البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات أحمد إيبش

 5  6  7  8  9 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
تفاسير غربيّة غريبة    كن أول من يقيّم

فبعد حركة الرّيكونكيستا Reconquista التي استخلصت الأندلُس من أيدي المُسلمين بسقوط غرناطة علم 1492 م، هاجرت أعداد كبيرة من اليهود السّفارديم ومن المُسلمين الـ »موديخارِس« Mudejares (لفظة إسيانيّة من العربيّة: مُدجَّن، أطلقت على المُسلمين الذين بقوا ماكثين)، ورغم أنّ بعضهم لجأ أوّلاً إلى إيطاليا (البُندقيّة خصوصاً) فإنّ الأكثريّة استوطنت الدّولة العُثمانيّة، حيث أسّس اليهود النّاطقون بالإسيانيّة في إستانبول كياناً إثنيّاً، نشط بالطّباعة والنّشر باللّغتين العبريّة واللادينو Ladino (لهجة عبريّة سفارديّة برطانة قَشتاليّة قديمة).
وتمّ قدوم وافدين جُدد بعد 1550 م، إثر أعمال الإضطهاد التي مارستها محاكم التّفتيش البُندقيّة ضدّ الرّعايا الطليان غير التّثليثيّين وضدّ اليهود.  وفيما كانت التّعاليم الإسلاميّة آنذاك تحرّم قطعيّاً طباعة النّصوص الإسلاميّة بالعربيّة، فإنّ الطباعة غير الإسلاميّة لم تكن أمراً محرّماً، فالذي جرى أنّ أعداء التّثليث جهدوا في سبعينيّات القرن السّادس عشر (بعد 1570 م) لإنشاء مطبعة في إستانبول لنشر الأعمال الرّاديكاليّة اليروتِستانتيّة.  ويتابع أصحاب هذه النّظريّة العجيبة: »فانظر إلى رغبة الرّاهب مارينو (في المقدّمة الإسپانيّة) بأنّه ينبغي نشر إنجيل بارْنَبا، وإذا بحثنا: أين كان المكان الوحيد في أوروپا الذي يمكن نشره به؟  إنّها إستانبول دون شك!«.  المُراد إذاً: أنّه مؤامرة يهوديّة مُعادية للتّثليث!
*  *  *
بهذه الأساليب المعوجّة والغريبة يجتهد باحثو الغرب لنفي مصداقيّة إنجيل بارْنَبا.  ولم نأتِ هنا إلاّ بمثالين وإلاّ فثمّة غيرهما كثير، آخرها:
الباحث الأوسترالي رودني بلاكهرست Rodney Blackhirst وقبله الباحث داڤيد سوكس David Sox، عَزيا المسألة برمّتها إلى مؤامرة سياسيّة جرت بإيطاليا حاكها الكاردينال جوليو سانتوريو Giulio Santorio ضد الكردينالين مارك آنطونيو وأشّانيو كولونّا Ascanio Colonna Marcantonio &، بُغية الانتقام منهما بطريقة الإيحاء لمحاكم التّفتيش أنّهما المؤلفان: فمارك آنطونيو هو »مارينو«، وأشّانيو هو »مُصطفى دي أراندا«.  وأنّ أصل »إنجيل بارْنَبا« نصّ أپوكريفي قديم كان مُلحقاً بنص »أعمال بارْنَبا« (ذكرناه أعلاه)، صاغَه في قبرُص الآباء الكَرمِليّون، ودخل إيطاليا من ميلانو بُعيد سقوط قبرُص بأيدي التُّرك عام 1571 م.
نقول: محاولة ظريفة، ولكنّها أجدر بأن تكون رواية پوليسيّة على نسق رواية دان براون The Da Vinci Code، إنما نسي الأستاذان أن يقولا لنا: لماذ إذاً فشلت مساعي سانتوريو في القضاء على مارك آنطونيو وأشّانيو كولونّا؟  الرّواية ناقصة، ولو كنتُ صاحب دار نشر لرفضتُها مع الاعتذار!
أخيراً: يُجمع باحثو الغرب على أنّه نصّ أپوكريفي قديم تمّت قولبته لصالح الإسلام في مكان ما بأواخر القرن السّادس عشر (بعضهم يُرجعه إلى الرّابع عشر)، ويرى بعضهم أنّه ذو أصل غنوصي، فيما يرى آخرون أنّه يرتكز إلى الدّياتِسّارون.  وأشهر من كتب عنه: وليَم گيردنَر ولويدجي تشيريلّو وميشيل فريمو وميكيل دي إپالثا ولويس بِرنابِه پونس ويان يوستن ويان سلومپ وكريستين شيرماخر وشلومو پينيس وداڤيد سوكس وأودْبيورن لايرڤيك ورودني بلاكهرست وصَمويل گرين. ومن پاكستان: عبد الستّار غَوري وشمس الدّين وم. يوسف.
*  *  *

5 - نوفمبر - 2007
إنجيل بارنبا: أهو حقاً الإنجيل الصحيح؟
رؤيتنا للموضوع.. المسيح بين النصرانية والمسيحيّة    كن أول من يقيّم

