| تعليقات | تاريخ النشر | مواضيع |
| العيد و " ضهر السكر " كن أول من يقيّم
وكان العيد بالنسبة لنا ينحصر في هذه المنطقة حول السينما وبائعي المخلل والحلويات . فقد كانت المراجيح تنصب في الزيتون في الأراضي الخالية تقريباً من البنيان وكذلك الشقليبات والدويخة وكان لها أماكن محددة تنصب فيها كل عام وأشهرها أمام بيتنا وفي الزيتون أمام حارة الزعبية وفي الزيتون مقابل محل عمر الأسمر ومن ذلك المكان كان يمر بالقرب منه قناة للماء كانت تستخدم في ري البساتين (السقي) وكانت هذه القناة تسمى " ضهر السكر " وكانت تمرّ في زقاق صغير يؤدي إلى الطريق الفرعي الذي كنا نسكن فيه سابقاً ويؤدي إلى مدرستي الأولى . وكانت لعبتنا المفضلة عندما نذهب ونعود من المدرسة أن نرمي أحذيتنا في الماء الجاري من الفتحة التي كانوا يغطون القناة بها ثم نركض إلى الفتحة الثانية لنلتقطها منها أمام بيت أم العبد الشيخ وكان هذا البيت مميزاً في تلك الأيام فقد كان مؤلفاً من طابقين وتسكنه عائلة واحدة وكانت صاحبته تدير ورشة للخياطة في داخل المنزل ونزولاً من ذلك الزقاق فأنت تصل إلى مشارف سوق الخضار على ضفة نهر أبو علي وكانت بقية عائلتنا تسكن في تلك المنطقة فإذا اتجهت نزولاً من عند سينما ديانا في اتجاه الشمال فإنك تصل إلى مجموعة من البنايات ذات الطابقين أو الثلاثة على الأكثر وفي الطوابق الأولى منها محلات متنوعة من سمانة وخضار وكان هناك مقهى مشهور بقهوة شعبو كذلك كان المعلَم الرئيسي في تلك المنطقة هي صناعة الصناديق الخشبية وكنا نسميها " سحاحير: جمع سحارة " وكانت تستخدم في تعبئة الخضار والفاكهة التي تورد من سوق الخضار إلى بقية المناطق اللبنانية وغيرها وعلى ما أذكر أنه كان هناك محلات لتعبئة التفاح في الصناديق أذكر النسوة كيف كنّ يلففن التفاح بالورق الملون خصوصاً اللون القرمزي وصففنه في الصناديق بطريقة جميلة . كذلك كان هناك في نفس المنطقة فرن يسمى فرن الجعم ومقابله البناية التي كانت تخص بيت خال والدي " أحمد بدور " وكانوا يملكون بئراً في الباحة أمام منزلهم وكان أهل الحارة جميعهم يأخذون من الماء منه وكانوا لا يمنعون أحداً من الدخول والخروج أبداً رغم ما كان يتسبب به هذا الأمر من الإزعاج لأهل البيت . | 29 - فبراير - 2008 | أحاديث الوطن والزمن المتحول |
| وصف البيت كن أول من يقيّم
الذي أذكره وأحنّ إليه أكثر شيء هو الليالي الرمضانية والسهرات الشتوية في بيتنا الذي كان مؤلفاً من ثلاث غرف متداخلة مع بعضها فأنت تدخل من الباب الرئيسي إلى الصالة مباشرة وهي في الوسط وهناك غرفة ملاصقة لها تطل على السقي والبحر وكانت تستعمل كغرفة للنوم فيها سريران من الفورمايكا البيضاء المنقطة بالبني وخزانة من نفس النوع وكانت غرفة نوم والدي ووالدتي ومن ثم من الجانب الثاني للغرفة الوسطى كانت هناك غرفة أخرى تستعمل للجلوس والطعام واللعب وما إلى هناك من أعمال أخرى وتطل على الجهة الشرقية الجبلية للمدينة . وكما أذكر جيداً فإن سفرة السلم بين الشقتين كانت تستخدم كذلك في الصباحيات والامسيات الصيفية كمكان للجلوس وبما إننا كنا في الطابق الأخير لوحدنا فلم يكن بمقدور أي غريب الصعود لبيتنا . فكانوا ينظفون السفرة والسلم جيداً كل يوم ( كل لون البلاط مخضرّ قليلاً ولامع). ثم يضعون الطراريح على الأرض والطراريح هذه كانت عبارة عن فضلات الأقمشة القديمة تحشى في وجه من القماش على شكل مستطيل أو مربع وتستخدم للجلوس بعد أن توضع المساند وراءها وعلى أطرافها والمساند هي أيضاً كانت كمية من القش اليابس ترصّ في قماش ملون وكان من الممكن كذلك أن توضع فوق الدشك الخشبي والدشك هي كلمة تركية وهو عبارة عن مستطيل من الخشب له قوائم وكانت الطراريح والمساند توضع فوقه ومن ثم تفرش بأقمشة لتغطيتها . وكان هذا الدشك يعتبر بديلاً عن الكنبات لدى الأسر الفقيرة والمتوسطة الحال . غير أن الكنبات كنا نضعها في الصالون المخصص للضيوف . على سفرة السلم هذه والتي كانت تقع أمام المنور ( وهي الشرفة المفتوحة لإضاءة السلم ) . هذا المنور كان يطل على سقي طرابلس ويشرف كذلك على البحر وكان المنظر رائعاً من هناك والأجمل كان في ليالي وصباحات الربيع عندما تتفتح أزهار الليمون والزفّير وتبدأ بنشر أريجها في كل أنحاء طرابلس. على هذه السفرة كنا نأكل أحياناً . وكما أذكر جيداً كانت اللوبياء بالزيت أكلتنا المفضلة في الصيف وكان للفاكهة والخضار مواسم فلم نكن نأكل اللوبياء الخضراء أو العكّوب أو الكوسى أو الباذنجان إلخ.. إلا في موسمها وكانت جدتي تجبرنا عندما نأكل من أي شيء لأول مرة بأن نقول " سنة مباركة " حتى يعم الخير ويزداد . المهم كانت اللوبياء بزيت لها مراسم خاصة فقد كنا نحضّر الخبز الجاف المتبقي عن الوجبات السابقة بالرغم من أن الخبز كان بخس الثمن إلا أننا لم نكن نرمي أي كسرة منه فكنا نجفّفه ونستعمله في أكلات كثيرة كالكشك والمجدرة واللوبياء وكانت جدتي تحضر صحناً فيه ماء فكنا نضعه على صينية القش الملونة مع صحن السلطة وصحن اللوبياء ونتحلّق كلنا نفس الصحون ( لم يكن شائعاً كذلك أن يأكل كل شخص بصحنه الخاص ) . ثم نقوم بتشّ الخبز في الماء ومن ثم نغمّس به اللوبياء مع السلطة وأنا لا أزال أذكر طعم هذه الاكلة حتى الأن . وبعد الإنتهاء من الأكل كان الأولاد يعودون للعب بينما يأخذ الكبار في شرب القهوة أو تدخين النارجيلة وينضم إليهم من شاء من الجيران . كذلك أذكر أن الجيران كانوا ينضمون إلينا للمساعدة في الأكلات الصعبة والتي تتطلب جهداً ووقتاً كلفّ ورق العنب مثلاً أو صناعة الكبة . | 8 - مارس - 2008 | أحاديث الوطن والزمن المتحول |
| تقاليد رمضانية كن أول من يقيّم
ومن المهم الذكر هنا نمط الحياة الذي كان يتعرّض كله للتغيير في شهر رمضان ابتداءً بالانقطاع عن الأكل لفترة طويلة ومن ثم الأكل عند الإفطار ومن ثم السهرة ومن ثم الإستفاقة على صوت الطبيلة والمسحّراتي من النوم والإستفاقة متأخرين ثم الدوام النصفي ثم بسطات التوت والخرنوب والمغربية والمخلل وكذلك الحلويات الخاصة كالقطايف والبصمة والكنافة وورد الشام وأخيراً وليس آخراً الوداع ولكل واحدة من هذه نكهة خاصة وذكرى خاصة كانت تعدّ الأجمل في تلك الأيام . وكان الإعلان عن شهر رمضان يتم بعد التماس الهلال ومن ثم كانت الناس تترقّب مدفع الإثبات وعند إطلاقه لأول مرة عند الفجر أحياناً وأحياناً عند المساء أو عند منتصف الليل تبدأ التحضيرات الخاصة : أول عمل نقوم به هو الإستفاقة قبل صلاة الفجر على صوت المسحراتي وصوته وهو ينشد مع القرع على طبلة صغيرة بواسطة العصا : يا نايم وحّد الدايم . وقوموا على سحوركم إجا النبي يزوركم .. ومن ثم ينادي بالأسماء على الناس فقد كانت العالم كلها تعرف بعضها في تلك الأيام وأصلاً المسحراتي يكون من أهل الحي نفسه ومن ثم تنهض العائلة كلها لتناول السحور ومن بعدها نعود إذا استطعنا النوم من جديد للساعة الثامنة والنصف لأن الدوام يبدأ في رمضان في التاسعة . وكذلك ساعات العمل كانت تختصر إلى النصف فكنا لا نخرج إلا في فرصة واحدة ومن ثم نعود للمنزل ظهراً . وفي فترة بعد الظهر كنا نساعد الأهل على تحضير الطعام وكنا لا ننفك نسأل كل ربع ساعة عن الساعة وخصوصاً عندما تبدأ الروائح الشهية تتصاعد فقد كانت الشورباء بعدس من اللوازم كذلك الفتوش وكذلك صحن الكبة النية والبطاطا المقلية وكذلك التسقية أو الفتة ومن ثم الوجبة الرئيسية من الأرز والمحاشي وغيرها وعندما نشبع كنا ننتظر الحلويات الرمضانية بفارغ الصبر فقد كان والدي عندما يعود إلى المنزل مساءً يكون حاملاً معه ودائماً إما البصمة وهي شعيرية مقلية ومحشوة بالقشطة وتسقى بالقطر وإما الكنافة وإما القطايف التي كنا نحشيها بالقشطة ونقليها ومن ثم نغطسها في القطر . وكنا عندما