البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات عبود جراد

 1  2  3  4 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
تابع18    كن أول من يقيّم

وقال بن عباس: هذا ما سمعت من رسول الله (ص)، فقال عكرمة: فقمت مع النفر الذين حدثوا به حتى أتينا كعبا فأخبرناه بما كان من حديث ابن عباس عن رسول الله، فقام كعب معنا حتى أتينا ابن عباس فقال: قد بلغني ما كان من وجدك من حديثي، أستغفر الله وأتوب إليه، وإني إنما حدثت عن كتاب دارس قد تداولته الأيدي ولا أدري ما كان فيه من تبديل اليهود، وإنك حدثت عن كتاب جديد حديث العهد بالرحمن عز وجل وعن سيد الأنبياء وخير النبيين، فأنا أحب أن تحدثني الحديث فأحفظه عنك فإذا حدثت به كان مكان حديثي الأول، قال عكرمة: فأعاد عليه ابن عباس الحديث وأنا أستقريه في قلبي باباً باباً، فما زاد شيئا ولا نقص ولا قدم شيئا ولا أخر، فزادني ذلك في ابن عباس رغبة وللحديث حفظا.
ومما روي عن السلف في ذلك عن ابن الكواء قال لعلي عليه السلام: يا أمير المؤمنين، ما هذه اللطخة التي في القمر، فقال: ويحيك، أما تقرأ القرآن (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةًفهذه محوه، والصواب من القول في ذلك أن يقال إن الله تعالى ذكره خلق شمس النهار وقمر الليل آيتين، فجعل آية النهار التي هي الشمس مبصرة يبصر بها ومحا آية الليل التي هي القمر بالسواد الذي فيه، وجائز أن يكون الله تعالى خلقهما شمسين من نور عرشه ثم محا نور القمر بالليل فكان ذلك سبب اختلاف حالتيهما، وجائز أن يكون إضاءة الشمس للكسوة التي تكساها من ضوء العرش ونور القمر من الكسوة التي يكساها من نور الكرسي، ولو صح سند أحد الخبرين اللذين ذكرتهما لقلنا به ولكن في أسانيدهما نظرا فلم نستجز قطع القول بتصحيح ما فيهما من الخبر عن سبب اختلاف حال الشمس والقمر، غير أنا بيقين نعلم أن الله عز وجل خالف بين صفتيهما في الإضاءة لما كان أعلم به من صلاح خلقه باختلاف أمريهما، فخالف بينهما فجعل أحدهما مضيئا مبصرا به والآخر ممحو الضوء، وعن عمر بن الخطاب قال سمعت رسول الله (ص) يقول: خلق الله ألف أمة، منها ستمائة في البحر وأربعمائة في البر وأول شيء يهلك من هذه الأمم الجراد، فإذا هلك تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه فقال تعالى (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ).

19 - أبريل - 2010
نبأ الخلق في تاريخ العالم من الميلاد حتى الفناء
تابع19    كن أول من يقيّم

قال الله تعالى (تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، وقال تعالى (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ)، وقال تعالى (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ، كِرَامًا كَاتِبِينَ، يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)، وقال تعالى (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ)، وقال تعالى (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ، سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)، وقال تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، وقال تعالى (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا، الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا)، وقال تعالى (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ)، وقال تعالى (أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، والآيات في ذكر الملائكة كثيرة جدا يصفهم تعالى بالقوة في العبادة، وفي الخلق وحسن المنظر وعظمة الأشكال وقوة الشكل في الصور المتعددة كما قال تعالى (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ، وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ)، فالملائكة تبدو لهم في صورة شباب حسان امتحانا واختبارا، حتى أنه عندما قامت على قوم لوط الحجة أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، وكذلك كان جبريل يأتي إلى النبي (ص) في صفات متعددة فتارة يأتي في صورة دحية بن خليفة الكلبي، وتارة في صورة أعرابي وتارة في صورته التي خلق عليها له ستمائة جناح ما بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب، كما رآه على هذه الصفة مرتين مرة منهبطا من السماء إلى الأرض ومرة عند سدرة المنتهى عند الجنة وهو قوله تعالى (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى، ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى، وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى، ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى، أي جبريل، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى)، أي إلى عبدالله محمد (ص) ثم قال (وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى، إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى، مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى)، وأن رسول الله (ص) قال: ثم رفعت لي سدرة المنتهى فإذا نبتها كالقلال وإذا ورقها كآذان الفيلة، وإذا يخرج من أصلها نهران باطنان ونهران ظاهران فأما الباطنان ففي الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات، ثم رفع لي البيت المعمور وإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون، وذكر أنه وجد إبراهيم الخليل عليه السلام مستندا ظهره إلى البيت المعمور، وعن ابن عباس قال قال رسول الله (ص): البيت المعمور في السماء يقال له الضراح وهو على مثل البيت الحرام بحياله لو سقط لسقط عليه، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يرونه قط فإن له في السماء حرمة على قدر حرمة مكة، يعني في الأرض، وإن بيت المقدس مقدس في السموات السبع مقداره من الأرض.

