المبحث الثالث: الزجل: كن أول من يقيّم
المبحث الثالث: الزَّجـَل: الزجل لغة: الجلبة والتطريب ورفعُ الصوت. اصطلاحًا: فن نظمِيُّ مُسْتحْدَثٌ سُمِّيَ "زجَلا" كما يقول صفيُّ الدين الحِليّ([1]) في كتابه المُسَمّى "العاطل الحالي والمُرَخـَّصُ الغالي" ؛ لأنه :" لا يُلـْتـَذ ُّ به وتـُفهَمُ مَقاطعُ أوزانه ولزوم قوافيه حتى يُغـَنـّى ويُصَوَّت فيزول اللـَّبْس بذلك"([2]). ولم يُراعَ فيه الالتزام بالإعراب فقد نشأ عامّيًّا، وأول من أبدعه أبو بكر بن قزمان([3]) ([4]). ويُرَجِّحُ الدارسون أن الأزجال نشأتْ في أواخر القرن الرابع الهجري، وأوزانه كثيرة كثرة بالغة، لكن المشهور منها هذه الصور: مُستفعلن مستفعلن مستفعِلْ مُستفعلن مستفعلن مستفعِلْ مُسْتفعلن فعْلـُنْ فعْلـُنْ مُسْتفعلن فعْلـُنْ فعْلـُنْ مستفعلن فعْلن فعْلانْ مستفعلن فعْلن فعْلانْ([5]) ومنهم مَن يقسِّم أوزان الزجل إلى ما هو على بحور الخليل، ويُسَمّى الشعر الزجلي، كقول الزجلي الأندلسي مَدْغَلـّيس([6]): ورْذاذ ُ دَقَّ يَنزِلْ وشُعاع الشمسِ يَضْرِبْ والنباتُ يشرَبْ ويسكرْ والطيور ترقصْ وتطربْ والفصول تعطفْ إلينا ثم تستحيي وتهربْ المعنى العام: يبدو أن الشاعر يصف الأحوال بعد انقضاء الشتاء وإقبال الربيع فالمطر خفّ، وشعاع الشمس يضرب رذاذ المطر ووجهَ الأرض بعد طول غياب، وعلى ما يبدو فالأفضل أن يكون هذا الشطر ـ وشْعاعُ شمسٍ يضربْ ـ حتى يستقيم الوزن على الرجز المجزوء. والنبات تمتص جذورُه الماءَ فيبدو كسكران لتشبُّعه وزيادة، وإذا أردنا أن يستقيم الوزن فنجعله ـ ونـْبات ِ يشربْ يسْكرْـ ، أما الطيور فيتمثل دورها بالرقص والطرب، وللوزن يكون الشطر ـ وِطـْيورُ ترْقصْ تطربْ ـ ، هكذا والفصول تأتي حينـًا بانعطافة ثم تهرب حياءً.، ومراعاةً للوزن نجعل البيت: ـ وفـْصولُ تعطفْ لينا ثمْ تستحي وِتهربْ ـ الجانب البلاغي: شبه أشعة الشمس بسَوطٍ أو عصًا يُضرب بها باستعارة مكنية، للدلالة على سرعة وصولها إلى الأرض وأثرها على الحياة. شبه النبات الذي بالغ في الشرب بسكران في ثوب استعارة مكنية، للدلالة على مدى تمايل النباتات واضطراب حركتها. شبه الفصول بالعذاري في حيائهن، ثم بكائن ٍحي يهرب في استعارة مكنية فيها تشخيص للدلالة على سرعة انقضاء تلك الفصول. وهناك جناس بين "ضرب وطرب وهرب". واللغة سهلة واضحة والتراكيب بسيطة والألفاظ لا تعقيد فيها، والخيال غير عميق، والعاطفة بسيطة غير مُلفِتة. ومنها ما هو خارج على بحور الخليل. والظاهر أن أوزان الزجل تطورت من الأوزان الخليلية، وأول ما نظموا الأزجال جعلوها قصائد مُقصَّدة وأبياتـًا مجردة في أبحر عروض العرب بقافية واحدة كالقريض، لا يغايره بغير اللحن واللفظ العامّيّ، وسمّوها القصائد الزجلية، فإذا حكم عليهم فيها لفظة معرّبة، غالطوا فيها بالإدماج في اللفظ والحيلة في الخط كالتنوين، فإنهم يجعلون كل منوَّن منصوبًا أبدًا، ويكتبون اللفظة بمفردها مجردة من النتوين، وبعدها ألفـًا ونونـًا، مثل أن يكتبوا"رجلاً" على هذه الصورة"رجل ان"، كالمد، فإنهم إذا اضطروا إلى لفظة "إحياء" كتبوها "إحياي"، ولفظوا بها كذلك. أما من ناحية القافية فقد تفنـَّنَ الزجّالون في تنويعِها وتغييرها ، وأكثر الزجل يمكنُ ردُّه إلى : · نوع يتألف من أربعة أشطر تتحد فيها القافية في الشطر الأول والثاني والرابع، كقول الشاعر: ولكْ خَبِّروني الليلَ عَ شفافكْ سَكَرْ نور الدِّني والحُبّ وقلوب البشرْ بـِسْتي جَبينو وعَلـَّمت بمحَلـّها نقطة ، وكل الناس سمّوها قمرْ المعنى العام: نقلُ هذين البيتين إلى الفصحى يجعلهما على النحو الآتي: يا هذه أخبروني الليلة أن على شفاهك سكر أنار بنوره الليلة َ فأهديني إياها مع الحب وقلوب البشر ـ والأفضل لو قال في قـْلوب البشر ؛ حتى يشمل كل الحب الذي وُجـِدَ بين الناس فذاك أعظم ـ ، ونرى أنهم كانوا يستعملون عَ بدل على. قبَّلتِ جبينـًا وأثر القـُبلة بدا واضحًا ، ولم يبقَ أحد إلا وقال إن ذاك الأثر مثل القمر في جماله، فما بالنا بصاحبته؟، ونرى أنهم كانوا يأتون بياء بعد تاء المؤنث للخطاب، وكانوا يُبدِلون هاء الغائب واوًا " جبيـنو"، وكانوا يبدؤون بساكن. اللغة ركيكة، والمعاني قديمة، والأسلوب لا يحوي على شيء من الفخامة، والألفاظ محددة بالطائفة والبقعة التي قيلت فيها، والبيتان يكادان يخلوان من الخيال. [1] . هو عبد العزيز بن سرايا بن علي بن أبي القاسم، السنبسي الطائي (675 - 750 هـ / 1276- 1349 م)، شاعر عصره، ولد ونشأ في الحلة، بين الكوفة وبغداد، واشتغل بالتجارة، ورحل إلى القاهرة، فمدح السلطان الملك الناصر وتوفي ببغداد. له (ديوان شعر)، و(العاطل الحالي): رسالة في الزجل والموالي، و(الأغلاطي)، معجم للأغلاط اللغوية و(درر النحور)، وهي قصائده المعروفة بالأرتقيات، و(صفوة الشعراء وخلاصة البلغاء)، و(الخدمة الجليلة)، رسالة في وصف الصيد بالبندق. [3] . هو أبو بكر محمد بن عبد الملك بن قزمان، ولد في قرطبة بعد 460 هـ وقيل حوالي 480 هـ وتوفي في حدود عام 554/555 هجري 1160 للميلاد ، يعتبر من منشئي الزجل أو من أبرز أعلامه. عاش في أسرة كان لها حضور ثقافي وأدبي وسياسي في البيئة الأندلسية. و كان مبدعًا ، عاش حياته في اللذة والمتعة واقتناص لذات الحياة حتى في شهر رمضان المبارك. ويعد ابن قزمان زعيم الزجالين خاصة في ديوانه المشهور" إصابة الأغراض في ذكر الأعراض" الذي وثقه الكثير من المستشرقين والدارسين العرب. وقد أشاد بشاعرية ابن قزمان الزجلية الدارسون القدماء أمثال: ابن خلدون والمقري، والدارسون العرب المحدثون كإحسان عباس ومصطفى الشكعة... والمستشرقون والمستعربون كجنزبرج، والإسباني إميليو گارسيا كوميث، دون أن نغض الطرف عن المستشرق الروسي كراتشكوفسكي. وكان أهل الأندلس يقولون ابن قزمان في الزجالين بمنزلة المتنبي في الشعراء، فابن قزمان ملتفت إلى المعنى، أما ديوان الشاعر فقد حملته الأقدار من بلد لآخر، ومن يد لأخرى بصورة عجيبة وغريبة.ومن مميزات شعر ابن قزمان أن زجله يعبر عن تمازج الحضارة العربة بالحضارة الأيبيرية، كما تحضر اللغة الرومانسية بشكل ملحوظ في مفرداته وعباراته الشعرية، وهذا دليل على حضور اللاتينية في شعر ابن قزمان. [ المعـرفـة الموسوعة الحرة لخلق وجمع المحتوى العربي http://www.marefa.org/index.php/%D8%A5%D8%A8%D9%86_%D9%82%D8%B2%D9%85%D8%A7%D9%86] |