّت أسرة العقاد أنّها جاءت تطالب بالأرث، لأنهم- كما يظهر- كانوا على علم بتفاصيل تلك القصة، فطردوها من البيت، فانتحرت.
    قد تكون مثل هذه القصص من الأمور الشخصية كما يرى البعض، ولا يصح أن نحاكم من خلالها المثقف، بل علينا أن نفصل بين الشأن الشخصي، وبين دورالمثقف في الحياة الأجتماعية والفكرية وسارئر شؤون الحياة التي يساهم رجل الفكر  بإثرائها من خلال الكتابة
   إذا كنا نحاسب رجل الشارع البسيط بوصفه فردا من أفراد المجتمع عندما يقوم بعمل يؤثر سلبا في الحياة العامة ، فمن باب أولى أن يكون المثقف في دائرة من يجب محاسبته أو معاتبته لطبيعة دوره وأهمية الأفكار التي يطرحها وأثرها في الناس.
   من الجدير بالذكر أن جان جاك روسو المفكر الفرنسي الشهير صاحب العقد الإجتماعي، كان قد كتب في مذكرته أمورا تتصل بالجانب الأخلاقي من سيرته، منها علاقته بمربيته مثلا، ولكن روسو لم يشر الى مسألة هي أكثر خطورة من ذلك، وهي إنجابه عدد من الأبناء غير الشرعيين ووضعهم في الملجأ. وهي حالة كما وصفها البعض تدل على خبث شريحة كبيرة من المثقفيين في إخفاء أفعال مشينة كبرى، بواسطة التطرّق الى مسائل تعد هفوات أو نزوات عابرة كما هو الحال في العلاقة مع النساء، لاسيما في مرحلة الشباب. وهي من الأمور التي لا يلتفت إليها في العادة أحد بالقياس الى مايُعدّ جريمة إجتماعية وأخلاقية مثل إنجاب أطفال غير شرعيين والتخلي عنهم ونبذهم في الملاجيء، والهروب من المسؤولية بضمير مستريح. ثم يتحدث هذا المفكر نفسه عن الأخلاق والعقد الإجتماعي.
  والكلام هنا عن القدوة والرمز سواء كان رجل دين أو رجل سياسة أو مثقفا يساهم في صياغة الفكر الثقافي والتربوي للمجتمع. قد يرى البعض أن أثر الحياة الشخصية لقادة الفكر وصنّاع القرارات السياسية وأصحاب النظريات الفلسفية الكبرة لا تؤثر إلا بقدر ضئيل فيما يكتبون وماينشرون. نحن نتحدث عن الإخلاق بمعناها العام، وإنعكاس ذلك على الوظيفة الثقافية والتربوية والإجتماعية والسياسية وسائر نشاط المثقف في الحياة العامة.
   فمثلا ينقل عن طه حسين أنه كان غاضبا من زكي مبارك لأنّه كان يمنح فؤاد سراج الدين درجة النجاح في مادة الأدب، دون أن يكون قد حضر وأدى ذلك الإمتحان بالفعل مقابل زجاجة كولونيا!
    ما قيمة مثل هذه القصص التي تتكرر يوميا في حياتنا سواء الخاصة منها والعامة؟ الإنسان يصيب ويخطيء وليس ملاكا، وما يعني ذلك، والدرجة التي كان يحتاجها الرجل لم تكن داخلة في صميم اختصاصة القانوني. إنها درجة في الأدب فرضت عليه فتحايل للتخلص من عبئها. والرجل لم يكن أستاذا للأدب أو اللغة العربية فيؤثر ذلك على مهنيّته في أداء عمله؟!
   ليس الهدف هو التعريض باحد، بل هو مجرد مثال من أمثلة عديدة سنشير إليها في حينها، الغرض منه التأكيد على أن الإنسان تاريخ متصل بعضه بالبعض الآخر، ونسيج عضوي ملتحم لا يمكن فصل ماضيه عن حاضره. فالرجل الذي نتحدث عنه كان رجل سياسة ومحاميا كبيرا وعضوا في حزب الوفد، ووزيرا للزراعة والمواصلات، ووزير داخلية ومالية. وسياسيا نشيطا. أعتقل عدد من المرات، وسجن عدد من المرات... دور سياسي، وآخر حزبي، ودور إقتصادي ومالي، ودور أمني، بل يقال أنه صاحب مجانية التعليم. من حقنا بعد ذلك أن نسأل: ماهو مقدار أثر زجاجة الكولونيا التي أشار إليها عميد الأدب في مجمل ذلك النشاط الكبير والمؤثر الذي لعبه الرجل في الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية والقانونية على مدى أكثر من خمسين سنة؟ وآخرون قصصهم أعجب.
   نستعرضها إن شاء الله في المجالس القادمة.
 