19 - أبريل - 2010
نبأ الخلق في تاريخ العالم من الميلاد حتى الفناء
تابع20    كن أول من يقيّم

فمن الملائكة جبريل عليه السلام: عن عبدالله بن عباس قد ورد في صفة جبريل عليه السلام أمر عظيم قال الله تعالى (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى)، قالوا كان من شدة قوته أنه رفع مدائن قوم لوط وكنّ سبعا بمن فيها من الأمم وكانوا قريبا من أربعمائة ألف وما معهم من الدواب والحيوانات، وما لتلك المدن من الأراضي والمعتملات والعمارات وغير ذلك، رفع ذلك كله على طرف جناحه حتى بلغ بهن عنان السماء حتى سمعت الملائكة نباح الكلاب وصياح ديكتهم، ثم قلبها فجعل عاليها سافلها فهذا هو شديد القوى، وقوله (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى) أي خلق حسن وبهاء وسناء، كما قال في الآية الأخرى (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، أي جبريل رسول من الله كريم أي حسن المنظر، ذِي قُوَّةٍ، أي له قوة وبأس شديد، عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ، أي له مكانه ومنزلة عاليه رفيعة عند الله ذي العرش المجيد، مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ، أي مطاع في الملأ الأعلى ذي أمانة عظيمة)، ولهذا كان هو السفير بين الله وبين أنبيائه عليهم السلام الذي ينزل عليهم بالوحي فيه الأخبار الصادقة والشرائع العادلة، وقد كان يأتي إلى رسول الله (ص) وينزل عليه في صفات متعددة (فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى، أي أن محمدا (ص) رأى جبريل، وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى، إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى، مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى، لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى)، قال رسول الله (ص): رأيت جبريل وله ستمائة جناح ينتشر من ريشه التهاويل والدر والياقوت.
وأما إسرافيل عليه السلام: وهو أحد حملة العرش وهو الذي ينفخ في الصور بأمر ربه نفخات ثلاثة، أولاهن نفخة الفزع والثانية نفخة الصعق والثالثة نفخة البعث، فعن عائشة أن رسول الله (ص) كان إذا قام من الليل يصلي يقول: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، إهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
وأما ميكائيل: فموكل بالقطر والنبات وهو ذو مكانة من ربه عز وجل ومن أشراف الملائكة المقربين وقد قال تعالى (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ).
فجبريل عليه السلام يحصل بما ينزل به الهدى وميكائيل يحصل بما هو موكل به الرزق وإسرافيل يحصل بما هو موكل به النصر والجزاء.
وأما ملك الموت فليس بمصرح باسمه في القرآن ولا في الأحاديث الصحاح وقد جاء تسميته في بعض الآثار بعزرائيل وقد قال الله تعالى (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ)، وله أعوان يستخرجون روح العبد من جثته حتى تبلغ الحلقوم فيتناولها ملك الموت بيده، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها منه فيلقوها في أكفان تليق بها كما قد بسط عند قوله (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)، ثم يصعدون بها فإن كانت صالحة فتحت لها أبواب السماء وإلا غلقت دونها وألقى بها إلى الأرض فقد قال الله تعالى (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ، ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ).
ومن الملائكة المنصوص على أسمائهم في القرآن هاروت وماروت، وأنه تمثلت لهما إمرأة حسنها في النساء كحسن الزهرة في سائر الكواكب، وأنهما لما راوداها عن نفسها فأبت إلا أن يعلماها الاسم الأعظم، فعلماها فقالته فارتفعت إلى السماء فصارت كوكبا.
ومن الملائكة المسمين في الحديث منكر ونكير عليهما السلام ذكرهما في سؤال القبر في قوله تعالى (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)، وهما موكلان بسؤال الميت في قبره عن ربه ودينه ونبيه ويمتحنان البر والفاجر، وهما أزرقان أفرقان لهما أنياب وأشكال مزعجة وأصوات مفزعة.
والملائكة عليهم السلام بالنسبة إلى ما هيأهم الله له أقسام، فمنهم حملة العرش ومنهم الكروبيون الذين هم حول العرش وهم أشرف الملائكة مع حملة العرش، وهم الملائكة المقربون كما قال تعالى (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا)، ومنهم جبريل وميكائيل عليهما السلام وقد ذكر الله عنهم أنه يستغفرون للمؤمنين بظهر الغيب كما قال تعالى (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ، رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

19 - أبريل - 2010
نبأ الخلق في تاريخ العالم من الميلاد حتى الفناء
تابع21    كن أول من يقيّم

