 | تعليقات | تاريخ النشر | مواضيع |  | هو مجنون .... إذا فهو صادق(37)     ( من قبل 2 أعضاء ) قيّم
الطبع ليس كل صادق مجنون , لكن كل مجنون بالضرورة صادق , ملتقى الصدق والجنون هو اللامبالاة بالواقع أثناء التعبير عن النفس , الصادق : لأن الحقيقة عنده أسمى من الواقع , والمجنون : لأنه لا يرى الواقع أصلا . لكن ما هي الفائدة المرجوة من تحديد العلاقة بين الصدق والجنون ? الفائدة هي أننا سنقبل بشهادة أحد المجانين بشأن الحضارة الإسلامية . فإذا كان كل مفكري الغرب يُسِرُّون في أنفسهم إعجابا بحضارتنا , وإذا كان واقع حضارتهم يمنعهم من الإعلان عن هذا الإعجاب , فسنلجأ إلى "نيتشة" للأسباب المذكورة آنفا , وفيما يلي الفقرة رقم (60) كاملة من كتابه "عدو المسيح" : " لقد حرمتنا المسيحية من مجَّاني الحضارة القديمة , وفيما بعد حرمتنا من ثمار حضارة الإسلام , العالم الغرائبي لحضارة العرب في أسبانيا , والذي هو في الأساس أكثر قربا إلينا من روما واليونان , والذي يتناسب أكثر مع شعورنا و ذوقنا , قد غُمِر , لماذا ? لأنه دان بمولده لغرائز أرستقراطية , لغرائز رجولية , لأنه أكد الحياة بما فيها من الغنى النادر والمهذب للحياة الأندلسية , الصليبيون حاربوا في زمن آخر ضد أمر كان عليهم أن يرتموا أمامه في التراب , حضارة حتى قرننا التاسع عشر يبدو أمامها بالغ الفقر, بالغ التأخر , طبعا الصليبيون تطلعوا للقيام بتمرد , والشرق كان غنيا . هلا نكن غير متحيزين ? إذا فالصليبيون كانوا قرصنة رفيعة لا أكثر . النبالة الألمانية التي هي أصلا نبالة فايكنغ , كانت في بيئتها الملائمة مع الحملات الصليبية , لقد عرفت الكنيسة تماما كيف تربح النبالة الألمانية , النبالة الألمانية كانت دائما ما كانه السويسريون , مرتزقة الكنيسة , الخادمين دائما لغرائزها السيئة , إنما المأجورين جيدا , بالتأكيد بمساعدة السيوف الجرمانية , وبالدم والشجاعة الجرمانية , أقامت الكنيسة حربا مستميتة ضد كل نبالة موجودة فوق الأرض. حول هذه النقطة ثَمَّ مقدار من الأسئلة المؤلمة . النبالة الألمانية , لولا قليل لبقيت مغيبة من تاريخ الحضارة الراقية , ويمكن أن يخمن السبب : المسيحية والكحول , هاتان الوسيلتان الكبيرتان للفساد. هنا لم يكن ثمة شكوك في الاتجاه الذي يتخذ , لا بين الإسلام والمسيحية ولا بالأولى بين عربي ويهودي , القرار قد اتخذ ولا أحد هنا حر في اختياره , إما أن يكون شاندالا أو لا يكون شاندالا : "حرب بلا هوادة على روما , سلام وصداقة مع الإسلام " هكذا فكر , وهكذا فعل ذلك الروح الكبير الحر , العبقري بين الأباطرة الألمان : " فريدريك الثاني" , أفهم كيف أن على الألماني أن يكون عبقريا , مفكرا , حرا للشعور بطريقة لائقة , لست أفهم كيف أن الألماني يمكن أبدا أن يمتلك مشاعر مسيحية" . انتهت الفقرة. ويمكن تحميل الكتاب المذكور من هذا الرابط http://www.mofakren.com/modules.php?name=Downloads&d_op=viewdownload&cid=32 لا يقصد "نيتشة" بأرستقراطية الحضارة الإسلامية أنها حكرا على الطبقة العليا من المجتمع بل يقصد أنها كلها بكل طبقاتها أرستقراطية بالنسبة إلى غيرها من الحضارات , فهي لا تقبل بالفكرة السخيفة التي تدور حول المساواة بين البشر , ولا بالتعايش الممل والمزيف الذي تتساوى فيه الرؤوس , ولا تقبل إلا السيادة على غيرها , بل ولا تقبل وجود غيرها أساسا لتسود عليه أو تتعايش معه , ذلك التعايش الذي يستحيل وجوده عمليا , والذي لا يعدو أن يكون مخدرا مازال ساري المفعول عندنا .أما موضوع "فريدريك الثاني" الذي ذكره "نيتشة" , فقد كان من أقوى أباطرة الألمان والذي كان نيتشة يعتبره مثالا كان يجب على الجميع أن يلحقوا به , معروف عن "فريدريك الثاني" أنه كان من أشد المعجبين بالحضارة الإسلامية , وكان يتحدث مع أصدقائه من العرب دون مترجم , أما بلاطه فكان على الطراز العربي . ليس المقصود من عرض تلك الفقرة وشرحها إظهار أن "أحدهم يثني علينا" , فالسادة ينظرون دائما إلى ثناء العبيد عليهم نظرة استخفاف إن لم يكن استنكار , نحن في غنى عن أي ثناء من غيرنا بعد أن أعلن الله في عليائه ومن فوق عرشه أننا "خير أمة" , فما المقصود إذا بعرض تلك الفقرة ? المقصود هو حل المفارقات التي تطفو على السطح مباشرة بعد قراءتها , كيف أن النجم المفضل للتائهين العرب معجب بالحضارة التي طالما نظر إليها هؤلاء التائهون أنفسهم بكل ما أوتوا من قدرة على الاشمئزاز ? هذه هي المفارقة , لكن لماذا نسعى لحل تلك المفارقة ? سنعرف في المرة القادمة | 1 - ديسمبر - 2006 | لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ? |  | ابن القيم وسقراط (38)     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
مفارقة "نيتشة" كانت مفارقة مركبة , فمن ناحية : كيف هو يميت الإله (وقد علمنا مَن منهما أمات الآخر) , ثم هو معجب أشد الإعجاب بحضارة الإسلام . ومن ناحية أخرى : كيف يولي ظهره لتراث الحضارة الغربية متجها صوب حضارة الإسلام , ثم إن بعض شباب العرب يولون ظهورهم لتلك الحضارة ذاتها متوجهين صوبه ومؤمنين به . ولم نحل نحن تلك الأحجية حتى الآن . كان القصد من عرضها هو أن تكون خطوة أولى لإعادة ترتيب الأوراق , لكن لماذا نعيد ترتيب الأوراق ? ببساطة لأننا , من الناحية الواقعية , من أهل الفن , وغايتنا من إعادة ترتيب الأوراق هي محاولة الحصول على شكل أجمل للحياة , والسبيل الوحيد الذي تبدو في نهايته الحياة جميلة هي أن تدور في فلكنا , ولقد فتشت جيدا في كل السبل فلم أجد طريقا آخر نصل به لتلك النتيجة . مفارقة أخرى سأضمها إلى مفارقة "نيتشة" وحل أي منهما هو أيضا حل للأخرى , وهذه المفارقة هي : ابن القيم أكثر وجودية من سقراط , لكن لماذا اخترت سقراط تحديدا ? لأنه , دون غيره من فلاسفة اليونان , المرجع التراثي للوجودية , ولماذا هو المرجع التراثي للوجودية ? لأن له مع الوجودية علاقة خاصة , فعبارة "اعرف نفسك" التي اقتبسها من معبد "دلفي" والتي اشتهر بها بعد ذلك , هذه العبارة يعتبرها الوجوديون بداية التفكير الوجودي , إذ أن الوجودية تتميز بأنها ترفض رفضا باتا فصل الإنسان عن موضوع المعرفة , فالحقيقة عندهم , وعلى خلاف التفكير عير الوجودي , لا تدرك في العالم , بل تخلق خلقا في الذات , وليس العالم سوى إمكانيات لتحقيق تلك الذات , أي أن الحقيقة للإنسان وليس الإنسان للحقيقة . المهم أن عبارة "اعرف نفسك" جعلت البعض , مثل هيدجر , يعتبر سقراط نموذج