البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات طماح الذؤابة

 3  4  5  6  7 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
المبحث الرابع: السلسلة    كن أول من يقيّم

المبحث الرابع:
السِّلـْسِلة:
 
     نوع من الشعر العربي المتأثر بالعامية، وهو يُنظـَمُ بيْتـَين بَيتين، وتكون القافية مشتـَرَكة في أشطره ما عدا الشطرَ الثالث([1])، وله وزن يتماشى مع وزن من أوزان الشعر الفصيح حين يُنطـَقُ عامّيًّا، وتـُشبه قوافيه قوافيَ الدوبيت في تـَنـَوُّعِها، ومِنْ مَشهور أمثلتِه:
 
السحرُ بعيْنِكَ ما تحَرَّكَ أوْجالْ     إلا ورماني منَ الغرام ِبأوْجالْ
يا قامة َغُصنٍ نشا برَوضةِ إحسانْ      أيّانَ هَفـَّتْ نسمة ُ الدَّلالِ به مالْ([2])
 
المعنى العام:
    سحر العين مخيف ومقلق لأنه ما إن يتحرك بنظرة العين حتى يرميَ الشخص المقابل بمخاوف من الغرام فقد لا ينال غرامه ، وقد يعيش في أرق بسبب حُبّه وبُعد حِبّه.
وقامة الغصن تشبيه تقليدي سلك مسلك الأوائل، فهنا يعبر عن رشاقة محبوبته بقامة غصن، وعن رُفوهها بنشأتها في روضة من رياض الإحسان، وإذا ما هب نسيم الدلال تمايلت لخفتها ورغد عيشها.
 
   الجانب البلاغي:
استعارة تصريحية، شبه المحبوبة بقامة الغصن وحذف المشبه وصرح بذكر المشبه به، للتعبير عن الرشاقة.
تشبيه تمثيلي ، إذ شبه نشأتها في بيت عز ودلال بغصن نبت بروضة خضراء جميلة للدلالة على مدى أثر تلك النشأة في حياتها وتصرفاتها وجعلها محط نظره.
تشبيه بليغ مقلوب، إذ شبه الدلال بالنسمة، للدلالة على الرقة والخفة والنعومة.
 
  اللغة عربية واضحة والأسلوب قويم، والألفاظ واضحة ومتجانسة، والخيال به شيء من العمق.
 
     ولمْ يُعرَفْ سببُ تسميتِه بهذا الاسم، ولا بواعثُ ظهوره، ولا سببُ اندثاره. ووزنـُه حسْب مِثاله المشهور أعلاه:
فِعْلـُنْ فـَعِلاتـُن مُتـَفـْعِلـُن فـَعِلاتانْ       فِعْلـُنْ فـَعِلاتـُن مُتـَفـْعِلـُن فـَعِلاتانْ
 
     وقيلَ إنّ وزنـَه في الأصل:
فـَعِلن فعِلاتنْ مسْتفعِلن فعِلاتن      فـَعِلن فعِلاتنْ مسْتفعِلن فعِلاتن
 
     ويقول إبراهيم أنيس:"إنَ هذا الوزن غريبٌ حقـًّا، وأغربُ ما فيه أن أهل العَروض قد زعموا لنا أن ألفاظه جاءت مُعَرَّبة، مع أن قافيته المردوفة توحي بأنه ربما كان من أوزان الشعر العامّيّ...، ومهما يكن من هذا الوزن، فهو وزن لم يُقدَّرْ له الشيوعُ والذيوع، ولا ندري أحدًا من الشعراء استساغه ونظم منه".([3])
 
     ويجوز في حشوه خبن "فاعلاتن" و"مستفعلن"، أما الضرب فيجوز خبنه وترفيله، فيصبح "فعِلاتان".
 
     ولعل ما برّر تسميته بالسلسلة أن وزنه إنما بيت شطر من الخفيف "فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن" مسبوق بـ "فعْلن" وكأنها رُبطت في أوله، ثم أتت "مستفعلن" مخبونة.([4])
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 


[1] . المعجم المفصل في علم العروض والقافية وفنون الشعر، إميل بديع، ص 271، 272.
 
[2] . موسيقا الشعر العربي، عيسى علي العاكوب، ص249.
 
[3] . المعجم المفصل في علم العروض والقافية وفنون الشعر، إميل بديع، ص272.
 
[4] . موسوعة موسيقى الشعر عبر العصور والفنون، د/ عبد العزيز نبويّ، ص711، 712 بتصرف.

29 - يناير - 2010
بحث السنة الثالثة
المبحث الخامس:     كن أول من يقيّم

المبحث الخامس:
القوما:
 
      وهو أحد الفنون النظمية المستحدثة، وهو لون من الشعر الشعبي شاع في بغداد في القرن   السادس الهجري، ثم انتشر في سواها من الحواضر العربية، وهو من أربعة أنواع:
 
1.                يكون مركَّبًا من أربعة أقفال، ثلاثة منها وهي الأول والثاني والرابع متساوية في الوزن والقافية مثل:      
لا زال سعدكْ جديدْ           دايمْ وجدّك سعيدْ
ولا برحتْ مهنـّا                بكل صوم وعيدْ
 
المعنى العام:
    وهذا النظمُ مُوَجّه من الأبشيهي([1]) لأحد الخلفاء ليّسَّحَّر به في رمضان، فيدعو له بدوام سعادته وتوفيقه وتجددهما، مع بقاء حظه سعيدًا ـ وفي ميزان الذهب أتت الرواية :"لا زال سعدك حديد"، ـ ونلاحظ تسكين أواخر الكلمات ـ .
ويدعو له بالفرح والسعادة في كل صوم وعيد.
 
