فك الاشتباك بين كتابين في العروض كن أول من يقيّم
ذكر الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي في آخر تصديره للطبعة الثالثة عشرة من كتاب "أهدي سبيل" أن المرحوم الأستاذ محمود مصطفى قد ألف هذا الكتاب عام 1936 م . ووجدت على موقع فرات أن الطبعة الثانية من كتاب "ميزان الذهب" كانت في عام 1935 م ( ولم أعرف كيف وصلوا لذلك مع أن السيد الهاشمي لم يكن يثب تاريخ الطبع على أي من كتبه). ثم رأيت الدكتور محمد أحمد قاسم، رحمه الله، في نشرته لكتاب "القواعد الأساسية للغة العربية" يرجح، بناء على إشارة الهاشمي في كتابه جواهر الأدب إلى كتاب ميزان الذهب، أن الميزان أسبق تأليفا من الجواهر. وقد استنتج الدكتور قاسم من ظهور اسم الشيخ محمد عبده ( ت 1905 م ) في جملة المقرظين لكتاب جواهر الأدب أن كتاب ميزان الذهب قد ألف في بداية القرن العشرين. ولا يسعنا الأخذ بكلام الدكتور قاسم الذي لا يصدق إلا إذا كان ينقل هذه الإشارة عن كتاب ميزان الذهب من الطبعة الأولى لكتاب جواهر الأدب، وهو ما لم يؤكده لنا. لدي إحدى طبعات جواهر الأدب وفيها ( صفحة 28 من الجزء الثاني ) قوله : راجع مؤلفنا "ميزان الذهب في بحور شعر العرب" ( متى غيّر في العنوان ؟!)، وفي هذه الطبعة أيضا قوله ( صفحة 377 من الجزء الأول ) : وصف حفلة للمرحوم المويلحي المتوفى سنة 1930 م . فما هو إذن تاريخ الطبعة التي ظهرت فيها أول إشارة إلى كتاب ميزان الذهب؟. وكذلك نحن لا نطمئن لقول الدكتور محمد التونجي : بدأ السيد أحمد نشاطه العلمي في التأليف بعد سن الثلاثين .. حيث قضى القسم الأول من حياته في تلقي العلم ، والقسم الثاني كان حافلا بالتدريس والإدارة والتأليف. إذ الأرجح من خلال النظر إلى قدم علاقاته الأدبية بوجوه الفكر والثقافة في عصره واتصاله المستمر بهم أنه بدأ الكتابة في سن هي أقرب من العشرين ودون الثلاثين بكثير. ولنعد إلى كتاب ميزان الذهب الذي أثبت الدكتور التونجي على غلافه اسمه مع بيان جهوده فيه بما لا يتجاوز التقديم وضبط النص فأقول إنه على الرغم من وفرة المراجع التي أثبتها لا يبدو لنا وكانه قد اطلع على هذه المراجع. وأما الضبط فحدث ولا حرج عن عشرات الأخطاء التي لا نصدق أن يكون ارتكبها من حقق عددا لا بأس به من الكتب ، وأقل مثال على ذلك ضبطه لأبيات لابن عبد ربه قارنتها بصنيعه في تحقيق ديوانه وخرجت بقناعة أنه لم يطلع أبدا على كتاب ميزان الذهب وأنه اكتفى بإرسال المقدمة للناشر بالبريد ليلحقها بالكتاب مشفوعة باسمه ولقبه الأكاديمي. وفي رأيي أن الناشر لو أنه صور إحدى الطبعات القديمة التي طبعت بإشراف المؤلف أو أحد من ورثته لكان خدم العلم والمتعلمين بأحسن مما قدم لهم ذلك المسخ المطبوع على ورق ممتاز ضمن غلاف سميك تزينه كلمات التقديم الجوفاء وتفوح منه رائحة الخيانة للنص والتوريط للمؤلف . ولا أعلم من الذي كتب الحواشي على هذا الكتاب ، فإن كان هو الدكتور التونجي فلماذا لم يبين على الغلاف ما يثبت أنه كتب حواشيه ، وإن كان هو المؤلف فلما يعيد الكلام الذي قاله في المتن . وأما مسألة المبحثين المتنازع عليهما بين الميزان والسبيل فلا شك أن أحد الذين أزعجهم كثرة طبعات الميزان أراد أن يجعل نظرية الأدوات المستطرقة تعمل على سحب شيئ مما يجلب الحظ إلى أهدى سبيل فكان أن انتقل هذان المبحثان حرفيا إليه. ليس هذا فحسب ، بل إن العدوى انتقلت إلى تصميم جداول الزحافات والعلل ؛ فمع أن الناشر حاول في كتاب أهدى سبيل أن يجعل النقل يبدو بشيء من التصرف إلا أنه كف عن كل تصرف عند نقله جدول علل الزيادة. والدكتور حسني عبد الجليل قد نشر هذين الكتابين معا ، فكيف لم يتنبه لهذا السطو الذي جرى تحت ناظريه ، أم أنه لم ير الكتابين معا ، أو أنه نظر في الكتابين واكتشف الجريمة وأراد أن يجعل الطابق مستورا كما يفضل الأخ إسلام أن يكون هكذا سلوكنا أمام الثقات من علمائنا الأفاضل، لهم الرحمة من بعد أن يغفر لنا ولهم. وقبل أن أختم مداخلتي أود أن أسأل الأخوة الأفاضل ، وبالأخص الأخ زهير الذي أقلقه الاضطراب في كلام مؤلف الميزان حول بعض الأبحر ، ألم تجد في قوله إن للمنسرح عروضين أولهما مستفعلن والثاني مفتعلن شيئا من الغرابة يجبرنا على القول للشيخ دع عنك هذا العلم فليس من مجالك ، ولن نلومه على إسقاطه عروضين منهوكتين لا نعلم من أثبتهما في الحاشية ، وكان الأجدر به أن لا يثبتهما فربما كان المؤلف يقتدي بالأخفش في إسقاطه لهذين الضربين ، يدلنا على ذلك نفس تصرفه بإسقاط عروضين من أعاريض الرجز المشطور والمنهوك. وللكلام بقية لا أراني سأواصل الخوض فيها.. وإنما يكفي ما أوردناه من القول على مضض. |