للتفكير الوجودي وبداية له , والبعض الآخر , مثل نيتشة , اعتبره نهاية التفكير الوجودي على أساس أنه حول الفضيلة إلى مجرد معرفة عقلية , في حين أنها وجدان وواقع معاش , بل وقرر نيتشة في الكتاب المشار إليه سابقا أن سقراط يستحق كأس السم الذي تجرعه بجريمته في حق الفضيلة حين حولها إلى موضوع للمعرفة . عودة إلى ابن القيم , فهو يعترض على موضوع "كمالات النفس" عند الفلاسفة على أساس أنهم يدرسون تلك الكمالات معزولة عن (واقعها المعاش) , فيقول : " قالوا : كمال الشهوة في العفة , وكمال الغضب في الحكم والشجاعة , وكمال القوة النظرية بالعلم , والتوسط في كل ذلك هو العدل" , ثم يعلق ابن القيم على هذا فيقول : "وهذه الكمالات الأربعة التي ذكرها الفلاسفة للنفس لا بد منها في كمالها وصلاحها , ولكن قصروا غاية التقصير في أنهم لم يبينوا متعلقها , ولم يحدوا لها حدا فاصلا بين ما تحصل به السعادة وما لا تحصل به , فإنهم لم يذكروا متعلق العفة , ولا عماذا تكون , ولا مقدارها الذي إذا تجاوزه العبد وقع الفجور , وكذلك الحلم , لم يذكروا مواقعه , ومقداره , وأين يحسن وأين يقبح , وكذلك الشجاعة , وكذلك العلم , لم يميزوا العلم الذي تزكوا به النفوس وتسعد , من غيره" وهكذا يستنكر "نيتشة" الحديث عن الفضيلة بمعزل عن الواقع فهو يتعجب من فضيلة "إنكار الذات" إذا تمسك بها شخص قدر له أن يكون قائدا . التباين بين أخلاق "دارسي الأخلاق" وبين موضوع دراستهم كان هو النتيجة الطبيعية لاتخاذ الفضيلة "موضوعا للمعرفة" وليست واقع معاشا , يذكر "ول ديورانت" في كتاب قصة الحضارة .كيف "سرت نار" الحب في جسم سقراط حين رأى كرميدس Charmides" , كما يذكر عن أفلاطون أنه كان يصف سقراط وألقبيادس بأنهما عاشقان، ويقول عن الفيلسوف إنه "يطارد الفتى الوسيم" ، والشيخ _أي سقراط_ وإن كان يبدو أنه قد جعل حبه في الغالب حباً أفلاطونياً، لم يستنكف أن يقدم النصح للائطين وللسراري عن خير الوسائل لاصطياد المحبين. وقد دفعته شهامته إلى أن يعد الحظية ثيودروا بمعونته، وقد جازته على هذه المعونة بدعوتها إياه أن "يتردد عليها ليزورها" [من المجلد الثاني _الفصل الخامس_قصة الحضارة] الخلاصة أن المفارقة هي : ابن القيم وجوديا أكثر من سقراط إذا أنه يعتبر الإنسان لا يتجزأ عن واقعه المعاش , في حين أن البعض قد اعتبر أن مقولة " الوجود _ في _ العالم" هي بديلا معاصرا لنظرة الحضارة الإسلامية للإنسان. لكننا لم نحل أي من المفارقات ولم نفعل إلا أن أضفنا واحدة إلى الأخرى , هذا صحيح لكن قد تحمل المقالة القادمة من الحلول أكثر مما تحمل من المشكلات , عسانا نستطيع إعادة ترتيب الأوراق. الأستاذ عبد الرءوف : في انتظارك , لكن لا تتباطأ , فما تبقى من عمري قد لا يتجاوز السبعين عاما. | 1 - ديسمبر - 2006 | لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ? |  | أنواع العائدين من الغرب     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
الشكر والتحية للأخ الكريم المشرف "معتصم" على ترحيبه المحرج , وسلامي للأخ الكريم زهير.
ما إن يمكث أحدهم في "بلاد الفرنجة" بضع سنوات , حتى يأتي إلينا رافعا رأسه في شموخ , وبهذا الشموخ يحافظ على المسافة بينه وبين "هؤلاء العرب" , تلك المسافة التي أنفق من أجلها الأموال وقطع لأجلها مئات الأميال ذهابا إلى الفرنجة وعودة منها .
ومصادفة بحتة هي التي جعلتني أحاول في ملف "لماذا لا يوجد لدينا فلاسفة" أحاول ترتيب الأوراق , بحيث تختفي تلك الطاهرة من بلادنا إلى الأبد , أي ظاهرة "العودة بشموخ" , فما أتحدث عنه هنا هو ما أتحدث عنه هناك , لكن التسلسل المنطقي هناك , أما هنا فسنتحدث عن أمر آخر متعلق بالموضوع أيضا , باعتبار أن الأخ "غذامي" هو أحد "العائدين بشموخ" , وأعتقد أنه لو كان للقراءة أثرا يذكر , أو لو كانت العقول "الشامخة بتأثير العودة" تنفعل بالأفكار , لاستدعت المقالة رقم (37) منهم وقفة تأمل .
ليس كل العائدين بهذا السوء , فالعائدون نوعان , منهم من يزداد بحضارته اعتزازا وبالغرب استخفافا , ومنهم من يتحول إلى فقاعة هواء تظن طيرانها في الأعلى إنما هو "رفعة" .
يمثل الاتجاه الأول : الأستاذ "سيد قطب" بعد عودته من أمريكا , والأستاذ "محمد إقبال" , والراحل القدير "عبد الرحمن بدوي" (في أواخر أيامه فقط) . ومن الغرب نفسه : في نفس الاتجاه : محمد أسد , ورجاء جارودي (رغم أنه لم يحسن الدخول في الإسلام , فلم يحصل على بلح الشام ولا على عنب اليمن) .
أما الاتجاه الثاني : فقد بدأه "رفاعة الطهطاوي" (أو بُدِأ فيه برفاعة الطهطاوي) , وطه حسين , وكلاهما كانت راعيته فرنسا , حيث كان تقسيم الأدوار في الغرب يجعلها مكلفة بعملية "غسيل الأدمغة" , وإذا كان لسحر "سوزان" تأثير واضح على عقل "طه حسين" فنحن لم نعرف بعد من التي (استضافت) "رفاعة الطهطاوي" , خاصة وقد كان يصف حفلات باريس (أو باريز) على حد قوله , وليس من المعقول أن يكون بمفرده , (والبلد إللي ماحَدِّش يعرفك فيها , ..... واجري فيها) .
عودة إلى "الغذامي" , أو تحديدا إلى تلك المجموعة التي دخلت المكتبة ليشتروا كتب , وكان يتحتم على كل منهم أن يستشير "الأمير" قبل أن يشتري أي كتاب , وبطبيعة الأمور , وببعض "الاستنتاج العلمي" , لا بد أن وجوه تلك المجموعة من الرجال كانت عابسة , خاصة أميرهم الذي لا بد أن يكون حاجباه كثيفتان , أفكاره تحتم عليه ذلك , ولا بد أيضا أنهم كانوا يخفون تحت ملابسهم بعض الأسلحة البيضاء مثل قلوبهم . ما رأيك يا أخ "......." لو تركنا هذا المشهد لكُتَّاب الكوميديا الموجهة , لأخبرك بحقيقة هامة , وهي أن أبطال هذا المشهد ليسوا محجوبين عن الفكر الغربي , وأحدهم يستشير أحد فيما يقرأ وما لا يقرأ , لأن كل منهم مسئول أمام نفسه وأمام الله عن أفكاره التي تحتويها رأسه , وأي منهم لا يقبل بأي وصاية على عقله من أي شخص كائنا من كان , سأخبرك بأمر آخر قد تتعجب له , هل تعلم أن من تتحدث عنهم هم أكثر دراية منك أنت شخصيا بكل النتاج الفكري للغرب وبآخر مستجداته ? هل تعلم أن مهمة "تفكيك الفكر الغربي" تجعلهم أكثر من "الغذامي" نفسه دراية بالغرب , قد تقول : " كيف تقرر أنهم أكثر مني شخصيا دراية بالغرب رغم أنك لا تعرفني" , أنا قلت هذا لأنني أعرفهم , وأعرف أن معرفة الغرب عندهم هو "موضوع مصير" وليس "ديكور إجتماعي" , والذي يحارب الفكر الغربي لا بد أن يكون أكثر دراية به من المتجَمِّل به , أو المتصنع به مسافة بينه وبين قومه .
