البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات لمياء بن غربية

 4  5  6  7  8 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
تتمة المحاضرة 9    كن أول من يقيّم

ولم تهنأ نفس زكرياء حين قلّد الشعراء شوقيَ إمارة الشعر، ورأى نفسه جديرا بها لو ساعفته عوامل الشهرة التي مهدت الطريق أمام شوقي لاعتلاء هذه الإمارة:
 
 
لـيس  الشمال بمثل شوقي iiعاجزا لـو أن فـي بعض النفوس iiسخاءَ
إن الـجـزائـر كـالـكنانة iiحرة تـلـد  الـرجال وتنجب iiالعظماء
نـشـأ  الأمـير مع الأمير iiمنعما بـيـن الـرياض يساجل iiالورقاء
ونـشأت  مقصوص الجناح iiمعذبا أقـضـي  الحياة مضاضة iiوعناء
لـو ذقـت من كاس النعيم iiصُبابة لـغـدوت  أحـمل للقريض iiلواء
ما اليأس في طلب العلا من شيمتي إنـي أعـد الـقـانـطـين iiإماء
لا يـأس فـي هـذا الوجود فإنني لا  أنـثـنـي أو أبـلغ iiالجوزاء.
 
وظل إلى آخر عمره يردد هذه الفكرة باعتزاز، وختم بها إلياذته قائلا:
بـلادي  وقـفت لذكراك iiشعري فـخـلد  مجدك في الكون ذكري
وألـهـمـتِـني  فصدعت iiالدنا بـإلـيـاذتـي بـاعتزاز iiوفخر
وكـنـت أوقـع فـي iiالـشاهقات خطى الثائرين بألحان صدري
فـخـلـد  قـدس اللهيب iiبياني وأذكـى  لـهيب الجزائر iiفكري
وإن يـجـحـدوني فحسبيَ iiأني وهـبت  الجزائر فكري وعمري
فـآمـن  بـي كـل حرّ iiأصيل وأنـكر  شمس الضحى كل غَمر
وتـقـصر  دون خطايَ iiخطاهم ويؤذيهم  الورد من طيب iiعطري
تـركـت الـخوالف تحسو iiالغبار وطـرت أسـابق مطلع iiفجر
ودست  الصراصير بين iiالصخور فصعّر خدَّ الحجارة iiصخري
وألـقـيـت في الساحرين عصا ي، تـلـقف ما يأفكون iiبسحري
 
 
المرأة في شعر زكرياء:
 
من المنطقي أن نتساءل عن موقع المرأة في نتاج شاعرنا، وهي ملهمة الشعراء وباعثة الكوامن التي تلهم أروع صور الإبداع التي عرفتها البشرية في آدابها، بيد أن زكرياء كانت المرأة عنده رمزا للوطن، واسما مستعارا لمرابع الصبا وثرى الجدود ومهوى قلبه الذي تيمه حب الجزائر، فأنساه كل حبيب، أو شغله عن كل حبيب.
وقد اتخذ لهذه الحبيبة أسماء عدة، كليلى وسلمى.
 
يقول في قصيدة كتبها سنة 1926 وهو ابن ثمانية عشر ربيعا:
 
الـحـب  أرقـني واليأس iiأضناني والـبـين  ضاعف آلامي iiوأحزاني
والروح في حب "ليلايَ" استحال إلى دمـعٍ  فـأمـطره شعري iiووجداني
أسـاهـر الـنـجم والأكوان iiهامدة تـصـغـي  أنيني بأشواق iiوتحنان
كـأنـمـا وغـراب الـليل iiمنحدر روحـي  وقـلـبي بجنبيه iiجناحان
نطوي  معًا صهوات الليل في iiشغف ونـرقـب الـطيف من آن إلى iiآن
لـكِ  الحياة وما في الجسم من iiرمق ومـن  دمـاء ومـن روح iiوجثمان
لـك الـحـياة فجودي بالوصال iiفما أحـلـى وصالك في قلبي iiووجداني
 
وأحيانا يشير إلى وطنه باسم "سلمى"، فيقول:
 
رسول الهوى بلغ سلامي إلى iiسلمى وعـاط حـميّا ثغرها الباسم iiالألمى
ونـاج هواها، علّ في الغيب iiرحمة تَـدارَكُ هـذا القلب أن ينقضي همّا
وبـثّ شـكـاة مـن مـشوق iiمتيّم لـه  كـبـد حـرّى تضيق به iiغمّا
فكم تحت هذا القلب من لاعج الهوى وكم  بين هذا الجسم من أضلع كلمى
أبـيـت أنـاجـي الليل نجما iiكأنما حـبـيـب فؤادي صار مستترًا iiثَمّا
بـلادي  بـلادي، ما ألذّ الهوى iiوما أمـرّ كـؤوس الـحب ممتزجا iiسمّا
بـلادي  ألا عـطـفٌ عليّ iiبنظرة حـنـانينك،  ما هذا السلوّ، ولا إثما
ومـذ فتحت عيني المدامعُ iiأبصرَت هـواك،  فـلا عـار عليّ ولا لوما
فـلـلـه مـا حـمّلتني من iiصبابة ولـو  ذاك في "رضوى" لهدّمه هدما
 

