 | تعليقات | تاريخ النشر | مواضيع |  | تقييم مبدئي     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
صوافطة : وأما ما يخص الفلسفة وقلة من يعيها و يتمثلها فيعود ذلك في رأيي أيضا إلى المحاذير الشرعية فكلنا يعلم أن الأحكام الجاهزة عند أبناء وطننا جاهزة فإن أعمل أحدنا عقله قليلا رمي بالزندقة والكفر والخروج والعلمانية ، مما يجعل أبناءنا يخشون هذه العلوم فضلا عن الإبحار بها. ختاما أقول علينا أن نقتل التراث بحثا ودراسة وفهما ثم نتجاوزه ،بمعنى أن لا نقف عنده فعلماؤنا غفر الله لهم قدموا الكثير وعلينا ألا نعيد ونجتر ما قالوه
هذه العبارة موضعها المناسب هو في أول خمس دقائق من الحوار الإسلامي العلماني , وحيث أنك توردها بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر من بدأ الحوار , فإن عمرك العقلي متأخر على مقياس المنطق بما يعادل ( ثلاثة أشهر حوارية ). | 5 - أبريل - 2006 | لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ? |  | الثانية بعد الأخيرة كن أول من يقيّم
إنهم يضعون الأفكار في الثلاجة ... ما المقصود بالثلاجة ? وكيف توضع فيها الأفكار ? ومن هم هؤلاء الذين يضعون الأفكار فيها ? وما مناسبة موضوع الثلاجة بالنسبة للمشكلة الفلسفية ? خطوة إلى الوراء ونفهم كل شيء .
الحديث عن المشكلة الفلسفية في البلاد العربية يتبعه غالبا ظهور القطبية بين التراث و الغرب , عدوان لدودان يتنازعان حل المشكلة , لكل منهما بريقه , ولكل منهما عيون ترى هذا البريق , إلى هنا و المشهد تقليدي , فما الجديد ? الجديد هو أن حالة الاستقطاب هذه بين التراث و الغرب لا تمر على المثقفين العرب بسلاسة , بل يصحبها تمزق نفسي . لكن لماذا يصحب هذا الاستقطاب تمزق النفسي في الوقت الذي يعبر فيه عن اختيار حر للفرد المستقطب للتراث أو للحداثة ? لماذا يتألم من اختياره ? الحقيقة أنه ليس اختيارا حرا بما فيه الكفاية كي يكون الاستقطاب سلس ومستقر , لأن سرعة استقطاب التراث أو الغرب للأفراد تفوق سرعة استيعاب هؤلاء الأفراد للتراث أو لمعطيات الغرب , فيحدث الاستقطاب في أحيان كثيرة دون قناعة كاملة , عين في الجنة وعين في النار , أدى ذلك إلى نشوء فئة تعبر عن "الطبقة الوسطي" الثقافية , معتزة بالتراث ومنهزمة أمام الغرب في الآن نفسه , وهذا هو منبع التمزق النفسي , والنفس البشرية تجيد لعبة الحل الوسط , خاصة عندما يهددها التمزق , وهكذا ظهرت فكرة (= حيلة ) الموضوعية كأساس للتعامل مع التراث أو مع الغرب , كتسوية معقولة بينهما . لكن كيف للموضوعية أن تكون حلا لأزمة الصراع النفسي بين التراث و الغرب ? أولا , ما هي الموضوعية ?
الموضوعية تعني صيانة الفكر من التلوث بالذاتية , الفكر الملوث بالذاتية هو الفكر الذي تعتنقه الذات ليس لأنه منطقي بل لأن الذات تعي نفسها من خلاله , دون اهتمام بمحتواه من الصواب و الخطأ , بالعربي : الذاتية في التفكير هي أن تجد النفس هواها في فكرة ما فتعتنقها , و الموضوعية هي النأي بالفكر عن هوى النفس . الموضوعية تدرك أن الذات المفكرة قد تدرك تعاطفها مع فكرة ما , وقد لا تدرك هذا التعاطف عندما يكون (محشورا) في اللاوعي , من أجل ذلك فالموضوعية تفتش عن أي علاقة بين الذات و أفكارها لتحول دون وقوع الكارثة .
ما الغاية من الموضوعية ? الغاية (المعلنة) من الموضوعية : ضمان نزاهة الفكر في رحلته إلى الحقيقة .
سننتقل بالموضوعية الآن إلى موضوع المشكلة الفلسفية الذي نناقشه , لقد ذكرت الاستقطاب كنتيجة لإثارة المشكلة , و التمزق النفسي المصاحب له , فكيف تكون الموضوعية حلا لهذا التمزق . الموضوعية _ في إطار الحديث عن التراث و الغرب _ هي أن نكف عن النظر إلى التراث بعين الغرب , و أن نكف عن النظر إلى الغرب بعين التراث , أن تتحرر الذات من أي علاقة نفسيه بالتراث و بالغرب , وتبدأ في النظر إليهما من نقطة ثالثة بعيدة عنهما , واعتبارهما موضوعات ماثلة أمام الذات وعلى مسافة معقولة بين هذه الموضوعات وبين الذات . لا تعصب للتراث أو للغرب ... لا حب.. لا كراهية.. لا تعاطف .. التعامل ببرود جراح بريطاني مع الأفكار سواء كانت تراثية أو غربية .
في رحاب الموضوعية قد تسمع إحدى العبارات الآتية : " علينا أن لا نتجاهل التراث وفي نفس الوقت علينا أن نأخذ ما يناسبنا منه ... لا بد من المرور على التراث ولا بد أيضا من تجاوزه ....التراث له مضمون حداثي ... الإسلام دين علماني ...روح الحداثة تؤدي إلى التراث ...الحكمة ضالة المؤمن ولو كانت في الغرب ...القراءة الحداثية للقرآن ... يجب أن نفصل بين بشرية التجربة السلفية و قدسية النص ... يجب أن نفصل بين إنسانية التجربة الأوربية ووضعيتهم كخصم حضاري ...علينا الحفاظ على الهوية دون الغياب عن العصر ...يجب علينا ... المفروض أن ...الخ " . الموضوعيون يبشروننا بأننا _ تحت لواء الموضوعية _ سنكون خليط من أجود الأنواع , ماضي عريق و حاضر يلمع تحت ضوء الشمس .
لا أدري هل من المفيد تتبع أشكال الموضوعية في الواقع الفكري , لكن أعتقد أنه من المفيد الإشارة إلى أحد أشكلها , و الذي عرف "بالتيار الإسلامي المستنير" , تمييزا له عن " طيور الظلام" الذين لا يفقهون _لحظهم العاثر_ ما الموضوع و ما الموضوعية .
فما الموقف من الموضوعية , خاصة عندما تتمثل في شكلها الإسلامي ?
الحقيقة أن الموقف من الموضوعية معقد إلى حد ما , هو معقد لأنه لا يتأسس على تقييم للأفكار من حيث الصواب و الخطأ , محتوى فكر الموضوعيين هو غالبا نفس محتوى فكر (الفاناتيك) , الخلل في الموضوعية ليس خللا في الأفكار بل خللا في علاقة الفكر بالذات المفكرة . تحديدا : الموضوعيون وقعوا في خطأ الفصل بينهما , ( الموضوعية هي الخطأ الثاني المترتب على الفصل بين الذات و أفكارها , الخطأ الأول كان النظر إلى الفكر على أنه كائن مستقل و يكتمل تلقائيا مع الزمن وهو الأساس النظري لفكرة الحداثة أنظر المقالة رقم20 ) , أكدنا سابقا على أن الفكر لا يقترب من الحقيقة المطلقة بشكل آلي ألي أو تلقائي , بل هو خاضع للذات الإنسانية المفكرة ويدور في فلكها , و الآن نحن نؤكد أيضا على خضوع الفكر للذات المفكرة لسبب آخر هو نقض الموضوعية التي تفصل بينهما بدعوى ضمان نجاح الفكر في الوصول إلى الحقيقة المطلقة . ولماذا نوجه الفكر نحو الحقيقة المطلقة ? لأن الذات تسعى بطبيعتها للوصول إلى تلك الحقيقة . ومن هنا تتضح سخافة الموضوعية : بتر الفكر عن الذات المفكرة حتى يستطيع في يوم من الأيام العودة إلى الذات المفكرة بالحقيقة المطلقة , في الوقت الذي تهاجم فيه الموضوعية الشعور بمطلقية أي فكرة ! الموضوعية تقدم لك النصيحة : ( لا تتعصب لأي فكرة حتى يستطيع الفكر الوصول إلى الحقيقة بعيدا عن تدخلاتك , وحين يصل هذا الفكر إلى الحقيقة لا تتعصب لها أيضا فربما تكون ليست هي الحقيقة , من الأفضل لك أن تموت دون أن تشعر تتعاطف مع أي فكرة على الإطلاق )!. الموضوعية تدفن الأفكار حية , تبقي على الأفكار لكن معطلة عن وظيفتها , الفكر ليس كائن مستقل بذاته , لا ينفصل أبدا عن الإنسان المفكر أو الذات المفكرة , معنى أن الذات تفكر هو أن الذات تستخدم الفكر لنفسها .. توظفه من أجلها .. الوظيفة التي يقوم بها الفكر للذات هي خلق امتداد لها في الخارج أعني بكلمة الخارج : الأشياء (= العالم ) , الذات تبحث عن الوحدة و الفكر هو توحيد للأشياء ومن ثم فالذات تستخدمه لخلق تلاؤم بينها و بين الأشياء , الموضوعية مشكلة وليست حل لأنها تحول بين الذات و أفكارها .
الموضوعية في التعامل مع التراث _ وهذا هو بيت القصيد _ ينقصها التعالي على الآخر , إحدى الوظائف غير المباشرة للفكر هي التعالي على الآخر , فإذا تخلينا عن التعالي على الآخر بدعوى نزاهة الفكر نكون قد فعلنا فعل الطبيب الذي ضحى بالجنين و أمه ( عشان الأب يعيش ).