الأستاذ عبد الرءوف , لقد وعدتني بأكلة " وز " عندما آتي إليك , لكني قد أتحدث عن " أبو زيد" , وهو صديقك , فأرجو أن تعلم أن "اختلاف الرأي لا يفسد للوز قضية" | 2 - ديسمبر - 2006 | من يقتل الغذامي تقربا لله? |  | لماذا الوحي?... كن أول من يقيّم
كل باطل هو في الأساس عبارة عن خلل في صورة الإنسان أمام نفسه , (سورة العلق آية 6و7) , ولم يكن ميثاق الفطرة إلا تذكيرا من الله للإنسان بحقيقة نفسه , (سورة الأعراف آية172 ) , الربوبية نفسها ليست شيئا متعينا في ذات الله , بل هي نسبة بين الله وبين الإنسان , مثل مفهوم الأبوة مثلا , ليست شيئا مستقلا عن البنوة إذ هي متعلقة بها , ومعنى أنني أعرف الله من خلال كونه "ربا" , هو أنني أعرف نفسي من خلال كوني "مربوبا" , ومعرفة الله ليست إلا وجها متعلقا بالمعرفة بالنفس , فلا يعرف الإنسان ربه إلا بمعرفته بفقره الذاتي وفنائه" , وتلك المعرفة , وبشكل تلقائي , تثمر في الوعي معرفة بالرب كإله "غني بذاته وباقي بعد فناء خلقه" , والربوبية هي الاعتراف بالله كإله له القدرة على سد احتياجاتي باعتبار أنه "غني بذاته باق بعد فناء خلقه".
وإذا كان الباطل بشكل عام هو خلل في صورة الإنسان أمام نفسه , وإذا كان الباطل متعدد الأشكال , فإن كل باطل "معين" هو خلل في بعد "معين" من أبعاد الذات ,بمعنى أن صورة الإنسان أمام نفسه قد يصيبها الخلل في بعد من أبعادها دون الآخر , والنتيجة هي وجود الباطل المناسب لهذا الخلل دون الباطل الآخر , فقاعدة الباطل كخلل في صورة الذات هي قاعدة مضطردة مع الباطل بشكل عام ومع كل باطل على حدة .
العبث في مسألة الوحي , وغالبا ما يبدأ العبث حين يطلق عليه "نص" أو "مقدس" , هي نوع من الباطل , وعلى ذلك فهو , أي العبث , مرتبط بنوع معين من "التشوه في صورة الذات" , وليس أدل على ذلك من التتبع التاريخي للعبث بالوحي , فقديما وقف الوحي عقبة أمام الفكر اليوناني , فما كان من المتأرسطين العرب (نسبة إلى أرسطو) إلا أن اتخذوا من الوحي موقفا يسمح لهم بممارسة سخافات اليونان على أرض الإسلام , فقالوا بأن الفلسفة هي حقائق , أما الوحي فهو لا يعبر عن الحقائق ولا يختلف عنها في الوقت ذاته , فهو رموز المقصود بها الجمهور ,والمقصود منها ليست المعرفة بل تهذيب الأخلاق , فيقول المأسوف على شبابه "الفارابي" في كتابه تحصيل السعادة :
"وتفهيم الشيء على ضربين: أحدهما : أن يُعقل ذاته , والثاني : بأن يُتخيل بمثاله الذي يحاكيه. وإيقاع التصديق يكون بأحد طريقين: إما بطريق البرهان اليقيني وإما بطريق الإقناع. ومتى حصل علم الموجودات أو تُعلِّمَت فإن عُقِلت معانيها أنفسها وأوقع التصديق بها عن البراهين اليقينية , كان العلم المشتمل على تلك المعلومات [فلسفة]. ومتى علمت بأن تخيلت بمثالاتها التي تحاكيها وحصل التصديق بما خيل منها عن الطرق الإقناعية كان المشتمل على تلك المعلومات تسمية القدماء [ملة]"
وقد قال برمزية حقائق الوحي كل الفلاسفة المشائين بلا استثناء .
المهم أننا كنا نريد الوقوف على طبيعة "التشوه" الحادث في صورة الذات عند المشائين , ذلك التشوه الذي أدى بهم إلى نوع من الباطل هو العبث في الوحي .
إنسان اليونان والمتأرسطين العرب بالتبعية , له ينظر إلى نفسه على أنه "شيء يعرف" , أي شيء عليه أن يتصور العالم ذهنيا , وما ظهور السفسطة إلا حوارا نفسيا داخليا عند الإنسان اليوناني , "أنا لا أستطيع أن أعرف _ لا .. بالعكس أنا أستطيع أن أعرف" , وأصل تلك النظرة تعود إلى نظرته على العالم على أنه شيء عليه أن يحاكي الإله , لا أن يخضع له , وهذه هي غاية "حركة العالم" عند أرسطو , أي محاكاة الإله , وأقرب الطرق التي يحاكي بها الإنسان الإله هو تمثل العالم ذهنيا , أي انعكاس صورة العالم على ذهن الإنسان , باعتبار أن المعرفة نوع من السيطرة , ومن هنا كان كمال النفس عند غالبية المخرفين اليونان هو مجرد المعرفة , ولما كان كمال النفس عند اليونان إنما هو بالتمثل الذهني للعالم , كنوع من محاكاة الإله , انتقلت تلك الفكرة إلى المتأرسطين العرب , فكانت المعرفة هي غاية الإنسان ومصدر سعادته , والمعرفة كمحاكاة للإله تصطدم بالضرورة مع الوحي , لأن المعرفة كمحاكاة للإله تتعارض مع المعرفة "من" الإله , أي أن الإنسان اليوناني يريد أن يعرف العالم "ليس من الله" بل "كما عرفه الله" , أي بالموازاة مع الإله والندِّيَّة به , ومن هنا ظهر الوحي ليس كمصدر للمعرفة بل كشكل من أشكالها , ومن هنا ظهرت الفلسفة كشكل موازي للوحي , ومن هنا كان عبث قدامى مخرفي العرب بالوحي, كحل أمثل لفصل المعرفة الإنسانية عنه وتأكيد طابع الندية لها أمامه .
الشكل المعاصر للعبث بالوحي لا يخرج عن مقولة "تشوه صورة الذات" , لكن الأمر حديثا يختلف في طبيعة "التشوه" , التمثل الذهني للعالم لم يعد هو غاية الإنسان , الإنسان الآن ليس فكرا بل إرادة , تحولت صورة الإنسان من شيء "يعرف" إلى "شيء يريد" , والانتفاع هو موضوع الإرادة , وليس التمثل الذهني للعالم , وإذا كان الوحي قد ظهر قديما بوصفه "شكل للمعرفة" , فهو قد ظهر الآن بوصفه "شيء نافع" , وعاد العبث بالوحي مرة أخرى , إذا كان الوحي هو "شيء نافع" , وإذا كانت المنفعة نسبية , ففهم الوحي نسبي تابع للمنفعة , لاحظ أن منطلقات العبث بالوحي حديثا هي منطلقات نفعية وليست معرفية كما كانت قديما , لاحظ أن القضايا التي تثار هي دائما قضايا التشريع لأن التشريع هو الجانب [النفعي] المباشر للوحي: عبارات مثل: "التشريع لا يناسب هذا العصر" , "المواريث" , "الذكر والأنثى" , قضايا التشريع حلت محل قضايا العرض والجوهر الجسم والهيولى , [على الوحي أن يكون مرنا حتى يكون أكثر نفعية] , حلت هذه العبارة محل عبارة : [على الوحي أن يكون مرنا حتى يكون قابلا للمعرفة] . لأن التشوه تغير من الإنسان "كشيء يعرف" إلى الإنسان "كشيء ينتفع" .
مقولة : "الوحي وسيلة انتفاع" تأسست عند "أبو زيد" أمات الله ذكره (ولتذهب الإوزة إلى الجحيم) , تأسست على مقولة أخرى هي : "التشريع وسيلة تكيف للمجتمع" والتكيف هو انتفاع , والمترتب على المقولة الأخير هو أن المجتمع من حقه أن يتناول الوحي بالطريقة التي تحلو له طالما أنه هو "صاحب المصلحة" , أو "المنتفع" , وعبارة "التشريع وسيلة تكيف للمجتمع" هي محور كتاب روح القوانين "لمونتسكيو" , لكننا نعجب كل العجب , إذا كان التشريع وسيلة تكيف أو , وسيلة انتفاع طبيعية , أو أنه موجود في المجتمع بالقوة , أي كامن في تركيب المجتمع نفسه , فلم لم يفرز المجتمع المكي القرآن وسائر التشريعات قبل البعثة المحمدية , لماذا لم تقم الحضارة الإسلامية قبل "محمد" , الأستاذ النويهي سأل المدعو "أبو زيد" فقال له :" هل تعتقد أن القرآن نص إلهي ?" , فأجاب المذكور (بسرعة) :"طبعا" , وعلى الفور تذكرت الآية 61و63 من سورة العنكبوت.
لكن إذا كان الإنسان "كشيء يعرف" , والإنسان "كشيء ينتفع" شكلان من أشكال تشوه صورة الذات وبالتالي منبعان من منابع الفكر الجاهلي , فما هي الصورة المثالية للذات أمام نفسها وما هي العلاقة بالوحي المترتبة على تلك الصورة ?
