الرجز والكامل والسريع كن أول من يقيّم
قال التنوخي في نظراته ببحر الوافر: "وسنرى كيف يمكننا الاستغناء بالرجز عن الكامل، لأنهما مع السريع من أسرة واحدة". ثم بدأ بالرجز مستعرضا أعاريضه الأربع وضروبه الخمسة كما تناولها العروضيون الذين سبقوه، وزاد عليهم بإثبات ضربين مقطوعين، الثاني منهما مخبون العروض والضرب( مكبول) حيث مثل للضرب الأول بأبيات من نظمه، يقول: يا من لقلب مدنف *** صميمه مكروب ومن لعين أرقت *** أوحشها المحبوب وللثاني بقول الصفي الحلي: يا غاية الأماني *** إن غبت عن عياني فالفكر في ضميري *** والذكر في لساني ثم إنه يأخذ بقول الزجاج في أن ما جاء من الرجز على جزء واحد مقبول ، واستشهد بقول سلم الخاسر : موسى المطر غيث زخر يحي البشر ووصفه بأنه وزن موسيقي خفيف يصلح للموشحات والأغاريد. ثم تلا الرجز بالحديث عن الكامل قائلا: "وبما أن الرجز من أقدم البحور العربية ... يكون من المعقول أن نلحق الكامل بالرجز، وأن نجعله حادثا بجوازاته، فإن العلل التي نراها في الكامل من إذالة وترفيل تصبح من علل الرجز، فلا نحتاج إلى تزحيف (متفاعلاتن) لتكون (مستفعلاتن) بتسليط الإضمار عليها فوق علة الترفيل: ذلك لأن (مستفعلن) ــ كما يقول العروضيون ــ أصل في الرجز وفرع في الكامل، أو ليس أيسر على الطالب أن يقال له: إن (مستفعلن) دخلها الترفيل فصارت (مستفعلاتن) ؟ ويجري الترفيل أيضا على جوازات (مستفعلن) فتجد منها (مفاعلاتن) و(مفتعلاتن)، ويقول : ونحن إذا اعتبرنا مستفعلن ومتفاعلن جزءا واحدا ـ لأن حركة واحدة طرأت على السين من مستفعلن لا تكفي لجعلهما متباينين – سهل علينا اعتبار ما جرى على (مستفعلن) جاريا على (متفاعلن)، وأن يكون المقطوع (مفعولن) من الرجز و(فعلاتن) من الكامل، متجانسا فيتماثل الفرعان بتماثل الأصلين". وهو يعتبر أن العروضين في رابع الكامل وخامسه متماثلتان ، وضرباهما الأحذان متشابهان ، ولولا الإضمار لكانا متماثلين أيضا، وطروء السكون على حركة واحدة لا يجعل الضربين متباينين .. ولذلك كان الأيسر والأخصر لو جعلا ضربا واحدا. وهو يرى كذلك أن العروض الثانية الحذاء ذات الضرب الأحذ تلتبس بما كان على وزنه من السريع المخبول، قالوا: والفارق بينهما وجود (متفاعلن) واحدة فإذا وجدت كان البيت أو القصيدة من الكامل، وإلا فهي من السريع. قال: إذا صادفناه وحده لا ندري ما نقول: أهو من رابع الكامل الأحذ أم من السريع المخبول؟ فلم إذن لا يجوز لنا أن نجعل السريع أيضا ضربا من الرجز، ولا سيما إذا اعتبرنا أن (مستفعلن) هي (فاعلن) المرفلة ترفيلا قبليا، فيقال في تعليله العروضي إن الجزء الثالث (فاعلن) من السريع قد حذف ترفيله القبلي من جزئه الأصلي (مستفعلن) كما دلت عليه دائرة المجتلب الثالثة ؛ وبذلك يصبح الرجز والكامل والسريع بحرا واحدا. وهو في نظراته في بحر السريع يؤكد أيضا على ضرورة قبول فكرة الحذف القبلي ليتسنى له جعل السريع من الرجز حين يقرر أن (فاعلن) في عروض وضرب السريع ما هي إلى (مستفعلن) جرى عليها زحاف الحذف القبلي، ويبدو أن هذه الفكرة هي من أثر مطالعته لكتاب الشيخ بدوي حيث قال : ومن العروضيين في عصرنا هذا من يجعل المتدارك محور الأوزان كلها فتكون فاعلن أصلا لمستفعلن رفلت ترفيلا قبليا بزيادة (مس ) إليها. |