لا نستطيع أن نأكل من كل هذا دفعة واحدة نؤجله للسحور . كذلك كنا نشتري يومياً الخرنوب والسوس والتوت والمخللات والمغربية من على البسطات التي كانت تنتشر بكثرة في كل الشوارع والمحلات في طرابلس . بالإضافة إلى قمر الدين الذي كان الناس يأكلونه بكثرة في رمضان فقط ولا أدري لماذا فهو لذيذ ومفيد وهو عبارة عن مشمش مجفف معجون بالزيت ومن ثم يرقّ ألواح مستطيلة ويغلّف ويباع ليؤكل نيئاً أو منقوعاً في الماء فيشرب قبل الأكل على السحور . وكانت هذه الطقوس تمارس كل يوم خلال الثلاثين يوماً وفي الأسبوع الأخير تزداد الفرحة أكثر بمجيء الوداع . والوداع هي مجموعة من قارعي الطبول والدفوف وحاملي اللوكسات كانت تجول الشوارع لتودع الشهر الفضيل وكانوا ينقرون على الطبول ويغنون الأناشيد الدينية والمدائح النبوية ثم يأخذون عيدية من كل منزل يمرون به وكان يلحق بهم أولاد الحي من منزل لآخر فلا نكتفي بمشاهدتهم أمام بيوتنا فقط ولم يكن الأهل يعترضون على هذا أبداً فقد كان الجمهور من الأولاد الذين يرافقونهم كبيراً جداً كل يوم . | 8 - مارس - 2008 | أحاديث الوطن والزمن المتحول |
| كان يا ما كان ... كن أول من يقيّم
ومن ثم يأتي دور صناعة الحلويات للعيد والتي هي تقليدياً المعمول بجوز وتمر وفستق والكعك بحليب أو أقراص العيد . وكانت عملية شراء السميد والسمنة الحموية والجوز الطحين السكر من محلات المير في سوق التبانة ( وهي لا تزال موجودة حتى اليوم ) في تلك الفترة عملية شاقة فالزحام يكون على أشدّه في السوق في تلك الأيام ولكن لهذه المشقة نكهة وسحر . ومن ثم يقومون بالعجين والتقريص والتطبيش وتصفّ كل الأقراص في الصواني ثم نأخذ معنا السكر البودرة إلى الفرن لكي نرشه على وجه المعمول وهو ساخن وكان الزحام في الفرن أيضاً على أشده ويختلط الحابل بالنابل فيأخذ أحدهم معمولات جاره بالخطأ إذا ما غضّ النظر لدقيقة واحدة .ومن ثم ومن بعد ذلك نعود للمنزل وننتظر أن يبرد المعمول لنلفّه في أوراق خاصة تمهيداً للضيافة في العيد . ثم كانت جدتي تجمع المتبقي من السكر البودرة الممزوج بالسمنة في صينية تضيف إليها الطحين وتكبسها جيداً بعد أن تمزجها مع بعضها وكنا نسميها البسيسة حتى لا يضيع أي شيء من الحلويات . ثم عندما يخيم الظلام ويعود كل واحد لبيته كنا نجلس في الغرفة الخلفية وتقوم جدتي بإشعال النار في منقل الفحم وتضع بجانبه قليلاً من الدق ( بذور الزيتون المحروقة ) وكان لدينا عدداً من جلود الخراف كنا كذلك نمدّها على الأرض ثم نجلس عليها حول المنقل وعندها يبدأ وقت الحكايات وهذه عادة تعودنا عليها منذ كنا صغاراً فقد كنا في البداية نستمع لقراءة السير من دون أن نفهم شيئاً ومع الوقت ابتدأت هذه الصور تداعب خيالنا وتحرّكه ومن ثم ابتدأت جدتي تروي لنا قصصاً بسيطة وسهلة الفهم بالنسبة لعمرنا وكانت كلما أرادت أن تداعبنا عندما نطلب منها وبإلحاح أن تحكي لنا حكاية تقول لنا بصوتها الهادئ وببطء : "كان ياما كان في قديم الزمان منحكي ولاّ منام ولا منتسمع عالكلام" فكنا نجيب بسرعة وقبل أن تغير رأيها :" منحكي, منحكي أو منتسمع عالكلام " . فكانت تضحك وتقول:" شو بدكم تسمعوا اليوم " . طبعاً كنا نختار دائماً أطول الحكايات وأحلاها بالنسبة لنا ومن ثم وإذا لم نغفو بسرعة كنا نطلب حكاية أخرى وأخرى إلى أن ننام على صوتها . وكما أذكر فإنها كانت تعيد رواية الحكاية كل يوم بنفس النغمة وبنفس التفاصيل وبنفس التعليقات لدرجة أننا حفظناها كلها عن ظهر قلب وكان إذا صدف وحكى لنا غيرها الحكاية كنا نردّه دائماً على أساس أنه لا يعرف يحكي . وفي الحقيقة لا أدري كيف تجمعت كل هذه الحكايات عند جدتي ولا أعرف المصدر الذي أخذت منه هذه الحكايات . أعتقد أنها مزيج من حكايات قديمة مع بعض الإضافات المحلية وسأسردها كما كانت جدتي تحكيها وبتسلسلها حسب مستواها من البسيط فإلى الأصعب .