...ضاعت الإوزة يا أستاذ حسن.... | 14 - ديسمبر - 2006 | من يقتل الغذامي تقربا لله? |  | لماذا الوحي? توضيح لما سبق كن أول من يقيّم
ملخص ما سبق , هو أن قضية تحريف القرآن والمسماة "تلطفا" : تجديد الخطاب الديني , قضية لا تمت إلى العقل ولا إلى حرية التعبير بصلة , لأن العقل لا يمانع , عملا بمبدئه : "لكل غاية وسيلة" , لا يمانع أن يكون الوحي وسيلة للمعرفة , كما أن العقل نفسه يتوقع , نظرا للطبيعة المفارِقة للقرآن من حيث مصدره , يتوقع أن يكون في القرآن أمورا تشريعية ومعرفية لا نعلم الحكمة منها , بل إن العقل لم يعلم أن القرآن وحيا إلا بعد أن تيقن من طبيعته المفارقة , وأن العقل يتقبل هذا الأمر بسهولة , بل إن العقل كان سيتعجب لو علم الحكمة من كل ظواهر القرآن وأحكامه , إذ أن هذا دليلا على طابعه الإنساني وليس الإلهي . قضية تجديد الخطاب الديني أيضا كما أنها لا تمت إلى العقل بصلة , فهي لا تمت إلى الحرية بصلة , إذ أن الحرية هي التلقائية في الفعل مع غياب المعوق الخارجي , ولما كانت حركة العقل نحو الوحي هي حركة تلقائية نابعة من الطبيعة البشرية باعتبار عقلانيتها , كانت تعبيرا عن الحرية , وكانت الحيلولة بين العقل والوحي هي ضد حرية العقل في الالتحام بالوحي , وكما أن الحرية هي التلقائية في الفعل , فهي الاتساع النسبي لمجال الحركة , ولما كان التحام العقل بالوحي يتضمن اتساعا لمجاله هو , كان هذا الالتحام مطلب للحرية نفسها , تصر عليه في كل مناسبة , وفي كل عيد ميلاد. ولكن إذا كانت قضية تجديد الخطاب الديني لا تمت إلى العقل ولا إلى الحرية بِصِلة , فإلى أي الظواهر النفسية تنتمي تلك القضية ? ذكرنا أنها , شأنها شأن الباطل بشكل عام , ليست إلاَّ تشوها في الذات أدَّى إلى النزوع والميل إلى تشويه الواقع , والواقع هنا هو الوحي , وعقدنا مقارنة بين التشوه قديما وبين التشوه حديثا لنتيقَّن من أن الموضوع موضوع تَشَوُّه ليس أكثر , فإذا كان التشوه حديثا يتضمن مثول صورة الإنسان أمام نفسه "كشيء منتفع" , رأينا الطبيعة "البراجماتية" لنزعة تحريف الوحي , ورأينا كيف أن محور هذا التحريف هو : أن التشريع (وهو أداة تنظيم المنفعة في المجتمع) غير مناسب للعصر , وعليه أن يكون أكثر مرونة ليكون أكثر "نفعا" , وإذا كان التشوه قديما يتضمن مثول صورة الإنسان أمام نفسه "كشيء يتمثل العالم ذهنيا" , رأينا النزعة إلى التحريف وقد أخذت شكل "معرفي" يتعلق بصورة العالم وقدمه وحدوثه وعلة الحركة فيه , كما كان الأمر عند المتأرسطين العرب واليونان . لكننا لم نقف عند هذا الحد فيما يخص اليونان , فتأكيدا لفكرة أن الموضوع ليس موضوع العقل , أشرنا إلى الأساس النفسي للإنسان اليوناني وعلاقة هذا الأساس بإصراره على تمثل العالم ذهنيا دون معونة من الإله , فمحتوى البنية النفسية التحتية للإنسان اليوناني يتضمن أن العلاقة بين العالم وبين الله هي علاقة محاكاة وليست علاقة خضوع , كما يقول العقلاء وكما أخبر ربنا (آل عمران 83 , التوبة53 , فصلت11) , وأنسب محاكاة للإنسان بالإله هو التمثل الذهني للعالم , أي معرفة العالم كما عرفه الله , أي بشكل مستقل عن الإله , ومقولة "كما عرفه الله" تتضمن نوع من النية تعارض معها المعرفة عن طريق الله نفسه , إذ أن المقصود هو الاستقلال ذاته وليس الحقيقة المتضمنة في المعرفة. من اللافت للنظر في الفكر اليوناني , أن الاعتقاد بقدم العالم حقيقة لا تجوز مناقشتها , وإن نوقشت فبشكل روتيني وللبرهنة عليها وليس لاختبارها , أخذ المتأرسطين العرب عنهم هذه الفكرة وكانت نقطة من نقاط صراعهم مع الإسلاميين أهل السنة , لكن دعنا من هؤلاء ولتأمل الحالة اليونانية في أرضها , لقد تكشف لنا الأمر عن ظاهرتان في الفكر اليوناني , هما موضع شبه إجماع رغم اختلافهم في كل شيء , الظاهرة الأولى : أن أسلوب تحقيق الإنسان لذاته إنما هو بتمثل العالم ذهنيا دون معونة من الإله , الظاهرة الثانية : أن العالم قديم لم يخلقه الإله , لاحظ أن حالة السفسطة عند اليونان , أي القول بعدم إمكانية المعرفة , إنما هي تؤكد القاعدة ولا تنفيها , فالإنسان اليوناني يلزمه , لكي يؤكد لنفسه أنه يستطيع المعرفة , يلزمه إنسان يوناني آخر ينفي هذه الاستطاعة , فينفي الإنسان اليوناني هذا النفي الأخير , فيتأكد المعنى , وإلا فهل كان من المصادفة البحتة أن يظهر القول بعدم إمكانية المعرفة عند أكثر الناس شغفا بالمعرفة !!! . وبتحليل هاتين الظاهرتين , نجد أنهما يتضمنان تأليه العالم والإنسان , فالعالم قديم مثل الآلهة , لم تخلقه الآلهة , يستطيع تمثل نفسه عن طريق الإنسان دون معونة من الآلهة . وإذا كنا قد بدأنا المقالة السابقة بتحليل معنى الباطل على أنه تشوه في صورة الذات , فيجب أن نضيف هنا إلى أن هذا التشوه له وجهة , ووجهته هي أن يكون الإنسان نفسه إله , وهذا معنى الاستغناء الوارد في سورة العلق آية (6)و (7) , يمكن الرجوع لفكرة الدين كمحاكاة للإله والعالم كإله متحول , يمكن الرجوع لكتاب "الله والإنسان" , لكارين آرمسترونج , رغم أنها تتخذ هذه الظاهرة أساسا للطعن في الدين نفسه وليس الطعن في الباطل فقط , فيجب الانتباه لهذا , وهي تدلل على فكرتها , وهي صائبة لحد بعيد , تدلل عليها باستراحة اليهود يوم السبت (كما استراح الله بزعمهم في هذا اليوم , لعنهم الله) , وبالأساطير البابلية التي تدور حول أن العالم هو نفسه إله متحول . وأن المتدين القديم ! كان يحاول في كل ما يفعل أن يحاكي الإله (يحيى:ليس هناك متدين قديم ومتدين حديث , هناك أهل الحق وأهل الباطل) , ولكن ما أثر فكرة محاكاة العالم للإله عند اليونان على الفلسفة وعلى نظرية المعرفة تحديدا ? نموذج تسرب فكرة المحاكاة إلى الفلسفة اليونانية فقد ظهرت في قول أرسطو بأن غاية الحركة هي محاكاة علتها , وفي قول ابن سينا أن العلاقة بين العالم والله هي علاقة العاشق بالمعشوق . وإذا ... فنظرية المعرفة التي تستبعد الوحي إنما هي نظرية ترتد إلى أساس سيكولوجي وليس إلى أساس منطقي. | 15 - ديسمبر - 2006 | من يقتل الغذامي تقربا لله? |  | لماذا الوحي.? كن أول من يقيّم