5 - ديسمبر - 2011
من يكتب التاريخ؟
نزلة برد    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

رأي الوراق :

 
 
   أجد أكثر من فكرة تقفز الى الرأس كلما بادرت الى كتابة موضوع كنت قد استجمعت بعض خيوطه في الذهن، وتزدحم المشاهد والصورالمختلفة فتدفعني دفعا باتجاه حديث اتجنب الخوض فيه. ربما لأني أصبحت بسبب ما أرى وما اسمع قدري المذهب وإن كنت فيما أزعم بلا مذهب! والويل لمن ليس له مذهب. فلا كعبا بلغت ولا كلابا. حتى مقتل القذافي كان يمرّ أمام عيني كأي مشهد من هذه المشاهد اليومية الدموية التي اعتدنا عليها. لم أفرح بموت الرجل ولم أحزن لفراقه أيضا. وجود ساخر، ومقتل أشد سخرية
 
     أرانب غير أنهم ملوك       مفتحـة عيـونهم نيــام
    وأجسام يَحَرّ القتل فيها       وما أقرانها إلا الطعام
   ربما هي نزلة البرد تفعل فعلها، فتدير الرأس وتعبث بالأفكار. أحاول أن أتجنب ما استطعت ما يثير حساسية البعض.لا تستطيع وأنت تكتب عن التاريخ أن تفصل بين ما هو ثقافي أو أدبي أو اجتماعي، عما هو سياسي. قد نختلف بالطبع في العوامل المنتجة للصراع، هل العامل الإقتصادي أم الديني أم السياسي أم كل هذه العوامل مشتركة؟ طبعا ما نكتبه هنا لا يرقى قطعا الى مستوى البحث الأكاديمي أو العلمي الدقيق. إنها محاولة نتتبع من خلالها مسيرة تاريخية تحفل بالأحداث والصراعات والقصص الغريبة والمثيرة. وما يهمنا في المحصلة هو أن نفهم بقدر ما يتسع له فهمنا، وما تسعفنا فيه الذاكرة من أحداث كادت أن تنسى ولم يبق منها إلا القدر اليسير، نستعين به في ربط الحاضر بالماضي، علنا نفهم ما يدور من  حولنا، وأن نترفّع عن القبول بمهمة الثور الذي يدور معصوب العين.
   نسمع هذه الأيام من يصف الجماهير بالغوغاء والمغفلين. والغريب أن نسمع هذا الكلام ممن يعتقدون أن الأمة لا تجتمع على ضلالة. فإذا كانت الأمة غير الشعب أو الجماهير فمن هي الأمة إذن؟ الفقهاء وخواص العلماء القائلون بوجوب طاعة الحاكم مهما فعل. أم النخبة المثقفة التي سوف نأتي على تناقضاتها بعد ذلك؟ أم من بالتحديد؟ إنها بالفعل عودة ونكوص عجيب في أخطر ظرف يمر به العرب في تاريخهم المعاصر منذ الحرب العالمية الثانية.