الألفاظ سهلة سلسة بعيدة كل البعد عن التعقيد، والأسلوب بسيط ، والعاطفة كذلك بسيطة لكنها تقوى في بقية الأبيات ـ التي لم أذكرها ـ واللغة واضحة.
 
2.                يكون مركـَّبًا من أربعة أقفال على نفس الوزن والقافية، كقول صفي الدين الحِلـّي:
حال الهوى مخبورْ        يريد جلدًا صبورْ
من كانْ هواهْ مستورْ        يحظى برفعِ الستورْ
المعجم اللغوي:
مخبور: من خبَرَ الشيءَ خـُبْرًا وخـُِبرة ومَخبَرَة: عرف خبره على حقيقته.([2])
 
المعنى العام:
يقول الشاعر إن أمر العشق معروفٌ وحقيقته واضحة؛ لذا فهو معروف أن العاشق يحتاج إلى قوة وصبر على عذابه الذي لا ينجو منه أي محب.
ومن ستر حبه عن الناس ، فإن حبه يفضحه ويزيل عنه ستوره بما يعكس على تصرفات المحب.
اللغة والتراكيب سهلة وكذلك الألفاظ والأسلوب واضح لا جزالة فيه، والخيال شبه معدوم.
 
3.                يتركبُ من أربعة أشطر، ثلاثة منها اتفقتْ وزنـًا وقافية، والرابع أطول وزنـًا وهو مهمَلٌ بلا قافية.
4.                يتكون من ثلاثة أشطر مختلفة الوزن متفقة القافية، أولها أقصر من الثاني، والثاني أقصر من الثالث.([3])
      وقيل إن وزنه:
مستفعلن فعْلانْ     مستفعلن فعْلانْ
أو:
مستفعلن فاعلانْ     مستفعلن فاعلانْ
 
     ويقال إن أهل بغداد الذين كانوا يتولـَّون أمر إيقاظ الصائمين للسحور في رمضان هم مَن اخترعه، ويقال إن اسمه مأخوذ من قول بعضهم لبعض:" قوما نسحِّرْ قوما"، ويبدو أنه قـُيِّضَ لهذا الفن شيءٌ من الانتشار، إذ تحتفظ المصادر بكثير من نماذجه في المدح والزهري والخمري والعتاب، وسوى ذلك من الأغراض ([4])
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 


[1] . عاش الأبشيهي  "شهاب الدين محمد بن أحمد، المتوفى 850 هجرية" في العصر الذي كثرت فيه مجالس السمر بقصور الأمراء والوزراء. من منتديات الصحبة الصالحة http://www.suhbaonline.net/vb/archive/index.php/t-3618.html
 
[2] . المعجم الوجيز "مجمع اللغة العربية بالقاهرة"، مادة "خ ب ر".
 
[3] . المعجم المفصل في علم العروض والقافية وفنون الشعر، إميل بديع، ص 379، 380بتصرف.
 
[4] . موسيقا الشعر العربي، عيسى علي العاكوب، ص252.

29 - يناير - 2010
بحث السنة الثالثة
المبحث السادس: الكان وكان    كن أول من يقيّم

المبحث السادس:
 الكان وكان:
 
 هو أحد الفنون النظمية الجارية على ألسنة العامّة، وهو نظمٌ واحد وقافية واحدة، ولكن الشطر الأول من البيت أطول من الثاني ولا تكون قافيته إلا مردوفة. ([1])، وهو مثمّن التفاعيل([2]).
وقد نشأ هذا الفن في بغداد وسمّيَ بهذا الاسم "الكان وكان" ؛ لأن البغداديين اتخذوه وعاءً لنظم الحكايات والخرافات، ثم نـُظِمَتْ فيه المواعظ والحِكم عند الإمام الشيخ جمال الدين بن الجوزي([3])، والشيخ شمس الدين محمود الكوفي([4]). ويبدو أن المصريين أحبوا هذا الضرب من النظم فأخذوه وأطلقوا عليه "الزكالش" نسبة إلى أشهر من برز فيه من أهل العراق، وهو أبو منصور بن نقطة ([5]) الذي كان "يزكلش" في الأسواق، ويدور مغنـّيًا.
وتفاعيله المعهودة:
مستفعلن فاعلاتن  مستفعلن مستفعلن     مستفعلن فاعلاتن مستفعلن فعْلانْ ([6])
 
ومثال الكان وكان:
    يا قاسيَ القلبِ ما لكْ تسمعْ وما عندكْ خبرْ          ومنْ حرارة وعظي قد لانتِ الأحجارْ
أفنيتَ مالكْ وحالكْ في كلِّ ما لا ينفعكْ              ليتكْ على ذي الحالة ْ تقلعْ عن ِ الإصرارْ
تلوتُ قولي ونصحي لمنْ تدبّرْ واستمعْ             ما في النصيحة ْ فضيحة ْ كلا ولا إنكارْ ([7])
 
المعنى العام:
يوجه الواعظ سيلاً من العظات إلى كل من قسا قلبه فجحد نِعَمَََ الله عليه وانخرط في الملذات مما أبعده عن الصراط المستقيم، وفوق هذا وذاك لا يتعظ بنصائح هذا الواعظ  الذي ألانت نصائحه الحجارة القاسية، عله يلين قلبه ويعيده بعد كل هذا الضلال إلى درب الحق.
ثم يبين له كيف أنه أفنى عمره وماله فيما لا ينفعه بل سيعود ضرًّا عليه يوم القيامة، وليته يبرح العناد والإصرار على الخطأ.
وما على الرسول إلا البلاغ، فذا الشاعر قال ما هو مُطالـَبٌ به تجاه دينه ونصَحَ، ويبقى الباقي على نفس من يتدبر النصح ويتعظ ويستمع، فالنصيحة لا فضيحة فيها ولا إنكار.
 