إذا فالخلل في العلاقة بالوحي هي أصلا خللا في صورة الذات , ولإصلاح هذا الخلل , ولصياغة علاقة مناسبة لائقة بالوحي لابد من إعادة تقييم صورة الذات بشكل سليم . النقطة الأكثر عمقا في الوجود الإنساني , أي النقطة الكامنة في قاع هذا الوجود , ليست هي أن الإنسان "كائن يعرف" أو "كائن ينتفع" أو "كائن حر" , إنما أن الإنسان هو "إرادة مطلقة للبقاء , وعجز مطلق عن إدراكه" , أي هو "التناهي وقد اتخذ من اللامتناهي غاية له" , أو هو "الفقر الذاتي إلى الأبدية" , والأسلوب الوحيد لمعرفة الله هو معرفة النفس على هذا النحو , وعندما نتحدث عن النفس كموضوع لمعرفة نفسها فإننا نتحدث عن الوجدان لا عن الاستنتاج العقلي , أي أننا نقترب من الله كلما شعرنا بافتقارنا إلى الله , وليس كلما استنتجنا بعقلنا هذا الافتقار , لأن العقل موضوعه الأشياء , والذات بالنسبة إلى نفسها ليست شيئا من الأشياء , بل هي محور الأشياء . معنى ذلك أن المعرفة بالله هي معرفة : تلقائية , حدسية , فطرية , مباشرة , تنبثق في الوعي بالضرورة من معرفة الذات أو الشعور بالافتقار , ومعنى ذلك أن المعرفة بالله لا يبرهن عليها بالعقل , ولا يسع إنكارها في الوقت ذاته , وإن كانت هناك أدلة عقلية على وجود الله إلا أن تلك المعرفة ليست هي الإيمان , بل هي صياغة ذهنية له , يستوي فيها المؤمن والكافر , ولن يسأل عنها الإنسان أمام الله , أما الإيمان فهو فطري مباشر , ثم إن الأدلة العقلية على وجود الله والتي تبدأ من العالم وليس من الافتقار الذاتي إنما ترتد في حقيقة أمرها إلى معرفة الله عن طريق الذات , وكل ما في الأمر أن الإنسان يسقط ذاته على العالم , ثم يتحدث عن ضرورة وجود الله من وجود العالم , وهو في الحقيقة يتحدث عن نفسه دون أن يدري أنه حين يتحدث عن العالم فإنما يتحدث عن نفسه , لا يعرف الله عن طريق مفهوم الحركة كما عند أرسطو , ولا عن طريق مفهوم الوجود الممكن والوجود الواجب كما عند ابن سينا , ولا عن طريق نفي الجسمية كما عند المتكلمين (مما أوقعهم في نفي الصفات وتعطيلها وتأويلها بعد ذلك) , ولا بتوسط من فعل التفكير كما عند ديكارت (لأن الفكر موضوعه الأشياء , والذات تعرف نفسها قبل مباشرتها للأشياء) , ولا يراهن على وجود الله كما عند باسكال , ولا يستنتج من الشعور بالخطيئة (تمهيدا للزَجّ بموضوع الفداء والصلب في الفكر) كما عند كيركجور وهيدجر وياسبرز , حيث الإنسان هو حرية والخطيئة ملازمة وجودا للحرية والله مستنبط من الخطيئة !! . وإن كان "كانط " أقربهم إلى أهل السنة بتقريره أن المعرفة بالله هي معرفة قبلية , إلا أن العلاقة بينه وبين أهل السنة ليست تشابه بالمصادفة , بل هو اقتباس , وسنبرهن في ملف "لماذا لا يوجد لدينا فلاسفة" أن علاقة عصر النهضة بالحضارة الإسلامية , خاصة "كانط" , إنما هي علاقة الابن الضال بأبيه , أما "كانط" فسنبرهن على أنه عبارة عن أهل السنة لكن بدون وحي , وأن أهل السنة هم "كانط" مع الوحي علاقة هذا بموضوع تجديد الخطاب الديني إلى هنا , أي إلى اللحظة التي عرفت فيها الذات ربها من معرفتها بنفسها , لا داعي للوحي , فالمطلوب هو معرفة الله وقد كانت , فما هي الحكمة من وجود الوحي ? الحقيقة أن عنصرا آخر سيظهر في الصورة يجعلنا نغير وجهة نظرنا في الاستغناء المؤقت عن الوحي , ذلك العنصر هو العالم , فالإنسان لا يباشر الله بل يباشر العالم , لكن علاقته الأصلية التي لا ينفك عنها هي العلاقة بالله , فكيف يدخل العالم في سياق تلك العلاقة دون أن يشوش عليها ? الكيفية التي يُدْخِل بها الإنسانُ العالم في سياق تلك العلاقة , هي أنه يبحث عن الله في العالم نفسه , فيرى في العالم أفعال الله , والأمر لا يقتصر على المعرفة فقط بل يمتد إلى الفعل أيضا , أي سائر أنواع العبادة الحركية , التي هي في جوهرها مشاركة الوجود في علاقته بالله , لقد ذكرنا أن علاقة العالم بالله هي علاقة الذات بالله على مستوى التخيل وعلى مستوى الحقيقة أيضا , وما الإيمان إلا الانسجام مع العالم من حيث كله في حالة خضوع لله وسجود له . دخول العالم كعنصر من عناصر الإيمان بين العنصرين : الله والإنسان , هو الذي يحتم ضرورة الوحي , فإذا كان على الإنسان ألا يتجه نحو الله مباشرة , وإذا كانت علاقته بالله تحتم عليه أن ينسجم مع العالم في علاقته بالله , فكيف ينسجم مع العالم (والانسجام بالشيء يتطلب معرفة كلية به )في الوقت الذي يضيق فيه إدراكه عن معرفة العالم ككل ? من أجل ذلك كان الوحي , حلقة وصل ضرورية بين الإنسان والعالم تعوض الإنسان عن المعرفة الكاملة بالعالم , تلك المعرفة التي تحتمها العلاقة الأصلية بين الإنسان وبين الله , كيف نكون في حالة تناغم مع العالم دون أن نعرفه , الحل الوحيد هو الرحمة الإلهية التي توفر لنا تلك الفرصة عن طريق الوحي والهداية . هيدجر شخصية بائسة , أدرك بحسه أن علاقة الإنسان بالعالم ينبغي أن تكون هي علاقة اتساق وليس محاولة سيطرة , ونادى الإنسان بأن يلبي نداء الطبيعة , لكن أي بؤس أكبر من أن يقترب أحدهم من الحقيقة ثم يحال بينه وبينها لأنه يدين بغير دين الله . لكن ما علاقة ذلك بموضوع تجديد الخطاب الديني ? فكرة تجديد الخطاب الديني , أي فكرة تحريف الوحي , أساسها قديما وحديثا : إنكار الهوة الطبيعية بين الإنسان والوحي , من الناحية المعرفية أو من الناحية النفعية , ورفض كل ما يخرج عن دائرة الإدراك الإنساني معرفيا أو نفعيا , وذلك بدعوى أن الوحي إنما نزل على الإنسان فليس من المستساغ أن يخرج عن محيط الإدراك الإنساني , لكن هذه مغالطة , فرغم أن الوحي قد نزل على الإنسان إلا أنه نزل أساسا سدا للفجوة بين الإنسان وبين العالم , والنتيجة هي أنه رفض الطبيعة المفارقة للوحي هي رفض للوحي نفسه ,لأن الوحي إنما نزل من أجل إدخال تلك المفارقة في العالم الإنساني . ومعنى ذلك .... معنى ذلك أن الاصطدام في الوحي بمعرفة غير معلومة للعقل الإنساني من حيث علتها , أو تشريع غير معلوم للعقل الإنساني من حيث جدواه أو نفعيته , إنما يتطلب منها التسليم الكامل وليس محاولة تفسير القرآن بحيث ندخله قسرا داخل الحدود الإنسانية ,لأن الوحي بمجرد دخوله قسرا إلى نطاق الإدراك لإنساني , إنما يفقد بذلك كونه وحيا , وهو إنما نزل لضيق حدود الإدراك الإنساني , فلا يسوغ لنا تحجيمه بتلك الحدود التي نزل لأجل رأب قصورها. أستاذنا الكبير النويهي , تحية وإجلال مني لرحابة صدركم التي عهدناها فيكم , وما عدنا إلا تلبية لأوامركم التي لا ترد , أرجو بأن أكون قد وفقت في شرح مسألة الوحي كحلقة وصل بين الإنسان والعالم , كيف أنه بلسان عربي مبين ليناسب الإنسان , وكيف أنه مفارق في محتواه للإنسان ليناسب العالم , رجائي ألا تصادق هؤلاء حتى لا يطلع الله على قلبك فيجد فيه شخصا لا يعظم حرماته. | 15 - ديسمبر - 2006 | من يقتل الغذامي تقربا لله? |  | لماذا الوحي ? مرة أخرى كن أول من يقيّم