| 8 - مارس - 2008 | أحاديث الوطن والزمن المتحول |
| من الحكاية إلى الكتاب كن أول من يقيّم
كنا نستمتع كثيراً بتلك الحكايات التي كانت جدتي تحكيها لنا وكل يوم كنا نطلب واحدة معينة حسب الجو فكانت تختار الحكايات الطويلة إذا كانت السهرة في بداياتها والقصيرة إذا كانت السهرة في آخرها طبعاً هذا بالنسبة لنا لأننا في كل مرة كنا نطلب منها أن تحكي لنا "زهور الهيهات " وهي أطولها أو " أم عجينات " . وكنا لا نكلٍّ ولا نملّ من سماع هذه الحكايات أبداً وأذكر إنني كنت أستمع لها أحياناً تُروى على لسان عمتي عزيزة أو عمتي سلمى أو أمي ولا أجد نفس اللذّة التي كنت أجدها أثناء رواية جدتي لها يمكن لأنها هي الأصل والباقي كانوا يقلّدونها . وأعتقد أن هذه الحكايات كانت المحرك الأول لخيالنا لأنها كانت وما تزال تنقلنا إلى عالم سحري من أبطال وجان وعفاريت!ٍٍ! إلى الناس المعذّبين والمقهورين والمظلومين والممتع إن نهاياتها جميعها كانت سعيدة وتجعلنا ننام قريري العين لأن الحق كان ينتصر دوماً على الباطل وتعود العدالة لتأخذ مجراها وتستمرّ الحياة الهنيئة في مجراها الطبيعي كما هو مقدّر ومرسوم لها بعيداً عن سطوة الأشرار والسحّار . ولا أزال حتى اليوم تستهويني قصص الخيال العلمي والأفلام الخيالية . وعندما ابتدأت أقرأ في عمر الست سنوات كانت قصص ميكي الجبار ومن ثم سوبرمان والرجل الوطواط هي المفضلة لدي وظللت أقرأها حتى عمر متقدّم . بالإضافة لأنني عندما بدأت أحسن القراءة كانت عمتي وجدتي تطلبان مني قراءة السير لهما في السهرة وهذه السير ( عنترة بن شداد , الزير سالم , سيف بن ذي يزن , أبو زيد الهلالي ) ملأى هي الأخرى بأخبار وحوادث شبيهة كثيراً بحكايات جدتي ومن ثم أضيف إليها من مصادر اخرى . وقد انغمست من مرحلة الثماني سنوات إلى مرحلة الثانية عشرة سنة في قراءات كثيرة فكنت لا أرفع رأسي عن الكتاب إلا لآكل وكنت أقرأ كل ما يقع تحت يدي من كتب وقصص وروايات عالمية وعربية . وهنا من الضروري أن أذكر أنّ والدي كان قارئاً جيداً وناقداً أيضاً فكان من أوائل المشجعين لنا على القراءة والفهم وهذا يعني إنه كان يناقشنا في معظم إذا لم أقل كل القصص والروايات التي كنا نقرؤها لكي يعرف إذا كنا نفهم ما نقرأ أولاً . وأذكر جيداً إنه ابتدأ في سن مبكرة يقرأ لنا أبياتاً من الشعر ويطلب منا تفسيرها مقابل مبلغ من المال تشجيعاً لنا . وفي مرحلة متقدّمة كان يعطينا بعض المقاطع من كتب جبران خليل جبران فقد كان والدي من أشد المعجبين به وكان يملك مجموعته الكاملة . | 9 - مارس - 2008 | أحاديث الوطن والزمن المتحول |
| أبي كن أول من يقيّم
وأنا لم أتكلم في المرحلة الأولى عن أبي كثيراً لأنني لا أذكر الكثير عنه في تلك المرحلة . فعلاقتي به توطّدت بعد تفتح وعيي ونضوجه . في البداية كل ما أذكره عنه أنه كان كبير الحجم ( طويل القامة , عريض المنكبين ) . لا أذكر أي شيء شخصي يتعلق به سوى أنه كان مرهوب الجانب في البيت وكان الجميع يتسابقون للحصول على رضاه داخل البيت وخارجه ( عماتي وأبناؤهم وأزواجهم , كذلك عمي وأولاده , خالته وأولاد خالته وخاله وأولاد خاله ) . وأذكر أنه كان محترماً من الجميع فقد كنت أرافقه أحياناً في بعض المشاوير وألاحظ ردّات فعل الناس تجاهه وكنت أعي هذا في ذلك العمر المبكر لأني كنت أشعر بالفخر بأنه كان يسلّم عليه معظم الرجال الذين كنا نمرّ بهم ويقومون لإلقاء التحية عليه. والذي أذكره أيضاً أنه كان دائماً ذا رأي مخالف لرأي أكثرية الناس وخصوصاً من ناحية الدين والسياسة . ففي الستينات كان جمال عبد الناصر مثلاً معبوداً من قبل الجماهير الطرابلسية وكنت أسمع العكس من والدي الذي كان وينتقده دائماً . كذلك كانت المشاعر الدينية والتمسك بكل ما هو قيَم ومعتقدات دينية شيئاً سائداً في تلك