بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله كن أول من يقيّم
تحية عاطرة لك أستاذ محمود ودمت مضيئا مشرقا في ربوع الوراق الزاهرة. يبدو أن الخوض في العقيدة أصبح شرا لا بد منه والمفرح في الأمر أن المسلمين شرقا وغربا بمنجاة من ذلك فهم يرفعون أكف الدعاء إلى خالق الأرض والسماء غير مبالين أو غير منتبهين لما يقوله أئمتهم من أن الله لا مكان له. من جانبي لا أرى بأسا أن يصرح المسلم بعقيدته التي رضيها لنفسه واطمأن قلبه إلى صدقها ومطابقتها لآيات الذكر الحكيم ولسنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم بل وأن يدعو لها فيحب لأخيه ما يحب لنفسه. ولكن....................... أن يؤتى بعقيدة ويقال هذه عقيدة السلف ــ والسلف برآء منها ــ ثم يقسمون إلى حقيقيين وغير حقيقيين فهذا ظلم لهم وغش للأمة ويعلم الله أني لا أحسبه مقصودا إنما هو النقل دون توثيق وتحقيق. أما ما كان عليه السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان والأئمة الأربعة وأهل الحديث فكما قال الشهرستاني ــ وهو من المخالفين لهم ــ في الملل والنحل: فأما أحمد بن حنبل وداود بن علي الأصفهاني وجماعة من أئمة السلف فجروا على منهاج السلف المتقدمين عليهم من أصحاب الحديث؛ مثل: مالك بن أنس ومقاتل بن سليمان، وسلكوا طريق السلامة؛ فقالوا: نؤمن بما ورد به الكتاب والسنة ولا نتعرض للتأويل؛ بعد أن نعلم قطعاً أن الله عز وجل لا يشبه شيئاً من المخلوقات، وأن كل ما تمثل في الوهم فإنه خالقه ومقدوره. وكانوا يحترزون عن التشبيه إلى غاية أن قالوا: من حرك يده عند قراءة قوله تعالى: :"خلقت بيدي"، أو أشار بإصبعيه عند روايته: قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن... وجب قطع يده، وقلع إصبعيه. وقالوا: إنما توقفنا في تفسير الآيات وتأويلها؛ لأمرين: أحدهما: المنع الوارد في التنزيل في قوله تعالى:" فأما اللذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا، وما يذكر إلا أولو الألباب"؛ فنحن نحترز عن الزيغ. والثاني: أن التأويل أمر مظنون بالاتفاق، والقول في صفات الباري بالظن غير جائز، فربما أولنا الآية على غير مراد الباري تعالى فوقعنا في الزيغ؛ بل نقول كما قال الراسخون في العلم: كل من عند ربنا: آمنا بظاهره، وصدقنا بباطنه، ووكلنا علمه إلى الله تعالى، ولسنا مكلفين بمعرفة ذلك؛ إذ ليس ذلك من شرائط الإيمان وأركانه. واحتاط بعضهم أكثر احتياط؛ حتى لم يقرأ: اليد بالفارسية ولا الوجه، ولا الاستواء، ولا ما ورد من جنس ذلك. بل إن احتاج في ذكرها إلى عبارة عبر عنها بما ورد: لفظا بلفظ. فهذا هو طريق السلامة، وليس هو من التشبيه في شيء. وهو ما أشار إليه أبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين. في البطاقة الآتية تراجع أبي الحسن الأشعري عن المذاهب الكلامية وعوده إلى طريقة السلف. |