هل يمكن أن تضر المنفعة ? وهل ممكن أن ينفع الضرر ? أعتقد أن هذين السؤالين ليس لهما إجابة , إذ أنهما يتضمنان خطأ في الصياغة , فإذا أضرت المنفعة فهي ليست منفعة , وإذا نفع الضرر فهو ليس ضررا , أليس كذلك ? بلى , لكن عندي قول آخر , أننا لو تريثنا قليلا وفحصنا الأمر فقد يتبين لنا أن إعدام هذين السؤالين ظلم واضح , فالمنفعة الشخصية قد تضر الجماعة , كما أن المنفعة المؤقتة للشخص , قد يكون فيها ضررا مؤبدا , والعكس صحيح في كلتا القضيتين . في مصر قانون يحرم البناء فوق أرض زراعية , حتى لو كان من يريد البناء هو صاحب الأرض , سنتخيل أن الضابط المكلف بهدم أحد الأبنية قد أوتي قدرا من الصبر ليناقش الفلاح حول فكرة القانون هل هو نافع أم ضار , وإذا كان نافعا فلماذا باسمه تهدم الدار , لعلنا من تلك المناقشة نظفر بمفهوم عن النفعية . سيسأل الفلاح : أليس القانون إنما هو لأجل صالح الشعب ? الضابط : بلى أيها الفلاح . الفلاح : ألست أنا من الشعب ? الضابط : بلى أيها الفلاح . الفلاح : وأنت تهدم الدار باسم القانون ? الضابط : نعم أنا كذلك . الفلاح : فكيف بربك وأنت الأفندي المتعلم تضرني باسم القانون , وأنت تعلم أنه لو لم أكن أنا ومنافعي لما كان القانون , ولما كانت الدولة ? بالتأكيد ستنقلب دفة الحوار بالشكل الآتي : الضابط : هل يعرفك واضع القانون شخصيا ? الفلاح : لا يعرفني وأنا لا أريد معرفته . الضابط : هل كان طيف خيالك لا يفارق رأسه , وهل كانت بسمتك لا تفارق ذكراه وهو يفكر في المنفعة العامة ? الفلاح : لا طبعا , خيالي معي دائما , ثم إنني لم أبتسم منذ مدة طويلة . الضابط : هل عندك إحصائيات عن مدى إقبال الجمهور على الشقق السكنية , وعلاقة ذلك بسعر الأرض وتوفر القوى الشرائية , ومدى اعتماد مصر على الثروة الزراعية في دخلها القومي من الناحية الاستراتيجية , وعن مجهود الدولة في توزيع السكان على المناطق الجديدة المزودة بالمرافق العامة في غياب الوعي الشعبي بتشجيع الدولة على إعمار تلك المناطق , خاصة وقد تزايدت خطورة تجريف الأرض الزراعية بعد سياسة الخصخصة التي كان الهدف منها تخفيف العبء الإداري على الدولة , بالإضافة إلى أن الاستغراق في الاستهلاك على حساب الإنتاج سيؤدي على المدى البعيد والمتوسط إلى الادخار كبديل للاستثمار , مما ينعكس بالضرورة على التورط في مزيد من التضخم الاقتصادي ? الفلاح : والله كلامك حلو يا أستاذ , عامل زي البطيخ , بس أنا مش فاهم منه حاجة . الضابط : هل ينتظرك صاحب القرار حتى تفهم , قبل أن يصدر قراره , وذلك لأنك صاحب المنفعة ? الفلاح : يعني أفهم من كلامك أن السادات مات مسموما ? الضابط : ياعم هو أنا جبت سيرة المرحوم? الفلاح : ماهو أنا مش فاهم كلامك يا سيدنا الأفندي . الضابط : معنى كلامي إن القرار الذي يؤدي إلى ضبط حركة الفرد بحيث تناسب المجتمع لا بد أن يكون بيد من يرى المجتمع ككل . الفلاح : أرى أن هدم الدار أخف عليَّ من كلامك هذا . اهدم ولا تذر حجرا على حجر. * * * المقصود من الكلام هو أننا لم نخرج عن دائرة النفعية , وما أكدنا على مفهوم الربوبية كأساس للعلاقة بين الله والإنسان إلا تأكيدا لهذا المفهوم , إذ أن مفهوم الربوبية هو مفهوم نفعي أساسا (راجع ما قلناه), لكن بالنظر إلى أن للانتفاع منظورا أزليا كونيا يختلف عن المفهوم المؤقت والمحدود له , كان هذا الانتفاع لا يتطلب فقط أن يتناغم الفرد مع المجتمع , بل يتطلب أيضا أن ينسجم المجتمع ككل والدولة معه مع الوجود , وهذا ما لا قبل للنظرة النفعية التقليدية أن تستوعبه . قد يقال أن الإنسان يرى المجتمع ككل , ولم تكن هناك حاجة لمثال الضابط والفلاح , ليس هناك حاجة للوحي ليرى الإنسان المجتمع ككل , لكن في الحقيقة أنا لم أذكر هذا المثال لأعني به المجتمع , بل هو تشبيه , فإذا كان المثال يتحدث عن علاقة الفرد بالمجتمع , فإنما كان مقصودي هو علاقة الدولة بالعالم من المنظور الأزلي القدري الكوني. فإن قيل : وما الضرر الذي سيقع على هذا العالم حتى لو انقلب المجتمع والدولة رأسا على عقب , أتشبه علاقة الفرد بالمجتمع بعلاقة الدولة بالعالم ? قلت : يجب أن نتجاوز حروف المثال لنصل إلى المقصد منه , فإذا كان التناسق بين الفرد والمجتمع إنما يتمثل في تنظيم المنفعة , فهناك تناسق بين الإنسان والعالم , لكننا لا نعلم طبيعة هذا التناسق , لأننا لم نحيط علما بالعالم ككل , أليست معظم التكليفات الشرعية هي على أساس ظواهر فلكية ? فإن قيل : إذا فهناك حيدة عن فكرة المنفعة وتمسكا بفكرة التناسق . وهذا ما لا نقبله , لأن الربوبية منفعة كما قلت . قلت : ليس هناك حيدة عن مبدأ المنفعة , بل هناك التماسا لها من طريق الحق , ومن حق الله أن يكون العالم كما أراده الله , ونحن جزء من العالم , فنعطي لله حقة , فلا يكون منه لنا إلا كل جميل . فإن قيل : فما أراد الله لنا إلا ما أردناه وما ينفعنا منفعة مباشرة . قلت : وما أردنا نحن إِلَّا أَلا نريد شيئا في حضرة الإله , المنفعة المباشرة نوع من الاختيار , ولا اختيار للإنسان عند ظهور القضاء (الأحزاب 36) , وإن كانت دعوى تجديد الخطاب الديني أساسها أن المجتمع الآن يختلف عن مجتمع النبوة , وأن مجتمع النبوة متكيف نفعيا , حسب تكوينه , مع التشريع , فمن المفترض حسب دعوى التجديد أن يكون القضاء الإلهي متفق بالضرورة مع الاختيار الإنساني في مجتمع النبوة , فكيف ينفي الله حق الاختيار الإنساني في زمن النبوة نفسه مع أن التضارب بين الاختيار الإنساني والقضاء الإلهي مستحيل (حسب دعوى التجديد في تناسب المجتمع القديم مع الشريعة) ?
| 16 - ديسمبر - 2006 | من يقتل الغذامي تقربا لله? |  | الضابط والفلَّاح كن أول من يقيّم
مر الضابط بعد يومين من هدمه لدار الفلاح , وكان يتوقع أن يكون الفلاح في حالة يرثى أمام الراديو يسمع "الأطلال" للسيدة أم كلثوم , أو "ظلموه" للعندليب , لكنه فوجئ بالفلاح جالسا تحت شجرة وقد بدا عليه علامات التفكير العميق , وما أن رأى الضابط حتى هب واقفا وقال له :
الفلَّاح : أخيرا رأيتك أيها الضابط .
الضابط : وماذا تريد مني ?
الفلَّاح : لقد هدمت داري وشردت أطفالي , لكني مُتفَهِّم لموقفك بسبب موضوع اتساق الفرد بالمجتمع , وتسامي فكرة القانون فوق المنفعة الشخصية , وأن ذلك لا يتعارض مع أصله النفعي .
الضابط : عظيم أيها الفلاح .
الفلَّاح : وعلمت أيضا أن دائرة الحق تقع داخل دائرة المنفعة , وأن دائرة المنفعة دائرة كبيرة تتسع للإنسان وللحيوان , إذ أنه ليس هناك كائن حي إلا ويريد الانتفاع , لكن ما يميز الإنسان هو أنه واقع في دائرة الحق التي تحتم عليه أن يلتمس المنفعة من منظورها الأزلي الأبدي , وأن هذا المنظور يحتم عليه أن يكون على توافق مع حركة الوجود , وأن هذا التوافق يحتم عليه التسليم بمصدر خارجي لمعرفة الوجود , وهذا المصدر هو الوحي .
الضابط : جميل أيها الفلاح .
الفلَّاح : لكن الأستاذ النويهي , يقول أن ذلك جمودا فكريا زمنيا لا يراعى فيه الواقع , معنى ذلك إنك لازِم تُقِيم لي داري أحسن مما كان , وإلا قسما بالله العظيم أكون خارب بيتك أنت وزهير وإلِّلي يتعصَّبلُكم من سراة الوراق .