وعاطفة النصح قوية، والألفاظ والتراكيب جزلة، والأسلوب واضح، وجو النصح لا يحتمل الخيال والبديع.


[1] . ميزان الذهب في صناعة شعر العرب، السيد أحمد الهاشمي، ص148 بتصرف.
 
[2] .موسوعة موسيقى الشعر عبر العصور والفنون،د/عبد العزيز نبوي، ص707.
 
[3] . هو الشيخ الإمام العلامة ، الحافظ المفسر ، شيخ الإسلام مفخرة العراق ، جمال الدين ، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ويصل نسبه إلى أبي بكر الصديق ، القرشي التيمي البكري البغدادي ، الحنبلي ، الواعظ ، صاحب التصانيف، ولد سنة تسع أو عشر وخمسمائة . صنف في التفسير " المغني " وسماه : " زاد المسير " ، وله " تذكرة الأريب " في اللغة ،  " فنون الأفنان " أخبار النساء " ، " تلبيس إبليس " ، " الأذكياء " ، " المغفلين " " منافع الطب "، " سلوة الأحزان "، " منهاج القاصدين " ، " الوفا بفضائل المصطفى ". " مناقب أبي بكر " ، " مناقب عمر " ، " مناقب علي ". توفي سنة 597هـ .
 
[4] . هو الشيخ أبو المناقب شمس الدين محمود بن أحمد بن عبد الله الهاشمي الحارثي الكوفي الشهير بالحنفي الواعظ، كان أديباً وشاعراً وعالِماً، ولد في بغداد عام 623هـ/1226م، وتولى التدريس بالمدرسة التتشية، وخطب في جامع السلطان، ووعظ في باب بدر. وله مناقب كثيرة ومن أبرزها قيامه بشراء الأطفال الأسرى العباسيين من المغول بعد سقوط بغداد على يد هولاكو، ولقد أنفق عليهم وقام بتربيتهم ورعايتهم، وله قصائد حزينة باكية في نكبة بغداد، عام 656هـ، ومنها قوله:                                           ملابس الصبر تبلينا ونبليها         ومدة الهجر نفنيها وتفنينا
شوقـًا إلى أوجه متنا بفرقتها         حزنا وكانت تحيينا فتحيينا
يا دهر قد مسنا من بعدهم حرق     من الفراق إلى التكفين تكفينا                                                                             
ديارهم درست من بعدما درست       نفسي بها من تلاقينا تلاقينا                                                                                
وكان الشيخ شمس الدين عظيم المنزلة عند أمراء المغول بعد واقعة هولاكو، وهو والد الشيخ جلال الدين الحارثي، المعيد بالمدرسة   المستنصرية.توفي في عام 675هـ/1276م،ودفن في مقبرة الخيزران، في الأعظمية ـ مركز قضاء ومنطقة تقع شمال بغداد على الجانب الشرقي لنهر دجلة.  من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة شمس الدين الحارثي 9 ديسمبر 2009م http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B4%D9%85%D8%B3_%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A7%D8%B1%D8%AB%D9%8A]
 
[5] . منصور بن نقطة المتوفى في أوائل القرن السابع الهجري في قوله مخاطبا الخليفة الناصر العباسي ت622هـ /1225م:
يَا سَيِّدَ السَّادَاتْ
لَكْ في الكَرَم عَادَاتْ
أَناَ بُنَي إبِنِ نُقْطَةْ
وَأبي تَعِيْش أَنْتَ مَاتْ ... من منتديات رحلة حب، مقال لمحة عن الأدب الشعبي العراقي ، الكاتب: الماسي، 28/12/ 2008م
http://www.r7lt7oob.com/vb/showthread.php?t=2360
 
[6] .موسيقا الشعر العربي، د/ عيسى علي العاكوب، 254.
 
[7] . ميزان الذهب في صناعة شعر العرب، السيد أحمد الهاشمي، 148، والحركات متصرفٌ فيها.
 

29 - يناير - 2010
بحث السنة الثالثة
تابع الكان وكان    كن أول من يقيّم

و كذلك:
الخـَلـْقْ، ومَنْ خـَلـَقَ اللهْ يصِفـْكَ عندي بالكـَرَمْ         ما ادري الزمانَ تـَغيَّرْ أو شُومَ حَظٍّ كانْ
 
المعنى العام:
كل ما خلق الله يقر في الممدوح أو المعتذَر إليه صفة الكرم، ولكن هل الكرم متعلق بزمان دون غيره ، أو إن حظ الناظم السيئ هو الذي غيّر هذه الصفة فجفاه من يعتذر إليه.
 
اللغة غير سليمة ، والألفاظ دارجة على الألسنة، والتركيب بسيط وكذلك الخيال، والعاطفة تحتاج إلى مزيد من الأبيات لتتضح.
 
ما يجوز في حشوه:
أ‌.        يجوز في "مستفعلن" الخبن فتصبح "مُتـَفعلن" ، أو الطي فتصبح "مسْتعِلن".
ب‌.   يجوز في "فاعلاتن" التشعيث فتصبح" فالاتن" أو "فاعاتن" ، أو الخبن فتصبح "فعِلاتن".
 
ما يجوز في عروضه:
أ. عروضه "مستفعلن" ويجوز فيها الخبن أو التذييل.
 