8 - فبراير - 2008
مُفدي زكريا ء، كاتب النشيد الوطني
تتمة المحاضرة 10    كن أول من يقيّم

ومن روائع غزله بوطنه قوله في المقاطع الأولى من الإلياذة:
 
جـزائـر يـا لـحكاية iiحبي ويـا  من حملت السلام iiلقلبي
ويا من سكبت الجمال بروحي ويا  من أشعت الضياء بدربي
فـلـولا جمالك ما صح iiديني وما  إن عرفت الطريق iiلربي
ولـولا الـعـقيدة تغمر iiقلبي لـمـا  كنت أومن إلا بشعبي
وإمـا  ذكـرتـك شع iiكياني وإمـا  سـمـعت نداك iiألبي
ومـهما  بعدت، ومهما iiقربت غـرامـك فوق ظنوني iiولبي
 
وكان زكرياء من أنصار الأصالة والتمسك بالعادات الحميدة، وينعى على المولعين باستيراد الزوجات من بيئة غربية غريبة، فنشأ الجيل على يديها أجنبيا في بلده، ويدعو إلى إبطال عادة غلاء المهور لما نجم عنها من انفلات الشباب وتفضيلهم ماري على مريم، كما قال:
 
وأجلى  الشباب غلاء iiالمهورْ فـلاذ  عـلـى حبّه iiبالنفور
وفـضّـل  ماري على iiمريم وريـتا على زينب iiوالزهور
كـأن الـبنات بضاعة iiسوق تباع وتشرى، فتقضى الأمور
وتـحلب في الحي iiكالبقرات فإن غاض منها الحليب iiتبور
فـويـل الجزائر جيلا فجيلا إذا لـم تـحطم غلاء المهور
 
ويضحك من مصير هذا الذي تزوج بالأجنبية وذبح على نحرها كل القيم:
 
وبـعـض  تزوج iiبالأجنبية وقـال  مـثـقـفة iiحضريه
تـراقـصني  وتراقص iiهذا وذاك،  وتعبث عن حسن نيه
وتـختال بالميني جوب دلالاً وتستعرض المغريات iiالخفيه
وتـتـركني، لا جناح iiعليها وتـذهـب للسهرة النرجسيه
وتـقضي الليالي خارج بيتي وذلـك مـن نـعـم iiالمدنيه
وإن ولدت، لست أدري لمن؟ كـفـى أنه من بني iiالبشريه
أنـاديه صالحُ، عند iiالصباح وأدعوه  موريس عند iiالعشيه
وإن زلّ يـوما تناديه ii"بيكو" فأحسب  "بيكو" من ii"البكويه"
وتدعو مساعدنا "مون iiأراب" فـأهـوى العروبة iiوالعربيه
وأنـحـر في نحرها غيرتي فـتـغدو  أنا، ثم أصبح iiهيَّ
 
 
ولا يعني هذا أبدا أن زكرياء كان عديم الحس فاتر الشعور نحو ربات الخدور، بل صرح في بداية إلياذته بصبواته ورجى الله في ختامها أن يغفر له زلاته، إذ قال:
 
وفـي كل حي لنا iiصبوة مرنحة من غوايات صب
وفـي  كل شبر لنا قصة مجنحة  من سلام وحرب
تـنـبـأت فيها iiبإلياذتي فـآمن  بي وبها iiالمتنبي
 
ثم قال في الأخير:
 
فـيارب  قد أغرقتني iiذنوبي وأنـت العليم بما في iiالغيوب
أتـوب إلـيـك iiبـإلـياذتي عـسـاهـا تكفر كل iiذنوبي
عـصـيتك  لما خلقتَ iiالجمال وهِجتَ به نصبي ولغوبي
وصـوّرتـني شاعرا iiمرهفًا يـهُبّ الصَّبا والهوى iiلهبوبي
ولـولا  الجمال لعشت iiعقيما وما  هِمت يوما بغزو iiالقلوب
 
ونفس المعنى يؤكده في إلياذته التي تمثل قمة روائعه:
 
بـلادي  أحـبـك فوق iiالظنون وأشـدو  بـحـبك في كل نادي
عـشـقـت لأجـلك كل iiجميل وهـمـت  لأجـلك في كل iiواد
ومـن هـام فـيك أحب iiالجمال وإن  لامـه الـغشم قال: iiبلادي
لأجـل بـلادي عصرت iiالنجوم وأترعت كأسي وصغت الشوادي
وأرسـلت شعري يسوق iiالخطى بـسـاح الفدا يوم نادى iiالمنادي

8 - فبراير - 2008
مُفدي زكريا ء، كاتب النشيد الوطني
التتمة 11    كن أول من يقيّم

أصالة وروعة شعر زكرياء الشعبي:
 
وفي الختام لا يسع المنصف إلا الاعتراف بروعة وأصالة نتاج زكرياء الشعري، سواء منه الفصيح، أو ما كتبه بالهجة الشعبية الدارجة، وقد تناول في شعره الملحون قضايا كثيرة، تاريخية ووطنية واجتماعية، مما ينبئ عن امتزاج الشاعر بواقعه الاجتماعي، ومخاطبة شريحة عريضة تتأثر بهذا اللون من الخطاب المباشر، الذي يلامس مشاعر المخاطبين، ويؤثر عليها فيؤتي ثمرته المرجوة من الإرشاد والإصلاح.
 