الضابط : بس ده مش جمود فكري أيها الفلاح , لأننا توصلنا للكلام ده بتحليل مفهوم الإنسان والعالم والحق والمنفعة وعلاقة الله بالإنسان والعالم , وده تفكير .
الفلَّاح : خلاص لمَّا هو مش جمود فكري , يبقى حتما ولا بد جمود زمني , الراجل لو غلط في واحدة مش هايغلط في التانية يعني. يبقى لازم تبني لي داري وترجع لي زوجتي اللي طَفَشِت من عمايلك السودة .
الضابط : كلامي أيضا ليس جمودا زمنيا لأن هناك فرق بين اللامبالاة بالواقع نتيجة الارتباط الأبدية واللامبالاة بالواقع نتيجة الارتباط بالماضي ,
الفلَّاح : وإنت مين فيهم
الضابط : أنا تبع الأبدية والمنظور الأزلي
الفلَّاح : أمَّال يعني الأستاذ النويهي بجلالة قدره والعلم اللي عنده هايقول كده ليه يعني , إنت حتما ولا بد نصاب . وبتستغل الفكر والمعرفة لهدم البيوت .
الضابط : الأستاذ النويهي دارس قانون وعارف إن لا بد من المرور على مبدأ الحق للوصول لمبدأ النفعية .
الفلَّاح : سيبنا من النويهي خلينا في المكاديمي , المكاديمي يقول بِيِحْلِف بأيمانات المسلمين إن الموضوع موضوع صراعات داخلية من أيام الدولة العباسية , ده كمان غلطان , وانت بس إللِّي أبو العُرِّيف ?
الضابط : مين المكاديمي ده ?
الفلَّاح : المكاديمي بتاع "يوم المصير"
الضابط : آه قصدك الأكاديمي ?
الفلَّاح : أيوة
الضابط : الأكاديمي نام بعد مقتل عبد الله بن الزبير واستقرار الأمر في يد عبد الملك بن مروان , وهو لتَوِّه استيقظ ليكتب هذه المقالة بتاعة يوم المصير , ويبدو أنه نام مرة أخرى ولن يستيقظ إلى عند يوم المصير , وسيترك أهوال يوم المصير كلها ويشهد أمام الله أنه لم يكن هناك شيء اسمه الغرب , وإن الموضوع داخلي من أوله لآخره . وكل أللي كان في نشرة الأخبار كان جزء من برنامج الكاميرا الخفية , وكل الأحداث الدولية كانت لزوم التصوير
الفلَّاح : طيب وأبو الأحرار الرايق المبسوط إللي مابيسمعش لا للإسلاميين ولا للبربريين , هاتقوللِّي ده كمان غلطان ? ده حتى بقه بينقَّط سكر?
الضابط : تقصد الليبراليين , لا , أبو الأحرار كان واقع على أذنه , ودلوقتي بيسمع كويس , أكيد اتعرَض على طبيب أنف وأذن وحنجرة , وبكرة يسمع لليهود وللملل كلها . | 18 - ديسمبر - 2006 | من يقتل الغذامي تقربا لله? |  | احترس..     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
أحرى بنا ألا نلتفت لكلام المستشرقين إلا بعين حذرة , إذ أن كلامهم في الغالب لا يوصف بالصواب أو الخطأ ولكن يوصف بالخبث والدهاء , ففلسفة ابن رشد ليست إسلامية على الإطلاق , والمستشرقين يعلمون ذلك , وإنما يشيرون إلى الفلاسفة المتأرسطين (أتباع أرسطو) على أنهم فلاسفة الإسلام , وعلى محمل المدح أحيانا حتى يلقى كلامهم قبولا لدى العامة , فيترسب لدى المسلمين بعد فترة أن فلاسفتهم إنما هم عالة على اليونان , ويقبلون ذلك طمعا في أن يقال "للعرب أيضا فلاسفة" , ويكون من نتيجة ذلك , وبعد استقرار تلك الفكرة الخبيثة , أن يتلقف الكرة شخص عربي لا يقل عنهم خبثا وكراهية للحضارة الإسلامية مثل "ذكي نجيب محمود" ويعلن , مستندا إلى استقرار فكرة أن الفلسفة الإسلامية هي فلسفة المتأرسطين , يعلن أنه لا يوجد ما يسمى بفلسفة إسلامية أو تراث إسلامي , ولا يستطيع أحد أن يرد عليه عندئذ لغياب الفلسفة الإسلامية الأصيلة عن الوعي العام , وهي الفلسفة التي كانت على خط المواجهة مع فلسفة ابن رشد وأمثاله. من رواد ومروجي فكرة أن الفلسفة الإسلامية هي فلسفة المتأرسطين العرب , المعروفين بالمشائين : "جب" في كتابه "تاريخ الإسلام" , و"برنارد لويس". و"صمويل هنتنجتون" | 20 - ديسمبر - 2006 | يقول المستشرقون ان الفلسفة الاسلامية تمت و ماتت بموت ابن رشد. ما رأيكم في هذا القول، أصحيح ام لا? |  | نموذج لاتساق دولة الإسلام بالعالم تشريعيا كن أول من يقيّم
ملخص ما سبق
تجديد الخطاب الديني هو "الاسم التمويهي" لتحريف رسالة الإسلام إلى العالمين , وكان هذا التجديد هو موضوع الكلام . ذكرنا أن فكرة التجديد تعود إلى نظرة خاطئة للرسالة أو للوحي , مضمون هذه النظرة هي أن الشريعة وسيلة تكيف للمجتمع مع متغيراته , وذلك بالمعنى البراجماتي لكلمة تكيف , أي بالمعنى النفعي المباشر , وأسفرت هذه النظرة عن نظرة أخرى , هي أنه : بما أن الوحي وسيلة تكيف لمجتمع , وبما أن المجتمع متغير , فتناول الوحي لا بد أن يتغير بحيث يلائم عمليات التحديث والتطوير المستمرة في المجتمع , هذا هو ملخص الأساس الذي تستند إليه أفكار التحريف أو التجديد.
رفضنا نحن فكرة تجديد الخطاب الديني , وكان رفضنا هذا يعود لرفضنا للأساس النظري الذي يستند إليه هذا التجديد والمتعلق بطبيعة الوحي , أما رفضنا لوجود "الشرذمة" القائمة على فكرة التجديد (=التحريف) , ورفضنا لوجودهم على قيد الحياة , أو على الأقل رفضنا لوجودهم في البلاد العربية , أو على الأقل جدا رفضنا لاحتفاظهم بمكانتهم الاجتماعية لو حدث أن مكثوا في دولة عربية مؤقتا (على سبيل الترانزيت) , وإصرارنا على نزع مهابتهم في عيون جمهور المسلمين , هذا الرفض المطلق والإصرار الذي لا رجعة فيه إنما يعود إلى موقفنا من الوحي كحراس له بتكليف إلهي وبمعونة إلهية , والله خير حافظ لكتابه , كما يعود إلى موقفنا من جمهور المسلمين باعتبارنا ساهرين على مهمة العودة به إلى حياة أكثر إشراقا , حياة يسودها النعيم في الأرض ويحفها رضى الله في السماء , حتى لو أصابنا من هذا الجمهور شيئا من سوء الظن , فإنما هي "نيران صديقة" تُنسيها الأيام , هذا عن دوافع الرفض .
أما عن المستندات النظرية للرفض فكانت في الجانب الأول "هدمي" أي تتعلق بنقض فكرة "الوحي كوسيلة تكيف" , أما الجانب البنائي من المستندات فكان يتعلق بتذكير المسلمين بالوحي "كوسيلة" لضبط المجتمع وليس للتكيف معه , ومن الناحية الفكرية الخالصة , فهذا الضبط إنما هو ضرورة , لأنه إذا كان الضبط الخارجي للفرد ضرورة لخلق حالة اتساق بينه وبين المجتمع , فإن الضبط الخارجي للدولة وأفرادها ضرورة لخلق حالة اتساق بينها وبين العالم , والاتساق بالعالم ضرورة بالنسبة للإنسان لأسباب تتعلق بأصل مفهوم الربوبية , وهو مفهوم نفعي أساسا .
