مذاهب التوحيد المسيحي عبر التاريخ كن أول من يقيّم
مذاهب التّوحيد المسيحي عبر التاريخ
أثبتت التّواريخ المدوّنة والوثائق المكتوبة، أنه وُجدت ولا تزال، أعداد من المسيحيّين الذين أنكروا تأليه المسيح عليه السّلام، ورفضوا عقيدة التجسّد والتّثليث، وأكّدوا تفرّد الله الآب وحده بالألوهيّة والرُُّبوبيّة والأزليّة، وأن المسيح عليه السّلام بشر مخلوق.
ولقد ذكرت المصادر التاريخيّة المسيحيّة، المختصّة بتاريخ الكنيسة، أسماء عدّة فرق في القرون المسيحيّة الثلاثة الأولى، كانت تنكر التّثليث والتجسّد وتأليه المسيح، وهي: فرقة الإبيونيين، وفرقة الكارينثيانيين، وفرقة الباسيليديين، وفرقة الكارپوقراطيين، وفرقة الهيپسيستاريين، وفرقة الغنوصيين.
وأما أشهر الشخصيات المسيحيّة التوحيديّة في التاريخ، فهي:
بولس السُّميساطي: كان بطريرك أنطاكية 260 م، آمن ببشرية المسيح، ووافقه على مذهبه التوحيدي الخالص كثيرون، عُرفوا بالبوليقانيين. كان يفتتح صلواته ببسملة سريانيّة لافتة جداً للنّظر: בשם אלהא רחמנא מרחמנא، »بْشيْم أللّوهو رَحْمُونو مْرَحّمُونو« = {بسم الله الرَّحمَن الرَّحيْم}. (نرجو الانتباه إلى أن قراءة هذه العبارة ينبغي أن تراعي الرسم الكتابي السرياني، لا العبري، وقلنا إننا عانينا من عدم وجود حروف السرطو في نظام Windows).
الأسقُف لوقيانوس الأنطاكي (الشهيد): أستاذ آريوس، مات شهيداً في نيقوميديا عاصمة الإمبراطورية الشرقية عام 312 م.
ديودوروس أسقُف طَرسوس: من أعلام المدرسة الأنطاكيّة في اللاهوت المسيحي، توفي حوالي عام 390 م.
يوسيبيوس النّيقوميدي: أسقُف بيروت ثم نيقوميديا، كان واحداً من أتباع لوقيانوس الأنطاكي وصديقاً لآريوس ومن أتباعه، توفي حوالي 452 م.
وأما الحديث عن آريوس ومذهبه التّوحيدي المسيحي، فيستلزم منا حقيقةً إفراد فصل خاص له (بل وكتاب)، نظراً للأهمية البالغة للعلاقة الجدلية لمذهبه مع العقيدة الإسلاميّة. ولكن قبل البحث عن آريوس ومذهبه، أواخر القرن الثالث وأوائل الرابع للميلاد، نعود هنا للتّذكير بمذهب الوحدانية اليعقوبي: المونوفيزيّة monophysitism، الذي شاع فيما بعد بالقرن الخامس وحُرِّم في مجمع خلقيدونية المسكوني عام 451 م، والقائل بوجود طبيعة واحدة للمسيح.
ومن الهامّ ذكره هنا، أن إقرار عقيدة المسيح الأقنوم (الشّخص) الواحد في طبيعتين: ناسوتيّة ولاهوتيّة، والذي تمّ في مَجمَع خَلقيدونية، إنما كان على إثر جدل واسع حول هذه النقطة(). ولقد أسفر قرار ذلك المجمع عن انشقاق بعض الكنائس الشرقيّة عن كنيسة روما اللاتينية، كالكنيسة القبطيّة التي رفضت القرار وقالت بالمسيح الشخص الواحد ذي الطبيعة الواحدة فقط. واتفق مع الأقباط في هذا المُعتقَد اليعاقبة في بلاد الشام والجزيرة الفُراتية (وهم السّريان الأرثوذوكس)، وطائفة من الأرمَن هم أتباع الكنيسة الغريغوريّة الأرمَنيّة.
يضاف إلى ذلك، انشقاق النّساطرة إثر انعقاد مجمع إفسُس قبل عشرين عاماً من مجمع خَلقيدونية، الذي حكم بوجود »اتّحاد جوهري بين الطبيعتين في المسيح، وأن الإله والإنسان في المسيح هما واحد، وبأن مريَم والدة الإله«. فقد رفض البطريرك الكبير نسطوريوس بطريرك القسطنطينيّة هذه العقيدة، لأنه كان يؤكّد على التّمايز بين أقنوم الإله وأقنوم الإنسان في السيد المسيح، وبالتالي فقد ميّز نسطوريوس بين أقنومين في المسيح، وليس فقط بين طبيعتين.
ولذلك، فقد كان مذهبه على النّقيض تماماً من مذهب الأقباط واليعاقبة، وكان بالتالي كل من المذهبين يكفِّر الآخر ويلعنه ويتبرّأ منه. هذا، وقد انحاز إلى نسطوريوس في عقيدته هذه كثير من مسيحيّي المشرق، الذين عُرفوا بالنَّساطرة، أو بطائفة الآشوريّين أو الكَلدان.
* * *
|