ومن نتاجه من الشعر الملحون قصيد يردده الفنانون، مطلعه "يا شباب الجيل"
وهو قصيد وجهه للشباب مستنكرا ما شاع فيه من ميوعة وانحلال، وتنكر لقيم الآباء والأجداد، ودعاهم للعودة إليها لتحقيق عزة الأوطان، والحفاظ على الاستقلال الذي كلف أهله أغلى الأثمان.
 
نشيد يا شباب الجيل
 
يَا شَبَابْ الجِيلْ، رَاهُو طَالْ iiاللِّيلْ، قُـمْ  واعْمَلْ تَاويلْ، رَانَا في iiحَالَه
ضَـيـعْنَا الاِيمانْ، وانهارْ iiالبنيانْ واعْـمَـاتْ الأذهانْ، عَنِ iiالأصالَه
تَـبَّـعْنَا الاَحْقَادْ، وَانْكَرنا iiالامجادْ، بـعـدْ اَنْ كُنا اَسيادْ، صَرْنا iiحُثاله
بـلْـعَتْنَا  الخمور، واتْفَشَّا iiالفجور ، نـيـرانْ الـشرورْ، فينا iiشعّاله
لا رَجْلَه لا نِيفْ، لا ضَمِيرْ انْظِيفْ ،  واعْـمَـالنا تَزْييفْ، سُودَا iiقَتَّاله
واحَدْ  قَدْ الفيلْ، تَلْقَى شَعْرُو iiطْوِيلْ ،  زَيْ الـمَادْمُوزِيلْ، بَيْن iiالرجَّاله
مـاشـي  يَـتْرَهْوَجْ، مَايَلْ iiيَتْغَنَّجْ ،  سَـرْوَالُـو مْـعَوَّجْ، عِينُ iiدَبَّالَه
وَافْـكَـارُو عَوْجَا، وَاخْلاقُو iiمرجا واقـدامـو  عـرْجـا، فيها iiدماله
ما تسمع ياحبيب، غير كلام iiالعيب وقَـلَّـةْ لَـحْـيَـا، وسَبَّ iiالجلاله
والـبَنْتْ  تْقَلَّدْ، صَبْحَتْ زَيّْ iiالقَرْدْ ، عَـرَّاتْ الساقِين، صَارَتْ iiبُوقَاله
تَـمْشِي في الساحل، كَعِيشَة iiرَاجَلْ فِـي  الـكَـبَـرِيَّاتْ، دِيمَا iiجَوَّالَه
والأمْ  تْـرَبِّـي، تَـسْـتُرْ وَتْخَبِّي ، وتْـقُـلْ يَـا حِبِّي، مَاكِي iiهَجَّالَه
والأَبْ  الـمَسْكِينْ يَخْزَرْ iiبَالعِينِينْ، عـنْـدُو  قلبْ حْنِينْ، عِينُو iiهَمَّالَه
عصْرَ  الازدهارْ، فِيه الْبَسْنَا iiالعَار ضـيَّعْنَا فيه الدَّارْ، وَاصْبَحْنَا iiعَاله
بَـعْـنَـا فِلسطينْ، والهمَّة iiوالدينْ واخْـدَعْـنَا  اليمين، وَاصْبَحْنا آله
واشـرَبنا  النفاقْ، واشْرِينا iiالشقاقْ واذْبَـحْنا الاَخْلاق، طَوْعَ iiالضَّلاَله
والفْنَا  الاِسْرَاف، وَالخَطْفَة iiبَزَّافْ، جِـيـلَ الإِنْحِرَافْ، عَرْضُو iiنَخَّاله
يَـارَبِّ  والْـطُف، بَالأُمَّة وارْحَمْ، وانـقَـذْ  جِيل اليَوْمْ، مِنَ iiالجَهَالَه.
 