والآن، دعونا نقدّم رؤيتنا لهذه المسألة المعقّدة:
رأينا أوّلاً، وبكل موثوقيّة تاريخيّة، أنّ دعوة النّصرانيّة الأولى كانت تمثّل امتداداُ عُضوياً طبيعيّاً لعقيدة التّوحيد، وأنّ بني إسرائيل في أواخر عهد أنبيائهم ما قبل بعثة المسيح خانوا الأمانة وعَبَدوا البعل، فوصف الله أحوالهم في سِفر هوشَع (4: 2) بعبارة: »لَعنٌ وكَذِبٌ وقَتلٌ وسَرِقةٌ وفِسْقٌ«.  ولذلك بعثَ لهم نبيّاً جديداً هو المسيح (عليه السلام)، فدامَت بعثه ثلاث سنوات، وكانت هذه البعثة توحيديّة متمّمةً لشريعة الأنبياء الأوّلين، ولم تكن أبداً ناقضة لها.
في المرحلة التالية لرفع المسيح (33 م؟) نشأت مرحلة جديدة في الدّعوة سُمّيت بمرحلة »الرُّسُل«، كما سمّاهم المسيح بذاته وطلب منهم التفرّق في أرجاء المعمورة للقيام بأمر الدّعوة.  ها هنا لنلاحظ: الكنيسة الوحيدة التي كانت قائمة بالقُدس الشّريف آنذاك كانت »كنيسة أورشليم« التّوحيديّة، وكان بولُس في تلك الأثناء يدور جاهداً لاضطهاد أتباع الدّعوة الجديدة الذين حملوا اسم »النّاصريّين« (نسبةً ليَسوع النّاصري).  المُفارقة الغريبة: أنّ مَن قدّمه إلى تلاميذ المسيح وكَفِله أمامهم كان صاحبنا بارْنَبا نفسه، لكنه لم يدُر بخلده أبداً آنذاك أن صديقه سوف يضحي بامتياز المقوّض الفعلي لهذه النّاصريّة التّوحيديّة.
أهمّ أركان كنيسة أورشليم التّوحيديّة كانوا إخوة المسيح نفسه: يَعقوب البارّ، ويَهوداه، وشمعون. وكان هؤلاء مُلتزمين بشريعة مُوسى (لذلك سمّاهم بولُس وأتباعه: التّهويديّين judaizers ) بينما كانوا يسمّون أنفسهم »الإخوة«، أو يُطلق عليهم: »اليَهود المُتنصِّرون«.  ولا شك أبداً أنّ هذه الكنيسة الأولى كانت توحيديّة مئة في المئة، حتى أنّ الرّابي جَمليئيل الأوّل المتعصّب راح يدافع عنهم، بشهادة لوقا في أعمال الرُّسُل (5: 34)، بدليل عدم مُجافاتهم لروح التّوحيد، واليهوديّة في الأساس دين توحيدي، لولا انحرافاتها اللاحقة.
ولكن، ما الذي جرى لهذه الدّعوة وتلك الكنيسة الأولى؟  للأسف لم تُعمّر طويلاً (30-135 م)، وسُرعان ما تحوّلت الدّعوة في أنطاكية (بعد عام 50 م) على يدي بولُس إلى خليط ديني مشرقي - أوروبي جديد، أدّى إلى نسف مبدأ التّوحيد تماماً.  وبعد نيقية (325 م) أضحت المسيحيّة الپولينيّة بعيدةً كل البُعد عن أصول الكنيسة الأولى التّوحيديّة، ثم فَشَت فيها الغنوصيّة والأليگوريا (التأويل) والعقائد الإيزوتيريّة الباطنيّة والحُلوليّة المَشيحانيّة وتأليه الأنثى، مع الخوارق والرّؤى الإعجازيّة والسّتيگماتا والتجلّيات النّورانيّة ولاهوت إغناطيوس دي لويولا.  ثم صار كلّ مذهب فيها يقوم بتأويل المسيح وناسوته ولاهوته وفق ما يراه ويريده، واتّبعوا القدّيسين كمصدر أساسي في التّشريع (بدأت البدعة برؤيا لبطرُس في تحليل كلّ مأكل)، حتى عاد المسيح غريباً عن بيئته السّاميّة الأولى.
مع إجلالنا المُتناهي للمسيح وتقديرنا البالغ لسيرته العطِرة، نقول: إن ما نقرأه عن بلاغه العقائدي بلسانه في إنجيل بارْنَبا الأمين هذا، يبدو لنا أقرب كثيراً إلى الأذهان بأن يكون مُعتقَد نبيّ نشأ بين بني إسرائيل لردّهم إلى جادّة الصّواب، دون أن يُنكرَ ما أنزلَه الله على موسى من شريعة في التّوراة (غير أنّه يُنكر الشّريعة الحاخاميّة الشِّفاهيّة، فهي ليست وَحياً مُنزَلاً).  أمّا من خلال الصّورة البولسيّة النّيقاويّة له فهو يبدو لنا نبيّاً يونانيّاً أوروبيّاً، ذا ثقافة هِلّينيّة وفلسفة تجريديّة حُلوليّة غريبة تماماً عن الشّرق وعن رسالات التّوحيد قلباً وقالباً.
فيجوز لنا القول: المسيح (عليه السلام) كان نبيّ النّصرانيّة، وبولُس كان عَرّاب الدّيانة المسيحيّة.  ولكن ليتَ شِعري، هل كان ثمّة علاقة بين الدّيانتين؟  على الإطلاق!  علينا البحث عن الفارق في »الإبيونيّة«، وفي »إنجيل بارْنَبا«!