ومنهم خازن الجنة ملك يقال له رضوان جاء مصرحا به في بعض الأحاديث، ومنهم الموكلون بالنار وهم الزبانية ومقدموهم تسعة عشر وخازنها مالك وهو مقدم على جميع الخزنة، وهم المذكورون في قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ، قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ)، وقال تعالى (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ، لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ)، وقال تعالى (عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، وقال تعالى (عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ، وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ)، ومنهم الموكلون بحفظ أعمال العباد كما قال تعالى (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ، مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)، وقال تعالى (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ، كِرَامًا كَاتِبِينَ، يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ).
وعن عبدالله بن مسعود قال قال رسول الله (ص): ما منكم من أحد الا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة، قالوا: وإياك يا رسول الله، قال: وإياي ولكن الله أعانني عليه فلا يأمرني إلا بخير، وعن أبي هريرة أن النبي (ص) قال: إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا ولك الحمد، فإن من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه، فإن لله ملائكة سياحين في الأرض فضلا عن كتاب الناس، فإذا وجدوا أقواما يذكرون الله نادوا هلموا إلى بغيتكم فيجيئون بهم إلى السماء الدنيا فيقول الله (على أي شيء تركتم عبادي يصنعون)، فيقولون تركناهم يحمدونك ويمجدونك ويذكرونك فيقول (وهل رأوني)، فيقولون لا فيقول (كيف لو رأوني)، فيقولون لو رأوك لكانوا أشد تحميدا وتمجيدا وذكرا فيقول (فأي شيء يطلبون)، فيقولون يطلبون الجنة فيقول (وهل رأوها)، فيقولون لا فيقول (وكيف لو رأوها)، فيقولون لو رأوها لكانوا أشد عليها حرصا وأشد لها طلبا فيقول (من أي شيء يتعوذون)، فيقولون من النار فيقول (وهل رأوها)، فيقولون لا فيقول (فكيف لو رأوها)، فيقولون لو رأوها كانوا أشد منها هربا وأشد منها خوفا فيقول (أشهدكم أني قد غفرت لهم)، فيقولون إن فيهم فلانا الخطاء لم يردهم إنما جاء لحاجة فيقول (هم القوم لا يشقى بهم جليسهم)، وعن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص): مَنْ نَفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس به علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه، وعن عائشة قالت قال رسول الله (ص): خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم.

19 - أبريل - 2010
نبأ الخلق في تاريخ العالم من الميلاد حتى الفناء
تابع22    كن أول من يقيّم