الأيام ( أنا كنت أعني هذا في المدرسة خصوصاً ) ولكن والدي كان يعارض كل ما يمت إلى الأديان بصلة وكان يقول أنّ هذا يجعلنا متخلّفين أكثر وأذكر إنني في سن السابعة حاولت مرة أن أصلّي وبالصدفة ما إن وضعت الغطاء على رأسي وابتدأت حتى دخل ورفعه عن رأسي ومنعني من الصلاة . وكانت هذه المواقف تزعجني لأنني لم أكن أفهم ما يجري حولي فأنا كنت أقلّد رفيقاتي في المدرسة وهذا ما لم يسمح لي به . كل ما في الأمر إنني ابتدأت أحسّ من وقتها إننا لا ننتمي لنفس التقاليد والقيم السائدة في ذلك المجتمع . والذي اذكره أيضاً أنه كان صياداً ماهراً ورياضياً ماهراً أيضاً وآخر شيء كان يمارسه من الرياضات الكثيرة كان كرة القدم . فقد كان أفراد العائلة يملكون نادياً أسّسه ابن خالته محمد " أبو سمير يونس " واسماه نادي النسر الرياضي وكان والدي أحد المنتسبين إليه . كل ما أعيه حول الموضوع إنني كنت أذهب معه إلى المباريات في ملعب البلدي لأتفرّج عليه وهو يلعب وإنني ذهبت معه مرة إلى حمص لحضور مباريات لهم هناك ولكنهم خسروا يومها أمام الفريق الحمصي. وبالإضافة لكرة القدم كان والدي يدرّب المصارعة الرومانية وكان يلعب كمال الأجسام وكذلك كان سباحاً ماهراً فقد تعوّد منذ صغره على السباحة في نهر أبو علي القريب من منازلهم . ومن ثم انتقلوا للسباحة في البحر , وقد توقف فيما بعد عن ممارسة كل هذه الرياضيات إلا الصيد فقد استمرّت هذه الهواية لحين انتقالنا لضهر العين في العام 1971 . وكنا نملك صوراً كثيرة له ضاع معظمها في أثناء الحرب الأهلية عندما خسرنا منزلنا في ضهر العين . | 9 - مارس - 2008 | أحاديث الوطن والزمن المتحول |
| أمي كن أول من يقيّم
أما والدتي فالذي أذكره عنها حتى عمر الثماني سنوات أنها كانت من جملة الفريق النسائي في المنزل : جدتي وعمتي وأمي . وكان هناك تراتبية في المواقع ؛ فجدتي كانت هي المدبّرة الرئيسية للمنزل وتساعدها عمتي أما والدتي فقد كانت وظيفتها إنجاب الأولاد والإعتناء بهم حتى سن معينة طبعاً هذا في الأحوال الطبيعية أما إذا طرأ شيء ما كمرض أو مغص أو أي شيء آخر فإن جدتي كانت تتدخل كونها خبيرة في معظم الأمور . الذي أذكره إنني عندما ابتدأت بالذهاب إلى المدرسة وحاولت والدتي تعليمي الحروف الأبجدية إنني رفضت ذلك قائلة لها إنها لا تلفظ الحروف جيداً وعندما أصرّت على ذلك أعطيتها الحجة الدامغة بأن وجهها مورّم ولهذا لا تلفظ الحروف جيداً . ثم أذكر أنها كانت ترسلنا للمدرسة من سن الثانية أو الثانية والنصف تقريباً أنا وعلي ( في الأول الخوجاية ) . أكثر شيء أذكره إننا مرة في المدرسة وكنت في الصف الثاني ( سبع سنوات ) توفيت إحدى المعلمات في مدرستنا في حادث طائرة فقررت المعلمات يومها أن يضربن عن التعليم وأرجعننا إلى البيت وعندما رجعت تفاجأت بي وسألتني لماذا عدت ؟ فقلت لها فلم تصدقني وضربتني وعنّفتني واتهمتني بالكذب ( وهذا ما لا أفهمه حتى اليوم ).ولما أعادتني للمدرسة تعجبت المعلمات لأنهن رأين الدموع في عيني من أنها ضربتني . كنت لا أحتفظ لوالدتي سوى ذكراها وهي جالسة أمام طبق الغسيل وصوت البابور ( بابور الكاز قبل أن يخترعوا البوتاغاز) فقد كنت أحبّ صوته كثيراً وكذلك كنت أسرّ عندما يقومون بإشعاله وحكشه بالإبرة حتى تقوى النار فأرى ذلك كأنه عملية سحرية . وكانوا يستخدمون بابور الكاز للطبخ والغسيل فقط أما الأشياء الأخرى التي تحتاج لشوي فقد كنا نأخذها إلى الفران كالباذنجان مثلاً أذكر أننا كنا نشكّه في سيخ الحديد ونأخذه كذلك صواني الكبة والكفتة وأهم شيء وقت العيد الحلويات وهذ كانت من أكبر المتع هي النزول إلى الفرن لعند بيت النار ومشاهدة الفران وهو يدخل المعمول والأقراص بحليب والبسيسة وهذه كانت تصنع من بقايا السكر والسمنة التي تنتج عن المعمول بعد لفّه .