8 - فبراير - 2008
مُفدي زكريا ء، كاتب النشيد الوطني
ختام المحاضرة    كن أول من يقيّم

الوفاء للوطن الأم:
 
رغم هذه النجومية والتطواف في المشارق والمغارب فقد ظل زكرياء وفيا لمرابع صباه وذكريات طفولته في بلدته الآمنة في خضم الفيافي تحرسها رمال الصحراء، ويستلهم منها المعاني والقيم الخالدة، مددا لبناء الإنسان الحضاري بمعناه الأصيل لا بمظاهره الزائفة، يقول عن هذه الصحراء:
 
ألا  مـا لـهـذا الـحساب iiومالي؟ وصـحـراؤنـا  نـبع هذا iiالجمال
هـنـا مـهـبـط الوحي iiللكائنات حـيـال الـنـخـيل وبين iiالرمال
ومـهـد الـرسـالات iiلـلـعالمين ونـور الـهـدى ومـصب iiالكمال
هـنـا الـعـبـقـريات iiوالمعجزات وصرح الشموخ، وعرش الجلال
تـبـادلـنـا  الـشـمس iiإشعاعها ويـلـهـمـنـا الصفو نور iiالهلال
ونـعـدو  فـنـسـبـق iiأحـلامنا ونـهـزأ مـن وثـبـات الـغزال
وجـنّـبـنـا الـغـدر ماء iiالغدير وحـذرنـا  الـظـلُّ نهج iiالضلال
وعـوَّدنـا الـصدق راعي iiالمواشي وعـلـمـنـا الصبر صبرُ iiالجمال
وأخـرجـت  الأرض iiأثـقـالـها فـطـار  بـهـا العلم فوق iiالخيال
يــوفـر  لـلـشـعـب iiأقـداره ويـكـفـي  الـجزائر ذل iiالسؤال
 
ولم تكن هذه الصحراء إلا حصنا للوادي الأمين حيث بلدته يزجن التي تضم تراثا وتاريخا وأعلاما، وكانت رمزا لامتزاج دماء توحدت لتبني عزة الوطن وتكتب تاريخه بأحرف من نور تبعث في النفس معاني العزة والإباء:
 
تـقـدس واديك منبت iiعزي ومـسقط رأسي وإلهام iiحسي
وربـض أبـي ومرابع iiأمي ومغنى صباي وأحلام عرسي
وفـخر  الجزائر فيك iiتناهت مـكارم  عرب وأمجاد iiفرس
وأحـفـاد أول مـن iiركزوا سـيـاة أرض الجزائر أمس
دمـاء ابن رستم ملء iiالحنايا صـوارخ  يلهبن عزة iiنفسي
وعرق  الأصالة طهر iiطبعي ونـور الهداية أذهب iiرجسي
وكرمت  باسم المفاخر iiقومي وشرفت باسم الجزائر iiجنسي
إذا لـلـكريهة نادى iiالمنادي بـذلت حياتي وودعت iiأنسي
وإن  لـلسخاء استجاب كريم ففي الجود لقنت أروع iiدرس
وإن  شـيـدوا للبقا iiوالخلود جـعـلت وفائي دعامة iiأسي
             شغلنا الورى وملأنا الدنا
               بشعر نرتله كالصلاة
            تسابيحه من حنايا الجزائر
 
 
 
                                                                 مصطفى باجو
                                                          مسقط 14ماي 2005

9 - فبراير - 2008
مُفدي زكريا ء، كاتب النشيد الوطني
مفدي زكرياء يشارك بتظاهرة ثقافية في تونس    كن أول من يقيّم

9 - فبراير - 2008
مُفدي زكريا ء، كاتب النشيد الوطني
النشيد الوطني "قسما"    كن أول من يقيّم

للاستماع إلى النشيد الوطني "قسما"
يرجى الضغط على الرابط أسفله
         نشيد     لحن
 
      (موسوعة ويكيبيديا)
 
والنشيد من تلحين "محمد فوزي" وفي ما يلي الصولفاج :
 
 
المصدر :(كتاب لننشد)

9 - فبراير - 2008
مُفدي زكريا ء، كاتب النشيد الوطني
الذبيح الصاعد    كن أول من يقيّم

 
شكرا لك أستاذتي على التصحيح ، فلم أنتبه للخطأ في الصورة ...وأهديك قصيدة من قصائد مفدَّى زكريا ، قصيدة يقشعر لها البدن وتدمع لها العيون ....
 