وبالإضافة لكون الموضوعية سخيفة من حيث مبررها , فهي غير مناسبة للعقل العربي (= الإسلامي ) بالنظر لسياقها التاريخي المرتبط بالغرب المعتوه , الموضوعية صيغت أساسا كحل لمشكلة العته الغربي الذي تمثل في الحروب الدينية في عصوره غير البعيدة (موقف الغرب من الفكر هو امتداد لموقفه من الدين) , الفكر بالنسبة للذات الغربية لم يعد وسيلة ناجحة _ كما هو مفترض له _ لخلق امتداد للذات الغربية في العالم , بل كان سببا في انشطار هذه الذات بشكل مثير للشفقة , فكانت الموضوعية حل بالنسبة له . الموضوعية بين التراث و الغرب في البلاد العربية أيضا ليس موقف نظري أصيل بل هو حل طارئ لمشكلة الصراع النفسي الذي تحدثت عنه في بداية المقال , في الحقيقة هي ليست حلا بقدر ما هي مسكن لآلام الصراع , ولن تستطيع الموضوعية أن تكتسب مشروعيتها من خلال قدرتها على تسكين الصراع و إلا فأحلام اليقظة لها نفس الفاعلية , الحقيقة ليست دائما هي الشيء المريح للأعصاب . الغرب لجأ لخزعبلات ( الحرية هي حق الخطأ ) لأن الفكر كان سببا في انشطار ذاته كما ذكرت في الوقت الذي افتقد فيه الوحي , ولم يبعث فيه محمد , ربما لأن الله يعلم أن العقلية الغربية غير جديرة بهذا الرجل , فماذا كان الحل الأمثل عند الغرب ? علاج الزكام بقطع الأنف , لا لحرق الأعصاب من أجل أي فكرة .. لا لليقين .. لا للمطلق.
الموضوعية في التعامل مع التراث بالإضافة لكونها سخيفة ومتناقضة من حيث مبررها ( التضحية يالذات من أجل الحقيقة التي نبحث عنها من أجل الذات ), و بالإضافة لكونها مبررة فقط في سياقها الغربي (الأفكار سببت لنا مشاكل , لنحولها إذا لموضوع هامشي وليست قضية مصير ) , فهي أيضا مستحيلة من حيث إمكانية حدوثها . ففي الوقت الذي تتخارج فيه الذات عن الفكر _ أي تنظر إليه بعين باردة سواء كانت نظرة رفض أم قبول , أي تمتنع عن التعصب له بحيث لا يفسد الاختلاف فيه للود قضية _ في هذه اللحظة , الذات لا تتخارج عن الفكر بل تتخارج من فكرة ما لتنظر إليها من خلال فكرة أخرى , إذا ليس هناك تفكير موضوعي , في لحظة ما لابد أن تتعصب الذات لفكرة و تعتبرها مطلقة لا يجوز نقاشها , حتى لو كانت هذه الذات ضد الأفكار المطلقة , " التعصب ضد المتعصبين" يعكس حقيقة هامة : ليس هناك لا_تعصب , المشكلة فقط في التوقيت التي تظهر فيه الذات سخريتها من الموضوعية , إحدى هذه اللحظات النموذجية هي موقف الإتحاد الأوروبي من انضمام تركيا ( الأوروبية جغرافيا ) إليه . أيضا فالنظرية السياسية الغربية لم تستطع صياغة فروق جوهرية بين فكرة القومية و فكرة العنصرية , الغرب كله عنصري لأنه يتبنى القومية , وليس هناك فرق بين القومية و العنصرية .
سنوضح الأمر بشكل آخر .. هل يمكن تخيل ذات موضوعية إزاء فكرة وجودها ? , هذا ما قصدته بالضبط , عملية إحياء التراث ليست نتيجة لنجاح التراث في اختبار النقد ( الفكري ) له , إحياء التراث و الالتحام به ضرورة قبل البدء في التفكير .
ليس هناك بين قولنا أن الموضوعية غربية السياق أو أنها حل لأزمة الصراع وبين قولنا أنه لا وجود لها على الإطلاق , القول الأول صادق على مستوى خداع النفس أو خداع الآخر , من أجل ذلك قلنا في بداية الحوار أن الغاية "المعلنة" للموضوعية هي " ضمان نزاهة الفكر في رحلته إلى الحقيقة ", أما القول الآخر الذي يتضمن عدم وجود الموضوعية أصلا فهو صادق كذلك بالنظر إلى الواقع الفعلي .
ولكن إذا كنا نرفض الموضوعية في التعامل مع التراث لأجل جانبها السلبي , أي : بتر الذات المفكرة عن أفكارها أي عدم التعاطف مع الأفكار , فهل نضحي بجانبها الإيجابي , أي : صيانة الفكر عن عبث الأهواء ? الحقيقية أننا لن نضحي بالجانب الإيجابي من الموضوعية بل سنستبدله بآليه أخرى , لسنا مضطرين إلى التخارج عن التراث من أجل نقده بموضوعية , لسبب بسيط هو أن التراث نفسه يحمل آلية نقده ( أقصد بالتراث هنا التفاعل البشري مع الوحي وليس الوحي ذاته ) آلية نقد الذات عند السلف لم تكن معطلة , الوحي ( وليس بتر الذات عن الفكر ) هو معيار ووسيلة صيانه الأفكار عن عبث الأهواء , يمكن مراجعة (تنقية المشكلة الفلسفية (12) و الذي تحدثت فيه عن الوحي كمعيار لنزاهة الأفكار وكبديل للموضوعية.
| 9 - أبريل - 2006 | لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ? |  | تابع تنقية المشكلة الفلسفية 33 كن أول من يقيّم
".... لكن يا أخ يحيي ألا يؤدي إحياء التراث إلى الانغلاق على الذات ? والانغلاق على الذات يؤدي في النهاية إلى مرض ( الإِسْتِبِِِِِحْسِْ ) ?" ...ما هو مرض الإِسْتِبِحْسْ ? ... لا أدري لكنه شيء سيء على أي حال ... من هذا الذي يتساءل ?... لا أعلم لكن من المؤكد أن شخصا ما يتساءل ... ما هي إجابة السؤال ?... لا أعرف . لكن من الممكن أن نصل إلى نتيجة في نهاية المقال .
فكرة "الانفتاح على الآخر" كوسيلة لتجنب مرض (الإِسْتِبِحْسْ) هي الأخت التوأم لفكرة "الموضوعية" , كلا منهما لا يتعرض لمحتوى الفكر , بل يعبث في علاقة الفكر بالذات المفكرة . "الموضوعية" تبتر الفكر عن الذات , النتيجة هي عدم التعاطف مع الأفكار, و "الانفتاح على الآخر" هي طمس للذات المفكرة من الأساس , قبول الآخر أيا كانت أفكاره . تجاهل الذات من حيث هي أفكار مشحونة وجدانيا .
مصطلح "الانفتاح على الآخر " أو نقيضه "الانغلاق على الذات" نموذجان لظاهرة عبث المصطلحات بالأفكار , ونعني بهذه الظاهرة : الانسياق وراء الفكرة لا لشيء إلا لأن المصطلح المعبر عنها يحمل دلالة نفسية إيجابية . وذلك بدلا من الوضع الأمثل , حيث الأفكار هي التي تصوغ المصطلحات . معنى ذلك أنني أزعم أن الموضوعيون يفرون من فكرة "الانغلاق على الذات" فرارهم من المجزوم دون تحليل لمحتوى المصطلح . كيف ذلك ? نحن نعلم أن "الشعور بالذات" شيء جميل , لكن سيشعر بالارتباك من يتصدي للتمييز النظري بين "الشعور" بالذات و بين "الانغلاق" على الذات , معنى ذلك أننا نفر من مصطلح ونحكم على مصطلح آخر بأنه جميل دون أن نستطيع التمييز بينهما .... كارثة !
لكن ربما أكون قد تسرعت في حكمي بعدم أمكان التمييز بينهما , ربما لا يعكس هذا الحكم سوى جهلي بالفرق , وهذه هي فائدة الدردشة الفلسفية , اختبار الأحكام , علينا إذا اختبار هذا الحكم أو تلك القضية الغريبة و المركبة :
- أي ذات .. منغلقة على نفسها .. وتسعى لمزيد من الانغلاق.
- المتعصبين الإسلاميين ( الفاناتيك ) منغلقين على نفسهم بشكل سوي .
- الموضوعيين منغلقين على نفسهم بشكل غير سوي .
-المدهش في الموضوع أن موضوع انفتاح الذات على الآخر أو انغلاقها على نفسها محسوم من البداية , ليس لنا اختيار في هذا الشأن , إننا عندما نتحدث عن الذات فنحن نتحدث عن تلك النقطة التي لا تأبه لاختيارات العقل وقراراته بل تسخر تلك القرارات لها .