العصر الحجري القديم
لقد تخلفت عن الحضارة الأشولية آثار كثيرة في أوربا وجرينلندة والولايات المتحدة والمكسيك وإفريقية والشرق الأدنى والهند والصين، ويقع تاريخها حوالي عام 75000 ق.م، وهذه المرحلة لم تُصلح من المدية الحجرية إصلاحاً يجعلها أكثر تناسقاً وأحَدَّ طرفا فحسب بل أنتجت إلى جانب ذلك أنواعاً كثيرة من الآلات الخاصة كالمطارق والسندانات والكاشطات والصفائح ورءوس السهام وسنان الرماح والمدي، وفي هذه المرحلة تستطيع أن ترى صورة تدل على مرحلة نشيطة للصناعة البشرية، وإن أقدم عظام وجدت في نياندرتال وتاريخها فيما يظهر هو عام 40000 قبل الميلاد، وهي تشبه البقايا البشرية التي كُشف عنها في بلجيكا وفرنسا وأسبانيا بل وعلى شواطئ بحر جاليلي، حتى لقد صَوَّر العلماء عصراً بأسره من مخلوق النياندرتال ساد أوربا منذ حوالي أربعين ألف عام قبل عصرنا هذا وكان هؤلاء الخلق قصاراً.
ثم الموستيرية وتوجد آثارها في القارات كلها مرتبطة ارتباطاً يسترعي النظر ببقايا مخلوق النياندرتال، وذلك في تاريخ يقع على نحو التقريب قبل الميلاد بأربعين ألفا من السنين، والمدية الحجرية نادرة نسبيا بين هذه الآثار كأنما أصبحت عندئذ شيئا عفا عليه الزمان وحلّ محله شيء جديد، أما هذه الآلات الجديدة فقوام الواحدة منها رقيقة واحدة من الصخر، أخف من المدية السابقة وزناً وأرهف حَداً وأحسن شكلا صنعتها أيد طال بها العهد بقواعد الصناعة، فإذا صعدت طبقة من الأرض في طبقات العهد البليستوسيني في جنوب فرنسا وجدت بقايا الثقافة الأورجناسية وتقع حول عام 25000 ق.م، وهي أول المراحل الصناعية بعد عصر الجليد وأولى الثقافات المعروفة لمخلوق كرومانيون، ويظهر أنه قد حل جنس جديد اسمه كرومانيون حول عام 20000 ق.م محل هؤلاء السكان الأقدمين لأوربا، كما تدل الآثار التي كُشف عنها في مغارة بهذا الاسم في منطقة دوردوني في فرنسا الجنوبية، ولقد استخرجت بقايا كثيرة من هذا النمط ترجع إلى العصر نفسه من مواضع مختلفة في فرنسا وسويسرا وألمانيا وويلز، وكلها تدل على قوم ذوي قوة عظيمة وقوام فارع.
وتعرف فصيلة كرومانيون كما تعرف فصيلة نياندرتال باسم سكان الكهوف ذلك لأن آثارهم وجدت في الكهوف، وهذه الفصيلة العظيمة إنما جاءت من آسيا الوسطى مارة بإفريقية حتى بلغت أوربا، وأنها شقت طريقها فوق جسور من اليابس يقال أنها كانت عندئذ تربط إفريقيا بإيطاليا وأسبانيا، وأنهم لبثوا عشرات من السنين بل ربما لبثوا قروناً طوالا يقاتلون فصيلة نياندرتال قتالا عنيفاً، ومهما يكن من أمر فقد زال مخلوق نياندرتال عن ظهر الأرض حيث عمرها مخلوق كرومانيون.
وهاهنا في هذه المرحلة أضيفت إلى آلات الحجر آلات من العظم مشابك وسندانات وصاقلات الخ، وظهر الفن في نقوش غليظة منحوتة على الصخر أو في رسوم بارزة أغلبها رسوم لنساء عاريات، ثم جاءت في مرحلة متقدمة من مراحل تطور مخلوق كرومانيون ثقافة أخرى هي السُّولَترْيه حول عام 20000 ق.م في فرنسا وأسبانيا وتشيكوسلوفاكيا وبولندة، وهنا أضيفت إلى أسلحة العهد الأورجناسي وأدواته مُدي وصفائح ومثاقب ومناشير ورماح وحراب وصُنِعَتْ كذلك إبَرٌ دقيقة حادة من العظم، وقُدَّت آلات كثيرة من قرن الوعل وقرون الوعل منقوشة أحيانا برسوم أجسام حيوانية أرقى بكثير من الفن في العصر الأورجناسي، وأخيرا عندما بلغ مخلوق كرومانيون ذروة تطوره ظهرت المجدلية التي ظهرت في أرجاء أوربا كلها حول عام 16000 ق.م، وهي تتميز في الصناعة بمجموعة كبيرة منوعة من رقيق الآنية المصنوعة من العاج والعظم والقرن، وهي تبلغ حدها الأقصى في مشابك وإبر متواضعة لكنها تصل حد الكمال في الإتقان، وهذه المرحلة هي التي تميزت في الفن برسوم أَلتَاميرا وهي أدق وأرق ما صنعه مخلوق كرومانيون.
وربما كانت الآثار في تونس والجزائر مما يشبه آثار العصر الأورجناسي ويؤيد النظرية القائلة بأن إفريقية هي الأصل في تلك الثقافة أو هي الحد الذي وقف عنده مخلوق كرومانيون، ولقد احتُفِرَت آلات من العصر الحجري القديم في سوريا والهند والصين وسيبيريا وغيرها من أصقاع آسيا ومنغوليا، وكذلك احتُفِرَت هياكل لمخلوق النياندرتال وأحجار صَوَّانية كثيرة من العهدين الموستيري والأورجناسيّ في فلسطين.
وكان بين آثار مخلوق النياندرتال قِطَعاً من الفحم وقطعاً من العظم المحترق، فالنار التي صنعها تذهب في القِدَم إلى أربعين ألف عام مضت، وقد أعد مخلوق كرومانيون لنفسه آنية خاصة تمسك الشحم الذي كان يشعله ليستضيء بضوئه، وإذن فالمصباح كذلك له من العمر هذا الزمن الطويل، والراجح أن تكون النار هي التي مكنت الإنسان من اتقاء البرد الناشئ عن الجليد الزاحف، وهي التي أتاحت له النوم في الليل آمنا من الحيوان الذي ارتعد لهذه الأعجوبة ارتعاداً يَعدِل عبادة الإنسان البدائي إياها، وهي التي قهرت الظلام فكانت أول عامل من العوامل التي حَدَّت من الخوف، والتقليل من خوف الإنسان أحد الخيوط الذهبية في نسيج التاريخ الذي ليست كل خيوطه ذهبا، وهي التي أدت أخيرا إلى صهر المعادن والتحام بعضها في بعض، وهي الخطوة الوحيدة الحقيقية التي قَدّمها الإنسان في فنون الصناعة من عهد مخلوق كرومانيون إلى عصر الانقلاب الصناعي.
وأوضح آثار خلفها مخلوق العصر الحجري القديم هي قِطَع من فنه، فقد حدث منذ مائة عام تقريباً أن وقع السنيور مارسلينو دي سوتولا على كهف واسع في مزرعته في أَلتَاميرا في شمال أسبانيا، وكان هذا الكهف قد لبث آلاف الأعوام مقفل الباب كأنه صومعة راهب، أقفلته صخور سقطت عليه وأمدتها الطبيعة بملاط من لدنها حين ربطت بعضها ببعض بأعمدة من رواسب، ثم جاء الإنسان فضرب في هذا الموضع بضرباته لينشئ لنفسه كهفاً جديدا فإذا به يكشف بضرباته عن مدخل الكهف بطريق المصادفة، ثم جاء سوتولا ليستطلع الكهف فلحظ على جدرانه علامات غريبة وتخطيطا غامضاً لبَيزُونٍ ضخم وهو ثور بريُّ ناصع الألوان، فلما فُحص السقف وفُحصت الجدران فحصاُ دقيقاً وجدت صور أخرى كثيرة، وجاء الجيولوجيون إلى ألتاميرا وأقروا بإجماع أن الرواسب التي كانت تغطي بعض الرسوم إنما ترجع إلى العصر الحجري الأول من عهد ما قبل التاريخ وترجع إلى الثقافة المجدلية، أي إلى عهد يقع نحو عام 16000 ق.م، وكذلك وجدت رسوماً أحدث تاريخا من هذه بقليل لكنها ما زالت من بقايا العصر الحجري القديم في كهوف كثيرة في فرنسا، وتمثل الرسوم في معظم الحالات صنوفا من الحيوان أوعالاً وماموث وجياداً وخنازير ودببة وغيرها، وربما كانت هذه الصنوف عن مخلوق ذلك العصر طعاما شهيا ولذلك كانت موضع عنايته في صيده، وأحيانا نرى صورة حيوان مطعونا بالسهام قُصد بها أن تكون رسوما سحرية تأتي بالحيوان في قبضة الفنان أو الصائد وبالتالي تأتي به إلى معدته.
إن الصيد ضرب من اللهو نستمد فيه اللذة، ومن بعض الذكريات الغامضة الراسخة في دمائنا والتي تعيد لنا تلك الأيام القديمة حيث كان الصيد عند الصائد والمصيد كليهما أمراً تتعلق به الحياة أو الموت، ذلك لأن الصيد لم يكن سبيلاً إلى طلب القوت بل كان كذلك حرباً يراد بها الطمأنينة والسيادة، حرباً لو قَرَنْتَ إليها كل ما عرفه التاريخ المدوَّن من حروب ألفيت هذه الحروب بالقياس إليها بمثابة اللغَط اليسير، وما يزال الإنسان في الغابة يقاتل في سبيل الحياة، لأنه على الرغم من أن الحيوان هناك لا يكاد يهاجمه مختاراً إلا إذا اضطره إلى ذلك الجوع الشديد أو الخوف من الوقوع فريسة لا يجد لنفسه مهرباً يلوذ به، فليس في الغابة قوت يكفي الجميع وأحياناً لا يظفر بطعامه إلا المقاتل أو الذي يستخدم لنفسه حيواناً مقاتلاً.