   كما نشهد تناقضا مخجلا هذه الأيام ، سواء كان ذلك من السياسيين أم من المثقفين أم ممن يسمون أنفسهم محللين في الشأن السياسي وأصحاب الفكر الحر! ورجال دين. لماذا إذن كل هذه الدماء التي سالت بفتوى هؤلاء المثقفين الأحرار وهم يدعون الشباب ويدفعوهم الى جهاد المحتل والغازي لأرض المسلمين. لماذا اختلف الخطاب اليوم، لماذا كل هذا الصراخ والإجتماعات المحمومة للتدخل الأجنبي؟ هل أصبحت أمريكا عدو الأمس صديق اليوم؟ أم أن أردوغان الذي لا يتورع عن التصريح وهو وزعيم حزب إسلامي وحاكم لبلد أغلبيّته من المسلمين: أنه يسير في طريق حماية قيم العلمانية في البلاد. وأن حزبه إسلامي معتدل غير معاد للغرب، أصبح هو القشة التي يتعلق بها أصحاب الأوهام والمشاريع الخاسرة. أما وزير خارجيّة تركيا أحمد داود أوغلو فيقول إنهم- حزب العدالة والتنمية- ورثة الدولة العثمانية، و يتصرف بالفعل على هذا الأساس، ويهدد وكأن هذه الدولة العربية أو تلك مقاطعة عثمانية. هذا الرجل الذي يعول عليه البعض، له شبكة علاقات واسعة وحميمة مع كبار ساسة أسرائيل. فهل هذا يكفي أم نتحدث عن العلاقات الإستراتيجية والعسكرية بين البلدين. قد يقول البعض: هذا قبل وصول الإسلاميين. منذ عام 2002 والإسلاميون في السلطة فماذا فعلوا غير تاكيد هويتهم القومية في المنطقة وتعزيز نفوذها كما تفعل إيران. وحزب العدالة والتنمية كان قد انشقّ عن حزب الفضيلة لأهداف يعرفها المطلع على علاقة الإسلاميين بالعسكر في تركيا، وعلاقة العسكر بإسرائيل.
   يبقى الكلام عن أسطول الحرية. طلبت تركيا من إسرائيل أن تعتذر وأن تقدم تعويضات لأسر الضحايا الأتراك وسوف ينتهي كل شي وتعود العلاقات سمنا على عسل. وقد صرّح أكثر من مسؤول اسرائيلي أن ما حدث مجرد سحابة صيف سوف يتجاوزها الطرفان، وأن العلاقات بينهما أقوى من أن يؤثر عليها مثل هذا الحادث. وهذا ما تريده تركيا، المحافظة على هيبتها من جهة، وتأمين مصالحها القومية من جهة أخرى. ومن حقها ذلك، بل نحن نصفّق لها بحرارة وإعجاب كبير. ولكن ماذا عن قضايا العرب وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي يراهن البعض فيها على الدور التركي؟ هل يمكن لدولة لها كل هذه العلاقات العسكرية والاقتصادية والتجارية مع إسرائيل، أن تكون حليفا أو مدافعا عن الحق العربي في فلسطين. مالكم كيف تحكمون، وبأي ميزان تزنون؟
   ونختم كلامنا بما صرّح به أردوغان: أن المسلسلات التركية المدبلجة قد أصبحت واحدة ومن وسائل التقارب بين تركيا والعرب!
 فهل نحن أمة محمد، أم أمة مهند؟!

7 - ديسمبر - 2011
من يكتب التاريخ؟
تربية القطيع    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :

 
يذكر طه حسين في كتابه الأيام عن بعض شيوخه- كان يدرسهم المنطق كما أظن- أنه كان يسأل الطلبة، وعندما لا يجد الإجابة يقول: ردوا يا غنم، ردوا يابهائم، ردوا يا خنازير.
 