الحديث عن انغلاق الذات على نفسها كأمر واقع و كهدف للذات له منطلقان : أحدهما سمج و الآخر أكثر سماجة , لن ننطلق من المنطلق الأكثر سماجة لأنه أكثر سماجة , لماذا هو أكثر سماجة ? لأنه مُمِلّ ويدور حول " تشريح النفس الإنسانية , و الحديث عن البداية الجنينية لها , و التي تتميز بالانغلاق التام لدرجة عدم الوعي بأي شيء , و الحديث عن السلوك الإنساني من المهد إلى اللحد , و إدراك طبيعته العامة من حيث هو محاولة مستميتة من الذات للعودة إلى المرحلة الجنينية مرة أخرى , وهي حالة السعادة , أي عدم التفكير في شيء آخر , أو انتظار شيء آخر , أي مجرد التلذذ و الشعور بالخلود " هذا الحديث "الأكثر سماجة" مُمِل أيضا لأنه يتضمن أن "العلاقة بالموضوعات ( الموضوعية ) ليست على الحقيقة موضوعية , العلاقة بالموضوع ليست نزيهة كما نتصور, إنها تتأرجح بين كونها صورة مقنعة من صور العلاقة بالذات أو محاولة لإستدماج هذا الموضوع لتفقده الذات استقلاله عنها و يصبح جزء من الذات , فتصبح الذات منغلقة حتى في العلاقة به أي تنغلق عليه " هذا التنظير "الأكثر سماجة" عن خرافية فكرة الموضوعية يتضمن نموذج بسيط تتضح به معالم السلوك الإنساني وخلوه من الموضوعية كما يفهمها البعض أي التحرر من عقد الولاء و البراء على أساس المعتقد , هذا هو مثال : "الجنين و الملك المتسلط" وأوجه الشبه الكثيرة و الجوهرية بينهما , الحنينية هي البداية المشتركة لجميع أفراد الإنسانية وهي كما ذكرنا نموذج للانغلاق على الذات و الاستغراق في اللذة , و التسلط (بصورته الفجة) كدافع إنساني مشترك
و الذي يتضمن نوع من الانغلاق على الذات . (حتى الرغبة في الخضوع تتضمن رغبة معكوسة في التسلط)
سنقتصر إذا على الطريقة السمجة وهي تدور حول التفتيش في الواقع الإنساني على أي أثر للموضوعية أو أي تطبيق فعلي لشعار " أعطني حريتي " تجاه الأفكار , التفتيش في الواقع أسهل من التجريد النظري , ( لا تتعصب حتى لا تنغلق ذاتك على نفسها ) هذا هو ملخص الفكرة , و السؤال الآن : هل الآخر ( الغرب ) الذي هو العالم الحر , الذي ضرب أروع الأمثلة في الموضوعية و التخلص من آثار عصبية العصور الوسطي , هل هذا الآخر غير منغلق على ذاته ? هل أمريكا غير منغلقة على ذاتها ? الشعب الأمريكي هو أجهل شعب بمحيطه , ليس ذلك فقط بل هو يتجاهل عن عمد ذلك المحيط , ليس ذلك فقط بل هو عازم على عدم الخروج من حالة الجهل هذه , ويعتبرها إحدى معالم الشخصية الأمريكية , هل هذا انفتاح ? أمريكا لم تهتم بدراسة اللغة العربية إلا بعد أن أرغمت من قبل (الفاناتيك) على النزول للميدان و الكف عن غطرسة الاكتفاء بإصدار الأوامر من البرج العاجي . غالبية الشعب الأمريكي لم يكن يستطيع الإشارة إلى المنطقة العربية على الخريطة حتى فترة بسيطة . الإعلام الأمريكي يسمي نشرة الأخبار الخاصة بأمريكا " نشر أخبار العالم " , أي أن العالم هو أمريكا . ليس هناك خبر في الإعلام الأمريكي في أي منطقة في العالم إلا من حيث أن ذلك الخبر يخص أمريكا .هل هذا انفتاح ? هل يعرف الغرب عنا شيئا آخر سوى الزي الخليجي و الصحراء و الجمال , أرجو أن لا يتسرع أحد ويقول أن هذا خطؤنا نحن فلم نعرفهم بأنفسنا على الوجه الصحيح , أنا أتحدث عن (انفتاحهم) علينا , أي أبحث عن (الدافع المتوفر لديهم) من الناحية المبدئية ليعرفونا , بغض النظر عن مجهودنا في هذا الصدد , و لنتذكر أن معرفتي بكيفية تربية النعاج ليست معرفة بالآخر لأنني ما عرفت سوى سيء أمتلكه و أستفيد منه , هذا هو فقط طبيعة معرفة الغرب بنا . هل هذه المعرفة هي انفتاح ? العقل الغربي أيضا لا يعرف إلا العقل الغربي , العقل الغربي يبحث عن أي بداية لأي فكرة فقط في التراث اليوناني أو الروماني , فكرة البيعة هي أرقى أنواع نظريات العقد الاجتماعي , والأساس الشرعي للخلافة الإسلامية , كانت تمارس على نصف المعمورة ( وقت أن كانت معمورة ) , ولم يراها الغرب الأعمى إلا عندما جاءت له مشوهة على يد أبناؤه ( بتوع عصر النهضة ) ... قمة الانفتاح ! ( قد تأتي مناسبة للمقارنة بين فكرة البيعة و فكرة العقد الاجتماعي كما عرفها الغرب ). ... آسف ... نسيت أن أذكر شيئا من باب الأمانة , الغرب يستكشف أفكار الآخر أحيانا ليسرقها منه وينسبها له , وهذا ملف آخر سيتورط فيه كثير من الأسماء اللامعة , ولا مجال لفتحه الآن .
ننتقل بعملية البحث عن الموضوعية , من الغرب إلى البلاد العربية , هل العلمانيين العرب موضوعيين في علاقتهم مع الغرب ? هل هم موضوعيين في موقفهم من الإسلاميين ? سأتجاهل تقييم الموقف من الإسلاميين وأسأل : هل يمكن تسمية علاقة العلمانيين بالغرب انفتاح على الآخر أم هو انغلاق غير مباشر على الذات.
عدة ملاحظات ستساعدنا في تفسير قولنا أن علاقة العلمانيين بالغرب ليست انفتاح على الآخر بل هي احدي الصور المتطرفة و المقنعة للانغلاق على الذات , أولا : ظاهرة الانبهار بالغرب , يعتبرها البعض تحصيل حاصل لا خطر منه , و الحقيقة أن الانبهار يقتل الموضوعية بالضربة القاضية , الموضوعية تفترض عدم التعاطف مع أي وعاء حضاري للفكر , و النظر فقط إلى الأفكار , الانبهار نوع من التعاطف , النتيجة : العلاقة بالغرب غير موضوعية .
ولكن تحديدنا للعلاقة بالغرب بأنها( غير) موضوعية هو تحديد سلبي , لأنه يعتمد على( نفي) علاقة ما دون (إثبات) علاقة فعلية فما هي العلاقة الفعلية بين العلمانيين و الغرب ? أو ما معنى الانبهار? . الانبهار بل الغرب ليس انفتاح على الآخر بل هو إسقاط صورة الذات على الآخر المنغلق على ذاته , أي أن العلاقة بالغرب هي انغلاق مقنع على الذات , انغلاق يقوم فيه الغرب بدور صورة الذات , أي دور المرآه التي ينظر إليها ليست على أنها ليست شيء آخر بل هي وسيط بيني و بين صورتي أنا , أنا لا أنظر إليها بل أنظر إلى نفسي فيها , أما الشواهد المؤكدة لهذا فهي متعددة , تبدأ بكون الغرب ليس فقط وعاء فكري محايد ( كما تفترض الموضوعية ) بل هو( رمز ) , سقراط رمز الحكمة , جيفارا رمز الثورة , نيرون رمز الاستبداد .. الخ . شاهد آخر : هو حالة التشبث بالغرب دون الجرأة على تحديد أفكار غربية معينة كمبرر ( موضوعي ) لهذا التشبث . الموضوعية تفترض أن الغرب ليس شيئا آخر سوي مجرد وعاء لمجموعة من الأفكار قابلة للقبول أو الرفض , وفي حالة قبولها تقبل مجرد من مصدرها الحضاري , هل هذه هي علاقتنا بالغرب ?
ثانيا : وعلى الجانب المناقض, علاقة الموضوعيين بالتراث ليست موضوعية , الموضوعية تفترض الفصل بين (تراثية الأفكار) وبين( الأفكار) نفسها , كما تفترض الفصل بين (الأفكار) الغربية و (الحضارة) الغربية , وهذا يتضمن ضرورة تحديد الموقف من التراث على أساس دراسة مستفيضة لمحتواه , في حين أن العلاقة بالمحتوى التراثي منقطعة تقريبا , وبشكل مبدئي , بل إن هذا الانقطاع يُفاخَر به في أحيان كثيرة , كقرينة على الانفتاح , على خلاف ما تفترضه الموضوعية . ثم أين هي (الذات ) التي ستنفتح على الآخر , أليس من المفترض أسبقية (وجود) الذات على انفتاحها ?
ثالثا : الموضوعية تفترض أن الآخر الفكري لا يجب أن يكون مستغرقا في الغرب , ( الآخر ليس هو الغرب دائما), ما الذي نعرفه ( كموضوعيين ) عن الفكر الشرقي القديم ( الصيني و الهندي ) , هل معرفتنا به تضاهي معرفتنا بالتراث اليوناني الذي تعمقنا فيه لدرجة معرفتنا بمشكلات سقراط مع زوجته ! .
الملخص : الموضوعية مستحيلة , وهي حيلة من حيل الذات و أداة من أدواتها شأنها شأن الفكر . الهوية لا تقبل أن يكون بينها وبين المعاصرة واو العطف , وعبارة : "الجمع بين الهوية و المعاصرة" ليست أكثر من تناقض لفظي لأن كلمة هوية مستبعِدة لكل ما عداها . أيضا عبارة انفتاح الذات على الآخر تناقض لفظي لأنه في اللحظة التي تنفتح فيها الذات على هذا الآخر تفقد كونها "ذات" , الانغلاق متضمن في معنى الذاتية و الهوية.
الكيميائي سهيل : يسخر من التعالي على الآخر باعتبار أن فكرة التعالي لا تشتعل و لا تساعد على الاشتعال , في حين أن العالم كله مشتعل الآن ( فقط ) بسبب أن الفئة رقم (1) على مستوى العالم الإنساني , و التي هي التيار الإسلامي , قد تعالت على الغرب فعلا . ليس على مستوى الشعار بل على مستوى الممارسة , على أي حال , رغم أن مداخلتك هي من نوع المداخلات الصفرية , إلا أنها لا تخلو من فائدة بالنسبة لك , فسأعتبرها فرصة لأدربك على كيفية النقد , عليك أن تختار إحدى الدعاوى الآتية و تبرهن عليها :أن فكرة التعالي مستحيلة عمليا ... أو أنها ممكنه ولكنها غير مجدية من الناحية النفعية ... أو أنها ممكنة و مجدية ولكنها تفتقد للأساس الأخلاقي ... أو أنها مجدية كآلية للصراع بين الشرق و الغرب و لكنها تأتي على حساب الحقيقة ... أو أنها تخلو مما سبق لكنها تؤدي إلى مرض (الإِسْتِبِحْس ) . مع العلم بأن آلية التعالي مشتقة من (سورة آل عمران آية 139) و من ( سورة محمد آية 35) , كما أنها وردت في أدبيات الأستاذ سيد قطب بصيغة ( الاستعلاء ) , كوصف لواقع الفئة المؤمنة, وليس كابتكار مفهوم , .. هيا .. اختر و ابدأ الكتابة .