19 - أبريل - 2010
نبأ الخلق في تاريخ العالم من الميلاد حتى الفناء
نبأ الخلق في تاريخ العالم من الميلاد حتى الفناء    كن أول من يقيّم

أحبائي وأصدقائي على اختلاف أسمائكم
إنني أرحب بالمنتقد والمجرّح منكم قبل المبارك والمهلل وفي كلٍ خير
ولكن لا تقرءوا من الآية الكريمة في قول الله سبحانه وتعالى ( لا تقربوا الصلاة ..) ثم تعلقون على ذلك فبل يأتيكم الجواب في تتمة الآية ( وأنتم سكارى).
 
وأنا أشكر لكم تعليقاتكم وسأمضي في الكتابة ثم أورد لكم المراجع كما هي الحال في جميع الكتابات
وشكرا على سعة صدوركم
 
عبود جراد

30 - أبريل - 2010
نبأ الخلق في تاريخ العالم من الميلاد إلى الفناء
متابعة الموضوع    كن أول من يقيّم

نبأ الخلق
قال الله تعالى في كتابه العزيز (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)، فكل ما سواه تعالى فهو مخلوق له، فالعرش الذي هو سقف المخلوقات إلى ما تحت الثرى وما بين ذلك من جامد وناطق الجميع خلقه وملكه وعبيده وتحت تصريفه ومشيئته (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، إن الله جل جلاله وتقدست أسماؤه خلق خلقه من غير ضرورة كانت به إلى خلقهم وأنشأهم من غير حاجة كانت به إلى إنشائهم كما قال عز وجل (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُفهو خالق الدهور والأزمان وقد خصهم بعقول يصلون بها إلى التمييز بين الحق والباطل ويعرفون بها النافع والضار.
وإن قصة التاريخ فيها عبرة وعظة لأصحاب العقول ولأولي النهي والتي لا بد من مواكبة قصص الأنبياء لها، فلا تاريخ بدونهم صلى الله عليهم أجمعين فقد قال تعالى (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)، وقد سردنا لاحقاً بعضاً من قصص الأنبياء لنعتبر ونتأسى بهم فهم خير أسوة وخير قدوة.
إن العرب تقول حدث كذا زمن عمر بن عبد العزيز أمير، وتقول ولد رسول الله (ص) عام الفيل وتعني به الوقت الذي أراد به أبرهة هدم الكعبة وجاء بجيشه والفيل إلى مكة، وأن دراسة التاريخ وهو الزمان من شهور وسنين للوصول بذلك إلى العلم بالأوقات وقد قال جل جلاله (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا)، فذلك إنعاما منه على خلقه فشكره واجب على نعمه التي أنعمها عليهم بها كما وعدهم جل جلاله بقوله (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)، فالناس عند الله على أربعة أصناف منهم من عجل لهم النعيم في دنياهم وأخر لبعضهم الزيادة التي وعدهم بها، كما متع كثيرا منهم بنعمِهِ أيام حياتهم استدراجا منه لهم ليستحقوا من عقوبته في الآجل فيما قد أعد لهم، وأحل ببعضهم النقمة المهلكة في العاجل وذخر لهم العقوبة المخزية في الآجل، كما أذاق بعضهم عذاب الدنيا ووعدهم بالفوز بالنعيم في الآخرة.

