مخطوطة سيدني، المكتوبة بالإسبانية كن أول من يقيّم
مخطوطة سيدني (بالإسپانيّة): لا ريب أن اكتشاف هذه النّسخة المخطوطة في مطلع السّبعينيّات من القرن العشرين، قد أعطى جمهور الباحثين المُهتمّين بإنجيل بارْنَبا دفعةً كبرى إلى الأمام ومجالاً رحباً لمقارنتها بمخطوطة ڤيينا. غير أنّه علينا أن ننبّه إلى أنّ هذه المخطوطة ليست بحالٍ من الأحوال النّسخة الإسپانيّة القديمة ذاتها التي كنّا ذكرنا أنّ الدكتور جورج سَيل George Sale وَصَفَها، بل هي نسخة منقولة عنها. ففي عام 1743 م، أشار سَيل في مقدّمة ترجمته للقرآن الكريم (ص 79) إلى وجود نسخة إسپانيّة من هذا الإنجيل، تقع في 222 فصلاً وتبلغ 420 صفحة، كان أعاره إيّاها الدكتور هولم Holme قسّيس بلدة هدلي Hedley (تتبع همپشاير)، ثم بعد سَيل درسها د. توماس مونكهاوس Thomas Monkhouse عضو كليّة الملكة بأوكسفورد، فترجمها إلى الإنكليزيّة، ثم قدّم التّرجمة مع الأصل سنة 1784 م إلى الدكتور وايت White المُحاضر في بامتون Bampton. ونقل راگ L. Ragg شذرات من ترجمة سَيل في مقدّمة ترجمته لمخطوطة ڤيينا. كما كان سَيل ذكر أيضاً أنّ لدى المَواركة Los Moriscos بأفريقيا نسخة إسيانيّة من الإنجيل. بيدَ أنّ هذه النّسخة القديمة التي تعاقبت عليها أيدي سَيل ومونكهاوس ووايت قد عَفَت رسومُها واختفى أثرها منذ القرن الثّامن عشر. هكذا إلى أن تمّ العثور على نسخة سيدني التي نَسَخ نصّها الإسپاني رجلٌ إنكليزي نجهله. وكان هذا الاكتشاف العظيم في مكتبة فيشر Fisher بجامعة سيدني، من بين كتب السّير تشارلز نيكُلسون Charles Nicholson، أحد مؤسّسي الجامعة وأحد أقطاب المعرفة في باكورة تاريخ استيطان مُقاطعة نيو ساوث ويلز بأوستراليا. وعلى بعض الأوراق عُثر على شعار نيكُلسون مع مُلاحظة تعريفيّة تُفيد: »نقلاً عن مخطوطة بحَوزة القسّ المستر إدمُند كالَمي Edmund Callamy، الذي اشتراها لدى وفاة المستر جورج سَيل. والآن آلت إليّ بوفاة المستر جون نيكولز John Nickolls عام 1745«. ومن المُحتمل أن تكون النّسخة (المنقولة) ابتيعت لمجموعة نيكولسون في إيرلندة ولدى وصولها إلى سيدني فُقدت بين أوراقه، إلى أن تمّ اكتشافها بطريق المُصادفة في المكتبة المذكورة. وبالإجمال، يمكن لنا أن نفترض باطمئنان أنّها نسخة أمينة عن المخطوطة التي كانت يوماً ما بيد جورج سَيل وضاعت. وفي هذه النّسخة إشارة تُفيد بأن المخطوطة التي نُقلت عنها ينقصها عدد غير قليل من الفصول (بين 120-200)، ولكنها عدا عن ذلك بالإجمال تكاد تتطابق مع نسخة ڤيينا في فحواها وبُنيتها النصّيّة والتّركيبية، ما خلا نواحٍ ثلاث: 1- ثمّة تباين بين النّسختين في ترقيم بعض الفصول الأخيرة. 2- تنفرد الإسپانيّة بخصائص في أسلوبها وتراكيبها اللغويّة ومُفرداتها. 3- ثمّة 5 فوارق نصّيّة هامّة للغاية تميّز المخطوطة الإسپانيّة: تذكر اسم الملاك عزرائيل Azrael بدلاً من أوريئيل Uriel في نسخة ڤيينا؛ كما تزيد عنها جُملتين بالغتي الأهميّة حول أنّ بطرُس كان يعرف مُسبقاً وسرّاً بأمر خيانة يَهوداه (!)؛ وأخيراً يرد بها (الفصل 91) اسم »مَصعَدة« Massada بدلاً من »مِصفاه« Misfa. غير أنّ الفارق الهائل جدّاً الذي يميّز المخطوطتين الإسپانيّتين (القديمة الضائعة والنّسخة السِّدناويّة المنقولة عنها) هو المُقدّمة التي لا وجود لها في النّسخة الڤيينّاويّة، وهذه المقدّمة التي كان أشار إليها سَيل كتبها مُترجم المتن من الإيطاليّة إلى الإسپانيّة ذاته، واسمه كما دوّنه: »المُسلم الصّالح مُصطفى دي أرانـدا Mostafá de Aranda المولود في آمبيل Ambel التابعة لثاراغوثا Zaragoza بإقليم آراگون Aragon، والذي هو الآن إستانبولي «un Estambor (لاحظ النسبة بالإسپانيّة). إنّما السّؤال الهام هنا: هل نُقلت النّسخة الإسپانيّة عن أصل ڤيينا الإيطالي؟ مهلاً. ومزيّة هذه المُقدّمة لا في أنّها فقط تقدّم - للمرّة الأولى - اسم المُترجم، بل وتروي بتفاصيل شيّقة للغاية حكاية اكتشاف »إنجيل بارْنَبا«، واستخلاصه من مكتبة البابا سِكستوس الخامس Sixtus V (1585-1590 م). وأمّا بطل هذه الرّواية فهو شخصيّة لا نعرف عنها سوى الاسـم الأول فقط: »الرّاهب مارينو« Fra Marino، كما أنّ الرّواية لا تحدّد لنا: ماذا كانت لُغة الإنجيل الذي عثر عليه مارينو في مكتبة البابا؟ الإيطاليّة؟ أم أنّه هو الذي ترجمه إليها؟ ومنه أتت نسخة ڤيينا؟ ثمّ ترجمة مُصطفى دي أراندا؟ أسئلة كثيرة وشائقة ومُثيرة سوف نجيب عليها في الفصل التالي بنظرية شاملة وجديدة لنا حول حقيقة هذا الإنجيل المُتناهي الأهميّة. ختاماً: غنيٌّ عن القول أنّ طبعة راگ وترجمة سعادة لم تحظيا بهذه النّسخة الإسپانيّة، ولا بمقدّمتها التّعريفيّة التي تكشف بتشويق كبير بداية الفصل الأوّل من هذه القصّة، والتي سوف ننشرها للمرّة الأولى كاملةً بالعربيّة. |