  موروث ينتقل كالعدوى بين مجتمعاتنا على الصعيد السياسي والإجتماعي وفي داخل الإسرة بين الزوج المتسلّط، والزوجة الضعيفة المغلوبة على أمرها، بين الأب وأبنائه، والأخ الأكبر عندما يتسلط على أخواته أو اخوته الصغار. حتى ننتهي بقمة الهرم السلطوي، الحاكم المستبد وأزلامه الميامين!
   لايزال الى الآن يُعرّف الأنسان أنّه حيوان ناطق. هذه المقولة التي أخذناها من التراث اليوناني تجعل الوجود في شجرة قمتها الجوهر، وفي نهايتها الإنسان. كيف كان شيوخنا وهم من أشد أعداء فرضية أو نظرية الإنتخاب الطبيعي، يعلموننا أن الإنسان نوع جنسه الحيوان. وفصله بالنطق أو الفكر لا يغيّر من المسألة شيئا، لأن القائلين بالتطور يقرّون أيضا أن الإنسان كائن عاقل مفكر يمتاز عن جده الحوان غير العاقل بالفكر وأن الأنواع لاتتداخل. فإن أذكى قرد، هو أدنى ذكاءا من صبيّ متخلف عقليّا. إن تعريف اليونان للإنسان لا يختلف في جوهره عن نظرية دارون. وهي مخالفة صريحة لما ذكرته الكتب السماوية ومنها القرآن الكريم، أن الله قد خلق الإنسان قبل خلق الحيوان الأعجم، وكرّمه بإمور أخصّها: أن الله تعالى نفخ فيه من روحه، وأمر الملائكة بالسجود له تكريما وتشريفا...
   والجدير بالذكر أن العلماء القائلين بالنشوء والإرتقاء، قد جعلوا المشترك الأول لجميع الكائنات الحية على الارض، كائنا وحيد الخلية يسمى الأمبيبا. وهي كتلة عديمة الشكل كما يصفونها. وإذا عدنا الى الجوهر الذي وضعه المناطقة والفلاسفة في قمة الهرم المنحدر منه الحيوان المنفصل منه الكائن البشري بالفكر أو النطق، لا نجد فرقا يُذكر بين من يقول: أن الإنسان والقرد ينحدران من أصل واحد، وبين من يقول: أن الإنسان والقرد من جنس واحد. فكيف نكفر بالأول ونؤمن بالثاني؟ وكلاهما أجنبيّان مستوردان؟ أم أن هناك فرقا جوهريا نجهله ويعرفه أهل الإختصاص أعمق بكثير من ذلك الشبه في الصياغة والتعبير. ولطالما سقط الناس ضحايا التعبير، وأساء آخرون التفسير لهوى في النفس أو قناعة مشفوعة بالتعليم في الصغر، وما ثبت في الصغر تحجّر!  
   نعود لحديث الشيخ الذي أغرانا بالتفلسف، وقصة الغنم. من حلقة هذا الشيخ تخرج واحد من أعلام الثقافة والفكر. وكم تخرج من حلقة أمثال هؤلاء الشيوخ من كانت لهم وظائف وأدوار في الحياة الثقافية والسياسية والإجتماعية. والعدوى تنتقل لا تعرف إن كان مصدرها الأول هو البيت أم المدرسة أم الحارة والزقاق.. وعن طريق التكرار والسماع اليومي نألف الأشياء في خبثها وقسوتها، وتصبح سلوكا وعادة وممارسة يومية لتنتهي بمرور الأيام والسنين الى مداعبة لانستحي منها. كنت في أحد الأسواق، فسمعت أحدهم يصرخ في وجه ابنه: ولك ابن ال... قلت له: ألا يكفي أننا أنجبنا أولادنا في هذه البلاد التي تتطلب منا مضاعفة الجهد في تربيتهم، فنكون نحن والبيئة الرديئة أعوانا في إفسادهم. قال: كلنا تربينا هكذا. أبي كان يشتمني ويضربني، وكذلك كان يفعل المعلم... تريد أن تغيّر الدنيا! فليذهب الجميع الى جهنّم!
   ولا أظن الزمان قد سرّ بنيه في ماض كان المتنبي يتوهمه بقوله:
أتى الزمان بنوه في شبيبته       فسرّهم وأتيناه على الهرم
   وما بكائنا على الأمس الغابر إلا لأننا لم نكن شهودا على ضحاياه. وللماضي سحره الذي لا يبطل. يخفي مرارته ما استطاع، ويظهر حلاوته لمن يتّبع أثره.
   ذكروا أن مصعب ابن الزبير لقي عبد الله بن عمر فسلم عليه وقال له: أنا ابن أخيك مصعب. فقال له ابن عمر: أنت القاتل سبعة آلاف من أهل القبلة في غداة واحدة. فقال مصعب: إنهم كانوا كفرة فجرة. فقال: والله لو قتلت عدتهم غنماً من تراث أبيك لكان ذلك سرفاً.
 