الأخ وحيد : مقالتي كانت " نقد للموضوعية " وكنت أتوقع " نقد لهذا النقد " ولكني لم أجد سوى طرح تقليدي للموضوعية . أمر آخر : أنا لم أتنكر لوجود دافع نفسي للجوء إلى التراث وقد سبق أن ذكرت أن السلوك العقلاني لا يخلو من رغبة , ولكنها رغبة قد عرفت مسارها السليم ولكني أتحفظ على تسمية هذا الدافع بالنرجسية لما له من دلالة مرضية , وقد يتسنى لي الحديث عن الفرق بين النرجسية و بين الانغلاق السوي على ألذات كما نفهمه و نفهمها , أمر ثالث : لم أتجاهل الوجه الإيجابي للموضوعية و الذي هو نزاهة الأفكار , لكني استبدلت آلية فصل الفكر عن الذات الموضوعية بآلية الوحي كمعيار خارجي , وذلك حسب ما وجدته في الدراسات السلفية .
الأخ زهير : خالص شكري لمجهودك , أما بالنسبة لاسمي فإنه موقف محرج و مضحك في الآن نفسه , أن يحاول شخص ما إثبات بنوته لشخص آخر , أنا لم أضطر إلى ذلك إلا بتأثير الغضب الذي أوقعني فيه ( شوشو ) بسبب قصيدتك بتاريخ (25 مارس) و التي ظننت فيها تجريحا , و أنا نادم على ذلك , لكن دفعا لتهمة الادعاء , فالإصدارات الحديثة لكتب الوالد هي إصدارات دار (... ) للنشر و التوزيع, و عليها الهواتف التي سأتشرف بسماع صوتك على أحدها لو ( هاتفتني) عليها , وربما تجده هو , ثم إنه أظن أنك كمشرف تستطيع الإطلاع على الإسم بالكامل للمشاركين , ثم إنه في بعض كتبه ستجد إحالة منه إلى كتاب لي بعنوان (....) , و أرجو أن تكون المرة الأخيرة التي تسأل فيها عن إحداثياتي الشخصية إذ ليس لها علاقة بالموضوع .
الأخ سعدي : يلمح بجريمة نقض العهد إذ وصفت إحدى مقالاتي بالأخيرة وكتبت بعدها مقالات أخرى , الحقيقة أنني رجل صاحب مبدأ , لا ألتزم بكلامي طالما فات عليه ثلاثة أيام , و إذا التزمت بكلمة لم يمض عليها ثلاثة أيام انتظرت حتى يمضي عليها ثلاثة أيام ثم لا ألتزم بها , و إذا التزمت بكلمة لم يمضي عليها ثلاثة أيام و أنا متعجل في عدم الإلتزام بها , اعتبر نفسي قلتها منذ أكثر من ثلاثة أيام و لا ألتزم بها .
| 17 - أبريل - 2006 | لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ? |  | المعاناة كن أول من يقيّم
كن أنت من تبحث عنه | 17 - أبريل - 2006 | اين هو الفكر الإسلامي المعاصر |  | إلى الاستاذ الدكتور وحيد كن أول من يقيّم
أحترم هذا الرجل بصدق ... ورغما عني ليس عن اختيار ... أرغمني على ذلك غزارة علمه رغم اختلاف الوجهة , ونبل أخلاقه رغم حدة الخصومة , وتواضعه لأبنائه رغم علو مقامه , وبراعته في قيادة الحوار رغم تشابك دروبه , وقدرته على استخراج الآراء مِن مَن بحضرته رغم تحفظه عليها .
وفي الوقت الذي تنتابني مشاعر التقدير و الاحترام له أجدني نافر من نفسي أشد النفور , إذ أنا غير متيقن هل اتسعت رحابة صدره لبعض ما صدر مني , أم أنه يتعين علي أن لا أحاور من يخالفني مرة أخرى قبل أن استشعر من نفسي بعض الأدب .
عزائي أن الاختلاف هو مخاض الاتفاق , وكم هو مؤلم هذا الاختلاف , استشعر تلك الآلام الآن و أنا أكتب ... يزلزلني ... تبا للحالة العربية الراهنة ... لقد استطاعت انتزع دمعة من عيني ....
سفرا موفقا و عودا محمودا ..... هذا ما أتمناه للدكتور وحيد .
| 22 - أبريل - 2006 | لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ? |  | الأخ زهير كن أول من يقيّم
الأخ العزيز .. الأستاذ زهير .
للمرة الثانية اشكرك على ما أتحفتني به من معاني , لا أجد نفسي معها إلا مغمورا بكل ألوان السعادة .
أهنئ من اختارك للإشراف على المجالس , فثقل الموقع لا يناسبه إلا رجاحة عقلك , ولا يسمو فوق حسن خلقك سوى حسن خلقك , وأيضا لما أتابع في المجالس من تطوير دائم , ما كان ليكون لولم يكن ورائه جهد واضح وحرص لا تنقصه الفطنة , كان آخر هذه الجهود ما أشرت إليه "بمشروع سراة الوراق" لما فيه من تتطويع للمادة العلمية للمشاركات أمام المتصفح العابر , وتوظيف لطاقة المتصفح الدائم لما فيه الخير للثقافة العامة , و تطعيم الموقع بشخصيات متميزة يحمل طابعها وتحمل طابعه .
أما و إن الإنسان قد جبل على الطمع في كل ما لا يستحق , أما و أني إنسان , فقد قبلت _متطفلا _ ما انتدبتني إليه , فلا يفوتني أن يجمعني مع الأستاذ وحيد و الأستاذ النويهي عمل مشترك ولو كان ضئيلا , فقليلوا الشأن يتطلعون إلى مصاحبة الكرام .
كما لا أنسى أن أتوجه بالشكر إلى ( الحاسوب ) الذي كان سببا في معرفتي بالأخ الكريم " فادي" .
ولك من قلبي ما تنطوي له المسافات .
| 14 - مايو - 2006 | إعلان عن مشروع سراة الوراق |  | تابع تنقية المشكلة الفلسفية 34     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
سعدت بالعودة إليكم , رغم أنها لا تستحق أن تكون بشرى أو شيء مفرح إلا من قبيل المجاملة التي تنم عن روح ودودة , من الأستاذ الفاضل/ نويهي و الأخت الكريمة/ ضياء ( أم آريان كما تحب) , و الأستاذ القدوة / وحيد , فخالص الشكر والامتنان لكم جميعا , أما صديقي العارف بالله/ محمد فادي فقد وصلتني رسالتك التي تعلن فيها عن رغبتك في الإنسحاب وتعرب فيها عن شعورك بالوحدة , وفي الواقع فأنا لست مفوضا في منحك الحق في قول ما تشاء , لأن مصدر الحقوق هو الله . وعند الله , حق القول هو قول الحق , لكن إن كان الله قد قدر ألا يقال الحق إلا إذا قيل خلافه فلتشارك بأي فكر مهما كان مخالفا للاعتقادات الشائعة , على أن تارعي بعض التكثيف والوضوح والتماسك في العرض وعلى أن تكون على علاقة بموضوع الملف الذي تشارك فيه , ولا نسمح لك بالانسحاب لأننا قد ألفناك , و ألفنا حاسوبك يا رجل .
كنت قد قرأت مقالة الأستاذ / حسن حنفي :" متى تموت و تحيا الفلسفة " منذ عامين تقريبا -- في مجلة عالم الفكر ,المجلد الخامس عشر , العدد الثالث— ثم أعدت قراءتها مرة أخرى بعد العرض الجيد للأخ وحيد لها , وكنت قد ذكرت الأستاذ حسن حنفي قبل ذلك بأنه متعاطف مع التراث و لا يرقى لمستوى الأصالة , و أنا عند قولي هذا , غير أني أزيد الأمر تفصيلا فبعد أن كنت أصفه وصفا عابرا , إذا به الآن هو الموضوع نفسه . سنتعرض لانطباعنا عنه ...وعن مقالته ...ثم عن الأساس الفلسفي الذي صدر عنه ...أما رؤيتنا الخاصة للأفكار التي طرحها ,خاصة تلك المتعلقة بعلاقة الفلسفة بالتاريخ و بالدين فستأتي خلال هذا التعليق .
. الدافع الملح لكتابات حسن حنفي هو : خلق وعي عربي مناهض للغرب , ورد الفكر الغربي إلى حدوده ,و الخروج من حالة كوننا موضوعا يدرسه الغرب إلى كون الغرب موضوعا ندرسه , هذا واضح في كتابه " مقدمة في علم الاستغراب " , و الحقيقة أننا لا نملك تجاه هذا الدافع النبيل إلا التقدير و الاحترام لحسن حنفي , ولكن طبيعة المرحلة التي نحن فيها تفرض علينا عدم الترهل أمام الأشخاص , و الترهل نعني به : أن يتحول المثقف عن علاقته بالفكر , إلى علاقة أقل عبئا على العقل هي علاقة بشخص المفكر نفسه , العلاقة الأولى تفرض نوعا من اليقظة و الحذر و كثير من الشعور بالمسؤولية , حالة اليقظة و الحذر تلك هي التي جعلتنا نتساءل عن مدى معقولية الاستغراب من منطلقات غربية ,أعني هنا : استغراب حسن حنفي من منطلق فينومينولوجية الشاب هوسرل , يبرر حسن حنفي ذلك بأن المنهج الظواهري هو منهج إنساني وليس غربي , بل " وكان متبعا من قبل في تراثنا القديم " (واحنا مانعرفش , أما إحنا وحشين صحيح) , ثم يقرر أن "الفلسفة أساسا منهج أو طريق وليست معرفة أو علما" , والحقيقة أن حنفي قد مارس وسيلتين مشهورتين لتغفيل العقل و تمرير الأفكار خلاله دون نقد , أولا: بإعلانه أن الظواهرية منهجا للتفكير وليست فكرا , ثانيا: بإعلانه أن هذا المنهج هو إنساني بطبيعته.
