شكراً وعذراً على التأخير كن أول من يقيّم
أشكر أخويَّ الدكتور يحيى والأستاذ ياسين الشيخ سليمان على هذا الكلام المستفيض والماتع الرائع حول التفسير والتأويل . وأفضل هذه الأقوال هو أن التفسير ما كان راجعاً إلى الرواية والتأويل ما كان راجعاً إلى الدراية ـ كما ذكره الذهبي رحمه الله والمفسرون الذين سموا كتب تفسيرهم بلفظ التأويل ،لم يخلطوا ما بين التأويل والتفسير لأن أكثر التفاسير تشتمل على الرواية والدراية معاً لذلك لا بأس بتسميتها تفسيراً أو تأويلاً. كما سمى البيضاوي ( ت 971 هـ ) كتابه ( أنوار التنزيل وأسرار التأويل ) والنسفي ( ت 710 هـ ) سماه ( مدارك التنزيل وحقائق التأويل ) والخازن (ت 725 هـ ) سماه ( لباب التأويل في معاني التنزيل ). وإذا نعت الله تعالى كتابه بأنه ( مبين ) في أكثر من موضع كقول الله تعالى : } قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ { ( سورة المائدة : 15 ). وقوله جل جلاله : } الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ { ( سورة الحجر : 1 ). فأول ما يتبادر إلى الذهن من هذه الآيات ، أن القرآن الكريم جلي لا أثر للغموض فيه ، مما يجعله غنياً عن التفسير لكمال وضوحه ، فكيف نوفق بين هذه الآيات الدالة على وضوح القرآن ، وبين قول الله سبحانه وتعالى: }وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون{ ( سورة النحل : 44 ). فمن أين يحسن الاشتغال بتبيين ما هو مبين لا يحتاج إلى بيان ؟ أقول : لا نسلم أبداً أن وصف القرآن الكريم بالبيان والتبيين يقتضي عدم حاجة شيء منه إلى شرح وتأويل ،فلقد ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم ، أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بعض الآيات ففسرها لهم عليه الصلاة والسلام، كما أشكل على عدي ابن حاتم رضي الله عنه في قوله تبارك وتعالى : } وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ { ( سورة البقرة : 187 ). عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ } حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ { عَمَدْتُ إِلَى عِقَالٍ أَسْوَدَ وَإِلَى عِقَالٍ أَبْيَضَ ، فَجَعَلْتُهُمَا تَحْتَ وِسَادَتِي ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِي اللَّيْلِ فَلا يَسْتَبِينُ لِي، فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ : (إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ ) ( رواه البخاري) ولذلك يقولون بأن كتاب الله يحتاج إلى تفسير وتأويل . |