البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات أحمد إيبش

 1  2  3  4  5 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
المصاف الأكبر على عين جالوت وسحق الجيش التتري    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :

وأما كتْبُغا نُوين - مُقدّم التَّتار على عسكر هُولاگو - لمّا بلغه خروج الملك المُظفّر قُطُز كان بالبِقاع، فاستدعى الملك الأشرف ]مُوسى ابن المنصور صاحب حِمص[ وقاضي القضاة مُحيي الدّين واستشارهم في ذلك، فمنهم مَن أشار بعدم المُلتقى والاندفاع بين يدي الملك المُظفّر إلى حيث يجيئه مَدَدٌ من هُولاگو ليقوى على مُلتقى العسكر المصري، ومنهم مَن أشار بغير ذلك.  وتفرّقت الآراء.
فاقتضى رأي كتْبُغا نُوين المُلتقى، وتوجّه من فَوره لِما أراد الله تعالى من إعزاز الإسلام وأهله، وإذلال الشِّرك وحزبه، بعد أن جمع كتبُغا نُوين مَن في الشام من التَّتار وغيرهم، وقَصَدَ محاربة المُسلمين، وصُحبته الملك السَّعيد ]حَسَن[ ابن الملك العزيز عثمان.  ثم رحل الملك المُظفّر قُطُز بعساكره من غَزّة ونزل الغَور بعين جالوت([1])، وفيه جموع التَّتار في يوم الجمعة خامس عشرين شهر رمضان، ووقع المصافّ بينهم في اليوم المذكور، وتقاتلا قتالاً شديداً لم يُرَ مثلُه حتى قُتل من الطائفتين جماعة كثيرة وانكسرت مَيْسَرة المسلمين كَسرةً شنيعة.
فحَمَل الملك المُظفّر - رحمه الله - بنفسه في طائفة من عساكره، وأردف الميسرة حتى تحايوا وتراجعوا، واقتحم الملك المُظفّر القتال وباشر ذلك بنفسه وأبلى في ذلك اليوم بلاءً حَسناً، وعَظُم الحرب وثبت كلٌّ من الفريقين مع كثرة التَّتار.  والمُظفّر مع ذلك يشجّع أصحابه ويُحسِّن إليهم الموت، وهو يكرُّ بهم كَرّةً بعد كَرّة حتى نصر الله الإسلام وأعزّه، وانكسرت التَّتار وولَّوا الأدبار على أقبح وجه بعد أن قُتل مُعظم أعيانهم وأُصيب مُقدّم العساكر التَّتاريّة كتبُغا نُوين، فإنه أيضاً لمّا عظُم الخَطب باشر القتال بنفسه فأخزاه الله تعالى وقُتل شرّ قتلة، وكان الذي حَمَل عليه وقتله الأمير جمال الدّين آقوش الشّمسي، رحمه الله تعالى.
ووَلّوا التَّتار الأدبار لا يلوون على شيء، واعتصم منهم طائفةٌ بالتلّ المُجاور لمكان الوَقعة، فأحدقت بهم العساكر وصابروهم على القتال حتى أفنوهم قتلاً، ونجا مَن نجا.  وتبعهم الأمير رُكن الدّين بَيْبَرس البُنْدُقْداري في جماعة من الشّجعان إلى أطراف البلاد، واستوفى أهل البلاد والضّياع من التَّتار آثارهم([2])، وقتلوا منهم مقتلةً عظيمة حتى أنه لم يسلم منهم إلا القليل جداً.
وفي حال وقوع الفراغ من المصافّ، حضر الملك السّعيد ]حَسَن[ ابن الملك العزيز عثمان ابن الملك العادل بين يدي السّلطان الملك المُظفّر قُطُز، وكان التَّتار لمّا ملكوا قلعة البيرة وجدوه فيها مُعتقلاً فأطلقوه وأعطوه قلعة بانياس وقلعة الصُّبيْبة، فانضمّ على التَّتار وبقي منهم، وقاتل يوم المصافّ المسلمين قتالاً شديداً.  فلمّا أيّد الله المسلمين بنَصره، وحضر الملوك عند الملك المُظفّر، فحضر الملك المظفّر هذا من جُملتهم على رَغم أنفه، فلم يقبل الملك المظفّر عُذره، وأمر بضرب عُنقه فضُربت في الحال.
ثم كتب الملك المظفّر كتاباً إلى أهل دمشق يخبرهم فيه بالفتح وكسر العدوّ المخذول، ويعدهم بوصوله إليهم ونَشر العدل فيهم.  فسُرَّ عوامّ دمشق وأهلها بذلك سروراً زائداً...([3])
*  *  *


([1]) ذكر ياقوت في معجم البلدان (4: 177): عين الجالوت بُليدة لطيفة بين بَيْسان ونابلس من أعمال فلسطين.
([2]) كذا بالأصل، لكن الواضح أنه يريد: ثاراتهم.
([3]) يروي المؤرّخ بعد ذلك أخبار دمشق أثناء وقوعها تحت الغزو التَّتري الذي دام سبعة أشهر وعشرة أيام، وكيف تسبّب الحاكم التَّتري (إيل سيان) بقيام فتنة طائفية بين السكّان المسلمين والمسيحيين، أدّت إلى وقوع حوادث مؤلمة لا نريد ذكرها هنا.

