المبحث السابع: المواليّا: كن أول من يقيّم
المبحث السابع: المواليّا: هو فن من فنون الشعر وُضع للغناء، وقيل إن أول من تكلم بهذا النوع بعض أتباع البرامكة بعد نكبتهم، فكانوا ينوحون عليهم ويكثرون من قولهم "يا مَوْلي" وبالجمع "مواليّا"، فصار يُعرَفُ بهذا الاسم، وقيل إن أول ما جاء من هذا الفن قول جارية من إماء البرامكة ترثيهم: يا دارُ أين ملوك الفرْس أين الفـُرْسْ أين الذين حمَوْها بالقنا والتـُّرْسْ قالتْ تراهُمْ رِمَمْ تحت الأراضي الدُّرْسْ خُفوتْ بعدَ الفصاحة ألسنتهم خُرْسْ. ([1]) المعنى العام: يبدو في هذه الأبيات حزن الجارية جليًّا بسبب النكبة التي أبادت البرامكة وكانوا من أعزة الفرس، وكانوا مصدر فخر بسلطتهم ونفوذهم للفرس الآخرين، وهم من حمَوا الديار مع نفوذهم بالرماح هجومًا على الأعداء والتروس دفاعًا عن الأراضي والممتلكات، فالقنا كناية عن الهجوم والترس كناية عن الدفاع. فأجابت الدار أن من ينظر إليهم الآن يراهم بالين في قبورهم البالية، والتي تقادم عهدها فذهب أثرها، مما جعلهم في حالة ضعف، وألسنتهم عاجزة عن الكلام بعد كل ذاك البيان وتلك الفصاحة التي كانوا عليها في حياتهم. اللغة واضحة والأسلوب معتدل، والألفاظ معبرة عن الغرض، والخيال بسيط ، والعاطفة في الرثاء قوية. والرأيُ الراجح عند مؤرخي الأدب أن المَواليّا نشأتْ أولا عند أهل واسط() ، وقد نظموا من هذا الفن الغزل والمديح ، ثم استعمله البغداديون، وأجادوا فيه حتى عُرف بهم دون مخترعيه.([3]) وبعد أن نشأ في العراق أحبّه أهل مصر، وبقي عندهم حتى غدا كأنه من التراث الشعبي المصري. ويعتمد المَواليّا على تفاعيل البحر البسيط أساسًا، لكنه يُتصَرّف في بعض صوره على نحوٍ يُخرجه عن هذا البحر.([4]) والمواليّا أشكال عِدّة منها: أ- الرباعي: وهو ما تألف من أربعة أشطر متفقة في الروي كما في قول الجارية السابق. ب- الرباعي الأعرج: وهو ما تألف من أربعة أشطر يتحد أولها وثانيها ورابعها في الروي، ويختلف ثالثها كما في : يا عبدُ إبكِ على فعل المعاصي و نوحْ هم فينْ جدودك أبوك آدم وبعده نوحْ دنيا غرورة تجي لك في صفة مركبْ ترمي حمولها على شط البحورْ وتروحْ المعنى العام: هنا لمحة وعظ في الأبيات إذ يقول الناظم يا عبدُ أيًّا كان منصبك ومستواك في مجتمعك ابكِ على ما اقترفتـَه من المعاصي وأكثِرْ علَّ ذنوبك تـُمسَح، فإنك مقبلٌ على الموت الذي أفنى أجدادك بدءًا من آدم وبعده نوح عليهما السلام ـ " فين" أصلها إما " أين " أو " فأين". وهذه الدنيا تغري المرء تأتي حينـًا بأنواع الملذات والزخارف كسفينة محملة بشتى البضائع ، ثم ترمي بحمولتها عند الموانئ وتذهب لتغريَ شخصًا آخر. ويبدو التشبيه التمثيلي جليًّا في البيت الثاني إذ شبه صورة الدنيا المغرية المزينة بألوان المتاع، فيلهو بها المرء عن دينه ونفسه وهدفِه الأسمى في الحياة ، ثم تتركه من دون شيء ، بصورة السفينة المحملة ببضائعَ شتى تلقي حمولتها عند شاطئ البحر وتذهب خاذلة، وسر جمال التشبيه بيان مدى إغراء الدنيا للناس وخذلانها لهم. واللغة واضحة غير فصيحة، والأسلوب بين بين، وعاطفة الوعظ قوية، والألفاظ ملائمة للغرض، والخيال مناسب لجو الوعظ . ت- النعماني: وهو ما تألف من سبعة أشطر، تتحد الأشطر الثلاثة الأولى منها في روي، وتتحد الأشطر الثلاثة التي بعدها في روي آخر، ويتحد روي الشطر السابع مع روي الأشطر الثلاثة الأولى، مثل: الأهيف اللي بسيف اللحظ جارحْنا بيده سقانا الطِـّلا ليلاً وجارحْنا رمش رمي سهم قطع بهْ جوارحْنا آهين على لوعتي في الحب يا وعدي هجره كواني وحيرني على وعدي يا خِلْ واصلْ ووافِ بالمنى وعْدي مِن حَرّ هَجْرك ومِن نار الجوى رحنا ([5]) المعجم اللغوي: الأهيف: دقيق الخصر ضامر البطن.() المعنى العام: يقول الناظم إن دقيقة خصر هي التي جرحته بنظرتها من مؤخر عينها نحوه، وسقته الخمر ليلاً بيدها. وبحركة من رموشها أحس الناظم كما لو أن سهمًا أصاب جوارحه وقطعها، ثم يعظم إحساسه بالحب بالتأوّه مرة بعد مرة؛ فحبه أشعره بحرقة داخلية وأن نصيبه في الحياة وما وعدتْه به متمثل في من رآها. وبهجرة المحبوبة خالجه إحساس بنار تكوي جوفه وتجعله في حيرة من أمره على وعده الذي لم يتم باستمرار لقائها، فيخاطبها طالبًا منها الوصال ووفاء وعده باللقاء فهذه أمنيته منها. وحرارة هجرها ونار العذاب الداخلي هما اللذان سيقضيان عليه. اللغة واضحة وغير سليمة أو فصيحة، الألفاظ بها اضطراب وقلق، والتركيب به شيء من عدم الاستواء، الخيال غير مقنع، العاطفة لا تثير المتلقي بشكل كبير. [2] . محافظة واسط هي محافظة تقع وسط العراق. سميت باسم مدينة واسط التي بناها الحجاج بن يوسف الثقفي سنة 78 هجرية وأتمها في سنة 86 هجرية لتكون مقرًّا جديدا لجنوده. من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة 30 نوفمبر 2009. |