ما يجوز في ضربه:
أ‌.   يجوز مجيء "فعْلانْ" على وزن "فعِلان" ومعنى هذا أن أصل "فعْلان" "فاعِلاتن" بعد قصرها وتشعيثها، وأن "فعِلانْ" هي "فاعلاتن" مقصورة مخبونة.
ويجوز في كل الأحوال زيادة ساكن داخل التفعيلة أو في آخرها، كما هو شائع في الزجل والشعر الملحون.([1])
 
ويقال إن هذا الفن برز بشكل واضح في القرنين السادس والسابع الهجريين.([2])


[1] . موسوعة موسيقى الشعر عبر العصور والفنون، د/ عبد العزيز نبويّ،ص707، 708بتصرف.
[2] . المفصَّل في علم العروض والقافية وفنون الشعر، إميل بديع، ص382.

29 - يناير - 2010
بحث السنة الثالثة
المبحث السابع: المواليّا:    كن أول من يقيّم

المبحث السابع:
المواليّا:
    هو فن من فنون الشعر وُضع للغناء، وقيل إن أول من تكلم بهذا النوع بعض أتباع البرامكة بعد نكبتهم، فكانوا ينوحون عليهم ويكثرون من قولهم "يا مَوْلي" وبالجمع "مواليّا"، فصار يُعرَفُ بهذا الاسم، وقيل إن أول ما جاء من هذا الفن قول جارية من إماء البرامكة ترثيهم:
 
يا دارُ أين ملوك الفرْس أين الفـُرْسْ                    أين الذين حمَوْها بالقنا والتـُّرْسْ
قالتْ تراهُمْ رِمَمْ تحت الأراضي الدُّرْسْ               خُفوتْ بعدَ الفصاحة ألسنتهم خُرْسْ. ([1])
 
المعنى العام:
     يبدو في هذه الأبيات حزن الجارية جليًّا بسبب النكبة التي أبادت البرامكة وكانوا من أعزة الفرس، وكانوا مصدر فخر بسلطتهم ونفوذهم للفرس الآخرين، وهم من حمَوا الديار مع نفوذهم بالرماح هجومًا على الأعداء والتروس دفاعًا عن الأراضي والممتلكات، فالقنا كناية عن الهجوم والترس كناية عن الدفاع.
فأجابت الدار أن من ينظر إليهم الآن يراهم بالين في قبورهم البالية، والتي تقادم عهدها فذهب أثرها، مما جعلهم في حالة ضعف، وألسنتهم عاجزة عن الكلام بعد كل ذاك البيان وتلك  الفصاحة التي كانوا عليها في حياتهم.         
 
اللغة واضحة والأسلوب معتدل، والألفاظ  معبرة عن الغرض، والخيال بسيط ، والعاطفة في الرثاء قوية.
 
      والرأيُ الراجح عند مؤرخي الأدب أن المَواليّا نشأتْ أولا عند أهل واسط([2]) ، وقد نظموا من هذا الفن الغزل والمديح ، ثم استعمله البغداديون، وأجادوا فيه حتى عُرف بهم دون مخترعيه.([3])
وبعد أن نشأ في العراق أحبّه أهل مصر، وبقي عندهم حتى غدا كأنه من التراث الشعبي المصري. ويعتمد المَواليّا على تفاعيل البحر البسيط أساسًا، لكنه يُتصَرّف في بعض صوره على نحوٍ يُخرجه عن هذا البحر.([4])
 
      والمواليّا أشكال عِدّة منها:
 
          أ‌-          الرباعي: وهو ما تألف من أربعة أشطر متفقة في الروي كما في قول الجارية السابق.
 
       ب‌-       الرباعي الأعرج: وهو ما تألف من أربعة أشطر يتحد أولها وثانيها ورابعها في الروي، ويختلف ثالثها كما في :
يا عبدُ إبكِ على فعل المعاصي و نوحْ              هم فينْ جدودك أبوك آدم وبعده نوحْ
دنيا غرورة تجي لك في صفة مركبْ               ترمي حمولها على شط البحورْ وتروحْ
 
المعنى العام:
     هنا لمحة وعظ في الأبيات إذ يقول الناظم يا عبدُ أيًّا كان منصبك ومستواك في مجتمعك ابكِ على ما اقترفتـَه من المعاصي وأكثِرْ علَّ ذنوبك تـُمسَح، فإنك مقبلٌ على الموت الذي أفنى أجدادك بدءًا من آدم وبعده نوح عليهما السلام ـ  " فين" أصلها إما " أين " أو " فأين".
وهذه الدنيا تغري المرء تأتي حينـًا بأنواع الملذات والزخارف كسفينة محملة بشتى البضائع ، ثم ترمي بحمولتها عند الموانئ وتذهب لتغريَ شخصًا آخر.
 
ويبدو التشبيه التمثيلي جليًّا في البيت الثاني إذ شبه صورة الدنيا المغرية المزينة بألوان المتاع، فيلهو بها المرء عن دينه ونفسه وهدفِه الأسمى في الحياة ، ثم تتركه من دون شيء ، بصورة السفينة المحملة ببضائعَ شتى تلقي حمولتها عند شاطئ البحر وتذهب خاذلة،  وسر جمال التشبيه بيان مدى إغراء الدنيا للناس وخذلانها لهم.
واللغة واضحة غير فصيحة، والأسلوب بين بين، وعاطفة الوعظ قوية، والألفاظ ملائمة للغرض، والخيال مناسب لجو الوعظ .
 