30 - أكتوبر - 2007
مغامرة بطوليّة من تاريخنا - قصّة المملوك الصارم أوزبك
دخول المظفر قطز دمشق عقب كسر التتار    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :

ثم وصل الملك المُظفّر قُطُز إلى دمشق مؤيَّداً منصوراً، فانجبرت بذلك قلوب الرّعايا وتضاعف شُكرهم لله تعالى.  والتقاه أهل دمشق، وفي هذا المعنى يقول بعض شُعراء دمشق:
هَـلَكَ  الكُفرُ في الشآم iiجميعاً واستجدّ  الإسلامُ بعد iiدحوضه
بـالـمليك المُظفَّر الملك iiالأرْ وعِ سيفِ الإسلامِ عند نُهوضِه
مَـلِـكٌ  جـاءنا بعَزمٍ iiوحَزمٍ فـاعـتزَزنا  بسُمره iiوببِيْضِه
أوجَـبَ الله شُـكرَ ذاكَ iiعلينا دائـماً  مثل واجباتِ iiفُروضِه
وفي نُصرة الملك المُظفّر هذا يقول الشيخ شهاب الدّين أبو شامة([1]):
غلبَ التتارُ على البلادِ فجاءَهم مـن مصرَ تركيٌّ يجودُ iiبنفسه
بـالـشام  أهلكهم وبدّدَ iiشملَهم ولـكـلّ  شيء آفةٌ من iiجنسِه
 
ثم قَدِم الخبر على السّلطان بدمشق في شوّال بأن المنهزمين من رجال التَّتار ونسائهم لحقهم الطّلب من الأمير رُكن الدّين بَيْبَرس البُنْدُقْداري، فإن بَيْبَرس كان تقدّم قبل السّلطان إلى دمشق يتتبّع آثار التَّتار إلى قُرب حلب، فلمّا قَرُب منهم بَيْبَرس سيّبوا ما كان في أيديهم من أسارى المسلمين، ورموا أولادهم فتخطّفهم النّاس، وقاسوا من البلاء ما يستحقّونه.
وكان الملك المظفّر قُطُز قد وعد الأمير بَيْبَرس بحلب وأعمالها، فلمّا انتصر على التَّتار انثنى عزمه عن إعطائه حلب، وولاّها لعلاء الدّين ]علي ابن بدر الدّين لؤلؤ[ صاحب الموصل، فكان ذلك سبب الوحشة بين بَيْبَرس وبين الملك المُظفّر قُطُز، على ما يأتي ذكره.
ولمّا قدم الملك المظفّر إلى دمشق أحسن إلى النّاس وأجراهم على عوائدهم وقواعدهم إلى آخر أيام الملك النّاصر صلاح الدّين يوسف.  وسَيَّر الملكُ الأشرف صاحب حِمص([1]) يطلب منه أماناً على نفسه وبلاده، وكان الأشرف أيضاً ممّن انضاف إلى التَّتار، فأمّنه وأعطاه بلاده وأقرّه عليها.  فحضر الأشرف إلى خدمة الملك المُظفّر، ثم عاد إلى بلده.  ثم توجّه الملك المظفّر صاحب حَماة إلى حماة على ما كان عليه، وكان حضر مع الملك المظفّر قُطُز من مصر.
قلتُ: والملك المظفّر قُطُز هو أوّل من ملك البلاد الشاميّة واستناب بها من مُلوك التُّرك([2]).
ثم إن الملك المُظفّر رتّب أمور الشام واستناب بدمشق الأمير عَلَم الدّين سنجر الحلبي الكبير.  ثم خرج الملك من دمشق عائداً إلى مصر([3]).
 