قصيدة الذبيح الصاعد
 
قـام يـخـتـال كـالمسيح iiوئيدا يـتـهـادى  نشوانَ، يتلو iiالنشيدا
بـاسـمَ الثغر، كالملائك، أو iiكالْ طفـل،  يـسـتقبل الصباح الجديدا
شـامـخـاً أنـفـه، جلالاً iiوتيهاً رافـعـاً  رأسَـه، يناجي iiالخلودا
رافـلاً فـي خلاخل، زغردت iiتمـ لأُ مِـن لـحـنها الفضاء iiالبعيدا!
حـالـمـاً،  كـالكليم، كلّمه iiالمج د،  فـشـد الحبال يبغي iiالصعودا
وتـسـامى، كالروح، في ليلة iiالقد ر،  سـلاماً، يشِعُّ في الكون iiعيدا
وامـتطى مذبح البطولة معرا جاً ووافـى  الـسـماءَ يرجو المزيدا
وتـعـالى،  مثل المؤذن، iiيتلو… كـلـمات  الهدى، ويدعو iiالرقودا
صـرخـة، تـرجف العوالم iiمنها ونـداءٌ مـضـى يـهز iiالوجودا:
((اشـنقوني،  فلست أخشى iiحبالا واصـلبوني فلست أخشى iiحديدا))
((وامـتـثـل  سافراً محياك iiجلا دي، ولا تـلـتثم، فلستُ iiحقودا))
((واقض يا موت فيّ ما أنت قاضٍ أنا  راضٍ إن عاش شعبي سعيدا))
((أنـا  إن مـت، فالجزائر iiتحيا، حـرة، مـسـتـقـلة، لن iiتبيدا))
قـولـةٌ ردَّد الـزمـان iiصـداها قـدُسِـيـاً، فـأحـسـنَ iiالترديدا
احـفـظـوهـا، زكـيةً كالمثاني وانـقُـلـوها، للجيل، ذكراً مجيدا
وأقـيـمـوا، من شرعها صلواتٍ ،  طـيـبـاتٍ، ولـقنوها iiالوليدا
زعـمـوا  قـتـلَه…وما iiصلبوه ليس في الخالدين، عيسى iiالوحيدا!
لـفَّـه  جـبـرئيلُ تحت iiجناحي ه إلـى الـمـنتهى، رضياً iiشهيدا
وسـرى فـي فـم الزمان ii"زَبَانا" … مـثـلاً، في فم الزمان iiشرودا
يـا"زبـانـا"، أبـلـغ رفاقَك iiعنا فـي السماوات، قد حفِظنا iiالعهودا
واروِ  عـن ثورة الجزائر، iiللأف لاك، والـكـائـنات، ذكراً iiمجيدا
ثـورةٌ،  لـم تـكن لـبغي، iiوظلم فـي  بـلاد، ثـارت تفُكُّ iiالقيودا
ثـورةٌ، تـمـلأ الـعـوالمَ iiرعباً وجـهـادٌ، يـذرو الطغاةَ iiحصيدا
كـم  أتـيـنـا من الخوارق iiفيها وبـهـرنـا، بالمعجزات iiالوجودا
وانـدفـعـنـا مثلَ الكواسر iiنرتا دُ  الـمـنـايـا، ونلتقي iiالبارودا
مـن جـبـالٍ رهـيبة، iiشامخات ، قـد رفـعـنا على ذُراها iiالبنودا
وشـعـاب،  مـمـنَّـعات iiبراها مُـبـدعُ  الـكون، للوغى iiأُخدودا
وجـيـوشٍ،  مـضت، يد الله iiتُزْجي ها،  وتَحمي لواءَها iiالمعقودا
مـن  كـهولٍ، يقودها الموت iiللنصـ ر،  فـتفتكُّ نصرها الموعودا
وشـبـابٍ،  مثل النسورِ، iiتَرامى لا يـبـالـي بـروحه، أن iiيجودا
وشـيـوخٍ،  مـحـنَّـكين، iiكرام مُـلِّـئـت حـكـمةً ورأياً iiسديدا
وصـبـايـا مـخـدَّراتٍ iiتبارى كـالـلَّـبـوءات، تستفز iiالجنودا
شـاركـتْ  فـي الجهاد آدمَ iiحوا هُ ومـدّت مـعـاصـمـا iiوزنودا
أعـمـلت في الجراح، أنملَها iiاللّد نَ،  وفي الحرب غُصنَها iiالأُملودا
فـمـضى الشعب، بالجماجم iiيبني أمــةً حـرة، وعـزاً iiوطـيـدا
مـن دمـاءٍ، زكـية، صبَّها iiالأح رارُ فـي مـصْرَفِ البقاء iiرصيدا
ونـظـامٍ  تـخـطُّه ((ثورة iiالتح ريـر)) كـالوحي، مستقيماً رشيدا
وإذا الـشـعـب داهـمته الرزايا ،  هبَّ مستصرخاً، وعاف iiالركودا
وإذا الـشـعـب غازلته iiالأماني، هـام فـي نـيْـلها، يدُكُّ iiالسدودا
دولـة  الـظـلـم للزوال، إذا iiما أصـبـح  الـحرّ للطَّغامِ iiمَسودا!
لـيـس فـي الأرض سادة وعبيد كـيف نرضى بأن نعيش iiعبيدا؟!
أمـن  العدل، صاحب الدار iiيشقى ودخـيـل  بـها، يعيش iiسعيدا؟!
أمـن  العدل، صاحبَ الدار يَعرى ، وغـريـبٌ يحتلُّ قصراً iiمشيدا؟
ويـجـوعُ ابـنـهـا، فيعْدمُ iiقوتاً ويـنـالُ الـدخيل عيشاً iiرغيدا؟؟
ويـبـيـح  الـمستعمرون حماها ويـظـل ابـنُها، طريداً iiشريدا؟؟
يـا ضَـلال المستضعَفين، إذا iiهم ألـفوا  الذل، واستطابوا iiالقعودا!!
لـيـس فـي الأرض، بقعة لذليل لـعـنـته السما، فعاش iiطريدا…
يـا سماء، اصعَقي الجبانَ، ويا iiأر ض  ابلعي، القانع، الخنوعَ، البليدا
يـا  فـرنـسـا، كفى خداعا iiفإنّا يـا فـرنـسـا، لقد مللنا iiالوعودا
صـرخ  الـشـعب منذراً، iiفتصا مَـمْـتِ،  وأبديت جَفوة iiوصدودا