       ت‌-       النعماني: وهو ما تألف من سبعة أشطر، تتحد الأشطر الثلاثة الأولى منها في روي، وتتحد الأشطر الثلاثة التي بعدها في روي آخر، ويتحد روي الشطر السابع مع روي الأشطر الثلاثة الأولى، مثل:
الأهيف اللي بسيف اللحظ جارحْنا        بيده سقانا الطِـّلا ليلاً وجارحْنا
رمش رمي سهم قطع بهْ جوارحْنا        آهين على لوعتي في الحب يا وعدي
هجره كواني وحيرني على وعدي        يا خِلْ واصلْ ووافِ بالمنى وعْدي
مِن حَرّ هَجْرك ومِن نار الجوى رحنا ([5])
 
المعجم اللغوي:
الأهيف: دقيق الخصر ضامر البطن.([6])
الطِـّلا: الخمر.([7])
 
المعنى العام:
يقول الناظم إن دقيقة خصر هي التي  جرحته بنظرتها من مؤخر عينها نحوه، وسقته الخمر ليلاً بيدها.
وبحركة من رموشها أحس الناظم كما لو أن سهمًا أصاب جوارحه وقطعها، ثم يعظم إحساسه بالحب بالتأوّه مرة بعد مرة؛ فحبه أشعره بحرقة داخلية وأن نصيبه في الحياة وما وعدتْه به متمثل في من رآها.
وبهجرة المحبوبة خالجه إحساس بنار تكوي جوفه وتجعله في حيرة من أمره على وعده الذي لم يتم باستمرار لقائها، فيخاطبها طالبًا منها الوصال ووفاء وعده باللقاء فهذه أمنيته منها.
وحرارة هجرها ونار العذاب الداخلي هما اللذان سيقضيان عليه.
 
اللغة واضحة وغير سليمة أو فصيحة، الألفاظ بها اضطراب وقلق، والتركيب به شيء من عدم الاستواء، الخيال غير مقنع، العاطفة لا تثير المتلقي بشكل كبير.
 
 


[1] . ميزان الذهب في صناعة شعر العرب، السيد أحمد الهاشمي، ص147.

[2] . محافظة واسط هي محافظة تقع وسط العراق. سميت باسم مدينة واسط التي بناها الحجاج بن يوسف الثقفي سنة 78 هجرية وأتمها في سنة 86 هجرية لتكون مقرًّا جديدا لجنوده. من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة 30 نوفمبر 2009.

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%88%D8%A7%D8%B3%D8%B7_(%D9%85%D8%AD%D8%A7%D9%81%D8%B8%D8%A9)
 
[3] . ملامح التجديد في موسيقى الشعر العربي ، د/ عبد الهادي عبد الله عطيّة، ص29.
 
[4] . موسيقا الشعر العربي، د/عيسى علي العاكوب، ص256.
 
[5] . المفصل في علم العروض والقافية وفنون الشعر، إميل بديع، ص432، 433بتصرف.
 
[6] . المعجم الوجيز ، "مجمع اللغة العربية بالقاهرة" ، مادة "ه ي ف".
 
[7] . المصدر نفسه مادة "ط ل ي".

29 - يناير - 2010
بحث السنة الثالثة
المبحث الثامن: الموشـَّح:    كن أول من يقيّم

المبْحَث الثامن:
المُوَشـَّح:
وقد أتى الاسم من الوشاح أي: حلية ذات خطين يسلك في أحدهما لؤلؤ وفي الآخر جوهر، والثوب الموشح هو المزين، فالفكرة إذًا هي فكرة التجميل المنوع المعتمد على التقابل، وهكذا الموشح أيضًا؛ فهي تزدان بالقوافي المنوعة والأوزان المتعددة. ([1])
 
      والموشح لون من ألوان النظم شاع في الأندلس في القرن الثالث الهجري التاسع الميلادي، له قواعده الخاصة في الأوزان، والقوافي مع خروج أحيانـًا على أوزان الشعر العربي. ([2])
 
      وقيل إن الموشح لون من النظم يتألف من فقرات تسمى أغصانـًا هي عبارة عن أشطار أبيات شعرية بعدد معين وقافية واحدة، ويعقب كل فقرة قفلٌ مكون من أشطار في نفس البحر ، ولكنه بقافية مختلفة تلزم في كل الأقفال، أما الأغصان فقوافيها قد تختلف ولكنها لا تكون إلا من نفس البحر.
 
وكأن الاصطلاح ينظر إلى هذا الشبه القائم بين طريقة تأليف القوافي في الموشحة وبين هذا العقد.([3]) 
    
      وقد ظهرتْ الموشحات استجابة ً لحاجات فنية واجتماعية، أساسُها ارتقاءُ الذوق الفني عند عرب الأندلس وتطور فن الغناء، الأمر الذي دفع ـ فيما يبدوـ إلى استشعار الشعراء والقائمين على أمر الغناء حاجة إلى لون نظميّ ثريّ في إيقاعه، وعلى قدر من الطواعية يمكـّنه من مواكبة الإيقاعات. ([4])
    
      ولا يزال الغموض يحف نشأة الموشحات والزمن الذي ظهرت فيه لأول مرة والشخص الذي ابتكرها.
 
     أما مبتكرها فقد اختلف الباحثون القدامى فيه ، فقيل إن مخترعها هو محمد بن حمود القبري الضرير الذي جُهلت هويته والعصر الذي عاش فيه.
 
     وقيل إنه ابن عبد ربه صاحب العقد الفريد.
 وعزا ابن خلدون اختراعها إلى مقدم بن معافي الفريري.([5])
 
     وقيل إن أول من قالها أولاد النجار الحجازي، وهم متوجهون من المدينة المنورة يستقبلون صاحب الشريعة الإسلامية، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وبأيديهم الدفوف، وأول ما قالوا:
أشرقتْ أنوارُ أحمدْ        واختفتْ منه البدورْ
          يا محمّدْ يا مُمَجَّدْ            أنتَ نورٌ فوق نورْ([6])
 
والمعنى العام واضح لا يحتاج لشرح، واللغة سليمة، والألفاظ واضحة، والتركيب قويم، والخيال بسيط بالنسبة لمقام المدح النبوي، وعاطفته في المدح قوية.
 