(النجوم الزاهرة، 7: 74-83)
 
*  *  *


([1]) هذا هو بعينه أستاذ المملوك الأشرفي الصّارم أزبك، الذي تقدّم ذكره أعلاه ولقاؤه بخان التتار هولاگو.  وفيما يرد هنا مصداقيّة لما رواه أزبك.  وفي تاريخ العيني الضخم »عَقد الجُمان في تاريخ أهل الزّمان« (1: 239) نقل حرفي عن رواية الصّارم في مثول الأشرف بين يدي هولاگو، وفي مواضع أخرى (244) عن أخباره مع التَّتر، ثم يذكر العيني (268) كسرة التتار الكبرى على حمص في 15 محرّم 659 هـ، وبلاء الأشرف قائد جيش المسلمين فيها مع تفوّق عدد العدو بكثير، وجلاء التتار عن الشام بعدها نهائياً.
([2]) يذكر مؤرّخو العصور الوسيطة دولة المماليك البحرية بدولة ملوك الترك، على اعتبار أن أكثرهم كانوا من الترك.  وكانت لغة البلاط وطباق الفُرسان آنذاك هي التركية، حتى فيما بعد في دولة المماليك البُرجية الچراكسة.
([3]) يتابع ابن تَغري بَردي ذكر واقعة اغتيال الأمير بَيْپَرس البُندُقْداري للسّلطان المُظفّر قُطُز، قُبيل وصوله الصّالحيّة بمصر، وتولّيه السّلطنة في 17 ذي القعدة 658 هـ.


([1]) هو مؤرّخ دمشق عبد الرّحمن بن إسماعيل المقدسي، توفي سنة 665 هـ.  ذكر وفاة الملك الأشرف عام 662 هـ في ذيل الرّوضتين (ص 229): »وفي عاشر صَفَر، توفي بحِمص الملك الأشرف ابن المنصور ابن المُجاهد شيركوه بن ناصر الدّين محمد بن شيركوه ابن شادي، وهم مُلوك حمص وأعمالها كابراً عن كابر، رحمه الله.  وكان شاباً عفيفاً عمّا يقع فيه غيره من الشّراب، وله في كسرة التاتار الثانية على حمص أثرٌ جليل«.
 

30 - أكتوبر - 2007
مغامرة بطوليّة من تاريخنا - قصّة المملوك الصارم أوزبك
مقدمة الترجمة المقارنة الجديدة    كن أول من يقيّم

ملحوظة مهمّة:
يرد في مقدمتنا هذه كثير من العبارات باللغات: اليونانيّة والآراميّة والعبريّة، سنثبتها بحروفها الأصليّة. ولكن بسبب عدم توفر حروف آراميّة (ولا سريانيّة سرطو أو اسطرنجيلي) في نظام Windows فسوف نضطر لكتابة العبارات الآرامية بحرف (مختاب آشوري) المستعمل اليوم للغة العبريّة، مع العلم أن هذا القلم آرامي الأصل، فلا نرى إذاً أمامنا من حرج.
 