9 - فبراير - 2008
مُفدي زكريا ء، كاتب النشيد الوطني
تتمة القصيدة    كن أول من يقيّم



سـكـت  الناطقون، وانطلق iiالرش شاش، يـلـقـي إلـيـكِ قولاً مفيدا:
((نـحـن  ثرنا، فلات حين iiرجوعٍ أو نـنـالَ اسـتـقلالَنا iiالمنشودا))
يـا  فـرنـسا امطري حديداً iiونارا وامـلـئي  الأرض والسماء iiجنودا
واضـرمـيها عرْض البلاد iiشعالي لَ،  فـتـغـدو لها الضعاف iiوقودا
واسـتـشيطي  على العروبة iiغيظاً وامـلـئـي الشرق والهلال iiوعيدا
سـوف لا يـعدَمُ الهلال صلاحَ iiالد ديـن، فاستصرِخي الصليب iiالحقودا
واحـشُري في غياهب السجن iiشعبا سِـيـمَ  خـسـفاً، فعاد شعباً iiعنيدا
واجـعلي "بربروس" مثوى الضحايا إن  فـي بـربـروس مجداً iiتليدا!!
واربِـطـي،  في خياشم الفلك iiالدو وار  حـبـلاً، وأوثـقـي منه iiجيدا
عـطّـلـي  سـنـة الاله كما iiعط طلتِ من قبلُ "هوشمينَ"(1) المريدا…
إن مـن يُـهـمل الدروس، iiوينسى ضـربـاتِ  الزمان، لن iiيستفيدا…
نـسـيَـت درسَـهـا فرنسا، iiفلقن نا فـرنـسـا  بالحرب، درساً iiجديدا!
وجـعـلـنـا لـجـندها "دار iiلقمَا نَ"(2) قـبوراً، ملءَ الثرى ولحودا!
يـا "زبـانـا" ويـا رفـاق "زبانا" عـشـتـمُ  كـالوجود، دهراً iiمديدا
كـل  مـن فـي الـبـلاد iiأضحى "زبانا" وتمنى بأن يموت ii"شهيدا"!!
أنـتـم يـا رفـاقُ، قـربانُ iiشعب كـنـتـم  الـبعثَ فيه iiوالتجديدا!!
فـاقـبـلوها  ابتهالةً، صنع iiالرش شاشُ  أوزانـهَـا، فصارت iiقصيدا!!
واسـتـريـحـوا، إلى جوارِ iiكريمٍ واطـمـئـنـوا،  فإننا لن iiنحيدا!!
 
*
الهوامش
(1) اسم محرر الهند الصينية.
(2) دار لقمان: السجن الذي ألقي به "سان لويس" لما طمع في احتلال مصر.
 

9 - فبراير - 2008
مُفدي زكريا ء، كاتب النشيد الوطني
مُفْدي زكريــــــاء ....    كن أول من يقيّم

في البداية أعتذر على تأخري عن الرد ،وعلى الاختصار في الإجابة وعلى غيابي كذلك لكوننا في فترة امتحانات، وأبعث تحية خاصة للأستاذة ضياء ، وللأساتذة الكرام الذين أناروا الملف بدخولهم إليه ...
 
وقد استغربت اللبس الذي وقع حول لقب الشاعر العظيم، وبين مد المُفَدَّى وجزر المُفَدِّي لم أجد لي غير اليابس ألجأ إليه، ولم أكن قد سمعت بكلا اللقبين من قبل ، بل ولا أعلم له له لقبا غير "مُفْدِي" Moufdi  وهو لقبه الذي أطلقه عليه صديقه، والذي عرفناه من خلال دراستنا لقصائده وكتبه ومؤلفاته ، ومذ كنا في المدرسة الابتدائية .
ويمكنكم الرجوع إلى موقع مؤسسة مُفْدي زكرياء ، وهو يحتوي على مزيد من المعلومات حول الشاعر ومؤلفاته :  http://www.moufdizakaria.org/index.htm
 
وأما قضية حذف المقطع الثالث من النشيد الوطني من كتب السنة الخامسة ابتدائي فهي صحيحة ، غير أن الخطأ أصلح بسرعة ، ويقال أنه خطأ مطبعي (!؟) وذلك بسبب عدد الكتب المطبوعة في هذه السنة وهذا راجع للإصالاحات الجارية في المنظومة التربوية ، وعلى كل حال فالمقطع موجود منذ كتابة مفدي زكريا للنشيد(على حد علمي) ، وهو مقطع من النشيد الوطني ولا يمكن حذفه أبدا .
 