أكثر ما انطبع في ذهني عن والدتي هي الخياطة التي كانت تخيطها لنا وخصوصاً في أيام العيد فقد كانت تحب أن تميزنا عن بقية الأولاد في بملابس خاصة فكانت تذهب إلى المحلات الغالية الثمن على التل وخصوصاً لمحل " شيك بي بي " وتنقل عنه الموديلات لي ولإخوتي . وكنا بالفعل دائماً مميزين بالنسبة لبقية أطفال الحي فقد كنا على الدوام نلبس بطريقة مختلفة وكنا أكثر نظافة وترتيباً : فهناك ثلاثة نساء يهتمّن ّ بنا . لقد كنا بالفعل محظوظين بهذا .
الذي أذكره عن والدتي أيضاً هو كثرة الإنجاب فقد كنت أراها معظم الوقت حبلى فعندما وصلت لسن الثامنة من العمر ولدت على التوالي ضياء في الطابق الأول من البناية الجديدة في التبانة وندى وهلا في الطابق الثالث من البناية فنكون أصبحنا خمسة أولاد بالرغم من أن هناك فاصلاً زمنياً عمره أربع سنوات ونصف بيني وبين ضياء . | 9 - مارس - 2008 | أحاديث الوطن والزمن المتحول |
| طقوس الولادة كن أول من يقيّم
وبما أنني الكبيرة بين أخوتي الفتيات ولم يكن هناك أكبر مني إلا صبي واحد يكبرني بسنتين . لذلك فقد شهدت تقريباً كل الولادات التي حصلت في بيتنا وأحياناً في بيوت العائلة الأخرى .
بالنسبة لي وفي ذلك العمر المبكر لم تكن الولادة هي الحدث أو قدوم منافس جديد على الخط ولكن كانت الطقوس المرافقة لهذا الحدث . أول شيء كان ينذر بأنّ والدتي ستلد هي قيامها في الليل ولوقت متأخر بالغسيل وقد كان يدوياً وقتها ومن ثم تدبّ الحركة في المنزل ويتم استدعاء الداية أمنة وهي سيدة عجوز كانت بالكاد تتحرّك وترى ولكنها كانت خبيرة في مهنتها المهم تأتي الداية وتبدأ بإعطاء الأوامر حول الدخول والخروج من وإلى غرفة الولاّدة لأنه وعلى ما كان شائعاً في ذلك الوقت كانت العائلة تستدعى كلها لحضور العملية وكأنها فيلم سينمائي وكانت النسوة يجلسن حول سرير المسكينة وتبدأن بالكلام والضجيج بدون مراعاة للوضع النفسي والجسدي الذي تمرّ به بل تعتبرن ذلك نوعاً من الترفيه عنها ليسهلوا عليها العملية وكنت أحياناً أتسلل وأندسّ بينهنّ آملة أن ينسونني عندما يقترب الوضع فقد كنت أحسّ بأنّ هناك شيئاً سرّياً يحدث عندما يقترب يخرجوننا من الغرفة ويبدأون بإدخال الماء الساخن ( وظللت لفترة طويلة وأنا أسأل نفسي ماذا يفعلون به ولماذا يستخدمونه ) . ومن ثم تبدأ عملية الترقّب والقلق وخصوصاً إذا تعثّرت الولادة لسبب ما كما كان يحدث في معظم الأحيان ثم تأتي اللحظة المنتظرة وتسود الفرحة بعد أن كان الوجوم سيد الموقف وخصوصاً إذا كان المولود ذكراً أما إذا كانت فتاة وهذا ما كان يحصل في منزلنا لثلاث ولادات متتالية من بعدي فقد أنجبت والدتي صبياً مات بعد يومين في ثورة 1958 ومن بعدها أنجبت ضياء وندى وهلا وكانت في كل مرة ننتظر قدوم الصبي وهذا ما لم يحصل فتبدأ النسوة بتعزيتها قائلات المهم سلامتك ... الحمد لله خلقة كاملة ... صحيح بنت بس حلوة ... إلى ما هناك من كلام معسول وكنت لا أصدّق أن يسمحوا لي بالدخول للغرفة فأركض إلى السرير وأندسّ تحت الأغطية ثم أنظر ناحية المولود الجديد لأتعرّف على شكله وكنت أذكر أنّ الأطفال جميعهم كانوا يولدون مغمضي العيون ومطبقي الكفوف وعندما كانوا يفتحون أعينهم بعد ثلاثة أو أربعة أيام كنا ننتظر ذلك بفارغ الصبر ونبدأ بالتحذّر عن لون عينيه ومن ثم عندما يفتح يديه لأول مرة نركض لتنظيف المادة القطنية البيضاء المتجمعة حول أصابعه وداخل كفيه .