أولا: حين نتحدث عن الخلط بين المنهج و الفكر , لا بد أن نتذكر أن العقل متحفز بطبيعته تجاه (الأفكار) التي تعرض عليه , وهو يتوجس من أن تكون هذه الأفكار في وضع تعارض معه , عرض الأفكار كمنهج يخفف من حدة هذا التحفز , فالمنهج يبدو و كأنه محايد للأفكار , ولكن في الواقع , المنهج هو في ذاته فكرا ,ثم هو دائما مبرر لأفكار "سابقة عليه" قبل أن يكون وسيلة لتحصيل أفكار "لاحقة له" , , و حسن حنفي نفسه يعلم ذلك وقد تناقض مع نفسه (في مقالة واحدة) , هي مقالة "متى تموت ..." عندما تناول "ديكارت" و "كونت" و "هيجل" و"هوسرل" كمبدعي (منهج) , أي كعلامة من علامات حياة الفلسفة, لأن الفلسفة -- حسب حنفي-- هي منهج , فقال في سابعا: الفلسفة والمنهج : "ثم جاءت العصور الحديثة و أحدثت تغيرا كيفي في مسار الوعي الأوروبي و تحولا جذريا في حضارته التي أبدعها وذلك بوضعها المناهج الحديثة من أجل إعادة تأسيس العلوم فنشأت المناهج الثلاثة التي أصبحت تميز الحضارة الأوروبية و التي تعيد إحكام نفس المناهج التي صاغها القدماء . وضع ديكارت قواعد المنهج الاستنباطي من أجل الحصول على اليقين في العلوم .........كما وضع بيكون قواعد المنهج التجريبي اعتمادا على شهادة الحس و التجربة و ابتداء بالملاحظة و انتهاء بالقانون العلمي ........وقد حاول البعض مثل جون ستيوارت مل و غيره ضم المنهجين معا ي منهج استنباطي استقرائي من أجل صياغة منهج متكامل شامل ولكن نقصته الحياة التي لا يمكن تبخيرها في الصورة بالاستنباط أو رده إلى المادة بالاستقراء و هنا ظهر هوسرل وفلاسفة الحياة ( فلان و فلان ) ووضع قواعد المنهج الفينومينولوجي من أجل تحليل التجارب الحية و إدراك ماهيتها بالحدس في الشعور ........ هذا بالإضافة إلى المنهج الجدلي الذي وضعه هيجل من أجل الوصول إلى الحقيقة و الانتقال من الموضوع إلى نقيض الموضوع إلى مركب الموضوع......... و أصبح الفكر الأوروبي كله نتيجة طبيعية لاستخدام هذه المناهج وازدهرت الفلسفة بفضلها و أصبحت معظم التحولات الجذرية فيه نتيجة لاكتشافات منهجية .
وكان قبل ذلك في سادسا:الفلسفة والعقل: تناول اسمان من الأسماء الأربعة المذكورة , --والتي كان وجودها علامة من علامات حياة الفلسفة -- هما ديكارت و هيجل , في نفس المقالة , تناولهما باعتبارهما علامة من علامات موت الفلسفة وليس حياتها , لان حنفي يرى أن (منهجهما) كان يرتد إلى (أفكار) مسبقة تبرر حقائق دينية ,فقال: "ويشهد تاريخ الفكر البشري على موت الفلسفة إذا ما قام العقل بوظيفة التبرير و تخلى عن دوره في التحليل و النقد . فقد كانت الفلسفة في العصر الوسيط تستخدم العقل دفاعا عن العقيدة , ومن ثم خرجت فلسفات في الدين تقبل الخطيئة و الخلاص و التجسد و الفداء كحقائق مطلقة على العقل أن يفهمها .............بل إن العصور الوسطي كلها و القرن السابع عشر خاصة الذي عرف باسم العقلانية كان العقل فيه مبررا للإيمان ولكن بصورة أفضل , وبذكاء أكبر , و بأسلوب أكثر إقناعا وبمنهج أوضح مما كان عليه العقل في العصر الوسيط . بل إن تأملات ديكارت مهداه إلى علماء أصول الدين الهدف منها البرهنة على صحة عقائد الإيمان , (يحيي: لم يستخدم حسن حنفي كلمة (منهج) ديكارت مع أن ديكارت له منهج وليس (تأملات) مثل باسكال , لاحظ أن منهج ديكارت -- الذي هو علامة من علامات حياة الفلسفة في سابعا-- هو المعطى من ديكارت للكنيسة وليس تأملاته ) تابع اللون الأزرق......ويظهر التبرير بصورة واضحة عند هيجل حين تحولت المسيحية إلى فلسفة و التثليث إلى جدل و الله إلى تاريخ" الجدل الذي هو(منهج) هيجل و الذي سيتحول في سابعا إلى علامة من علامات حياة الفلسفة باعتباره ( منهج) ,هذا الجدل نفسه هو الآن موت للفلسفة في سادسا باعتباره ( أفكار) مسبقة تبرر حقائق دينية , و إذا كانت الحكمة القديمة تقول "ما بين غمضة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال " فإن هذه الحكمة قد تحولت عند حسن حنفي إلى " ما بين سادسا و سابعا يغير الله من حال إلى حال".
ثانيا : وكما أننا سئمنا من الخلط بين الفكر و المنهج , فإننا أيضا لا نأبه لمقولة أن هذا المنهج أو غيره هو منهج إنساني عام , بل نعتبرها نوع من الحجر على العقل , وفرض الفينومينولوجية على الطبيعة الإنسانية , أي القول بأن الإنسان فينومينولوجي بطبعه , يشبه فرض سارتر للوجودية على الطبيعة الإنسانية , حين قال أن "الوجودية مذهب إنساني" , و أن الوجودية ليست دعوة بل تقرير واقع , أي أن الإنسان وجودي رغم أنفه , ويشبه فرض وليم جيمس للبراجماتية على الطبيعة الإنسانية , حين قال أن : الإنسان منتفع بطبيعته , أي براجماتي رغم أنفه , وقديما قال هيجل إن حركة الفلسفة في التاريخ هي حركة جدلية رغم أنف الفلاسفة , وهكذا حتى باتت الإنسانية محتارة في أمر نفسها .
. الحقيقة أن دعوى استقلال حسن حنفي عن الغرب ليست في الواقع إلا نوع آخر من محاكاة الغرب , نوع أكثر دهاء و مكرا , فهذا النوع يجد تبريره في ماهية الفلسفة نفسها , فالفلسفة حسب حسن حنفي حقيقة واحدة تكرر نفسها في كل أمة في ظروف متشابهة يقول في عاشرا: خاتمة: "لما كانت الفلسفة ليست معطى مسبق أو هبة طبيعية للشعوب و عبقرية تتميز بها أمة عن غيرها , بل كانت جزئا من حركة التاريخ و حياة الأمم , تموت بموتها وتحيا بحياتها ارتبطت بالوعي الفردي و الاجتماعي و التاريخي في كل أمة , فالوعي الفردي وأن كان يعبر أيضا عن حركة التاريخ إلا أن له استقلاله و حريته و قدرته على تجاوز المرحلة و ........فبالتحليل الموضوعي لحركة الوعي في التاريخ تحيا الفلسفة" . ثم يسقط هذا التحليل الموضوعي لحركة الوعي في التاريخ على الحالة العربية فيقول : وهو بالنسبة لنا الآن ذو ثلاث شعب :-
1- الموقف من التراث القديم . وذلك لأن التراث ما زال هو المصدر الأول لفكرنا الفلسفي نجتره ( لاحظ أن كلمة الاجترار لا تطلق إلا على علاقة العربي بتراثه , أما علاقة الأوروبي بتراثه فيطلق عليها نهضة كما سنرى ) تابع اللون الأزرق ... نجتره , أو نعيد بنائه طبقا لحاجات العصر فكل تعامل مع التراث لأخذ موقف منه هو فلسفة , كما كان الحال في عصر النهضة الأوروبي ( يشير إلى أن فترة عصر النهضة كانت عبارة عن جسر جوي يمتد من أوروبا عصر النهضة إلى أوروبا اليونان مباشرة دون المرور على فترة العصور الوسطي) تابع اللون الأزرق... قبل أن يتحرر الوعي الأوروبي من أسر القديم ويتوجه نحو الجديد .......الخ
2- الموقف من التراث الغربي ...........
3- الموقف من الواقع ...................
الشاهد من الكلام هو الشعبة الأولى و ملخصها أن حنفي يتتبع الفلسفة في التاريخ , و تاريخ الفلسفة يعيد نفسه في كل أمة على نفس المنوال , لأن الفلسفة ليست معطى مسبق أو هبة طبيعية للشعوب و عبقرية تتميز بها أمة عن غيرها , بل كانت جزئا من حركة التاريخ و حياة الأمم , ولما كان تاريخ الفلسفة يعيد نفسه بطريقة رتيبة , فإننا لا بد أن نعتبر أن علاقتنا بتراثنا في الفترة الحالية هي تكرار لعلاقة الغرب بتراثه في عصر النهضة , و تحررنا من التراث بعد ذلك هو تكرار متوقع لتحرر الغرب من تراثه في العصر الحديث , وعلى المفكرين ألا يكونوا ( و العياذ بالله و لا سمح الله و بعد الشر ) معدومي الوعي بحركة الفلسفة في التاريخ , لا بد أن نتجه نحو التراث , كما كان الحال في عصر النهضة الأوروبي , ثم بعد ذلك لا بد أن نتحرر منه كما كان الحال في عصر النهضة الأوروبي أيضا , مع ملاحظة أن هناك فرق في مسمى حركة العودة إلى التراث في كل من الحضارتين , فهي عندنا اسمها اجترار و عندهم اسمها نهضة ( لا يا عم حنفي مش عاوزين الاستغراب بتاعك ده ).
