نصوص في قضية أهمية هذين العلمين كن أول من يقيّم
نقل الشيخ بدر الدين الدماميني(ت827هـ) في شرحه المسمى العيون الغامزة فصلًا ذكره ابن بري التازي، فيه فوائد، لا بأس من الإحاطة بها، وأعرضه بتصرف على النحو التالي: رأي الرافضين للعروض: يقول ابن بري: "قد تجافى بعض المتعسفين عن هذا العلم ووضعوا منه واعتقدوا أن لا جدوى له واحتجوا بان صانع الشعر إن كان مطبوعًا على الوزن فلا حاجة له بالعروض، كما لم يحتَجْ إليه مَن سبق الخليل من العرب، وإن كان غير مطبوع فلا يتأتَّى له نظم العروض إلا بتكلف ومشقة، كما قال أبوفراس الحمداني: تناهض الناس للمعالي لما رأوا نحوها نهوضي تـكلفوا المكرمات كدًّا تـكلف النظم بالعروض ولأن بعض كبراء الشعراء لم يقف عند ما حده الخليل وحصره من الأعاريض بل تجاوزها. وذكر قصة أبي العتاهية... ولأنه يُخرج بديع الألفاظ ورائق السبك إلى الاستبراد والركاكة، وذلك حالةَ التقطيع والتفعيل، وربما أوقع المرء في مهوى الزلل ومقام الخجل بما يتحول إليه صوغ البنية من منكر الكلام وشنيع الفحش. وذكر مداعبةً جرت بين أبي نواس وعنان جارية الناطفي.... ثم ذكر هجاء الجاحظ للعروض المثبت سلفًا. رأي المنصفين: يقول ابن بري:" الحق الذي يعترف به كل منصف أن لهذا العلم شرفًا على ما سواه من علوم الشعر؛ لصحة أساسه واطراد قياسه ونبل صنعته ووضوح أدلته. وجدواه حصر الأوزان ومعرفة ما يعتريها من الزيادة والنقصان، وتبيين ما يجوز منها على حسن أو قبح وما يمتنع، وتفقد محالِّ المعاقبة والمراقبة والخرم والخزم وغير ذلك مما لا يتَّزن على اللسان ولا تتفطَّن إليه الفِطَر والأذهان؛ فالجاهل بهذا العلم قد يظن البيت من الشعر صحيح الوزن سليمًا من العيب وليس كذلك. وقد يعتقد الزحاف السائغ كسرًا وليس به... وذكر نماذج. ثم قال:" وهل علم العروض للشعر إلا بمثابة علم الإعراب للكلام؟ فكما أن صنعة النحو وُضِعت ليُعافي بها اللسان من فضيحة اللحن فكذلك علم العروض وُضع ليعافي به الشعر من خلل الوزن، فلولاه لاختلطت الأوزان واختلفت الألحان وانحرفت الطباع عن الصواب انحرافَ الألسنة عن الإعراب. وقد وقع الخلل في شعر العرب كثيرًا، وذكر نماذج... ثم رد قائلا:" ولا حجة في ذم الجاحظ لهذا العلم فقد مدحه أيضًا، وإنما أراد بذلك إظهار الاقتدار على جمع المدح والذم في شيء واحد، فقال في مدحه:"هو علم الشعر ومعياره وقطبه الذي عليه مداره، به يُعرف الصحيح من السقيم والعليل من السليم، وعليه تُبْتَنى قواعد الشعر، وبه يسلَم من الأوَد والكسر. وإنما يضع من هذا العلم مَن نبا طبعُه البليد عن قَبوله ونأى به فهمه البعيد عن وصوله. كما حكى الأصمعي أن أعرابيًّا مبتدئًا كان يجلس إلى بعض الأدباء وكلما أخذوا في الشعر أقبل بسمعه عليهم حتى أخذوا في العروض وتقطيع الأبيات ولى عنهم، وهو ينشد: قد كان إنشادهم للشعر يعجبني حتى تعاطوا كلام الزنج والروم ولـيتُ منقلبًا والله يعصمني مـن التقـحُّم في تلك الجراثيم ومثل هذا يُردُّ عليه بقول الخليل: لو كنت تعلم ما أقول عذرتني أو كنت أجهل ما تقول عذلتكا لكن جـهلت مقالتي فـعذلتني وعلـمت أنك جاهل فعذرتكا العيون الغامزة ص231-236.عرض د/صبري أبوحسين |