يا فرنسا قد مضى وقت العتاب وطـويـناه كما يطوى iiالكتاب
يـا  فرنسا إن ذا يوم iiالحساب فـاستعدي  وخذي منا iiالجواب
إن فـي ثورتنا فصل iiالخطاب وعقدنا العزم أن تحيى الجزائر
               فاشهدوا.....فاشهدوا.....فاشهدوا
 
وأما الأخطاء التي لحقت تنظيم القصائد فهي بسبب سرعة نشري لها ، فأما تلك المتعلقة بالوزن فسأحاول العودة إلى الديوان إن أمكنني ذلك حتى أتأكد منها ، فهذا ما جاء في المحاضرة ..
 
وإلى لقاء قريب أهدي هذه الأبيات في التغزل بالوطن للأستاذ الشاعر المُفدَّى :
 
الـحـب  أرقـني واليأس iiأضناني والـبـين  ضاعف آلامي iiوأحزاني
والروح في حب "ليلايَ" استحال إلى دمـعٍ  فـأمـطره شعري iiووجداني
أسـاهـر الـنـجم والأكوان iiهامدة تـصـغـي  أنيني بأشواق iiوتحنان
كـأنـمـا وغـراب الـليل iiمنحدر روحـي  وقـلـبي بجنبيه iiجناحان
نطوي  معًا صهوات الليل في iiشغف ونـرقـب الـطيف من آن إلى iiآن
لـكِ  الحياة وما في الجسم من iiرمق ومـن  دمـاء ومـن روح iiوجثمان
لـك الـحـياة فجودي بالوصال iiفما أحـلـى وصالك في قلبي iiووجداني
 
وسلامي إلى الأستاذ عبد الحفيظ آملة ان تعجبه الأبيات التي غنتها "وردة الجزائرية" وهي مأخوذة من الإلياذة :
 
بـلادي  أحـبـك فوق iiالظنون وأشـدو  بـحـبك في كل نادي
عـشـقـت لأجـلك كل iiجميل وهـمـت  لأجـلك في كل iiواد
ومـن هـام فـيك أحب iiالجمال وإن  لامـه الـغشم قال: iiبلادي
لأجـل بـلادي عصرت iiالنجوم وأقرعت كأسي وصغت الشوادي
وأرسـلت شعري يسوق iiالخطى بـسـاح الفدا يوم نادى iiالمنادي
 
 
 
 
                                                                      سلامي مع أرق التحيات

14 - فبراير - 2008
مُفدي زكريا ء، كاتب النشيد الوطني
سراب    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

رأي الوراق :

 
 
ها أنا ذي أستاذتي الغالية ألبي دعوتك ، لألقي بين أيديكم قصة من دون أية مقدمات ، ولأترككم مع الفتى الذي شردته الحياة...
 