2 - مايو - 2010
نبأ الخلق في تاريخ العالم من الميلاد إلى الفناء
تتمة    كن أول من يقيّم

عمر الدنيا عند العرب
اختلف أهل العلم في ذلك فقال بعضهم قدر جميع ذلك سبعة آلاف سنة ومنهم ابن عباس قال: الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة، فقد مضى ستة آلاف ومائتا سنة وليأتين عليها سنين ليس عليها موحد، وقال آخرون قدر جميع ذلك ستة آلاف سنة، ومنهم كعب الأحبار ووهب بن منبه قال: الدنيا ستة آلاف سنة، وعن عبد الله ابن عمر قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: أجلكم في أجل من كان قبلكم، من صلاة العصر إلى مغرب الشمس، و ألا إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم كما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس، و ما بقي لأمتي من الدنيا إلا كمقدار الشمس إذا صليت العصر، وقال ابن عمر: كنا جلوسا عند النبي والشمس مرتفعة على قعيقعان بعد العصر فقال (ص): ما أعماركم في أعمار من مضى إلا كما بقي من هذا النهار فيما مضى منه، وعن أنس بن مالك وأبي سعيد الخدري أن رسول الله (ص) خطب أصحابه يوما وقد كادت الشمس أن تغيب ولم يبق منها إلا شق يسير فقال: والذي نفس محمد بيده، ما بقي من دنياكم فيما مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه وما ترون من الشمس إلا اليسير، وعن ابي هريرة وأنس بن مالك وسهل بن سعد الساعدي وجابر بن سمرة وأبي جبيرة قالوا قال رسول الله: بعثت أنا والساعة كهاتين، وأشار بالسبابة والوسطى، وعن جابر بن سمرة قال: كأني أنظر إلى إصبعي رسول الله (ص)، وقد أشار بالمسبحة والتي تليها وهو يقول: بعثت أنا والساعة كهذه من هذه، وعن أنس بن مالك قال: كفضل إحداهما على الأخرى، وعن إسماعيل بن عبيد الله قال قدم أنس بن مالك على الوليد بن عبدالملك فقال له الوليد: ماذا سمعت رسول الله (ص) يذكر به الساعة، قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: أنتم والساعة كهاتين، وقرن بين إصبعيه، وعن سهل بن سعد قال قال رسول الله (ص): ما مثلي ومثل الساعة إلا كفرسي رهان، ثم قال: ما مثلي ومثل الساعة إلا كمثل رجل بعثه قوم طليعة، فلما خشي أن يسبق ألاح بثوبه أتيتم أتيتم أنا ذاك أنا ذاك، وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال سمعت رسول الله (ص) يقول: بعثت أنا والساعة جميعا، إن كادت لتسبقني، عن المستورد بن شداد الفهري عن النبي (ص) أنه قال: بعثت في نفس الساعة سبقتها كفرق هذه من هذه، لإصبعية السبابة والوسطى وجمعهما، وضم السبابة والوسطى وقال: سبقتها كما سبقت هذه هذه في نفس الساعة.
فمعلوم إذ كان اليوم أوله طلوع الفجر وآخره غروب الشمس وكان صحيحا عن نبينا ما رويناه عنه قبل، يكون قدر سبع اليوم يزيد قليلا، وكذلك فضل ما بين الوسطى والسبابة إنما يكون نحوا من ذلك تقريبا، واليوم مقداره ألف سنة عند الله، وعن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال: الحقب ثمانون عاما، اليوم منها سدس الدنيا، فبين في هذ الخبر أن الدنيا كلها ستة آلاف سنة، وذلك أن اليوم الذي هو من أيام الآخرة إذا كان مقداره ألف سنة من سني الدنيا وكان اليوم الواحد من ذلك سدس الدنيا كان معلوما بذلك أن جميعها ستة أيام من أيام الآخرة وذلك ستة آلاف سنة.
وقد زعم اليهود أن جميع ما ثبت عندهم على ما في التوراة مما هو فيها من لدن خلق الله آدم إلى وقت الهجرة، وذلك في التوراة التي هي في أيديهم اليوم تساوي أربعة آلاف وستمائة واثنتان وأربعون سنة، وقد ذكروا تفصيل ذلك بولادة رجل رجل ونبي نبي وموته من عهد آدم إلى هجرة نبينا محمد (ص).
وأما اليونانية من النصارى فإنها تزعم أن الذي ادعته اليهود من ذلك باطل، وأن الصحيح من القول في قدر مدة أيام الدنيا من لدن خلق الله آدم إلى وقت هجرة نبينا محمد (ص) على سياق ما عندهم في التوراة التي هي في أيديهم، خمسة آلاف وتسعمائة واثنتان وتسعون سنة وأشهر، وذكروا تفصيل ما ادعوه من ذلك بولادة نبي نبي وملك ملك ووفاته من عهد آدم إلى وقت هجرة رسول الله (ص)، وزعموا أن اليهود إنما نقصوا ما نقصوا من عدد سني ما بين تاريخهم وتاريخ النصارى دفعا منهم لنبوة عيسى بن مريم عليه السلام، إذ كانت صفته ووقت مبعثه مثبتة في التوراة وقالوا: لم يأت الوقت الذي وقِّتَ لنا في التوراة أن الذي صفته صفة عيسى يكون فيه، وهم ينتظرون بزعمهم خروجه ووقته، وأحسب أن الذي ينتظرونه ويدعون أن صفته في التوراة مثبتة هو الدجال الذي وصفه رسول الله (ص) لأمته وذكر لهم أن عامة أتباعه اليهود، فإن كان ذلك هو عبد الله بن صياد فهو من نسل اليهود.
وأما المجوس فإنهم يزعمون أن قدر مدة الزمان من لدن ملك جيومرت إلى وقت هجرة نبينا ثلاثة ألاف ومائة وتسع وثلاثون سنة، وهم لا يذكرون مع ذلك نسبا يعرف فوق جيومرت ويزعمون أنه آدم أبو البشر وأهل الأخبار في أمره مختلفون، فمن قائل منهم فيه مثل قول المجوس ومن قائل منهم إنه تسمى بآدم بعد أن ملك الأقاليم السبعة، وأنه هو جامر بن يافث بن نوح وكان بارا بخدمته فدعا الله له ولذريته بطول العمر والتمكين في البلاد والنصر على من ناوأه واتصال الملك له ولذريته ودوامه له ولهم، فاستجيب له فيه فأعطي جيومرت ذلك وولده وهو أبو الفرس، ولم يزل الملك فيه وفي ولده إلى أن زال عنهم بدخول المسلمين مدائن كسرى وغلبة أهل الإسلام إياهم على ملكهم، ومن قائل غير ذلك.