      ـ لكن ذلك غير صحيح؛ إذ هذا القول من الكلام البسيط والعادي ، وأي كلام يمكن أن يتخلله شيء ويجعله يشبه فنـًّا شعريًّا أو يكون على وزن دون قصد ـ.
 
 وتتكون الموشحة من:
 
1.    القـُفـْل: وهو شطران ـ أو أكثر ـ  تتحد فيهما القافية في كل الموشحة كما تتفق أوزانها وعدد أجزائها، ويُسَمّى المركز.
 
2.    البيت: وهو مجموعة أشطار تنتهي بقافية متحدة فيما بينها ، ومغايرة في نفس الوقت للمجموعة التي تقابلها في فقرة أخرى، ومجموع الأشطار يُسَمى الغصن.
 
3.    الخـَرْجة: وهي القفل الأخير في الموشحة([7])
 
أي إن الموشح ينقسم إلى أجزاء :
 
1.     المطلع أو المذهب.
2.     الدور.
3.     السمط.
4.     القفل.
5.     البيت.
6.     الغصن.
7.     الخرجة.
 


[1] الأدب الأندلسي من الفتح إلى سقوط الخلافة، أحمد هيكل، ط16، دار المعارف، القاهرة، 2008م.
 
[2] . المعجم المفصل في علم العروض والقافية وفنون الشعر، إميل بديع، ص434 بتصرف.
 
[3] . فصول في الأدب الأندلسي في القرنين الثاني والثالث الهجري، د/ حكمة علي الأوسي، ط4، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرباط، 1983م، ص159.
 
[4] . موسيقا الشعر العربي، د/ عيسى علي العاكوب، ص243.
 
[5] . فصول في الأدب الأندلسي في القرنين الثاني والثالث الهجري، ص167 بتصرف.
[6] . ميزان الذهب في صناعة شعر العرب، السيد أحمد الهاشمي، ص139.
 
[7] . موسيقى الشعر بين الاتباع والابتداع، شعبان صلاح، ط4، دار غريب، القاهرة، 2007م.
 

29 - يناير - 2010
بحث السنة الثالثة
أجزاء الموشحة:    كن أول من يقيّم

     ـ المطلع أو المذهب:
     هو المجموعة الأولى من أشطر الموشح، وأقل ما تكون من شطرين وقافية تلزم في كل أقفال الموشحة.
وليس المطلع ركنـًا أساسيًّا في الموشح؛ ذلك لأنه يجوز حذفه، فإن وُجـِدَ في الموشح فهو "موشح تام"، و إن حُذِفَ فهو "موشح أقرع".
 
 
    ـ الدور:
     هو مجموعة الأشطر التي تعقب المطلع في الموشـَّح التام، وتكون من نفس بحر المطلع، ولكن بقافية مختلفة عن قافيته، تلزم في أشطر الدور الواحد.
 
    ـ السمط:
     كل شطر من أشطر الدور يُسمى سمطـًا، وقد يكون السمط مفردًا أي مكوَّنـًا من فقرة واحدة، وقد يكون مركـَبًا من فقرتين أو أكثر.
 
   ـ القـُـفـْل:
    هو مجموع الأشطر التي تلي الدَّور، وفي نفس بحره، ولكن بقافية مختلفة.
وليس لأقفال الموشح عدد محدد، ولكن الأغلب فيها أن تكون من خمسة أقفال.
 
   ـ البيت:
     يتألف البيت في الموشح من الدور مع القــُفل الذي يليه.
 
   ـ الغـُصْن:
    هو الشطر الواحد من المطلع أو القـُفل أو الخرجة.([1])
 
    ـ الخرجة:
         وهي القفل الأخير في الموشح ، وهي أهم جزء فيه ، وبدونها وبدون الأقفال لا يستوفي الموشح شروطه، وهي الجزء الوحيد الذي يُستحسَن فيه اللحن، إلا إذا كان الموشح للمدح، أو كانت الخرجة "غزلة جدًّا" أو مستعارة من خرجة مشهورة، أو تكون بيتَ شِعر مضَمَّنـًا، فيُستحسَن عندئذٍ أن تكون فصيحة.([2])
       أما عن أوزانه فلم يلتزم الأندلسيون في الموشح وزنـًا واحدًا؛ لأنهم وجدوا أن إيجاد وزن يناسب النغم أسهل من إيجاد نغم يناسب الوزن، ومن أجل ذلك كان الموشح تابعًا لما تقتضيه الأنغام.


[1] . فصول في الأدب الأندلسي في القرنين الثاني والثالث الهجري، د/حكمة علي الأوسي، ص159، 160.
 
[2] . فصول في الأدب الأندلسي في القرنين الثاني والثالث الهجري، د/ حكمة علي الأوسي، ص161.

29 - يناير - 2010
بحث السنة الثالثة
تابع أجزاء الموشحة:    كن أول من يقيّم

يقول لسان الدين بن الخطيب:                                                          [من الرمل]
[في المطلع أو المذهب أي القفل الأول]
جادك الغيثُ إذا الغيثُ همى           يا زمانَ الوصل ِ بالأندلس ِ
لم يكن وصلك إلا حلما                 في الكرى أو خلسة المختلس ِ
***
 
 
[في الدَّوْر أي القسم الذي يكون بين قـُفـْلـَيْن]
إذ يقود الدهر أشتات المنى         تنقل الخطو على ما نرسمُ
زمرًا بين فرادى وثنا       مثلما يدعو الحجيجَ الموسمُ
والحَيا قد جَلل الروض سنا         فثغور الزهر فيه تبسمُ
***
[في القـُفْل الثاني]
وروى النعمان عن ماء السما        كيف يروي مالك عن أنس
فكساه الحُسن ثوبًا معلما              يزدهي منه بأبهى ملبسِ  
***
[الخرجة]
حين لذّ النوم شيئـًا أو كما                 هجم الصبح هجومَ الحرَسِ ِ
غارت الشهب بنا أو ربما                   أثرت فينا عيون النرجس ([1])ِ
***
 
أما الشرح والبلاغة فقد تطرّقتُ إليهما في موضوع " جادك الغيث بتحليل بياني وبديعي غر"

واللغة سليمة واضحة وعاطفة النص قوية ، والألفاظ جزلة معبرة عن الأنس ورثائه، والتركيب سليم ، والخيال قوي مؤثر.
 
