 | شروط الترجمة كن أول من يقيّم
الأخ الفاضل أحمد بارك الله فيك على هذا المرور الطيب إن ترجمة تفسير القرآن الكريم ليس حراماً مطلقاً ولا مباحاً مطلقاً , ولكن يجوز ترجمة تفسير القرآن الكريم بشروط وقيود , لئلا تمتد الأيدي السوداء إلى قداسة القرآن وكرامته . كما يجب على المسلم غير العربي أن يتعلم لغة القرآن الكريم , وذلك لإقامة الشعائر الدينية من صلاة وأدعية, وفهم للكتاب والسنة . والعناية باللغة العربية جزء حقيقي من عمل الإعلام الإسلامي , وقد قطع السلف الصالح أشواطاً واسعة في التعرب, إيماناً بأن اللغة العربية جزء من الإسلام, لأنها لغة القرآن الكريم. وقد ذكر الجاحظ أن موسى بن سيار الأسواري : (كان من أعاجيب الدنيا , كانت فصاحته بالفارسية في وزن فصاحته بالعربية , وكان يجلس في مجلسه المشهور به , فيقعد العرب عن يمينه , والفرس عن يساره , فيقرأ الآية من كتاب الله ويفسرها للعرب بالعربية , ثم يحول وجهه إلى الفرس فيفسرها لهم بالفارسية , فلا يدرى بأي لسان هو أبين ) () . فاللغة العربية هي الأداة والوسيلة التي تصل بالمسلم إلى فهم الكتاب والسنة , فإن فقدت الأداة, فإما أن تتوقف الدعوة أو نبحث عن وسيلة نبلغ بها من لا يعرف العربية , والذي لا يعرف العربية عليه أن يتعلمها قال عمر بن الخطاب t : ( تعلموا العربية فإنها من دينكم ) () . وقال ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ : ( إن نفس اللغة العربية من الدين , ومعرفتها فرض واجب , فإن فهم الكتاب والسنة فرض, ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية , وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ) ([3]) . والوسيلة الموصلة إلى تبليغ الكتاب والسنة, هي تفسيرهما إلى لغات البشر جميعاً, وقد قدرها بعض العلماء بنحو سبعة آلاف لغة, فهل نحن مدركون لضخامة واجب البيان والتبليغ والتفهيم؟ إنه ليس من المعقول إذن , أن تتوقف الدعوة الإسلامية باصطدامها بحاجز اللغة فقط , بينما الرسول الكريم لم يتوقف عن الدعوة والتبليغ للعرب فقط , بل نشر الدعوة في السنة السابعة من الهجرة, إلى جميع الأمم المحيطة بالجزيرة العربية , فأرسل الرسائل إلى الملوك والرؤساء, واستقبل الوفود, ولم تكن اللغة عائقاً أمام الدعوة , بل حث أصحابه على تعلم اللغات كالسريانية. عن زيد بن ثابت t قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : (( ثم إنه يرد علي أشياء, أكره أن يقرأ, أفتطيق أن تعلم السريانية ؟ قلتُ : نعم , فتعلمتُها في سبع عشرة )) () . ومن الصحابة من كان يحسن الفارسية والرومية والحبشية, كسلمان الفارسي, وصهيب الرومي, وبلال الحبشي y . وفي بداية دخول الإسلام إلى بلاد العجم , كان دعاة الإسلام يفسرونه ويشرحونه للناس بلسانهم, بينما كانت اللغة العربية وقتئذ في موقع العزة والقوة والمنعة , تفرض نفسها على جميع الأمم والشعوب, فأصبحت لغة الدواوين والعلوم بيد أنها لغة الدين الجديد . وبعد سقوط الخلافة الإسلامية , تفككت الدولة الإسلامية , وأصبحت دويلات مختلفة, وأضحى الإسلام واللغة العربية هدفيْن رئيسييْن للأعداء , للنيل منهما , والعمل بشتى الوسائل لإضعافهما. فليست حماية الأمة الإسلامية بحماية أرضها فقط , بل بحماية لغتها أيضاً من الضعف والاضمحلال والضياع . فإذا أردنا التبليغ والبيان للمسلمين , فلا بد من تفاسير مترجمة كمرحلة للتفهيم والتبليغ , ومهمة التبليغ هذه تحتاج إلى مؤسسة قرآنية عالمية تعتني بالقرآن وتفسيره بكل لسان وطبعه وتوزيعه, ورصد ما يظهر من الترجمات الفاسدة , وتتبع الناشرين لهذه الترجمات قضائياً , كما حذرت دائرة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدُبَيْ من تداول أو طباعة أو نشر ترجمة لمعاني القرآن الكريم باللغة الروسية للدكتور محمد سعيد الرشد, لأنها تحتوي على مقدمة شيوعية, وأفكار صليبية ويهودية, بالإضافة إلى مفاهيم غير دقيقة حول خصائص الرسول r ومقومات نبوته(). ن ، أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ، أحمد بن تيمية [4] ـ المعجم الكبير ، لأبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني : 5 / 156 . | 15 - أغسطس - 2008 | ترجمة القرآن الكريم بين الحظر والإباحة |