5 - نوفمبر - 2007
إنجيل بارنبا: أهو حقاً الإنجيل الصحيح؟
ما هو مذهب الإبيونيّة؟    كن أول من يقيّم

فما هي الإبيونيّة أولاً؟
الإبيونيّة (بالعبريّة: אביונים إبيونيم: المَساكين أو الفُقراء) فئة من اليهود المُتنصّرين تتبع كنيسة أورشليم التّوحيديّة الأولى، التحقوا بالمسيح ورأوا فيه نبيّاً عظيماً من الأنبياء، لا يعترفون بألوهيّته ولا ببُنوّته لله، بل يقولون بأنّه: »رجلٌ كسائر الرّجال جاءه الوحي بعد مَعموديّته على يد يوحنّا المَعمدان.  تقوم رسالته على التّعليم والتّبشير، دون الفِداء والخَلاص«. 
دُستورهم الأوّل هو موعظة الجبل للمسيح (عليه السلام)، كما ينبغي ملاحظة كلمة مُهمّة جداً له (إنجيل مَتّى - 5: 3): »طُوْبَى للمساكين بالرّوح، لأنّ لهم مَلَكوت السَّموات«، فهذه كانت مصدر التّسمية (إبيونيم).  وسؤال الشّاب الغنيّ له عن طريق الصّلاح، فأجابه (متّى - 19: 16): »إن أردتَ أن تكونَ كاملاً، فاذهَبْ وبِعْ أملاككَ وأعطِ الفُقراء، فيكونُ لكَ كنزٌ في السَّماء، وتعال اتبَعْني«. 
والإبيونيّون يقبلون إنجيل متّى وحده (نعني القديم لا الحالي المتداول)، وهو »إنجيل مَتّى الآرامي«، ويسمّونه: »الإنجيل حسب العبرانيّين«.  وكنّا قدّمنا فيه القول، وأنّه للأسف مفقود (لأنّه عُدّ في نيقية أپوكريفيّاً مَنحولاً مُحرّماً).  لكن لنا حوله شهادة نرويها لاحقاً، إذ رأيناه بأمّ العين!
وكانت وثيقة الدّخول في هذا المذهب النّصراني التّخلّي عن أملاك الدّنيا ومَتاعها بالكلّيّة، وإعطاء ذلك للفقراء، كما يرد مراراً في أعمال الرُّسُل (غداة رفع المسيح)، وهو الأمر الذي فعله بارْنَبا (كما ذكرنا آنفاً بشهادة لوقا في أعمال الرُّسُل).  ولذلك نجزم دون أدنى ريب أنّه كان مُنتمياً لهذه الفئة، ولا ننسى هنا أنّه كان مُقيماً بالقُدس منذ عام 29 أو 30 م، وأدرك أواخر أيام المسيح (كما تُثبت الموسوعة الكاثوليكيّة بالحرف الواحد)، وبقي بالقُدس حتى عام 42 م، وكان له بها أقارب (مريم أمّ يوحنّا).  ثم توجّه إلى أنطاكية للدّعوة.

5 - نوفمبر - 2007
إنجيل بارنبا: أهو حقاً الإنجيل الصحيح؟
حيثيّات حول كتابة بارنبا لإنجيله    كن أول من يقيّم