ولكن لم اعتبرنا أن موقف حنفي في استغرابه هو محاكاة ماكرة و مقنَّعة للغرب , لم لا يكون قد وصل إلى هذه الفكرة بشكل تلقائي عبر مفهوم الفلسفة وحركتها في التاريخ دون أن نظلمه بقولنا : أن النية مبيتة عنده للمحاكاة , و الحق أن الذي جعلنا ندعي ذلك هو أنه قد حاد "قيد أنملة" عن الفينومينولوجية نفسها , في تحليله للعلاقة بين الفلسفة و التاريخ و التي استنتج منها أن موقفنا الحالي من التراث يشبه موقف عصر النهضة منه , إذا فقد حاد عنها لغرض ما , وابن المقفع يقول على لسان بيدبا الفيلسوف : "لأمر ما باعت المرأة سمسما مقشورا بآخر غير مقشور" , فكيف كان ذلك ? لا بد لنا نعرف أصل العلاقة بين الفلسفة و التاريخ من منظور فينومينولوجي , قبل أن نكشف عن "قيد الأنملة" , وقبل ذلك لا بد أن نعرف ما هي الفينومينولوجية ?
| 1 - يوليو - 2006 | لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ? |  | تابع تنقية المشكلة الفلسفية 35     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
تقول الأسطورة: أن زوجة القسيس المتبتل , لما استبد بها الضجر , وانعدم فيها الصبر , عمدت إلى سرير الزوجية , وعلقت عليه شعار " الإسلام هو الحل" . و الحقيقة أننا لن نفهم الفينومينولوجية , التي صدر عنها الأستاذ حسن حنفي , بل ولن نفهم الفكر الغربي المعاصر , إلا بعد أن نفهم تلك الواقعة . تصرف الزوجة هنا تصرفا اضطراريا , لا يعبر عن قناعة داخلية , بل هو حل أزمة ألحت عليها حتى لم تعد ترى غيرها , وحين استغرقت تلك الأزمة كل تفكيرها أوقعها الحل في التناقض , لأن الحل كان حلا للأزمة بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى .
الفينومينولوجية هي إحدى اللحظات التي يعبر فيها الغرب عن وقوعه في أزمة , فمنذ عصر النهضة و العقل الغربي قد وجد يقينه في علمي: الرياضة والفيزياء , بعد أن استبدلهما بمنطق أرسطو البالغ العقم , فمنطقة نفوذه لا تتجاوز القضايا و العلاقات بينها , وليس الأشياء و العلاقات بينها , وظلت الأمور هادئة على هذا النحو , الفلسفة تأسست على العقل و العقل تأسس على العلم , وتحديدا على علمي الطبيعة و الرياضة , إلى أن بدأت الأزمة . أزمة انهيار أساس العقل الغربي , علم الرياضيات و علم الطبيعة.
الحقيقة أنني لست على دراية كاملة بفلسفة الرياضيات , ولم أتعود الحديث في شيء لا أفهمه , غير أني سأستعير -- مؤقتا إلى أن أفهم بنفسي قريبا – إجماع مؤرخو فلسفة الرياضيات على حدوث أزمة في علم الرياضيات في نهاية القرن التاسع عشر , تمثلت في "أمكانية وجود استنتاجات متناقضة تبدأ من مسلمات واضحة , رغم أن البراهين المستخدمة في الاستنتاج براهين سليمة" , هناك اتفاق بين مؤرخو الفلسفة العامة , على أن هذه الأزمة الرياضية قد أفقدت الفلسفة الغربية ركنا أساسيا كانت تعتمد عليه منذ ديكارت .
وبشكل متزامن مع اختفاء اليقين في الرياضة , وفقدان صلاحيتها كأساس للعقل , انهار علم الطبيعة كمصدر لليقين الفلسفي , علم الطبيعة كان مؤسسا على مفهوم للمادة , وكانت المادة حسب هذا المفهوم بسيطة جدا ولا ترتد إلى شيء أبسط منها , بحيث أصبحت وكأنها ترادف معنى الهيولى في الفلسفة القديمة , وكانت الفلسفة الغربية ترى في مفهوم المادة بعدا فلسفيا بهذا المعنى , ارتداد الظواهر إلى المادة ليس سوى ارتداد الصورة إلى الهيولى , فالمادة هي المبدأ البسيط الذي تنشده الفلسفة منذ وجدت , أما النفس فقد تكفلت النظريات النفسية بردها إلى الجسم , واستقر الأمر على هذا النحو , إلى أن تهاوى مفهوم علم الطبيعة عن المادة , فهي ليست مبدأ بسيطا بل هي شديدة التعقيد على نحو لم يكن متصورا , وقوانين المادة نفسها غير معروفة , وحركة الجزيئات غير متوقعة , و النتيجة المترتبة على ذلك أن الرد المتتالي و المتصاعد للقوانين العلمية إلى المادة , هذا الرد سيتوقف عاجلا أم آجلا , عند نقطة معينة , مما اضطر مؤرخو العلوم الطبيعية إلى القول بأن قوانين الطبيعة ليست حتمية بل فقط " مفيدة" , ولا تصلح أن تكون أساسا ترتد إليه الظواهر في النهاية , على الفلسفة إذا أن تبحث عن هيولى آخر غير المادة لأن موضوع المادة " مغلق للتحسينات ".
تمثلت الأزمة إذن في انهيار فكرة الحتمية في قوانين الطبيعة , وانهيار اليقين الرياضي , وبالتالي , انهار أساس العقل الغربي . ( لتتبع مسار العقل الغربي عبر أزمتي الرياضة و الفيزياء يمكن الرجوع إلى كتابي : "حكمة الغرب".. راسل , "الفلسفة المعاصرة في أوروبا"....بوشنسكي )
لقد كان لهذه الأزمة أثر الصدمة على الغرب , فتفرق كل منهم في طريقة , منهم من دخل مستشفى المجانين (حقيقة وليست مزاحا) , وقال :" أنا لا أؤمن بإله لا يرقص" , و "أريد أن أكون ثعلب وأسد وخنزير وحية " طبعا كلنا نعرفه , ابن المجنونة (نيتشة) , ومنهم من أخذ يتعاطى الأمفيتامينات (حقيقة وليست مزاحا) , وطبق الدليل الأنطولوجي على وجود الله على الإنسان , مع بعض التعديل , وقال إن وجود الإنسان سابق على ماهيته , أما ماهيته فهي العدم في النهاية (سارتر), ومنهم من قرر أن العالم غير قابل للفهم ,لأن العالم هو صيرورة الحياة في المادة , و الحياة هي الألوهية و الألوهية فوق العقل . المهم أنهم اتفقوا جميعا على التنكر للعقل, أو على الأقل تجريده من رتبته , واستدعاء الوجدان , كل على طريقته.
النتيجة هي أن الفينومينولوجية , شأنها شأن الفكر الغربي المعاصر ,لا تعبر عن التطور الطبيعي لحركة العقل الحرة في التاريخ , هي حلا لأزمة مفاجئة لم تكن متوقعة , هي ليست تعبيرا عن حركة نمو طبيعي للفكر , حاول "حنفي" إيجاد وجه صلة بين الشاب "ديكارت" والشاب "هوسرل" و أن الأخير تطور طبيعي للأول , فقام بعقد صلة بين الشك عند "ديكارت" , ووضع العالم بين قوسين عند "هوسرل" , ولكنه ربط متعسف , "ديكارت" عقلي رياضي استدلالي , و"هوسرل" لا يؤمن بفعل العقل بل بقصدية الوعي (الوجدان) , ولما كان لا يؤمن بفعل العقل كان لا يؤمن بالاستدلال باعتبار أن الاستدلال هو فعل العقل , وهو يقرر أن دور الفيلسوف هو "مقاومة الميل الطبيعي نحو الاستدلال, والاستغراق في الوصف", أما العلاقة بين الشك ووضع العالم بين قوسين فهي تحصيل حاصل , أي فكر يبحث لنفسه عن آلية منهجية لاستبعاد أي فكر آخر, وقد كانت هذه الآلية عند "ديكارت" هي : الشك , وعند "هوسرل" : الاختزال الفينومينولوجي, أو وضع العالم بين قوسين.
و الذي نريد قوله من التأكيد على الملابسات الغربية للفينومينولوجية , هي أنها حلا لمشكلة لا تخصنا نحن , وخروجا من أزمة لم ندخلها نحن , لكن .. أليست أزمة الطبيعة والرياضة أزمة "تشرنوبلية" الطابع , وهي في انفجارها لا تميز بين عقل إسلامي و عقل غربي ? لم نعرض أزمة الرياضة و كأنها مشكلة بين بريطانيا والجيش الأيرلندي , أليست الرياضة موضوعا إنسانيا? هل العقل الإسلامي سلبي تجاه مشكلات العقل الغربي , أليست هذه هي الطبيعة التي تقول إن العقل الإسلامي صاحب الحق الشرعي في تفسيرها? , ما بال صاحب الحق الشرعي يتنكر للطبيعة بعد أن فقدت حتميتها ? الحقيقة أن العقل الإسلامي لم يتنكر أبدا للطبيعة أو للعقل , ولن نتنكر للعقل لمجرد أن الغرب قد تنكر له , فنحن لم نكن نؤمن بالعقل لأن الغرب كان يؤمن به , بل لأنه شرط صلاحية الإنسان للخطاب الإلهي عبر الخلق, أي عبر العالم .أما موقف العقل الإسلامي من الطبيعة فتتلخص في أن الطبيعة ليست مصدرا لليقين بل موضوعا لليقين, وأقترح أن يكون لهذا مكان آخر سنأتي إليه قريبا إن شاء الله, ولكن بعد الانتهاء من الفينومينولوجية نفسها, و الكشف عن "قيد الأنملة" التي تخص الأستاذ حنفي. | 2 - يوليو - 2006 | لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ? |  | تابع تنقية المشكلة الفلسفية 36     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
يصاب الإنسان بالإغماء حين يواجهه موقفا مفاجئا بالغ الوقع على نفسه , و الإغماء هو فقدان الوعي و توقف العقل عن الحركة , و ظاهرة الإغماء بسيطة و يعرفها كل منا , غير أن لها دلالة عميقة , قد تساعدنا على مزيد من الفهم لظاهرة الوعي , هذه الدلالة العميقة التي يمكن استخلاصها و لا يمكن تجاهلها هي: أن الوعي سلبي بالنسبة لوجوده , أي أنه لا يوجد نفسه , بل يوجده شيء آخر , معنى ذلك أن هناك قوة مجهولة في الإنسان تتحكم في وعيه , وجودا وعدما , لنطلق عليها مؤقتا اسم (العنصرX ) , هذا التحكم ليس عشوائيا , ليس مجرد تحكم , إنه استخدام رشيد لتلك القوة , لأن ظاهرة الإغماء ليست عشوائية .