12 - ديسمبر - 2011
من يكتب التاريخ؟
جناية الحاكم، جناية المحكوم    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :

 
    يقول عبد الرحمن بدوي في كتابه سيرة حياتي: يئست نفسي اذن من كل شئ في مصر: حاكم طاغية مستبد طيّاش، وشعب مسلوب العقل والإرادة مطواع لكل ظالم مستبد...نعم قد يزول الحاكم بعد وقت قد يكون قصير.. لكن لن يتغيّر شئ كثير لأن داء الأستبداد قد تمكن من الحكم فصار من العسير اقتلاعه...فحتى لو جاء حاكم مستنير عادل فسرعان ما تلتف حوله كأغشاب العلّيق حاشية من الإنتهازيين والمتملقين....
  وكان بدوي قد سافر في صيف عام 1937 الى أوروبا عن طريق الجامعة المصرية. فأقام أربعة اشهر في منشن عاصمة الحركة النازية. قرأ فيها كتاب كفاحي لهتلر، وشاهد هتلر واستمع الى إحدى خطبه النارية التي تركت أثرا كبيرا في نفس الفتى الذي لم يتجاوز العشرين. كما قرأمقالات عديدة عن الأسس التي تقوم عليها الحركة النازية. فكانت حصيلة هذه الإقامة في منشن التعرف على الثقافة والسياسة والروح الالمانية؛ فتعاطف معها بوعي كبير كما يقول. ورأى ضرورة استلهام النموذج النازي لإستنهاض الوطنية المصرية. ويقول إن إعجاب المصريين بالتجرية الألماني كان أصيلا، لاسيما أن الألمان لم يكن لهم تاريخ استعماري لمصر ولا لأية دولة عربية أو إسلامية.
   كما قرأ في السنة الاخيرة من الإبتدائية بضع مقالات عن نيتشه وشوبنهور. ويبدو أن ذلك كله قد ساهم في وضع كتابه عن نيتشه بعد ذلك. ولكن بدوي الذي لم يخفي اعجابه بالتجربة النازية بل وفي شخصية هتلر ومشروعه القومي الذي تميّز بالغطرسة والعنصرية والإستبداد بالحكم، شن حملة شعواء على عبد الناصر وأركان حكمه لأسباب قد تعود الى موقف الحكومة المصرية من تحديد ملكية الأرض الذي تضررت منه عائلة عبد الرحمن بدوي. ولأسباب شخصية تعود الى مزاج هذا المثقف الكبير الذي يتسم بالحدة والغرور والتعالي على الجميع. فهو جبل شامخ كما يقول عن نفسه، وخصومه طنين ذباب!
   يقول: تدخل الجيش في الحياة السيايسة والإقتصادية للمواطنين بما يسمى بتصفية الأقطاع وتولى عبد الحكيم عامر هذه المهمة، بدلا من الإهتمام بالجيش والسلاح. فلا عجب أن ينهار الجيش المصري من أول ضربة ... فكانت هزيمة من أنكر الهزائم التي عرفتها مصر في تاريخها.