المهمّ الآن:  متى دوّن بارْنَبا إنجيله، ولماذا؟
إثر مَجمَع أورشليم (عُقد حوالي 50 م)، وحادثة نِزاعه الشّديد مع بولُس وفراقهما، وقُدوم إخوان يعقوب البارّ (من كنيسة أورشليم) إلى أنطاكية وانحياز بارْنَبا لهم.  نقدّر ذلك بمطلع خمسينيّات القرن الأول بحدود 52-53 م.
واضحٌ أن حضوره لهذا المجمع ثم مجيء صَحب يعقوب إلى أنطاكية جعلاه يتمسّك بمذهبه الإبيوني وبانتمائه اللّيوي الكهنوتي، وبتعاليم »المتنصّرين اليهود« المناوئين لبولُس وللهلّينيّة والمتمسّكين بمبادئ شريعة موسى.  وهذا ما يشهد عليه كلام بولُس في رسالته إلى أهل غَلاطية بكلّ وضوح، ونظنّ أنّ رسالته هذه كانت إعلاناً لعداء ناجز بينه وبين بارْنَبا، وحتى مع إخوة يَسوع الذين ينعتهم بولُس بكل تهكّم بـ »أهل الخِتان« وبالـ »تهويديّين«، فيما اشتقّ لأتباعه تسمية »المَسيحيّين« للمرّة الأولى في أنطاكية بأواخر الأربعينيّات.
فما هي اللغة التي كتب بها بارْنَبا إنجيله؟  وأين؟
اليونانيّة طبعاً، فبارْنَبا كان يهودياً هلّينيّاً من قبرُص، وتتردّد مراراً في أعمال الرُّسُل عبارة »الإلّينيّين« بإشارة إلى أمثال بارْنَبا من اليهود المولودين في مُدُن ناطقة باليونانيّة والحاملين لثقافتها.  وكان موئل هذه الثقافة الهجينة اليهوديّة - الهلّينيّة مدينة الإسكندريّة في القرن الأوّل قبل الميلاد.  وبولُس نفسه كان أيضاً من أبناء هذه الهويّة الثقافيّة، لكنه بالَغَ بها كثيراً إلى حدّ الخروج التامّ عن عقيدة التّوحيد، التي ميّزت المشرق عن عالم اليونان والرّومان الوثني.
أمّا مكان التّدوين فنرجّح أنه في قبرص، حسب إشارة لوقا بأعمال الرُّسُل أنّ بارْنَبا ويوحنّا مَرقُس أبحرا إليها.  وفي إنجيل بارْنَبا تتضح معالم أوروپية، راح المُنكرون يُفسّرونها على أنها دليلٌ لتزييف، وهذا الجواب أمامهم.
لقائل أن يقول: أوردتم ذكراً مُبكراً لإنجيل أپوكريفي لبارْنَبا، والمُفترض أن يكون حُكماً مكتوباً باليونانيّة (لغة الكتابة والمدنيّة بذلك العصر)، ولكن أثمّة أدلّة مادّيّة على أنّ مخطوطي ڤيينا وسيدني لهما أصل يوناني؟ 
نقول: حتماً، لاحظ هذه المُفردات اليونانيّة السّبعة التي تنتشر في النصّ: »سينوفيجيا، سْكيتي، تِترا جراماتون، دراخما، سيريا، أناثيما، أباريماثيا«.  فهذه المُفردات عَدَدناها بمثابة الدّلائل العينيّة على أنّ الأصل القديم لإنجيل بارْنَبا هو مخطوط يوناني، تمّت ترجمته مراراً حتى وصل إلينا.
السّائل: هذه ثغرة!  فتريدُ القول أنّ ثمّة انقطاعاً بين الأصل اليوناني الذي زعمتَ والمخطوطين الحاضرين بالإيطاليّة والإسپانيّة؟!
نقول: أبداً، لا ثغرة ولا انقطاع.  فمن الواضح تماماً، من خلال مسألة ضبط الإلماعات التّوراتيّة على الڤولگاتِه اللاتينيّة، أنّ طوراً ثانياً قد مرّ به الكتاب بالتّرجمة من اليونانيّة إلى اللاتينيّة.  لماذا؟  يعلم كل باحث في نشر النّصوص أنّه عند ترجمة نصّ قديم إلى لغة أخرى، ينقل المترجم المعنى بعبارات مُوازية تعبّر عنه.  ولكن إذا اعترضه مقطعٌ ذو بُنية نَصّيّة مُثبتة بمَتنٍ حرفيّ توقيفي، لا يبقى أمامه أيّ مجال للتكيُّف، بل يُترجِم ضمن قالب نمطي معياريّ مُعتمَد.
لهذا، لمّا قام مُترجم إنجيل بارْنَبا بترجمته من اليونانيّة إلى الإيطاليّة، كيف ينقل إلى الإيطاليّة (لاتينيّة عاميّة) إلماعات التّوراة؟  عليه اعتماد التّرجمة الرّسمية: الڤولگاتِه التي وضعها إيرونيموس بأواخر القرن الرّابع بأمر البابا داماسوس الأوّل (366-384 م) وأمست في مَجمع ترينتو 1546 م الصّيغة الرّسميّة الوحيدة للإنجيل في كنيسة روما، ونقّحها سِكستوس Sistine Vulgate (1590 م).

5 - نوفمبر - 2007
إنجيل بارنبا: أهو حقاً الإنجيل الصحيح؟
قرائن جديدة وبناء نظريتنا.. وهوية مارينو المفترضة    كن أول من يقيّم