الجانب الأول من النقض , وهو الجانب الهدمي المتعلق بنقض فكرة الوحي كوسيلة تكيف , فهذه الفكرة ترتكز على فكرة أخرى هي أن الشريعة بالمعنى التقليدي إنما يناسب , من الناحية النفعية , المجتمع الإسلامي القديم , أما نقضنا لتلك الفكرة البلهاء فكان في التنبيه على أنها تتضمن مغالطة تسمى بمغالطة "المصادرة على المطلوب" , لأن تناسب الشريعة مع المجتمع الإسلامي القديم هو شيء متفق عليه ولا يعني أي شيء سوى الاستسلام الكامل لجيل الصحابة للوحي , أما البرهنة على فكرة "الوحي كوسيلة تكيف" فلا بد أن تتم عبر البرهنة على تناسب الوحي مع المجتمع المكِّي قبل الإسلام وليس مع المجتمع الإسلامي , لأن الوحي لابد , حسب رأي المجددين , أن ينزل وهو مناسب لهم من البداية , لكن البرهنة على تناسب الوحي مع المجتمع المكِّي مستحيلة لأنها تصطدم بعدة عقبات وظواهر: الظاهرة الأولى : أنه لو كان الوحي متعلق بشكل مباشر بطبيعة المجتمع من الناحية النفعية المباشرة لبادر المجتمع المكِّي إلى إفراز وخلق الوحي وكافة نظم الممارسة المتعلقة بالإسلام قبل مجيء النبوة والوحي والرسالة , في حين أن التفاوت كان شاسعا بين المجتمع المكِّي وبين المجتمع الإسلامي لدرجة أن الدعوة ظلت سرية في حركتها عدة أعوام وظلت في مرحلة الاستضعاف ثلاثة عشر عاما حتى استقرت الأمور في المدينة . الظاهرة الثانية : هي أنه لو كان الوحي مناسب بشكل طبيعي مع المجتمع الإسلامي القديم لكانت إمكانية التعارض بين الوحي وبين الاختيار الإنساني مستحيلة , في حين أن القرآن يؤكد للمجتمع الإسلامي القديم في عدة مواضع من القرآن على ضرورة التسليم بالوحي عند تعارضه مع الاختيار .
أما عن التناسب المنطقي بين الوحي وبين الإنسان , كونه نزل بلغة بشرية وكونه يؤول إلى السعادة في الدنيا قبل الآخرة فهذا لا يدل إطلاقا على أننا يجب أن نتناول الوحي بالطريقة التي نراها , بل لا يدل هذا التناسب إلا على العناية الإلهية بالإنسان , وأحرى بالإنسان عند هذا أن يطمئن لا أن يعتريه القلق من الوحي فيعمد إلى السيطرة عليه بشتى الحيل.
أما الجانب البنائي لنظرتنا إلى الوحي فكانت ترتكز على عنصر آخر يختلف عن الفرد والمجتمع من ناحية ويختلف عن الإنسان والله من ناحية أخرى , هذا العنصر هو العالم التي يتعين على الدولة والمجتمع والفرد أن يكونوا في حالة اتساق معه , فبعد أن نفينا أن الوحي وسيلة تكيف , أو وسيلة لتنظيم المنفعة المباشرة , أثبتنا أن الوحي هو وسيلة لخلق حالة انسجام بين الإنسان والعالم , وحالة الانسجام تلك هي حالة السجود لله , وهي الحالة التي تسود الوجود كله (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) (النحل:49) , (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) (الإسراء:44) (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) (فصلت:11) وكل ما على الإنسان هو أن يكون تعبيرا عن سجود الإرادة الحرة , تماما كما سجد العالم لكن بإرادته الحرة , لكن فكرة علاقة الشريعة بالعالم يبدو أنها فكرة غريبة إلى حد ما , لأن الشائع أنها فقط في علاقة تماس مع الإنسان , وذلك قياسا على سائر القوانين البشرية , من أجل ذلك لزم التوضيح بنموذج , ومن أجل ذلك كان هذا النموذج .
نموذج لفكرة اتساق دولة الإسلام بالعالم
هناك أمر تشريعي معروف في دولة الإسلام , وهو النهي عن خوض حرب هجومية في الأشهر الحرم , معنى ذلك أن التشريع لا يراعى فيه الإنسان (بالمعنى الضيق للمنفعة) , بل يراعى فيه طبيعة فترة زمنية تتكرر كل عام , طبيعة هذه الفترة , والتي تراعيها الشريعة , هي أنها محرمة . فكرة التجديد مؤسسة على الشريعة كوسيلة لتنظيم المنفعة (بالمعنى الضيق الذي لا يتميز فيه الإنسان عن الحيوان ) , لنحاول إذا أن نعثر على الجانب النفعي (بالمعنى السياسي الضيق) لهذا الحكم , لن نجد , لنبحث مرة أخرى , لن نجد مرة أخرى , بل على العكس , سنجد أن أمور الحرب والسلام هي آخر الأمور التي توضع لها القواعد لو فكرنا بشكل سياسي نفعي براجماتي , لأن هذه الأمور دون غيرها تمس وجود الدولة مسا مباشرا , ولا عجب من أن نجد الدولة عموما تتحلل من أي قيود تلتزم بها مع الشعب إذا تعلق أمر هذه القيود بسياسة الحرب , وهذا يؤكد أن الشريعة تتجاوز الإنسان ومنفعته (بالمعنى المباشر) , وأنها تتعلق بعلاقة هذا الإنسان بالعالم (الأشهر الحرم) , وأن الشريعة لا تتنكر لمبدأ النفعية لكن عن طريق غير مباشر هو طريق تمثل الإرادة الإلهية , تلك الإرادة التي تتجه نحو التوحيد بين الإنسان والعالم في حالة السجود الكامل لله .
السذاجة متوفرة لحد بعيد عند "المجددين" , ستجد من يقول : هذا المثال الذي تسوقه للبرهنة على تميز الشريعة عن طبيعة المجتمع وظروفه التاريخية إنما هو ضدك وليس لك , فتحريم القتال في الأشهر الحرم كان سمة للمجتمع العربي قبل الإسلام , وإنما نزلت الشريعة مطابقة له , ومن ثم فالشريعة مطابقة للمجتمع , وليست مستقلة عن سياقه التاريخي . والسذاجة هنا كامنة في النظر إلى هذا الاتفاق العربي الخاص بتحريم القتال في الأشهر الحرم على أنه عادة عربية وليست تشريعا إسلاميا مأخوذا عن إبراهيم عليه السلام , الذي هو أبو إسماعيل الذي هو أبو العرب , إذا فالتطابق بين التشريع في هذه المسألة وبين عادة المجتمع ليست تبعية من الشريعة للمجتمع بل هي عودة للشريعة إلى نفسها , فما جاء به نبي الله محمد قد تطابق مع ما وُرِث عن نبي الله إبراهيم , ولم يخلق المجتمع رسالة نبي الله محمد ولا إرث نبي الله إبراهيم .
لن تنفُد جُعبة السذاجة , ولن نعدم من يقول : إن الأشهر الحرم لها طبيعة نفعية مباشرة للمجتمع العربي , ففيها تزدهر كافة النشاطات السلمية من تجارة وخلافه , وحيث أن هذا التشريع له طبيعة نفعية للمجتمع فمن الممكن استنتاج الطبيعة العامة للشريعة وهي أنها وسيلة انتفاع مرتبطة بالسياق التاريخي . ومكمن السذاجة هنا أيضا هو فقدان القدرة على التمييز بين استفادة المجتمع من تشريع مستقل عنه استفادة مباشرة , وبين صياغة التشريع بحيث يفيد المجتمع , وهذا الخلط يشبه أن نرى قطعة من الحلوى وقد التف حولها النمل فنقول لقد وضعت الحلوى وسط النمل , مع أن الصواب هو أن نقول : لقد التف النمل حول الحلوى , فكما أن الحلوى سابقة على التفاف النمل وليس تابعة له , فالتشريع سابق على الاستفادة منه وليس تابع له , وليس أدل على استقلال مبدأ تحريم القتال في الأشهر الحرم عن مبدأ المنفعة المباشرة من أن هذا التحريم لم يكن على الدوام له طبيعة نفعية , بل كانت هناك محاولات للعبث بالتقويم نفسه ليناسب الظروف السياسية لقريش , تمثلت هذه المحاولات في إضافة أيام وحذفها حسب المنفعة , وهي أيام النسيئة , والقرآن تصدى لهذه المحاولات ومنعها منعا باتا , في إشارة إلى استقلال الأشهر الحرم عن ظروف المجتمع ومنافعه الوقتية النسبية.
ستجد من يقول أيضا : تحريم القتال ليس وصفا للعالم بل هو تكليف للإنسان , ومعنى ذلك أن هذا التحريم إنساني ونسبي وذاتي , وليس كوني أو مطلق أو موضوعي , أي خاص بالإنسان فقط وليس تنسيق بين الإنسان والعالم , والحقيقة غير ذلك , فالقرآن يتحدث عن حرمة الأشهر الحرم كانت قبل خلق الإنسان : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ , وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً , وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (التوبة:36) , أي أنها حقيقة مفارقة للإنسان ومتحققة قبل مجيئه . ومعنى ذلك أن الشريعة إنما جاءت للتنسيق بين الإنسان وشيء مفارق لإدراكه هو العالم في كليته وكيفيته وشموله. | 23 - ديسمبر - 2006 | من يقتل الغذامي تقربا لله? |
|