,. و القول بأن الإنسان "يستعيد وعيه" , هو قول متناقض لو لم نستحضر فكرة (العنصر X) الكامن خلف الوعي و المسخِّر له , و إلا فكيف يتم استعادة الوعي نفسه إلا بشيء آخر مغاير للوعي هو (العنصر X) , إذاً (فالعنصرX ) سابق في وجوده على الوعي , وهو يوجد الوعي أو يسلبه وجوده تبعا لرغبته أو لمنطقه الخاص .
سارتر حريص على جعل الوعي بداية مطلقة شأنه في ذلك شأن هوسلر( و العلاقة بين الوجودية و الفينومينولوجية هي علاقة الفتاة بخالتها ) , ففي كتابه "نظرية في الانفعالات" , يفسر الإغماء , ليس بأنه نفي شيء ما للوعي بل بنفي الوعي لنفسه كحل سحري لنفي الموضوع المخيف الذي هو سبب الإغماء , و إذ يتهرب سارتر من التسليم بفكرة أن (العنصرX) هو الذي يسلب الوعي وجوده ويسلم بفكرة أن الوعي ينفي نفسه , فلا بد له من القول بفكرة أن الوعي علة ومعلول في الوقت نفسه , وهو بذلك يقع في التناقض , لأنه في نفس الكتاب و في سياق نقضه لمقولة اللاوعي , اعترض على فرويد قائلا بأنه : إن التسليم بأن الأنا تكبت الرغبة في اللاوعي , و التسليم في الوقت ذاته بأن الأنا هو بناء من الرغبات ,يجعل من الأنا علة و معلول في الوقت ذاته , فهي رغبة و هي كابتة للرغبة و هذا ما لا نسلم به , ثم ها هو يسلم بفكرة أن الوعي ينفي نفسه , أي أنه علة ومعلول في الوقت نفسه .
ظاهرة أخرى بسيطة , وبمقدور أي منا ملاحظتها و تجريبها على نفسه , ولها نفس دلالة ظاهرة الإغماء . أقل صور الفكر تماسكا هي تلك الصورة التي يظهر فيها الفكر كنوع من الخواطر المتواردة على الوعي باستمرار غير منقطع , و الظاهرة التي أقصدها هي: أن الوعي لا يستطيع منع هذه الخواطر عن تواردها على الذهن منعا باتا , كل ما يستطيع الوعي فعله هو جعلها أكثر ترابطا و تركيزا , وذلك حين يفكر الإنسان في موضوع ما , إذن فالوعي سلبي إزاء وجود الخواطر , الإنسان لا يستطيع أن يمر خلال لحظة ما دون أن تمر على خاطره فكرة ما , الوعي ليس سلبيا إزاء وجوده فقط بل سلبيا إزاء كونه مفكرا , الوعي مرغم على الفكر , ولا يستطيع أحد رفض فكرة سلبية الوعي إزاء عملية التفكير بدعوى أن الوعي هو الفكر , وذلك لأن الأفكار مستقلة عن الوعي , فهي قد تكون موضوعا للوعي ( حين ننتبه إلى الأفكار المتواردة على الذهن ) , وقد لا تكون موضوعا له ( حين نفكر بتلقائية ) , و النتيجة التي يمكن الوصول إليها هي : أن هناك شيء ما يرغم الوعي على التفكير, شيء يستخدم الوعي في الحصول على الأفكار . وهو ما أطلقنا عليه (العنصرX).
الظاهرة الثالثة بسيطة أيضا , ويتمنى أي منا بالطبع أن يجربها على نفسه , إنها ظاهرة انتفاء الوعي في الفعل الجنسي , ليبدأ الجسد في الحديث بلغته , ولغته هي اللذة , ولكن انتفاء الوعي لحساب الجسد لا يعني أن الجسد أكثر أصالة من الوعي , أو أنه هو (العنصرX) , كل ما في الأمر أن(العنصرX) قد استبدل الوعي بالجسد ليحقق وجوده , إنه يستخدم الجسد كما استخدم الوعي وهو كامن خلفهما , ولكن ما الذي يجعلنا نفترض وجود شيء آخر كامن خلف الجسد , لم لا نفترض ببساطة أن الجسد ( أو الرغبة ) هو البداية , و أن الوعي أداة من أدواتها كما فعلت النظريات المادية , الحقيقة أننا لو اعتبرنا أن الجسد هو البداية لوضعنا أنفسنا أمام مأزق كبير , لان غاية الجسد في الفعل الجنسي هو اللذة و هي الفردية في أقصى صورها , في حين أن الفعل الجنسي له غاية أبعد من الجسد تماما , وهي الإبقاء على النوع الإنساني كله و ليس إمتاع الفرد الفاعل له , الفرد في اللحظة الجنسية لا يهتم إطلاقا بأي شيء آخر سوى بفرديته , إنه حتى لا يهتم بفرديته , فاهتمامه أيضا ينتفي , إن فرديته نفسها تتبدى مباشر دون وساطة من فعل الاهتمام , لا أعتقد أن أحدنا يروق له مناقشة قضايا النوع الإنساني و مصيره وهو في لحظة انسجام , أي في لحظة جنسية , في حين أن لحظة الانسجام تلك هي لحظة مقدسة بالنسبة للإنسان كنوع . وهذا ما امتنع فرويد عن تفسيره , أي عن تفسير وجود غاية لغريزة الفرد لا يعبأ بها الفرد, لأنه كان يهدف إلى رد الوعي إلى الجسد أما هذه الظاهرة فستضطره إلى رد كل من الوعي و الجسد كل منهما على حدة إلى شيء ثالث أكثر منهما أصالة , وهو (العنصرX) ولو وصل إلى(العنصرX) ستنهار نظريته من الأساس , فلا بد أن يبقى(العنصرX) في طي الكتمان , مع أنه حلقة وصل ضرورية بين الإنسان كفرد و الإنسان كنوع . أما نحن فنفسر هذه الظاهرة بأنه إذا كان لفعل الجنس غاية بعيدة لا يعبأ بها الإنسان الفرد وهي بقاء نوعه , وغاية قريبة هي الاستغراق في اللذة فإن شيئا ما أكثر أصالة من الجسد , يستخدم الجسد بإغرائه باللذة , لتحقيق غاية أبعد لم تكن لتخطر على بال الجسد إطلاقا , وهي بقاء النوع . هذا الشيء هو(العنصرX)
وليس هذا فقط بل إن حلقة الوصل بين الرغبة و بين الجسد أيضا مفقودة بسبب تجاهل (العنصرX) الكامن خلف الجسد و الوعي كلا على حدة , ولم يفعل فرويد سوى أن أحال الموضوع برمته إلى المستقبل عله يميط اللثام عن هذه الحلقة , فقال في كتاب محاضرات تمهيدية في التحليل النفسي ( المحاضرة الرابعة العشرون ) : إن هذا الصرح الذي نرفعه للتحليل النفسي ليس في الواقع إلا الطبقة الفوقانية من بناء يجب أن يرتكز على أساس عضوي يوما ما . وهو أساس لا نزال نجهله لليوم ( طب ياعم مش لما تعرف الأساس تبدأ تبني صرحك الفوقاني ).
ليس هذا فقط أيضا , بل لقد تجاهل حلقة الوصل بين الشكل الإنساني للحياة و بين غيره من الإشكال , فقد فسر الحصر (=القلق ) بأنه تكرار لخبرة الولادة , وامتنع عن تفسير الحصر عند غير الثدييات , أي عند الحيوانات التي لا تلد فقال في المحاضرة الخامسة و العشرين: "نحن نعتقد أننا نعرف ما هو ذلك الانطباع القديم الذي ينشأ وجدان الحصر كأنه تكرار له , نعتقد أنه خبرة الولادة .........أما أول نموذج لحالة الحصر عند غير الثدييات من الحيوان فلا نستطيع أن نقول عنه شيئا
الخلاصة من عرض الظاهرة الثالثة , أننا بعد أن اتفقنا على أن الوعي سلبي , و أنه يعود إلى شيء آخر يفهم من خلاله , نرفض أن يكون هذا الشيء الآخر هو الجسد , بل نصر على أن الجسد بدوره يعود إلى شيء آخر مثل الوعي .
هذه الظواهر الثلاثة تساعدنا على تفهم طبيعة الوعي و العقل , ومن ثم طبيعة الفلسفة , لأن الفلسفة هي الوعي في شموله , و إذ قد اتفقنا ( أنا و نفسي على الأقل ) على سلبية الوعي إزاء وجوده و إزاء وظيفته , فلنا أن ننظر بارتياب ( أنا ونفسي ) إلى الفكرة التي تقول بأن (الوعي هو المانح الأصيل للحقيقة , و أنه مصدر اليقين الفلسفي ) وهو ما ادعاه "هوسرل" .لأننا نعتبر أن الوعي مقصودا من(العنصرX) قبل أن يكون قاصدا لموضوعاته , هو موضوعا قبل أن يقصد الأشياء كموضوع له , وإذا كان الوعي معلولا بالنسبة لشيء آخر , فليس لنا تجاوز هذا الشيء و الاستغراق في تحليل الأشياء خلال الوعي قبل أن ندرك ماهية الوعي من خلال علته. التي هي (العنصرX) .