السّائل: وما قضيّة التّشابُه مع مقاطع الكوميديا الإلهيّة لدانتِه؟
سؤال هام، وعليه عَوَّلوا لهدم مصداقيّة إنجيل بارْنَبا.  عالجنا هذه القضيّة بالتّفصيل في المتن (الفصل 34، 135)، ونوجز: المُنكرون لم يتسنَّ لهم الاطّلاع على المصادر الپاليوغرافيّة السّابقة لدانتِه آليگييري: هَجَداه المِدراش »رَبّا وتنخوما« »رؤيا سِدرَك« (شدرَخ שדרך»أپوكاليپس بطرُس«.  ولا مَلامة على جهلهم، فالأوّلان بالعبريّة والثالث باللاتينية والرّابع بالأمهريّة الحبشيّة.  وفي العهد الجديد »رؤيا يوحنّا اللاهوتي« توازٍ كبير مع رواية بارْنَبا بوصفه الجنّة والنّار.
السّائل: مهلاً، إذاً ما النّسخة التي نالها مارينو، ومَن هو أصلاً؟
هنا أشدّ النّقاط إثارةً، وما نراه (بالاستقراء المُستند إلى قرائن) أنّ  النّسخة التي أخذها الرّاهب مارينو من مكتبة البابا سِكستوس الخامس (قُبيل عام 1590 م) كانت غالباً باللغة اللاتينيّة، مُترجمة عن اليونانيّة.  فهذا ما يقتضيه المنطق: أيّ مصدر ديني في المكتبة الرّسوليّة  Biblioteca Apostolica  بروما، لا بُدّ أن يُترجم إلى اللاتينيّة لغة الڤاتيكان.  ثمّ نرى أنّ مارينو نفسه ترجمها إلى الإيطاليّة، وهي اللهجة العاميّة الشعبية للاتينيّة، التي يفهمها جميع النّاس.
إذاً تقول إنّ نسخة ڤيينا الإيطاليّة هي بخطّ يد مارينو؟
على الإطلاق!  ففيها من القرائن (كنقص العناوين وترك الأوراق البيض) ما يدلّ على أنّها مجرّد نُسخة.  وأيضاً نجزُم بغير أدنى شكّ أن المخطوطة الإسپانيّة القديمة التي ترجمها مُصطفى دي أراندا (ووصفها سَيل) لم تكن مُترجمةً أبداً عن مخطوطة ڤيينا.  بل نعتقد جازمين (من تفحُّص الأصلين) أنّهما كليهما منقولان عن نسخة أُمّ - نظنّها بخط مارينو - والله تعالى أعلم بمصيرها. 
لنا على ما نقول دليلان: الأول: أنّ مخطوطة مُصطفى بها خمسة فوارق نصّيّة على الأقل، وهي جذريّة.  الثاني: أنّ نسخة ڤيينا لا يمكن أن تكون الأصل الذي  نقل عنه مُصطفى بإستانبول، فنُسخةٌ بهذه الأهميّة في أيّام أوج قوّة سلاطين بني عُثمان، كيف تنتقل إلى هولاندة؟!  لا ريب أنّها مجرّد نسخة من عدد لا ندريه من النُّسخ أُخذت عن أصل مارينو، فلم يصلنا إلا اثنان.
على ذلك، نقدّر عصرالمخطوطتين مطلع القرن السّابع عشر (ونسخة فيشر من الثامن عشر).  أمّا الحواشي العربيّة في هوامش نسخة ڤيينا فنجزُم أنّها لا تتّصل بمارينو أبداً.  صحيح أنّه عندما دخل في دين الإسلام لا بُدَّ أنّه تعلّم القُرآن والعربيّة ولكن أيُجيد كتابتها فوراً؟  لا يمكن!  فصّلنا في الحواشي أن كاتبها لا بُدّ أن يكون ناسخاً بُندُقيّاً (مُسلماً) من أهالي ضاحية پيرا وغَلَطة Pera-Galata بإستانبول، وهذا يُفسِّر اللّكنة التّوسكانيّة والبُندقيّة، والرّكاكة في العربيّة والتُّركيّة.
أمّا أن يكون النّاسخ رجلَ دين تُركي فهو مُحال كما أثبتنا في غير موضع.  كذلك لا يصحّ كون الكاتب مُسلماً، فثمّة مقاطع تتعارض مع العقيدة الإسلاميّة (السّجود ليَسوع، حِلّ الخمر، الزّوجة الواحدة)، كما تُناقض القرآن الكريم: ولادة العذراء بغير ألم، لا ذكر لتكلّم يَسوع في المَهد.
ولكن، مَن هو مارينو؟  هذا مفتاح كبيرٌ للّغز..  نرجّح بأن يكون الرّاهب المُستشرق »ماركو ماريني« Marco Marini (1542-1594 م) أحد المُقرّبين من البابا ذاته (فِليتشِه پيريتّي Felice Peretti)، والعالِم بتاريخ الكنيسة المُبكر.
*  *  *

5 - نوفمبر - 2007
إنجيل بارنبا: أهو حقاً الإنجيل الصحيح؟
خاتمة وخلاصة    كن أول من يقيّم