 
                        سراب
 
     كان آخر شخص قد أفكر في وصفه، وأغمض مِنْ أن ترسمه الكلمات، وكان بين هذا وذاك الحاضر في كل المواقف والحي في كل زمان ومكان، والهواء الذي يلثمنا كل حين دون أن نشعر باقترابه منا ...
    ولا أدري من أين كان يأتي بتلك العبارات الغريبة، أو من أي كتاب اقتبس تلك الجمل ، إلا أنه لم يتعمد أن يكتب بها التاريخ وإن فعل، ومع أني لا أدري أين قرأتها من قبل إلا أني أوقن  أنها جزء من ذاكرتي المبعثرة على صفحات الكتب ...
     ولعل القدر شاء أن يلعب لعبته السخيفة بحطام الذكريات ، فكنت حينها لأسميه القدر الغامض أو الصامت، ولم أكن لأسميه إنسانا وحسب، فربما اعتقدت أنه أجمل من أن يكون إنسانا ، وأغرب من أن تحضنه الكرة الأرضية ، وربما ألبسته زيا غير زيه ، وتصورت له صورة غير تلك التي تمثله ، فقط لأني طفلة منقادة للخيال وإن كان طبيعيا لا يميزه عن العالمين شيء ، ولأني لم أرد للقصة ذلك المسار...
     كان عليه أن يطير لا أن يسير، وأن يسافر بسرعة الضوء إلى مجرات بعيدة ليعود ، لكنه يومها رحل من دون مقدمات ولم يعد ! ولا أدري إن كلّف نفسه عناء أن يلتفت وراءه ليرى كم من قلب حطم، أو ليعلم مصير كل تلك الأمكنة التي فارقها، إلا أني أعلم أنه سافر كي لا يعود... ربما لأنه قرر أن يعصف بالكل دفعة واحدة، أو لأنه أراد لحكايته نهاية مبهمة، وأيّا يكن فإنه لم يكن ليعلم كم قتل من رواية كانت ستحاك حوله ، وكم من الكتابات أجهض لما بدا له الرحيل، ولا يعلم أنه حرمني العبث بخصلات شعره المبعثرة وريح الكلمات،وأن ألبسه كل تلك العبرات، وأنه مدين للأدب باعتذار على كل ما قاله وما لم يقله، وما أتاه وما هم به ، فقط لأنه كان أنانيا وذهب لكي لا يعود !!
      ولو أني خيرت بين أن أكتب قصته أو أن لا أفعل لاخترت استبقاءه، إلا أني أجبرت وسلبت حرية أن أختار، ولولا أني لا أعرفه لما كتبت عنه شيئا إلا أن جهلي إياه حباني رخصة التأليف والاختراع، وحتى لو عرفته فما كان ذلك ليغير شيئا، فقد كان الجميع يجهلون هويته ، اسمه وعنوانه ...
    ورغم أني لم أره أبدا حاملا ريشة إلا أنه كان رساما، وكان وإن لم يمتلك قصبة صياد بالفطرة ، غير أنه كان يصطاد اللوحات، وكثيرا ما رأيته في أحد الأزقة يصور فتاته الشاردة أو سيده العابس ، لكني لم أسأل يوما عن مصير تلك الرموز على صفحة الحياة، ولعلي أبصرته على ضفة النهر يتأمل الغروب، لكنه لم يكن شاعرا وإنما لصا محترفا ! وكما كان له في كل زقاق حكاية كان له في كل يوم سطو وعلى كل لوحة خيانة...
   وقد كان شريد الزمان ومشرَّده، وعاشق الأكوان ومعَذَّبها، وكان وإن رسم له في كل يوم عبلة جديدة عنترة بكل المقاييس ، ولعله كان أعف من على الأرض إلا أنه كان أجمح من على الأوراق ...
    وكُسر القلم ! كان ذلك أسخف ما يمكن أن يحدث وكان الأسخف أن ينزل لالتقاطه كما كان لأي فتى أن يفعل ، لكنه لم ينزل ! أبى إلا أن يرقي والتقطه من دون أن ينزل ...كيف فعل هذا !؟ كل ما أعرفه أن وجهه اصطدم بذلك الطيف السريع..هل كان عليه أن يعتذر ؟ كان ضحية وليس على ضحية اعتذار ، لكنه فعل ! ... كان مناقضا لكل ما حوله، سابحا عكس التيار، مصرحا بما يجدر به أن يكتم بضربة من أنامله الرشيقة المتسخة بذرات الترب،  ولعله قرر أن يكون لوحة أصلية أو المنظر الذي لا يرسم...وفعلا كان له ما أراد ، كانت له فلسفة ليست ككل الفلسفات ، وقانونا لم تعرفه دولة ولا إيالة من قبل ، وكان لا يزال يشعر بذلك الألم على وجهه ...لقد كان يتجاهل الأوجاع كما يتجاهل تشنج أصابعه في ذلك البرد القارس، وكان يتظاهر بالصلابة وإن كان يحترق ويلتهب من الداخل ، فكان تمثالا وكان فارسا على صهوة قلم ...وكان ذلك قلمه الوحيد ،ولم يكن همه أن انكسر ولكنه خاف حينها من أن تنكسر كل أحلامه بنفس تلك الطريقة، وخشي زوغ نجمه قبل أن يرسم لنفسه ذاك النجاح الكبير، وقبل أن يكتب له الاستقرار في بيت واحد وعلى أرض واحدة...
    كان مترفعا عن كل ما دونه، مترفعا عن الرذيلة والزلل والسقوط، ولم يكن ليبذل نفسه إلا في ما هو أسمى منها، وفي ما سيخلد ذكره، حتى وإن كان سيحفظ على الصخور لا الأذهان، وفي الأحراش لا الصدور...ومع أن أحدا لم يهتم لأمره، كان واثقا من أن بصمته على كل نفس وأن أثره في كل مكان، فقد كان الجميع يتغذون من روحه المتسربة من بين أضلاعه، ولم يكن أحد ليشعر بهذا..وكثيرا ما تساءلت عما يمكنني كتابته عنه وأنا لا أعرف غير شبحه الأسود وروحه الطاهرة، إلا أني في كل مرة كنت أقرر أن لا أكتب، كنت أحاول أن أخدع نفسي لكي لا أفعل وكانت هي تدفعني لذلك فلا أستطيع رفضا، ذلك أني أخذت كما أخذ الجميع بجمال لوحاته، بكآبتها وبساطتها ، والأمل المتربع فيها على كرسي من ألم، ولأني أخذني الفضول لحل معادلاته وفهم أسرار أهرامه، ولقراءة ما يكتب وإلقاء نظرة على مكتبة بيته، ولم أكن أعلم أنه لا يملك هنا مكتبة وأن أحسن ما يقال أن له في هذه المدينة بيتا، ولا أدري لم امتهن هذا العمل الحقير، أو لماذا صنع لنفسه هذا الرداء الخانق ، وألبسها هذا اللون  الباهت ، إلا أنه لم تكن له يد في هذا وكان صنيعة الحياة...كان على قلمه أن يخط وعلى ورقه أن ينصاع، وكان عليه هو أن يتصيد الكلمات وأن يختطف التعابير، وأن يأخذ كل ما وقعت عليه عيناه السوداوتان ظانا أن الجمال حق لكل معذب في الأرض، وبالرغم من غروره لم يكن يدرك انفراده بشخصيته واستقلاله عن كل من حوله ، ولم يكن يعلم أنه سيكون حرفا في حكاية....
 
     

21 - مارس - 2008
البنت التي تبلبلت
 4  5  6  7  8