و ذكر ابن سناء الملك ([2]) في كتابه "دار الطراز" أن الموشحات تنقسم قسمين:
1.     ما جاء على أوزان أشعار العرب، وهو قسمان:
أ‌.        ما لا يتخلل أقفاله وأبياته كلمة تخرج تلك الفقرة التي جاءت فيها عن الوزن الشعري، وما كان من الموشحات على هذا النسج فهو من المرذول المخذول، ولا يفعله إلا الضعاف من الشعراء، كقول القائل:
يا شقيق الروح من جسدي       أ هوًى بي منك أم لمم؟
فهذا من المديد.
وفي البيت يخاطب الناظم خِله قائلاً يا من روحه شقيقة بدني هل هما متآخيان حُبًّا أو اشتراكًا في بعض صغار الذنوب بأسلوب شبه واضح، ولغة فصيحة، وعاطفة غامضة، وخيال شبه معدوم.


[1] . المعجم المفصل في علم العروض والقافية وفنون الشعر، إميل بديع، ص 435 وما بعدها بتصرف.
 
[2] . القاضي السعيد أبو القاسم هبة الله بن القاضي الرشيد أبي الفضل جعفر بن المعتمد سناء الملك أبي عبد الله محمد بن هبة الله بن محمد السعدي، الشاعر المشهور، المصري صاحب الديوان الشعر البديع والنظم الرائق، أحد الفضلاء الرؤساء النبلاء، وكان كثير التخصص والتنعم وافر السعادة محظوظاً من الدنيا، أخذ الحديث عن الحافظ أبي الطاهر أحمد بن محمد ابن أحمد السلفي الأصبهاني رحمه الله تعالى، واختصر كتاب " الحيوان " للجاحظ، وسمى المختصر " روح الحيوان " وهي تسمية لطيفة -وله كتاب مصايد الشوارد-، وله ديوان جميعه موشحات سماه " دار الطراز " وجمع شيئاً من الرسائل الدائرة بينه وبين القاضي الفاضل وفيه كل معنى مليح.  وتوفي في العشر الأول من شهر رمضان، سنة ثمان وستمائة بالقاهرة، وذكر صاحبنا الكمال ابن الشعار في " عقود الجمال " أنه توفي يوم الأربعاء، رابع الشهر المذكور، رحمه الله تعالى. انظر موقع الحكواتي، 2009م،                       http://www.al-hakawati.net/arabic/civilizations/book13a780.asp
 

 

29 - يناير - 2010
بحث السنة الثالثة
أقسام الموشحة    كن أول من يقيّم

 
ب.        ما تخللته كلمة أخرجته من الوزن مثل قول ابن بقي ([1]):
صبرتُ والصبر شيمة العاني          ولم أقل للمبطل هجراني     معذبي    كفاني
المعنى العام:
لقد داومتُ على الصبر ولم أشتكِ ، والصبر من الفضائل التي يتحلى بها الأسير؛ لأنه يعلم أنه لن يعينه على البقاء إلا الصبر، وبالتالي اقتديتُ بهذا الصابر فصبرتُ على ما حل بي من هجر، وبالإضافة إلى ذلك فإني لم أقل لمن أفسد الوصال بيننا: يكفيني ما نالني من الهجران فقد عذبَني.
عاطفته جميلة واللغة سليمة، والألفاظ سامية، والخيال بسيط ومع ذلك فالأسلوب معتدل.
1.     والثاني ما لا مدخل فيه لشيء من أوزان الشعر، هو القسم الكثير، والقدر الذي لا ينحصر، وأوزانه كثيرة منها:
مستفعلن فاعلن فعيل            مستفعلن فاعلن فعيل
ومنها:
فاعلاتن فاعلن  مستفعلن فاعلن        فاعلاتن فاعلن مستفعلن فاعلن
 
وأما أغراض الموشحات فقد كانت تنظم أولا للغناء، والمعاني الوجدانية المتصلة بالتلحين كالغزل والوصف، ولما شاع الموشح وانتشر شاع نظمه في شتى أغراض الشعر، من الفخر والمدح والرثاء والهجاء والوصف والتهنئة والوعظ والشكر... الخ .([2])
 
* ** الخلاف في أصل الموشحات وآراء الباحثين:
 
رأى فريق أن الموشح تطوير للشعر العربي المشرقي لما في الشعر العربي القديم من محاولات للخروج على نظام القصيدة ونظام القافية الواحدة، ثم إذ يُروى عن امرئ القيس في القصيدة المسمطة التي تنسب إليه خروجه على نظام القافية الواحدة، والتي مطلعها:
توهمت من هند معالم إطلال         عفاهن طول الدهر في الزمن الخالي
مرابع من هند خلت ومصائف        يصيح بمغناها صدًى وعوازف
وغيرها هوج الرياح العواصف       وكل مُسفٍ ثم آخر رادف
بأسحم من نوء السماكين هطال
 
ثم تابع بعض الشعراء ذلك.([3])
 
