من عمر كن أول من يقيّم
أخي الفاضل الاستاذ زهير ظاظا المحترم بعد التحية والسلام وتقديم واجب الشكر والامتنان لكل القائمين على هذا الموقع الأغر ، أقول : قليلا ماأجد المجال أمامي متاحا لمتابعة موقعكم الرائد وللوقوف من خلاله على أخباركم ، ومثلي في ذلك مثل المفلس الذي يتحين فرصة المرورمن أمام دكان العطار لا ليبتاع ويبيع بل ليشتم الريح الذكية المنبعثة . ولكنني اليوم طرقت باب موقعكم الكريم وفي النفس شيء من الحسرة المقرونة بالتمني والرجاء في وجود دواء يشفي غليلها . ذلك الشيء الذي في النفس هو صدى مرض ورحيل الاخ العزيز نذير المصري رحمه الله ، ولاأخفي عليك أستاذ زهيرأنني عندما وقفت على نعيك للراحل العزيزتذكرت قول الشاعر الايراني شهريار لمحبوبته التي غابت عنه ولم تأته إلا وهو على فراش الموت يحتضر : ( آمدي جانم به قربانت ولي حالا جرا ) أي : أتيت ! -روحي فداك - ولكن لماذا الآن ؟ . أقول هذا وأنا مدرك للعلاقة المتميزة التي كانت تربطك بالراحل ، ومدرك أيضا أن قلة الاتصال والسؤال عن حال الفقيد حال مرضه له عندك أسبابه النفسية الخاصة ، وأظن نذيرا رحمه الله كان مدركا ذلك تماما ، حيث إنني عندما زرته بعد عودتي من (أبو ظبي ) قبل ستة أشهر تقريبا سألني : هل رأيت الأستاذ زهيروكيف هو ؟ ولم يقل لي : هل سألك عني؟ ولكنني أجبته عن أسئلة حسبت أنها تدور في نفسه قائلا له : إن المودة التي بينك وبين زهير لاتقيم بسؤال من هنا واتصال من هناك . وأضفت : إنني بمجرد أن قلت للأستاذ زهير لم لاتسألني عن نذير ؟ تغير حاله وبدت عليه علامات التأثر الشديد وظل صامتا برهة ولم يجب . فأجابني رحمه الله : والله أعرف هذا الشيء ولكنني سأرحل وكنت أحب أن أراه . على كل حال أستاذي الفاضل : عظم الله أجركم ورحم الله الفقيد وعزائي كذلك لأصدقاء الفقيد في (أبو ظبي ) وأخص منهم الأستاذ سامر شنواني والأستاذ بسام الجلم سائلا العلي القدير أن يلهم الجميع الصبر والسلوان . الأستاذ زهير / أجد من نافلة المناسبة أن اتحدث قليلا عن أخينا نذير خاصة في فترة مرضه حيث كنت غائبا عنها فأقول : خلال سنتين من المرض والألم الشديد لم نسمع منه شكوى أبدا وكان لسانه دائما يلهج بالحمد والثناء والشكر لله تعالى ، كنا نزوره أنا والاخوين عبد البديع وحسن الهندي ونحاول أن نشاركه آلامه ونخفف عنه فنجده يبادر إلى موضوع عام قائلا : دعكم من مرضي . غير آبه بما فيه من أوجاع . قلت له مرة مخففا عنه : ياأخ نذير الآجال بيد الله ولاتظنن أن المرض هو الذي سينهي حياتك ، فكم من صحيح الجسم مات بغتة وكم من سقيم أضحى وليس به علة ،فقال : ياأخ عمر هذا كلام أنا مقتنع به تماما ثم إنني والله لست خائفا من الموت بل أنا في أشد الشوق إليه للقاء الله عز وجل . زرته مرة مع صديقي الأخ زياد رزق فقال لي الأخ زياد بعد خروجنا من عنده : إنه أكبر من عمره بكثير لأن أكثر المرضى يحمدون الله بلسانهم فهم لاملجأ لهم إلا هو ، ولكن نذيرا تشعر فيه الاطمئنان والرضا بقضاء الله حتى أن السعادة تبدو عليه أكثر مما لو لم يكن مريضا . كنت والاستاذ عبد البديع في زيارته يوما فقال لنا: شعرت بالأمس كأن ساعة لقاء الله قد حانت وكنت سعيدا ومتشوقا إالى لقائه ولكن للأسف يبدو أن الأجل لم يحن بعد . وقد كان رحمه الله في فترة مرضه يتكلم بكلام راق ويستنتج استنتاجات باهرة يصعب على محدثه اللبيب استيعابه مالم يلتفت اليه بكل حواسه . قبل وفاته - رحمه الله - بعشر أيام نقريبا اتصلت به واستأذنته بالزيارة بصحبة الأخوين عبد البديع وحسن الهندي فطلب مني تحديد الساعة لكي يتهيأ لاستقبالنا ، إذ كان عليه أن يأخذ حقنة مسكنة شديدة المفعول لكي يستطيع أن يجلس معنا ، ويشهد الله أننا حبسنا عبراتنا عندما استقبلنا حيث كانت العلة الخبيثة قد بلغت به كل مبلغ ، وبرغم ذلك كان بطلا يصارع الآلام ، وقد رأيت فيه نموذجا واقعيا لمن كنا نقرأ عنهم في كتب رقائق المتقدمين عن حالات الصبر وأقصى درجاته . أقول : هنيئا للراحل العزيز صبره وإيمانه ونسأل الله عز وجل أن يعلي مقامه ويحشره مع الانبياء والصديقين والشهداء والصالحين ، إنه تعالى سميع مجيب . الفاتحة . عمر |