بعد الولادة يبدأ عمل الشورباء المشهورة شوربة الدجاج مع الأرز فهذه كانت من مستلزمات الولادة في بيتنا فكان الدجاج يسلق مع الأرز حتى ينضج تماماً وتضاف إليهما التوابل وتؤكل ساخنة . وبعدها يبدأ غلي اليانسون لإطعام المولود فالحليب أو " الدرّة " لا تبدأ قبل يوم أو يومين . وتبدأ بعدها وفود المهنئين من أهل وجيران ويبدأ الصراع على اسم المولود وكان والدي يحسم الصراع على الغالب عندما يكون عنده اسم معين . فبالنسبة لإسم علي لم يكن هناك من تردّد في الموضوع فهو كان منذ صغره يكنّى بأبو علي لأنه كان قبضاياً وهذا لا يزال شائعاً في المجتمعات الشعبية أن يطلق هذا الاسم على من يتمتعون بهذه الصفة . أما بالنسبة لي فقد سمّاني على اسم والدته , أما والدتي فأطلقت عليّ إسم سمر ولكنه أصرّ على موقفه ومنعهم من مناداتي باسم سمر . ضياء كان مختاراً من قبل جدي لأبي فهو اسم أميرة في سيرة فيروز شاه , أما ندى فقد سمّتها عمتي سكينة وكذلك هلا , محمد هو إسم جدي لأبي وكان مؤجلاً حتى يأتي الصبي الثاني وكان محسوماً . أما البقية فقد سميتهم أنا بعد أن منحني والدي أثناءها الكثير من الامتيازات . فكان اسم ربى ورولا وهاني وأخيراً زينة .
الذي كنت أذكره أيضاً عن الأولاد الأوائل إنّ جدتي كانت وفي أول ثلاثة أيام من ولاداتهم تملّحهم أي كانوا يضعون الملح على جسد الطفل والأسباب حتى لا يتسمّط جلده ( أي يحمرّ ويقشر ) كذلك حتى لا يكون له رائحة عرق بشعة عندما يكبر ومن ثم يلفونه في اللفّة , واللفّة هي عبارة عن قطعة مربّعة من القماش كانت تطرّز وتزين وكان يوضع في داخلها عدة أحجام من القماش الأصغر في الأسفل ومن ثم الأكبر فالأكبر وكانت تسمى " خروق " ويمدّد الطفل الرضيع عليها ثم تلفّ الخروق عليه بعد أن يُلبس على اللحم شاشاً رقيقاً له ربطة على جنب تسمى منتان ثم قميص من القطن فوقها ثم يوضع على اللفة ويدرج بها جيداً ثم تربط اللفة بحزام من نفس القماش بقوة حتى لا يستطيع الطفل تحريك لا يديه ولا رجليه ولا يبان منه إلا رأسه وكان بعض الأطفال يستطيعون بعد فترة أن يُخرجوا أيديهم من اللفة فيعاد إدخالها ولفّها من جديد وكل هذا كان لحماية الطفل من أية أخطار قد تؤدي لخلع يده أو رجله . وأذكر أنه عندما كان الطفل يصاب بمغص شديد كانوا يفكّون عنه اللفة ويسخنون قليلاً من زيت الزيتون كانوا يضعون فيه عشبة خضراء تسمى " زداب " وكان يدهن به بطنه ومحالبه حتى يشفى ويذهب عنه المغص سريعاً . أيضاً من العمليات التي كانت تجرى للأولاد وهم في سن جد مبكرة ( أسابيع أو شهور ) هو قص الطنطوفة , والطنطوفة هي اللهاة التي في آخر الحلق وكانت تقص بحجة أنها تمنع الولد من التنفس إذا التهبت وتضاعف حجمها فكانوا يأخذون الطفل إلى الداية وكان لديها نوع من المشرط على شكل منجل صغير فكانت تدخله في فم الطفل وتقص به طنطوفته وأذكر أنهم قاموا بهذا لعلي ولي ولضياء وندى ومن بعدها توقفوا عن ذلك . | 9 - مارس - 2008 | أحاديث الوطن والزمن المتحول |
| طقوس الختان كن أول من يقيّم
ومن الأحداث التي لا أنساها أبداً هي عملية الختان " للصبيان طبعاً " واسمها عندنا " الطهور " في تلك الأيام لم تكن هذه العملية تتم بدون حفلة تعادل تقريباً حفلة العرس وكان من الممكن أن تتم قبل أن يتم الطفل الإسبوع من عمره ( كما يحصل حالياً في كل المستشفيات ) . أما في زمننا فكانت تؤجل حتى تتهيأ الظروف المناسبة للحفلة كما تم مع أخي علي وقد جرى يومها كما أذكر جيداً تطهير حيدر ابن عمتي وكذلك محمد ابن عمي .