ورأى فريق أن الموشحات نشأ نتيجة لتقليد الأندلسيين لضربٍ من الشعر الغنائي عجمي، وحججهم في ذلك أن الموشح يختلف عن فنون الشعر الأندلسي العربي المشرقية؛ لأنه إنما صُنِع لأجل الغناء، وشيوع الأوزان التي لا يجري على العروض العربي في الموشح دليل آخر على رابطة القـُرْبى القوية بينه وبين الشعر الأعجمي ، ثم إنه قد اكتـُشِفت مجموعة من الخرْجات الأعجمية في كتاب "عُدة الجليس ومؤانسة الوزير والرئيس" لعلي بن بشري الغرناطي([4])  الثامن أو التاسع الهجري، كما أن الشعب الأسباني كان يتغنى به.([5])
 
وإني لأرى أن رأي الفريق الثاني هو الأصوب؛ وأعلل رأيي بسؤال هو: لمَ رُبِط فن الموشـَّح بالأندلس؟
 
حيث إن جُلَّ العلماء بل يكادُ أن يكون كلهم يربطون فن الموشح بالأندلس ، وكذلك قيل إن الموشحات كانت تنطوي على كلمات أسبانية، وإلا كيف استطاع الأسبان التغني بها؟


[1] . أبو بكر يحيى بن بَقيّ، وشّاح وشاعر أندلسي ولد في طُليطلة،(نحو 465ـ545هـ/1073ـ1150م)، واختلف مؤرخو الأدب في اسم أبيه كما اختلفوا في المدينة التي ولد فيها، قيل إنَّ ابن بقي ترك ثلاثَة آلاف موشح ومثلها قصائد، ولكن لم يبق إلا القليل من موشّحاته وقصائده. تعدّ موشحات ابن بقي القاعدة التي سار عليها أكثر الوشّاحين الذين جاؤوا بعدهُ من أندلسيين ومشارقة سواء أَكان ذلك في الشكل أَم في المضمون. انظر الموسوعة العربية، عدنان آل طعمة،  2005م،                        http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=4360
 
[2] . البناء الفني للقصيدة العربية، محمد عبد المنعم خفاجي ، ص136، 137 بتصرف.
 
[3] . فصول في الأدب الأندلسي في القرنين الثاني والثالث الهجري، د/ حكمة علي الأوسي، ص186بتصرف.
 
[4] . لم أعثر على ترجمة له.
 
[5] . فصول في الأدب الأندلسي في القرنين الثاني والثالث الهجري، د/ حكمة علي الأوسي، ص172، 173، 174بتصرف.

29 - يناير - 2010
بحث السنة الثالثة
خاتمة البحث...     كن أول من يقيّم

( الخاتمة )
 
     فمن خلال تحليقي بين الألفاظ والعبارات، وتجوالي بين السطور والكلمات، ألفيتُ أن العلمَ نورٌ ونورُ الله لا يُهدى لعاصٍ، وأحمد الله تعالى أن وفقني لإنهاء هذا البحث، كما أشكر والديّ العزيزَين اللذين وفرا لي جوًّا مناسبًا للبحث والتقميش، ولن أنسى فضل أستاذي الذي أعطاني وقتـًا كافيًا لإنهاء هذا البحث.
 
     وبعدها ، فإن هذا البحث أعدّه جرعة ً إضافية لمخزوني الفكري والأدبي والتاريخي؛ فقد اطلعتُ على كتبٍ لم أتعرفْ عليها سابقـًا مما زاد من أواصر المحبة بيني وبين الكتب، وزاد من مهارتي في التدوين والبحث والنظم، وتعرفتُ على شخصيات كنتُ أسمع بها لكن لم أكلفْ نفسي قبلا عناء اقتحام حياتهم، كذلك فقد اكتشفتُ أمورًا كثيرة قد خفِيَتْ عليّ كالأوزان المستحدثة وأسباب ظهورها، والناظمين عليها، ومن ثـَمَّ شجّع ذلك فضولي على النظم على أحدها، رغم أني من المتعصبين للشعر العمودي؛ حفاظـًا على التراث العربي القديم الأصيل، وأرى أن الانزياح نحو المستحدث هو ما يريده الغرب منا، فكل تلك الفنون ظهرت بسبب استثقال الشعر العمودي، والرغبة في التطورـ كما يزعمون ـ وفي اختراع شعر مناسب للغناء، وأرى أنها دَعاو ٍ هدّامة للعربية وتراثها، أما تنقيبي عن المستحدث ونظمي عليه إنما هو من باب حب الاكتشاف والمغامرة والخوض في كل شيءٍ لاسيما إن كان يمتّ بصلة إلى الشعر العربي الفصيح حتى لو كان خارجًا على أوزان وتراكيب البحور الستة عشر، وعلم العروض كما يقول السكاكي:"نوع إذا أنت ردَّدته إلى الاختصار احتمله، وإذا أنت حاولتَ الإطناب فيه امتد ، وكاد ألا يقف عند غاية؛ لقبوله من التصرف فيه نقصانـًا وزيادة ما شاء الطبع المستقيم".
 
بحثي هذا ليس بالمستوى الذي يجب أداؤه من طالبة جامعية؛ إذ أتى بقلم سريع يرغب في التخلص من أشغاله وواجباته واحدًا واحدًا في خضمّ الحياة الجامعية، لكني أتمنى من القارئ أن يستفيد من كل معلومة ذُكِرَت ومن كل معنـًى استـُبين، فذلك كفيل بأن يزيد من مستواه الثقافي والأدبي ولو قليلاً، وأن يبقى دائمًا داعية ً إلى طريق اللغة العربية، وإبراز روعتها وطلاوتها للعالم بإبداعه و التمسك بها؛ ليبث حبها في القلوب لتتحول من النفور منها إلى الإقبال عليها .
 
 
 
                                                                              والله ولي التوفيق
                                                                                طمّاح الذؤابة

29 - يناير - 2010
بحث السنة الثالثة
 3  4  5  6  7