قصة مجرية - تتمة كن أول من يقيّم
- أصح يا ولد ... – هزّ خلّه-، ولك... لم يتمكن من بث الروح فيه. - جئت إليك بالأكل! غرز يوشكا شامو نظرات عينيه الناعستين في الجراب المنتفخ المليء بالخبز. نظر إلى صاحبه، وهز رأسه. فهم كل شيء. لكن الجراب احتوى كذلك شيئاً أخر، شيئاً غريباً فغرا له فاهيهما. مشغولة غريبة: مهد صغير. أمسكه يوشكا شامو بيده. وضعه في راحته، وأخذ يقلبه. مهد كامل وجميل. حُفر الخشب بسكين الجيب، وصُنع منه مهدٌ هزازٌ صغير. صمت الإثنان، ونظرا. صبّت الشمس أشعتها الساخنة من العلى، وقد تخدرا جراء انعدام الظل، وتكورت قطرات العرق على جبهتيهما وسقطت عندما وصلت حاجبيهما... سقطت قطرة من دمع يوشكا شامو في وسط المهد. - من أين جلبت هذا يا أخي? - كان ينام هناك وحيداً يتيماً – قال شامو كش. هز يوشكا شامو رأسه. صمتا. أراد أن يقول: سآخذه لبنتي!.. لكنه لم يتفوه بشيء. بل صمت. وأراد الثاني أن يقول: خذه إلى ابنتك... ولم يتفوه بذلك هو الآخر. قطعا من الخبز، وأكلا ببطء. لاكا الخبز الذي منّ به الله عليهما لقمة لقمة... فجأة قال يوشكا شامو: - يا أخي. - ما الأمر، أخي? - أين ينام هذا اليتيم? - هناك، تحت. وعاودا المضغ فوراً. قال يوشكا شامو بغتة: - يا عيب الشوم، لو كنت قد عرفت... وتابعا المضغ مجدداً. قال يوشكا شامو من جديد: - بوسعي أنا أيضاً أن أصنع شيئاً مثل هذا لبنيتي. تفحصه بعين الخبير في الأعمال الفنية، وتمعن في شكل المهد الصغير. ثم قال شامو كش: - جميل، لكنه ليس بأمر متعذر. فأجابه يوشكا شامو: - لا. واصل شامو كش: - أعطني إياه، يا صديقي... - أنا?.. لا أبداً... - لكني لا أبتغي أكله يا رجل. - لا أدري ما تبتغيه، لكني أريد أن أرجعه لصاخبه. - كيف ترجعه وقد جلبته أنا? - لكني أنا كنت من وجد... أن لي طفلة، أنا أعرف لماذا!.. لم يكمل كلامه، بل انطلق عائداً في الطريق الذي دعسه صاحبه على الفور. خاف أن تخونه حنجرته وتخنقه العبرة فلا يقوى على الكلام. - ضع فيه شيئاً على الأقل، كيف ترجع المهد فارغاً? - قال له شامو كش بخشونة، وقطع قطعة من الخبز.. – من يدري، متى يحصل هذا المسكوفي على الخبز مرة ثانية. كان المسكوفي قد أفاق، جلس على العشب هنا، طأطأ راسه، لا يعرف ما حل به. لم يفزع إلا عندما ظهر وجه انسان أمامه بغتة. يوشكا شامر أشار إليه، ثم مد له راحته وفيها المهد. نظر الروسي بعينيه المحمرة العروق، ساهياً بجبن. - هيا، خذه – قال له يوشكا شامو بلطف -، ليس فيه ديناميت، فأنت تعرف ما هذا! أخذ الروسي المهد. نظر الأبوان في عيني بعضهما البعض، ثم استدارا على عجل. كلاهما خجل من الدموع في أعين الرجال عند ساحة القتال... 1918 |