يقول السّائل: هذا العرض الذي قدّمتَه معقولٌ وفيه العديد من نُقاط الجدل القويّة، ولكنّني لم أكتفِ بعدُ حول أصالة هذا الإنجيل وقِدَمه.
نقول: لنفترض جَدَلاً أنّ إنجيل بارْنَبا - كما زعموا - نِتاجٌ مُزوَّر يعود إلى القرن الرّابع عشر أو السّادس عشر، فهل يتأتّى لأحدٍ آنذاك مهما أوتي من العلم وسِعة المعارف، أن يُجيد اليونانيّة والعبريّة والآراميّة والعربيّة واللاتينيّة والإيطاليّة، وأن يُحيط بعلوم القرن الميلادي الأول وحيثيّاته الزّمانيّة والمكانيّة كلّها، مع التّوراة والمِدراش والأناجيل والقرآن أيضاً؟  ثم يأتي بتفاصيل حَيثيّة مُحكمة وفريدة (مثل: تيروس، سالومة، رحلة يَسوع من الجبال إلى النّاصرة)؟!  
ثمّ في خُطب يَسوع التي تحمل أصداءً من جَدليّة الأدب اللاّهوتي السّائد في عصر »التّنائيم« بأواخر القرن الأوّل ق.م، وذِهنيّتها الثّيولوجيّة والمعرفيّة، هل تمتلك أيّة جماعة ثقافيّة في القرن السّادس عشر آليّات نقلها بحذافيرها عبر 15 قرناً من أرض فلسطين إلى القارّة الأوروبيّة، بكلّ ذلك التقارُض اللّغوي البَيِّن والصِّلة المُترابطة والتّعابير الاصطلاحيّة الانتقائيّة المحدّدة؟!  أيمكن حقاً لأحد في أوروبا أن يتمثّل تلك النّكهة البَلاغيّة والحسّ البياني والذّائقة اللّغويّة السّاميّة من عهد المسيح، فيُضارعها بنصٍّ مَنحول لا يقلّ عنها، إن لم يفُقها؟!
*  *  *
ختاماً أخي القارئ: بحمد الله تعالى، نضع بين يديك اليوم »إنجيل بارْنَبا«، وثيقةً ثمينة وقيّمة للغاية، تبيّن لنا الوجه الحقيقي لأزَليّة التّوحيد وتِلقائيّته على مَرّ الرّسالات السّماوية الثلاث، وتبيّن لنا أوجه التّحريف والتّغريب الذي تعرّضت له الدّيانتان السّالفتان (اليهوديّة في التّلمود، والمسيحيّة في هلّينيّة بولُس وأروقة نيقية)، فنجزُم بكل ثقة: {إنَّ الدّينَ عِندَ اللهِ الإسلام}، ونُقيّم تراثنا السّماوي بمقاييس إيمانيّة وعقائديّة وعرفانيّة متكاملة الأبعاد متوازنة الرّؤى، فنقول:
هو اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، جَلّ وتعالى عن كلّ نِدٍّ وشَريكٍ وشَبيه.  وأتمُّ الصّلاة والتّسليم على أنبياء الله أجمعين، وفي مقدّمتهم كَليمُ الله موسى، وروحُ الله وكلمتُه المسيح، وخاتمُ الأنبياء وسيّدُ البَشر مُحمّد.
{وآخرُ دَعواهُم أن الحمدُ للهِ رَبِّ العالَمين}.
*  *  *

5 - نوفمبر - 2007
إنجيل بارنبا: أهو حقاً الإنجيل الصحيح؟
الفضل يعرفه ذووه    كن أول من يقيّم

أخي الأكرم الأستاذ الشاعر الأديب زهير ظاظا:
يعلم الله أنني طوال الشهور المديدة التي أمضيتها في الترجمة والبحث في إنجيل بارنبا، لم ألق تقديراً ومديحاً كالذي يأتيني منك الآن.. منذ زمن بعيد لدي إدمان على قراءة أشعارك، فالآن أكون واحداً من مواضيعها؟ طوّقت عنقي بفضل وتجلّة كبيرين لا يمحوهما الدهر كلّه.
أشكرك جزيل الشكر على كلماتك الطيبة ومشاعرك النبيلة.. غايتنا معاً أن نبقى باحثين عن العلياء، وسعادتنا في نبش الدّرر الدفينة في تراثنا وحضارتنا العريقة الباذخة العظيمة.
لك أطيب تحية أخي الحبيب، واسلم لأخيك.
أحمد

6 - نوفمبر - 2007
إنجيل بارنبا: أهو حقاً الإنجيل الصحيح؟
حضرة الأستاذة ضياء    كن أول من يقيّم

أستاذتنا الكريمة السيدة ضياء:
جزيل الشكر والامتنان على كلماتك الصادقة والطيبة.
أرجو بالفعل أن يكون موضوعي قد حاز على رضاكِ، وهو ثاني مجلس أتقدم به إلى موقعكم الرائد "الورّاق".
حول تسمية بيروت بالإسكلة فهذا طبعاً أمر شائع جداً في النصوص القديمة العائدة إلى أواخر العهد العثماني، بخاصة في فترة عهد التنظيمات الخيريّة (1839-1908) إذ كانت الإيطالية اللغة المعتمدة لدى العثمانيين في استقاء المصطلحات التجارية والتسميات المعيارية الدولية آنذاك. في الإيطالية Scala أصلاً تعني السلّم والمرقى، وبالتالي استخدمت العبارة للدلالة على معابر الساحل، وحتى في الفرنسية: Les Echelles de l'Orient. أما اسم عسقلان فيختلف، وهو في الكنعانية (إشكلون)، واشتقاق ذلك نؤجله إلى المجلس الذي اتفقت مع الأستاذ الدكتور فاروق المواسي على فتحه حول أسماء مدن فلسطين.
أما حول المخطوطة التي يذكرها الأب جومييه، فطبعاً أشرت إليها في مقدمتي (فقرة: أقدم الإشارات النصية إلى إنجيل بارنبا بمخطوطيه)، ومخطوطة البيبليوتيكا ناثيونال في مدريد كتبها بالقشتالية إبراهيم الطيبلي التونسي المقيم في إسبانيا، وهو من بقايا الأندلسيين المواركة Los Moriscos.
على أي حال، زبدة الكتاب هي متنه الذي ترجمته عن الإيطالية والإسبانية (لا عن ترجمة إنكليزية كما فعل سعادة)، يضاف إليها الحواشي النقدية المستفيضة، التي توضح تماماً ما غمض من جوهر النص. النص ثمين، وبحاجة لفهمه إلى إقصائه عن الآراء المسبقة لمن راموا وأده في مهده.. وبعد فأنا لست أحاول إثبات قضية مسبقة لدي، بل رغبتي كانت القيام بمحاكمة فيلولوجية نصّية متحرّرة، لا تنتمي لا إيديولوجياً ولا عقائدياً إلى أي جانب في معاداة آخر. ربما أكون نجحت وربما أخفقت.. لكن ما لا أشك فيه أنني أفلحت في تقديم إضاءات جديدة مفيدة للغاية، لم تكن في السابق معروفة حول الموضوع.
أكرر مجدداً شكري لكِ سيدتي الفاضلة، ولك أطيب تحيّة.
أحمد