   وكانت وسائل التنصت والتجسس كفيلة بإبلاغ كل نقد أو تذمر حتى ولو كان خافتا شبه صامت الى زبانية المخابرات الذين استباحوا كل حرمة، واختصوا أنفسهم بكل ما يطلبون من العملة الصعبة. هذا في الوقت الذي كانوا فيه يجهلون كل ما يدبره أعداء مصر من إعدادات للهجوم ومؤامرات للإطاحة بمصر ...وكان التنافس في خدمة المخابرات شديدا للغاية، خصوصا بين المثفقفين من أساتذة الجامعات، وكبار الموظفين في الوزارات، والأدباء والفنانين لإنهم رأوا في ذلك أنجع وسيلة للوصول وأسهلها، حتي صار التفسير الشائع بين الناس أن صول أحد الى منصب كبير هو أنه من رجال المخابرات، فإذا كان المنصب أقل شأنا قيل عن صاحبه أنه من عملاء المخابرات... وتحوّلت مصر الى سجن كبير لا يخرج منه إلا السجّانون)
  وإذا كانت الجماهير المغلوبة على أمرها، والمطحونة بين سندان الفقر والجهل ومطرقة الحاكم الظالم المستبد، تخضع لمنطق القطيع وتسير بقوة العصى، تتقلب أهوائها، وتتناقض مواقفها. تصفق للحاكم مادام قويّا في سلطانه، وتخذله وتنقلب عليه متى ما ضعف، أو وجدت عليه أعوانا أشداء، فتناقض المثقف أو المفكر أشد خطرا، وأبلغ أثرا في صناعة الحدث التاريخي.
    يُذكر أن هتلر كان من المعجبين بالفيلسوف نيتشه وما كتبه عن الرجل السوبرمان وعظمة العرق الجرماني وتمجيد القوة واحتقار الضعيف. والأول عاش طفولة مضطربة عنيفة، كان أبوه يضربه بقسوة، فكانت القسوة وعدم الرحمة منهجا اتبعه هتلر في حياته السياسية. وكانت جدته لأبيه قد تعرّضت للإغتصاب وهي تخدم في أحد البيوت التي قد يكون أهلها من اليهود. فقد كان هؤلاء على قلتهم في ألمانيا في يدهم الإقتصاد وأغلب ثروة البلد. بيقت هذه في نفس هتلر، فمنع عمل المرأة الألمانية في بيوت اليهود! بل قرر تطهير ألمانيا من شرورهم. ولكن كيف ذلك وهم في عروقه! وقد دفع العالم وليس أوروبا فحسب ثمنا باهضا لذلك. أما نيتشه فيشترك مع هتلر في كثير من نزواته العقلية،واضطرابه النفسي، وحبه للموسيقى والفن. وربما هناك مشتركات أخرى لانتبيّن أثرها، منها اعتلال بدن نيتشه الذي أوصله في النهاية الى الجنون التام.
   في المجلس القادم نكمل حديثنا إن شاء الله
 