2 - مايو - 2010
نبأ الخلق في تاريخ العالم من الميلاد إلى الفناء
تتم     كن أول من يقيّم

ماذا قبل خلق الزمان
عن ابن عباس قال: أن اليهود أتت النبي فسألته عن خلق السموات والأرض فقال: خلق الله الأرض يوم الأحد والإثنين، وخلق يوم الثلاثاء الجبال وما فيهن من منافع، وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب، فهذه أربعة، ثم قال لمن سأل: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ)، ثم قال: وخلق يوم الخميس السماء، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة، إلا ثلاث ساعات بقيت منه، فخلق في أول ساعة من هذه الثلاث الساعات الآجال من يحيا ومن يموت، وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به الناس، وفي الثالثة آدم وأسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له وأخرجه منها في آخر ساعة، فقالت اليهود: ثم ماذا يا محمد، قال: ثم استوى على العرش، قالوا: قد أصبت لو أتممت، ثم استراح، فغضب النبي غضبا شديدا فنزل (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ، فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ).
وعن أبي هريرة وعبد الله بن سلام قالا: أن رسول الله (ص) قال: خلق الله التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الأثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة، آخر خلق خلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل.
نتبين من هذا عن رسول الله، أن الشمس والقمر خلقا بعد خلق الله أشياء كثيرة من خلقه، وكان ذلك كله ولا ليل ولا نهار، فإذا كان الليل والنهار إنما هو اسم لساعات معلومة من قطع الشمس والقمر درجات الفلك، وإذا كان صحيحا أن الأرض والسماء وما فيهما قد كانت ولا شمس ولا قمر، كان معلوما أن ذلك كله كان ولا ليل ولا نهار.
فإن قال لنا قائل: قد زعمت أن اليوم إنما هو اسم لميقات ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ثم زعمت الآن أن الله خلق الشمس والقمر بعد أيام من أول ابتدائه خلق الأشياء التي خلقها، فنجد أن هنالك مواقيت وتسمية للأيام، ولا شمس ولا قمر، وهذا بدون برهان على صحته كلام ينقض بعضه بعضا.
نقول: إن الله سمى ما ذُكر أياما فسميناه بالاسم الذي سماه به الله، وكان وجه تسميته ذلك أياما ولا شمس ولا قمر كنظير قوله عز وجل (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا، لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا)، ولا بكرة ولا عشي هنالك، إذ أنه لا ليل في الآخرة ولا شمس ولا قمر كما قال عز وجل (وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ)، فسمى تعالى ذكره يوم القيامة يوما عقيما، إذ أنه يوما لا ليل بعد مجيئه، وإنما أريد بتسمية ما سمى أياما قبل خلق الشمس والقمر هو تقدير الله مدة ألف عام من أعوام الدنيا، والعام منها اثنا عشر شهرا من شهور أهل الدنيا التي تعد ساعاتها وأيامها بقطع الشمس والقمر درجات الفلك، كما سمى بكرة وعشيا لما يرزقه أهل الجنة في قدر المدة التي كانوا يعرفون ذلك من الزمان في الدنيا بالشمس ومجراها في الفلك، ولا شمس عندهم ولا ليل في الآخرة، وكل ذلك قاله السلف من أهل العلم ومنهم مجاهد قال عن ابن عباس وقتادة: يقضي الله عز وجل أمر كل شيء ألف سنة إلى الملائكة فقد قال تعالى (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ(وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَفاليوم عند الله أن يقول لما يقضي إلى الملائكة ألف سنة كن فيكون، ولكن سماه يوما فهو الخالق وسماه كما شاء، وهذا الخبر ورد عن جماعة من السلف أنهم قالوه.

