شرفتنا ونورت سطورنا كن أول من يقيّم
سلمت يداك أستاذي الكريم د. أحمد إيبش، ما أثمن ما يخطه قلمك وما أروع ما تجيش به ذاكرتك، لم أكن في اللحظات الفائتة بعيدا عن عدسة كمرتك، ولو انحرفت قليلا كنت رأيتني والتقطت لي صورة وأنا أكفكف دمعتي بعدما فرغت من قراءة ما حكاه ابن تغري بردي عن مصرع الملك الناصر فرج، ورده على المساوئ التي حكاها المقريزي في ترجمته، واسمح لي أن أنقل خلاصة ما حكاه ابن تغري بردي في (النجوم الزاهرة: نشرة الوراق ص 1485) وكان شاباً معتدل القامة، أشقر، له لثغة في لسانه بالسين، غير أنه كان أفرس ملوك الترك بعد الملك الأشرف خليل بن قلاون بلا مدافعة وقال بعدما ساق المساوئ التي أوردها المقريزي في ترجمته: (وكان يمكنني أن أجيب عن كل ما ذكره المقريزي- غير إسرافه على نفسه- غير أني أضربت عن ذلك خشية الإطالة والملل. على أني موافقه على أن الزمان يصلح ويفسد بسلطانه وأرباب دولته، ولكن البلاء قديم، حديث) وكان قتله ليلة السبت سادس عشر صفر من سنة خمس عشرة وثمانمائة بالبرج من قلعة دمشق. وهو في الرابعة والعشرين من عمره. قال :وخبره: أنه لما حبس بقلعة دمشق- بعد أمور يأتي ذكرها في سلطنة المستعين وأقام محبوساً بالبرج إلى ليلة السبت سادس عشر صفر المذكور- دخل عليه ثلاثة نفر هم،: الأمير ناصر الدين محمد بن مبارك شاه الطازي أخو الخليفة المستعين بالله لأمه، وآخر من ثقات شيخ، وآخر من أصحاب نوروز، ومعهم رجلان من المشاعلية، فعندما رآهم الملك الناصر فرج قام إليهم فزعاً، وعرف فيما جاؤوا، ودافع عن نفسه، وضرب أحد الرجلين بالمدورة صرعه. ثم قام الرجل هو ورفيقه ومشوا عليه وبأيديهم السكاكين، ولا زالوا يضربونه بالسكاكين المذكورة وهو يعاركهم بيديه، وليس عنده ما يدفع عن نفسه به، حتى صرعاه، بعد ما أثخنا جراحه في خمسة مواضع من بدنه. وتقدم إليه بعض صبيان المشاعلية فخنقه وقام عنه، فتحرك الملك الناصر، فعاد إليه وخنقه ثانياً حتى قوي عنده أنه مات، فتحرك، فعاد إليه ثالثاً وخنقه، وفرى أوداجه بخنجر كان معه، وسلبه ما عليه من الثياب، ثم سحب برجليه حتى ألقي على مزبلة مرتفعة من الأرض تحت السماء، وهو عاري البدن، يستر عورته وبعض فخذيه سراويله، وعيناه مفتوحتان، والناس تمر به ما بين أمير وفقير ومملوك وحر قد صرف الله قلوبهم عن دفنه ومواراته. وبقيت الغلمان والعبيد والأوباش تعبث بلحيته وبدنه. واستمر على المزبلة المذكورة طول نهار السبت المذكور. فلما كان الليل من ليلة الأحد حمله بعض أهل دمشق وغسله وكفنه، ودفنه بمقبرة باب الفراديس احتساباً لله تعالى، بموضع يعرف بمرج الدحداح، ولم تكن جنازته مشهودة، ولا عرف من تولى غسله ومواراته. |