وكانت العملية تتم على يد مطهّر خاص أو حلاق بدون أي بنج أو حتى مخدّر موضعي وكانت تُخاط للصبيان جلاليب واسعة لأنهم سيبقون على الأقل أسبوعاً غير قادرين على لبس ثياب داخلية أو بناطيل . ويوم طهور علي كان يوماً مشهوداً فقد عزم أبي كل الحارة تقريباً غير الأهل والأصدقاء وكان السطح قد هيّء لاستقبال الزوار وكذلك الشقتين تحت فالسطح للرجال والشقق للنساء . وقامت جدتي وعمتي وأمي بمساعدة كل العائلة بالطبخ لإطعام الضيوف ومن ثم قامت جدتي بنقع الحامض مع قشره بالسكر وصنعت منه ليموناضة للضيافة وكذلك تم عمل الحلويات . الذي أذكره هي الحفلة على السطح والرجال الذين يغنون ويرقصون وكان هناك مطرب لا أذكر من هو وكان يعزف على العود ويغني ثم أنزلوا الأولاد جميعاً إلى غرفة النوم تحت وقام المطهر بالعملية .
ثم وضعوها على طبق وهذا المشهد لا أنساه في حياتي كانوا يدورون بها على السطح وبين الناس ويدلون عليها هذه لعلي وهذه لمحمد وهذه لحيدر وكان البكاء وصراخ المساكين تحت تصمّ أذني وما كنت أستطيع أن أفهم لماذا كل هذه الضجة لهذا الأمر الهائل . | 9 - مارس - 2008 | أحاديث الوطن والزمن المتحول |
| طقوس الموالد كن أول من يقيّم
والحدث الذي كان يتكرر دائماً وفي بيوت عديدة من العائلة كان "المولد " أي قراءة مولد النبي وكانت هذه العملية تتم بناءً على نذر ما تقوم به إحداهنّ كأن تقول : " ندراً عليّ إذا صارت هالشغلة أن أقرأ مولد في بيتي " , أنا أذكر واحداً عندنا في البيت وواحداً عند عمتي سلمى وواحداً عند نديمة بنت أبو محمود خال والدي . وكل الموالد كانت تتم على نفس الوتيرة فقد كانوا يعدون الليموناضة والشراب قبل يوم ويصنعون الحلويات ويضعون كل ها على طاولة ثم عندما تبدأ القراءة في مولد الرسول . ثم بعد أن يكتمل عدد كل المدعوات للحضور يقمن بإشعال الشموع بعد أن يضعنها على صينية ثم تبدأ الأجمل صوتاً بالقراءة وتكون النساء كلهن مغطيات الرؤوس باغطية بيضاء , أما البقية فيستمعن للقراءة بخشوع . وأذكر أنهن كن يقفن عندما تصل القارئة إلى مولد النبي .
وأذكر أنني أثناء قراءة أحد الموالد في بيتنا كان يعرض فيلم لاسماعيل يس في السينما القريبة اسمه " طاقية الإخفاء " وكان اسماعيل يس يعدّ في حينها كوميدياً من الدرجة الاولى وقد علمت إن أخي علي يرغب بالذهاب مع رفاقه لحضور الفيلم وكنت ولا أزال حتى اليوم من محبي السينما فطلبت من والدتي أن تعطيني مصاري لأذهب معهم فلم تقبل وقالت لي :" اليوم عنا مولد ولازم تبقي بالبيت وما تروحي مع الصبيان " ولكنني لم أقتنع بهذا الكلام . فما لي وللمولد وكنت وقتها في حوالي السابعة أو أقل وصممت على الذهاب وتسللت خفية من بين الحشود وذهبت إلى دكانة جدي ( والد امي ) التي كانت تقع في نفس الشارع الذي كانت فيه مدرستي (البلحة ) وكان جدي يبيع يومها " البالات ".فمررت عليه وطلبت منه أن يعطيني نقوداً ومن ثم ذهبت للسينما مع أخي وكانت قريبة من المحل وهي سينما ديانا على جسر نهر أبو علي وقد كان الفيلم مضحكاً جداً وعدنا إلى البيت مسرورين ونحن نعيد سرد كل المشاهد مرة أخرى لبعضنا فقد اعتدنا أنا وعلي أن نعيد الفيلم مرة ثانية بعد عودتنا إلى البيت طبعاً أي فيلم وعندما وصلنا كان العقاب بانتظاري لأنني عصيت الأوامر ونمت ليلتها "على وجّي طبّ " كما كانوا يقولون . وكنت أضحك عندما كان يردد القول الشائع أمامي " الله يعطينا خير هالضحك " فقد كان الناس في مجتمعاتنا ولا يزالون يخافون كثيراً عندما يضحكون فيرددون هذا القول . ومن بعد تلك الحادثة اقتنعت به تماماً . | 9 - مارس - 2008 | أحاديث الوطن والزمن المتحول |