6 - نوفمبر - 2007
إنجيل بارنبا: أهو حقاً الإنجيل الصحيح؟
كلمات نبيلة    كن أول من يقيّم

حضرة الأخ الكريم زياد:
بكل الشكر والتقدير والعرفان قرأت أبياتك الرشيقة والمعبّرة.
لك مني الشكر كله، وأرجو أن أكون أستحق بعض ما وصفت.
أحمد

7 - نوفمبر - 2007
إنجيل بارنبا: أهو حقاً الإنجيل الصحيح؟
ألواح ساكرومونتِه    كن أول من يقيّم

حضرة السيّدة ضياء المحترمة:.
لك أولاً تحية كبيرة جداً لسببين:
أولهما أني البارحة بدأت بالاطلاع، ولو سريعاً على تحفتك الرائعة: "البنت التي تبلبلت"، هذا نتاج أدبي فلسفي رائع للـ autobiographie وما أثارني فيه تحديداً هو أنني ما برحت منذ عام 1985 وحتى اللحظة الحاضرة أدوّن جميع خواطري وأفكاري وانطباعاتي في دفاتر مذكرات هي في الحقيقة عصارة روحي وعمري.. كم هو شائق هذا الصنف الأدبي الممتع. فيه تزدحم مشاعر الألم، الفرح، الشوق، الحب، الثورة، الغضب، الطموح.. الإنسان عندما يناقش نفسه على أديم صفحاته يدخل في عالم سحري تذوب فيه المجاملة، ينعدم الرياء، وتتألٌّق الحقيقة. فيه الضعف ضعف والقوة قوة.. لا أحد آخر يقرأ فنحاول التأثير فيه بأساليب التملّق والنفاق! ألاحظتِ كيف أن ثلاثية: (الرّوح – القلم – الورق) تخلق صيغة إنسانية جديدة، تجعل الورق ينطق والعين تسمع؟
بوركتِ، أعدتِنا إلى لحظات تفتّق الروح وتساميها إلى ألق الحياة وفورة العاطفة.  ليتني أقوى يوماً على نشر مذكراتي.. لكن هل لي جرأتك؟؟ واهمٌ من يظن!
ثانيهما: يمتعني كثيراً جداً أن أقرأ نقاشاً في الصميم على بحثي الأقرب إلى نفسي: "إنجيل بارنبا"، فهلمّ أجيبك على أسئلتك الهامّة والذكية.
الألواح التي ذكرتيها في قرطبة والمكتوبة بالقشتالية ليست على الإطلاق تضم إنجيل بارنبا، بل تعرف بألواح ساكرومونتِه Los Platos de Sacromonte والرأي السائد أنها تضم نصوصاً ابتدعها بعض الأندلسيين المواركة Moriscos في محاكاة نصوص الأناجيل القديمة، بحيث يبدو فيها ما يدلّ على ذكر النبي القادم (سيدنا محمد)، وذلك من باب الانتقام من ملوك قشتالة وآراغون الذين هزموا مسلمي إسبانيا وأخرجوهم من الأندلس بسقوط غرناطة عام 1492 م بقيادة فرديناندو وإيزابيلا. وهذا الأمر أشرت إليه في مقدمتي، وقلت إن هؤلاء المواركة الباقين في إسبانيا بعد سقوط الأندلس باتوا يُعرفون باسم "موديخارِس" Mudéjares (أي المدجّنين).
هذه القضية (وإن كانت لا علاقة لها البتّة بإنجيل بارنبا) تتشابه تماماً مع قضيّة الرسائل المنحولة الملفقة على ماري ستيوارت ملكة سكوتلندا بغية تجريمها وحرمانها كنسياً.
كذلك أشرت في مقدمتي إلى أن كنيسة ميلانو رغبت للإفلات من هيمنة الفاتيكان إلى ترتيب جملة من الوثائق تثبت أن بارنبا الرسول هو الذي أسّسها مباشرة. وبذلك حصلت على استقلالها الناجز (حتى اليوم) من الكنيسة الرسولية الفاتيكانية، مثلها مثل كنيسة قبرص، التي ذكرت كيف جرى تأسيسها بناء على حلم آنثيميوس، وتم بناء دير كبير في سالاميس قرب فاماغوستا، في القسم التركي الشمالي من جزيرة قبرص. ولقد قمت في عام 2003 بزيارة المنطقة، وركبتُ باخرة كبيرة تسمّى بكل فخر: Salamis Glory.