15 - ديسمبر - 2011
من يكتب التاريخ؟
وعلى المحصنات جرّ الذيول    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

رأي الوراق :

 
   إحباط كبير يجتاحني هذه الايام، مما يجعل نفس الانسان تضيق بالاشياء من حولها، ويتضاعف هذا الشعور بالاحباط والخيبة عندما نكتشف أن النخبة السياسية والثقافية والفكرية على السواء هي المسؤولة عن تشكيل هذا الواقع وصياغة أحداثه المفجعة. وكأننا كتب علينا أن ندور في حلقة بدايتها هي نهايتها. حالة أقرب الى العبث. لوكان الشاعر خليل حاوي بيننا الآن، لفكر مليّا قبل أن يقرر الإنتحار بدافع اليأس والإحباط. فهل نحن بحاجة دائمة لعدو خارجي حتى في مبررات الموت المجّاني؟
   كانت إسرائيل قضية العرب الكبرى لأكثر من سبعين عاما. ما هي قضيتنا اليوم وقد أصبحنا مكشوفين لا تسترنا حتى ورقة التوت المتمثلة بالقضية الكبرى؟! أي بؤس هذا وأي انهيار وأنت ترى جزمة الجنود البواسل على جسد المرأة بعد أن تعرّت في الشارع من الضرب والسحل؟! واليمن في طريقها الى صومال آخر كما يشهد بذلك الواقع، و تؤكده التقاريرالخارجية. وليبيا تحكمها المليشيات ووضعها غامض. والعراق كما نشاهد وكفى! وكذلك الحال في سوريا الذبيحة.
   والأزهر يأسف لماذا يحدث! لا يجوز بالطبع أن نحمل وزر مايحدث على جهة بعينها، فنقول كما قال بدوي عن علماء الأزهر بأنهم زمرة من المنافقين. ماذا بقي لنا إذن؟ فإذا كان سعد زغلول في نظره صاحب تاريخ مشبوه مع الإنكليز، وحزب الوفد جهلة وأنصاف متعلمين، ومحمد عبده صديق اللورد كريمرالذي أساء للمصريين، والذي ظن التجديد في لبس القبعة! وجمال الدين الأفغاني رجل لبس عباءة الدين لأغراض سياسية... وبمن نستجير؟
   والمشكلة مع الأزهر قديمة فقد ذكر طه حسين أن علماء الأزهر كانوا قد حضروا مؤتمر الدعوة والإرشاد بمناسبة مرور مائة عام على إنشائه برئاسة رشيد رضا. فدارت كؤوس الخمر في المؤتمر. صحيح أن شيوخ الأزهر لم يشربوا، إلا أنهم حضروا مجلسا يرتكب فيه الحرام. فيكتب طه حسين قصيدة يهجو فيها الشيوخ، فيقرر شيخ الأزهر وقتها- سليم البشري- أن يرسب طه حسين في الإمتحان.
   وكثير من أصحاب الفكر والمثقفين ما زالوا في دائرة الجدل العقيم والإتجاه المعاكس الذي يروجه الإعلام النفطي لغايات أبعد ماتكون عن طلب الحق بالإستماع الى وجهات النظر المختلفة. الملفت أن من أفضل ما كتبه الرواد وأعلام الثقافة العربية كان في المعارك الأدبية التي حفلت بالتناقضات والغرائب والكيد، فضلا عن التجريح والتسقيط المتبادل بين الأعلام. غريب هذا الطبع البشري. كم نشعر بالمتعة ونحن نقرأ تلك الكتابات! نبدأ من أول صفحة من الكتاب، فنجد أنفسنا مشدودين بقوة الى مواصلة القراءة حتى الوصول الى الصفحة الأخيرة منه. لماذا إذن هذا الإعتراض أو الهجوم على ماكان يحدث بين هذه النخبة من أعلام الثقافة والفكر؟! ربما لأننا نبحث عن مثال لسنا قادرين على تحقيقه في ذواتنا المعلولة؟ أم أننا نريد أن نحمّل من نحب ما لا تحتمله طبائع الأشياء؟ ومزاج الأديب وحال المثقف عموما لا يحكمه ضابط إلا ماندر.
  قد بات سيفي في مجال وشاحها       ومدامعي تجري على خدّيها

21 - ديسمبر - 2011
من يكتب التاريخ؟
لابدّ من الكلام 1    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

رأي الوراق :

 
 
قد يكون من الطريف حقا ان يكون المدخل من العنوان الذي يثير في نفسي أحاسيس وشجون مختلفة: هل من ناصر ينصرني. ولما كان واقع الحال من الغرابة التي لم يعد بالأمكان فك رموزها أو إيجاد تفسير مناسب لها حيث قال أهلنا قديما: أنا أتحدث عن الشام وأنت تتحدث عن حلب. والمسافة قد تطول بينهما في حسابات البعض وقد تقصر حد التلاشي التام عندما تكون حلب في قلب الشام في بعدها التاريخي وامتدادها الجغرافي. كنت أستمع لحوار في برنامج ثقافي يتحدث عن المتنبي لم أجد فيه شيء يخص المتنبي. بل الحديث عن القرمطية وإخوان الصفا... وينتهي السفه الفكري الى حافة في غاية الخطورة وعدم الشعور بالمسؤولية الإخلاقية عندما يصرح البعض أن معركته تبدأ من الشام وتنتهي في الكوفة. تصعيد خطير في ظرف تاريخ تعلو فيه أصوات التطرف التي تغذيها مؤسسات ودول مشبوهة ما عادت تخفي ارتباطها بجهات لا تريد الخير لهذه الأمة.
 
  لم استطع الى الآن معرفة الكيفية التي تتيح لي نشر مواضيعي بطريقة مباشرة فكان هذا العنوان: هل من ناصر مدخلا الى موضوع هو في قلب الحدث اليومي الذي نعيشه.

26 - أبريل - 2012
هل من ناصر ینصرنی؟
 6  7  8  9  10