13 - مايو - 2010
نبأ الخلق في تاريخ العالم من الميلاد إلى الفناء
4    كن أول من يقيّم

قال الله تعالى (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)، وقوله تعالى (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، فإن كان كل شيء هالك غير وجهه وكان الليل والنهار ظلمة أو نورا خلقهما لمصالح خلقه فلا شك أنهما فانيان هالكان، وكما قال (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) ويعني بذلك أنها عميت فذهب ضوءها وذلك عند قيام الساعة، وهذا ما لا يحتاج إلى الإكثار فيه ويقر به جميع أهل التوحيد من أهل الإسلام وأهل التوراة والإنجيل والمجوس، مقرون بأن الله عز وجل محييهم بعد فنائهم وباعثهم بعد هلاكهم إلا قوم من عبدة الأوثان فإنهم يقرون بالفناء وينكرون البعث.
معلوم أن أي مخلوق لا بد له من خالق والمحدث لا بد له من مؤلف، والمجتمع من شيئين أو أكثر أو من تفريق شئ له مفرق أو جامع، ومن لا يجوز عليه الاجتماع والافتراق وهو الواحد القادر الجامع بين المختلفات الذي لا يشبهه شيء وهو على كل شيء قدير، فهو بارىء الأشياء ومحدثها كان قبل كل شيء، وأن الليل والنهار والزمان والساعات محدثات وأنه محدثها الذي يدبرها ويصرفها قبلها إذ كان من المحال أن يكون شيء يحدث شيئا إلا ومحدثه قبله وأن في قوله تعالى (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)، لأبلغ الحجج وأدل الدلائل لمن فكر بعقل واعتبر بفهم على قدم بارئها وحدوث كل ما جانسها وأن لها خالقا لا يشبهها، وذلك أن كل ما ذكر ربنا تبارك وتعالى في هذه الآية من الجبال والأرض والإبل، فإن ابن آدم يعالجه ويدبره بتحويل وتصريف وحفر ونحت وهدم غير ممتنع عليه شيء من ذلك، ثم إن ابن آدم مع ذلك غير قادر على إيجاد تصريفه فلم يوجده من هو مثله ولا هو أوجد نفسه، وأن الذي أنشأه وأوجد عينه هو الذي لا يعجزه شيء أراده ولا يمتنع عليه إحداث شيء شاء إحداثه، وهو الله الواحد القهار فإن قيل اثنين أنكرنا ذلك لتمام الخلق فلو كان المدبر اثنين لم يخلوا من اتفاق أو اختلاف، فإن كانا متفقين فمعناهما واحد وإنما جعل الواحد اثنين وإن كانا مختلفين كان محالا وجود الخلق على التمام والتدبير، لأن المختلفين فعل كل واحد منهما خلاف فعل صاحبه بأن أحدهما إذا أحيا أمات الآخر وإذا أوجد أحدهما أفنى الآخر، فكان محالا وجود شيء من الخلق على ما وجد عليه من التمام وفي قول الله عز وجل (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ، إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ، عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)، أبلغ حجة وأوجز بيان وأدل دليل على بطلان ما قاله المبطلون من أهل الشرك بالله، وذلك أن السموات والأرض لو كان فيهما إله غير الله لم يخل أمرهما مما وصفت من اتفاق واختلاف كما قال ربنا جل وعلا (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَفتبين إذا أن القديم بارىء الأشياء وصانعها هو الواحد الذي كان قبل كل شيء وهو الكائن بعد كل شيء، والأول قبل كل شيء والآخر بعد كل شيء، وأنه كان ولا وقت ولا زمان ولا ليل ولا نهار ولا ظلمة ولا نور إلا نور وجهه الكريم، ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا نجوم، وأن كل شيء سواه محدث مدبر مصنوع انفرد بخلق جميعه بغير شريك ولا معين ولا ظهير، سبحانه من قادر قاهر.
عن أبي هريرة أن النبي (ص) قال: إنكم تُسألون بعدي عن كل شيء، حتى يقول القائل هذا الله خلق كل شيء فمن ذا خلقه، إذا سألكم الناس عن هذا فقولوا: الله خالق كل شيء والله كان قبل كل شيء والله كائن بعد كل شيء، فإذا كان معلوما أن خالق الأشياء وبارئها كان ولا شيء غيره، وأنه أحدث الأشياء فدبرها وأنه قد خلق صنوفا من خلقه قبل خلق الأزمنة والأوقات وقبل خلق الشمس والقمر اللذين يجريهما في أفلاكهما، وبهما عرفت الأوقات والساعات وأرخت التأريخات وفصل بين الليل والنهار، فلنقل فيم ذلك الخلق الذي خلق قبل ذلك وما كان أوله؟.

23 - مايو - 2010
نبأ الخلق في تاريخ العالم من الميلاد إلى الفناء
 1  2  3  4