على ذلك أقول: سيرة حياة بارنبا برمّتها وتراثه المكتوب، وإنجيله، وتمسّكه الدائم بإنجيل متى (الآرامي القديم) تم التعتيم عليها، وأبقي دوره بمثابة واحد من الرّسل الـ 72، لا التلاميذ الـ 12، وعُدّ بمثابة المعاون لبولس، رغم أنه سبقه بدخول عقيدة المسيح (النصرانيّة) وكان إلى جانب متّى الرّسول الشاهدين الأولين على دين النصرانية الأول הנוצרית فيما كان بولس عرّاب الدين (المسيحي) المُهليَن الحلولي المشيحاني، بصيغته التثليثية الهلّينيّة التجريديّة، بدلاً من تشخيصيّة الإبيونيّة وتوحيدها.
لا ريب أن المسألة برمّتها شائكة للغاية وتختلط فيها المفاهيم والمعايير والتراتبيّة الكرونولوجيّة. لقد كان البحث فيها تعذيباً روحيّاً كبيراً، أي بسبب المشقّة، وضرورة العودة إلى الأصول القديمة بجمهرة مرعبة من اللغات. أما الحصيلة، فحبّ متألق للمسيح، النبي الإنسان، الموحّد، المتفاني في إشراق الرّوح والنّفس.. بما يجد له المرء أصداء حقيقيّة في فلسفة الزّوهار (البهاء) وشفافيّة الإسينيين فلاسفة قمران ونسّاكه (لاحظي في إنجيل بارنبا التبجيل المطلق للفريسيين الأحقاء، ومنهم الأسينيون لا ريب لدي)
الحلقة التالية التي لم أكتبها بعد هي علاقة البنوّة التي ربطت بين إبيونيي أورشليم والأسينيين، ثم كيف هاجر الإبيونيم إلى شرق الأردن قبيل سقوط القدس الثاني (على يد تيطوس الرّوماني) عام 70 م.  ومن أهم مفاتيح هذا المبحث الكشف عن حقيقة هويّة نيقوديموس، وما هو في رأيي إلا "نقديمون بن جوريون"، الشخصيّة الصوفيّة الإصلاحيّة، الذي اشتهر بأعمال برّه، وأفلح كثيراً في ترويض نقمة الرّومان على المدينة المقدّسة. دعكِ من اسمه اليوناني "نيقوديموس" فهذا ليس أكثر من ترجمة حسب الموضة السائدة في المشرق آنذاك، وكانت اليونانيّة آنذاك بمثابة الإنكليزية اليوم.
ثم علي المتابعة بذكر عودة بقايا الإسينيين إلى الدخول في الإبيونيّة، وهجرتهم إلى الجزيرة لاحقاً.
أما حول مخطوطة سيدني ونقص 80 فصلاً منها، فقد ذكرت ذلك في مقدمتي أعلاه، وقلت إن بها من الأدلّة العينيّة النصّيّة ما ينفي كونها مترجمة عن نسخة فيينا الإيطالية نفياً تاماً وقطعياً ناجزاً. ومن أهمّ هذه الفوارق النصيّة ذكر أن بطرس التلميذ كان على علم بعملية "تحوّل المسيح" وتقمّصه لشخص يهوداه (يهوذا) الإسخريوطي، عند قدوم الجنود إلى دار نيقوديموس في جنينة جَتسيماني، وعند الصلب على جبل الجلجلة. لهذا الأمر تداعيات كبيرة جداً، وخاصة عندما نسقطه على نص "إنجيل يهوداه" الذي نشرته مؤخراً في العام الماضي الجمعية الجغرافيّة الوطنيّة The National Geographic Society ولم ينقله إلى العربية أحد إلى اليوم (كنت أنوي ذلك، والآن لست أدري).
ما أكثر تداعيات هذا البحث وما أعقدها، وكم يلزم لها من علوم لهوتيّة ولغات ومعرفة بالنقد النّصّي والفيلولوجيا. ورغم أنني أحطت بذلك بشكل عميق للغاية فإنني جنحت إلى الإحجام عن المتابعة (رغم أنني أنجزت ترجمة الإنجيل برمّته، مع تعليقاته الكاملة ومادته النقدية).. قائلاً في نفسي: وفيم هذا العناء كله، إن لم أجد من يتفاعل معه ويناقشه؟ (وهذا كله أقوله ولم أقدّم لكم بعد النص كاملاً، والمقدمة التي نشرتها أعلاه لا تعدو طرقاً خفيفاً على باب هذا الموضوع الخلافي الهائل).
فكانت أن أطللتِ سيدتي بلمستك الطرابلسيّة السحرية، فأيقظتِ في النفس أملاً كاد يخبو وطيفاً بدأ يتلاشى.
لك مزيد الشكر والتقدير يا أستاذتنا الكريمة.
أحمد

9 - نوفمبر - 2007
إنجيل بارنبا: أهو حقاً الإنجيل الصحيح؟
 5  6  7  8  9