تاريخ قصيدة أبي تمام كن أول من يقيّم
قصيدة أبي تمام هذه هي أشهر ما قاله العرب في وصف الربيع ، ومعظم كتب البلاغة تستشهد بالبيتين الأول والثاني من القطعة التي اختارها الأستاذ عبد الله الحذيفي، من القصيدة. والقصيدة في الأصل (32) بيتاً وأولها:
رَقَّت حَواشي الدَهرُ فَهيَ تَمَرمَرُ |
|
وَغَـدا الثَرى في حَليِهِ iiيَتَكَسَّرُ |
وفيها قوله من الأبيات السائرة:
مَـطَرٌ يَذوبُ الصَحوُ مِنهُ iiوَبَعدَهُ |
|
صَحوٌ يَكادُ مِنَ الغَضارَةِ iiيُمطِرُ |
غَـيـثانِ فَالأَنواءُ غَيثٌ iiظاهِرٌ |
|
لَكَ وَجهُهُ وَالصَحوُ غَيثٌ مُضمَرُ | ومن روائع إبداعه فيها قوله:
إِنَّ الـخَليفَةَ حينَ يُظلِمُ iiحادِثٌ |
|
عَينُ الهُدى وَلَهُ الخِلافَةُ مَحجَرُ |
كَـثُرَت بِهِ حَرَكاتُها وَلَقَد تُرى |
|
مِـن فَـتـرَةٍ وَكَـأَنَّها iiتَتَفَكَّرُ | وقد توسع ابن المستوفي في كتابه (النظام في شرح شعر المتنبي وأبي تمام) بذكر الخلاف حول ممدوح أبي تمام في هذه القصيدة هل كان المأمون أم المعتصم، وأما البيت:
بالثامن المستخلف اتسق الهدى |
|
حـتـى تخير رشده iiالمتحير | الوارد في كتاب (نزهة الأبصار بطرائف الأخبار والأشعار) لابن درهم المعاصر، (ت 1943) فلا شك أنه مختلق موضوع من صناعة المتأخرين، لأن أبا تمام أصلا عيب بأنه لم يصرح في قصيدته بذكر ممدوحه.
قال ابن المستوفي في شرحه لقول أبي تمام في هذه القصيدة:
أرَبِيعَنَا في تِسعَ عشرَةَ حِجَّةً |
|
حَـقّاً لَهِنَّكَ للَرَّبيعُ iiالأزهرُ |
كان الربيع الذي وصفه به سنة تسع عشرة ومائتين، والمعتصم في ذلك الوقت ببغداد قبل أن يرحل إلى سر من رأى، لأنه رحل إلى بغداد منصرفه من طرطوس، وقد دفن فيها المأمون في رجب من سنة ثماني عشر ومائتين. ودخل بغداد مستهل شهر رمضان من هذه
السنة. وأقام بها سنتين، ثم ارتحل إلى سر من رأى، فدل ذلك على أن أبا تمام مدحه بهذه القصيدة من سنة تسع عشرة ومائتين. واتفق الربيع في ذلك الوقت فوصفه.ولم يذكر اسم المعتصم في هذه القصيدة، ولا فيها شيء يدل على أنه الممدوح غير قوله:
(تسع عشرة حجة). وهذا من أكبر العيب.
وقال أبو العلاء:
من قال أنه مدح بهذه القصيدة المأمون احتج بهذا البيت. يذهب إلى أن الطائي قال هذه القصيدة وقد مضى من ملك المأمون تسع عشرة سنة.
أي: هذا الإمام قد أقام مقام الربيع، أو أن الربيع عظم حسنه لبركة الممدوح في هذه السنين. ولا يمتنع أن يكون أراد أن سنه وقت إنشاء هذه القصيدة تسع عشر سنة.
وقوله: (لهنك): هذه كلمة تستعمل في القسم. فقال البصريون: (الهاء) بدل من همزة (أن). والأصل أن تكون اللام التي في الخبر قبل (أن) فلما غيروا الهمزة جاءوا باللام. وقال الكوفيون: المعنى: لله إنك، وإذا استعملوا هذا اللفظ جاءوا في الخبر باللام تارة،وحذفوها أخرى.
وقال الخارزنجي:
أراد: تسع عشرة ومئتين،، فأسقط المائتين استغناء عنهما. وذهب أن المعتصم كانت بيعته في سنة مائتين وتسع عشرة.
والمعنى: يقول: يا زماننا الذي كأنه الربيع بكثرة خيره وحسنه في سنة تسع عشرة ومائتين. والله أنك للربيع الأزهر الناضر بالمعتصم.
ومعنى (لهنك): والله أنك.
قال المبارك بن أحمد:
ذكر المؤرخون أن المعتصم أبا إسحاق محمد بن هارون بويع له يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ثماني عشرة ومائتين، يوم توفي المأمون أبو العباس عبد الله بن هارون.
والقول الذي ذهب إليه من ذكر: أن هذه القصيدة في المأمون أصح، لأن المأمون بويع يوم الاثنين لأربع بقين من المحرم سنة ثمان وتسعين ومائة، وتوفي سنة ثماني عشرة ومائتين. |