ولكن ما هو(العنصرX) هذا? ما هو ذلك العنصر الذي تفضل الفلسفة الغربية التخبط مع نفسها على الاعتراف به , والذي لن يفهم الإنسان ومخرجاته ( ومنها الفلسفة ) إلا به ? ما هو هذا العنصر الضروري كمفهوم يتوسط الإنسان كفرد و الإنسان كنوع و الإنسان كجسد و الإنسان كوعي و الإنسان كفعل و الإنسان ككائن حي ? مالنا نتحدث عنه وكأنه ذو طبيعة إلهية? نعم .. هذا بالضبط ما أردت الكشف عنه , وهذا تحديدا سبب رفض الفلسفة الغربية له , أي طبيعته الإلهية , أنا أتحدث عن الروح كحقيقة هي الأكثر عمقا في الوجود الإنساني , الروح وضع إلهي مباشر غير خاضع لقوانين السببية , "....ثُمَّ يُِِرْسَلُ إِلَيْهِ المَلَكْ – أي الجنين – فَيَنْفُخُ فِيهِ الرّوح وَيُؤْمَرُ بُأرْبَعِ كَلِمَاتْ ...الخ الحديث" ومعنى أن الروح وضع إلهي غير خاضع لقانون السببية , أننا في كل مرة يبدأ فيها جنين بالتحرك في أحشاء أمه , نكون أمام فعل إلهي مباشر , لقد درج مؤرخو علم النفس المعاصر على القول بأن "علم النفس الآن يدرس نفس بدون نفس" , أي بدون نفس بالمعنى القديم , ذلك المعنى المصطبغ بصبغة دينية , أي بدون مفهوم الروح .
الفرنسي (برجسون) – وهو أعمقهم فكرا, لكن لن يتجاوز قدره كغربي- أدرك تلك الحقيقة , أي حقيقة وجود الروح المستقلة عن الوعي وعن اللاوعي و عن الجسد , ورفض فكرة ارتداد النفس إلى الجسد أو ارتداد الجسد إلى النفس , بل ورفض فكرة التوازي بينهما , وأعلن صدور كل منهما على حدة عن الروح , وعبر عن الروح بحاصلها في الوجود , وحاصل الروح في الوجود هو الحياة , ولكن كون الروح هي أصل كل المخرجات الإنسانية , وهي بلا أصل سببي طبيعي , جعلته يخلط بين كونها بلا أصل سببي طبيعي و بين كونها بلا أصل على الإطلاق , ولم يصل لكونها "وضع إلهي مباشر" , فنسب إلى الحياة معنى الألوهية , ورفض فكرة "الوحي" كفعل إلهي مستقل عن الروح الإنسانية وموجه نحوها بهدف هداية الروح أي ترشيد مسارها بهدف الحصول على الديمومة أو الخلود في الجنة , وقرر أن الهداية كامنة في الحياة فهي "تعرف طريقها دائما" , ولكنه أصاب حين جعل كل المخرجات الإنسانية مسخرة لبقاء الروح , أي "بالديمومة" , وهي "البقاء" بالتعبير الدارويني , وهي "الخلود" بالتعبير القرآني في وصف الجزاء الأخروي : "...خَالِدِينَ فِيهَا ...".
الألماني (هيدجر) أيضا اقترب كثيرا من الغاية الأكثر عمقا , والتي تربط الإنسان بالعالم ( فكرا وفعلا ووجدانا) , أي كافة المخرجات الإنسانية , حين قرر أن الإنسان يطرح نفسه في الأشياء , ودافعه في ذلك هو "قلق الموت" , والسلوك الناشئ عن قلق الموت هو في حقيقته سلوك يهدف إلى تحاشي الموت , أي الخلود , ولكنه أخفق حين اعتبر أن الإنسان في سعيه للخلود إنما يزيف على نفسه .
نحن الآن أمام حقيقتان... و نتيجة , الحقيقة الأولى : هي أننا إذا أردنا تقويم أي مُخرج إنساني , و إعادة إنشاؤه على أسس متينة , واستنباط ماهيته بشكل سلس, فلا بد أن نحسم أي الحقائق الإنسانية هي الأعمق , لأن الحقيقة الأكثر عمقا هي الحقيقة التي نشيد على أساسها سائر الحقائق . وإذ قد قصدنا إلى اقتراح ماهية للفلسفة , ما هي غايتها ? ما هي وسائلها ? ,فالبداية المنطقية هي ألا نتحدث عن الفلسفة و كأنها صاحبة الجلالة , وألا نجعل الفكر يستغرق في نفسه , فنقول : ما الفكر سوى الحرية في الفكر , وما الفلسفة سوى الحرية في التفلسف , البداية هي أن ننظر إلى الفلسفة أو إلى الفكر على أنه وسيلة من وسائل الروح , سمها إن شئت " الوظيفة الوجودية للفكر" , ومن حيث أن الفكر له وظيفة وجودية , أي له وظيفة بالنسبة للروح , فحرية التفكير ليست مركز ثقل الفلسفة , بل مركز ثقلها هو نجاحها في وظيفتها بالنسبة للروح , لا أتنكر للحرية في الفكر بل أرد الحرية إلى موضوعها وهو الروح وليس الفكر , وعلى الفكر أن لا يستأثر بكل الحرية , وإلا فإن في هذا اختناق للروح , أعلى نسبة انتحار هي في تلك البلدان التي لم تحسن الإنصات إلى صوت الروح , و أعطت للفعل و الفكر كل الحرية . على أننا حين نطلب الحرية للروح وليس للفكر , فإننا نعلم أن الروح ترفض هديتنا تلك لأنها تتطلع إلى ما فوقها , الروح تتطلع إلى أن لا يكون هناك شيء آخر سواها كي تتحرر منه , وهي تنظر للحرية على أنها غاية العبيد , الروح تروم نفي كل ما سواها . الحقيقة الثانية : هي أن الغرب رافض من الناحية المبدئية لمفهوم الروح , و الحقيقة أن الغرب لا يرفض مفهوم الروح من منطلقات عقلية لأن العقل غير متشبث تماما بمفهوم السببية , السببية التي لا تخضع لها الروح هي مقبولة للعقل ليس لشيء إلا لكونها مفهوما ذو قدرة تفسيرية , و الروح , من الناحية العلمية التقليدية , مفهوم ذو قدرة تفسيرية أيضا , أي أن الورح مفهوم عقلي قبل أن يكون معطى ديني, رفض الغرب لمفهوم الروح يعود في مجمله إلى مجموعة أمراض نفسية اجتماعية , قبول الغرب لمفهوم الروح سيضطر الغرب إلى قبول النسق الفكري للمسيحية , وهي ديانة هجين و خزعبلاتية المضمون , والغرب منفعل ضد المسيحية بشدة , ومتعصب لها أحيانا أخرى بشدة أيضا , وليحافظ على حرية الحركة بين التعصب لها و التعصب ضدها , يرفض الاستغراق في النسق الفكري المسيحي . ويدافع عنه من بعيد , مثل ما فعل كيركجور والتوماويين الجدد وهيجل . أماالنتيجة: فهي أنه ليس هناك إمكانية تكامل معرفي بيننا وبين الغرب , إلا بعد يتخلى الغرب عن فكرة أن المسيحية هي الدين المطلق , وأن لا يعتقد أن حيثيات العلاقة بين الدين والفلسفة بشكل عام تعود في أساسها إلى طبيعة الديانة المسيحية , كما عليه أن يتخلى عن الفولكلور الشعبي اليوناني و الأساطير اليونانية , فكما سنرى _ لو أتنحت لنا الفرصة و تهيأت لنا الظروف_ أن رفض جون لوك لمفهوم الفطرة , والتي نعتبرها نحن أول هداية إلهية للروح , يعود إلى أن مفهوم الفطرة مرتبط ( في العقلية الغربية وليس في العقلية العربية ) بفكرة أزلية الروح , وهذه تمتد بدورها إلى الأساطير اليونانية , مثلها مثل فكرة قدم العالم وهذه _أي أزلية الروح _ فكرة مرفوضة عند الغرب.
ترى ..هل تتكشف لنا حقيقة الفلسفة , وحقيقة الفكر بشكل عام ( الحدود و الوسائل و الغايات) ,من خلال مفهوم الروح كحقيقة تسعى للخلود ومقصودة بالهداية لهذا الخلود من قبل مصدر خارج عنها ?.. هل هناك دور للفطرة و للوحي في الفلسفة ?.. هل تستمر مهزلة الفصل بين الحقيقة الدينية و الحقيقة الفلسفية ? هل هذا الفصل أقل منطقية من القول بأن للإنسان شقان طوليان الأيمن منهما قابل لأن يكون متدينا و الأيسر قابل لأن يكون عقلانيا ? .. ما هو اليقين الفلسفي ?هل هو بالمعرفة العقلية فقط حتى لو كانت صائبة ?أم بعلاقة الروح بتلك المعرفة ? هل مفهوم الروح كحقيقة فجة لا تعبأ إلا بنفسها , بل ولا تعبد الله إلا لأن ذلك في مصلحتها , طارد لمفهوم العقل , مثلما أن مفهوم الذات كان طاردا للعقل ولفكرة الأنساق الفكرية الشاملة عند الغرب ? أم أن في مقدورنا أن ننزل على رغبة الروح في أن يكون لها عقلا تعمل به في العالم ? وإذا كنا مخلصين للعقل و لفكرة الأنساق الفكرية فما هي وظيفة النسق الفكري بالنسبة للروح? ما هي ضرورة النسق الفكري بالنسبة للروح إذا كانت الروح لا تعبأ أساسا للعلاقة بين الأشياء? و إذا كان العقل يصل إلى فكرة من فكرة أخرى فهل يتحتم على العقل أن تكون بدايته المطلقة غير عقلية ? و إذا كان العقل هو مجرد وسيلة بالنسبة للروح فما الذي يجعل الروح تكتفي بالمعرفة العقلية إذا كان هدفها هو المعرفة وليس فعل العقل ? | 4 - يوليو - 2006 | لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ? |  | استعجال كن أول من يقيّم
شوقتنا وأبطأت المسير يا والدنا العزيز وسر اشتياقي هو أن الشكل السداسي ليس فقط غريبا في تكوينه الهندسي بل في وجوده في الطبيعة تحياتي للإخوة الكرام.الأخت ضياء والأخ زهير والأخ وحيد, وسلمك الله من كل سوء يا أستاذ عبد الرؤوف | 29 - أغسطس - 2006 | دراسة في هندسة الدائرة |
|