مقدمة
 
الحمدُ لله، فاتحةُ كلّ خير، وخاتمةُ كلّ نعمة.
يكاد لا يكون ثمّة مثقّف عربي أو مُسلم لم يُحط بجانب - ولو يَسير - من قضيّة »إنجيل بارْنَبا«، وما أثاره ظهوره غير المتوقّع في مطلع القرن العشرين من تداعيات علميّة وإيمانيّة في عالمي الشرق والغرب، وبما يمُسّ الدّيانتين الإسلاميّة والمسيحيّة على حدّ سواء.  إن النتيجة التي أدّى إليها ظهور هذا النّصّ الدّيني البالغ الأهميّة واضحة جليّة لا لُبس فيها: ألا وهي أنّه يطرح البُرهان السّاطع على ذكر نبوّة سيدنا محمّد خاتم الأنبياء والرّسل (صلّى الله عليه وسلّم) في الإنجيل، وعلى أنّ ما وصلنا من الأناجيل الأربعة (المُسماة بالقانونيّة) عبر المجمعين الكنسيّين المعقودين في نيقية (325 م) وخَلقيدونية (451 م) إنما هو مجالٌ لكثير من البحث، بما يُثبته مُحكم التنزيل الإلهي في قُرآننا الكريم حول مسألة التّحريف.
قضيّة »إنجيل بارْنَبا« ليست جديدة، إنما جرت العادة في مشرقنا العربي وفي عالمنا الإسلامي - مع الأسف - أن نتقاعس عن متابعة الجهود في كل ما نحن به مأمورون لإصلاح شؤون ديننا والدّفاع عنه ضدّ هجمات أعدائه، وما أكثرهم!
*  *  *
بدأت المسألة برمّتها تحديداً قبل قرن كامل بالتّمام والكمال، عندما نُشر للمرّة الأولى نصٌّ لإنجيل كان يُعدُّ بحكم الضائع، وكان ذكرُه في بعض الوثائق القديمة يأتي مُقترناً بالغُموض.  ففي عام 1907 م، قام القسّ الإنكليزي لونسْديل راگ  Lonsdale Ragg  وزوجته لورا ماريّا  Laura-Maria  بترجمة مخطوطة إيطاليّة تعود إلى خاتمة القرون الوسطى وتحقيقها ونشرها، بعنوان أثار جدلاً ولَغَطاً بالغين آنذاك.  كان عنوان الكتاب:
=  THE  GOSPEL  OF  BARNABAS  =
وللقارئ الكريم أن يتصوّر مدى الشَّغف العلمي والدّيني الذي استولى على نفوس المثقّفين للاطّلاع على محتويات هذه الوثيقة النّادرة.  فماذا أضافت على صعيد معارفنا عن الإنجيل وعن المسيح؟  والأهمّ من ذلك: ما هي علاقتها بنبيّنا محمّد (ص)، وبمَ تذكره فيما سكتَ التّراث المسيحي قروناً؟
الواقع أن فوائد هذا السِّفر الثّمين جَمّة، وفي مقدّمتها الإثباتُ الجازم لمصداقيّة قُرآننا الكريم، المعجزة الإلهيّة الدّائمة الموجّهة للبشر، كلّ البشر.
فحول معجزة حفظ نصّ القرآن، ما زال السؤال الأزلي يدور ويكرّر نفسه على مدى القرون دون انقطاع:  هل الأناجيل الأربعة، ومثلها في ذلك أسفار اليهود، هي وحيٌ سماوي مُنزل بنصّه وحرفيّته التّامّة المنزّهة، كما هو القُرآن الكريم؟  أم هل هي »كتب مقدّسة نظراً إلى قيمتها الإكليركيّة«، قام بتحرير مُتونها بشر عاديّون؟  بمعنى أنها استندت، عبر التواتر الشفهي، إلى أحداث محدّدة جرت في عصور معروفة ومؤرّخة، لتروي (على لسان كَتَبتها ومؤلفيها) ما جرى من أحداث وقعت للرُسُل والأنبياء، وما تم تداوله من أقوال نطقتها أفواههم، وتناقلتها الأسماع والألسُن حتى وصلت إلى نصوص هذه الكتب المقدّسة.  وذلك دون أن يكون تحريرها بالأصل قد تم مباشرةً على أيدي هؤلاء الرُّسل أنفسهم!
هذا التساؤل كبير وهام وبالغ الحساسية بغير شك، ولكن الأكبر منه والأهم هي »الحقيقة الكبرى«، التي يمكن للباحث المُنصف أن يخرج بها عقب التّدارس الطويل والممحِّص للكتب المقدّسة التابعة للدّيانات السَّماوية الثلاث (اليهوديّة - المسيحيّة - الإسلام)، شريطة أن يكون ذلك بلغاتها الأصلية: العبريّة واليونانيّة والعربيّة.  وهي: »التّوراة« المُنزلة على سيّدنا موسى، و»الزَّبُور« المُنزل على النّبي داود، و»الإنجيل« المُنزل على سيّدنا عيسى، و»القرآن الكريم« المُنزل على سيّدنا محمّد، رسالة الإسلام وخاتمة الوحي الإلهي للبشر.
هذه »النتيجة الكبرى« ليست سوى الحقيقة السّاطعة والمُعجزة الباهرة، التي تقف أمامها العُقول والنّفوس مأخوذةً ومبهورةً وعاجزةً عن المُدافعة والرّدّ، ألا وهي أنّ »القُرآن الكريم« بمفرده، بآياته الكريمة وصُحُفه المطهّرة، يقف نسيج وحده بلا مُنازع، صافياً منزّهاً كاملاً مُبرّأً، كما أوحت به الذّات الإلهيّة بالتّنزيل الحرفي الدّقيق الكامل والمحفوظ، دون أدنى تغيير أو تحريف أو تضاد ترجمة، ودون أدنى يَد أو رأي أو اجتهاد لبشر، على مدى أربعة عشر قرناً مضت، وقرون لا يعلم عِدّتها إلا الله ستأتي.  وهو رُوح حضارتنا وعِمادُها الأكبر.
*  *  *

2 - نوفمبر - 2007
إنجيل بارنبا: أهو حقاً الإنجيل الصحيح؟
إنجيل بارنبا في آراء الباحثين اليوم    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

إنجيل بارنبا:
أمّا حول موضوع »إنجيل بارْنَبا«، فنُضيف: من خلال اهتمامنا بإعداد دراسة علميّة حول هذا الإنجيل، قمنا باستطلاع موادّ كثيرة عنه في شبكة الإنترنت فهالَنا أن نُطالع ردوداً وهجمات حادّة عنيفة، لم تكتفِ بمحاولة نقض مصداقيّة هذا الإنجيل فحسب، بل راحت تتطاول على مصداقيّة قُرآننا الكريم، وعلى مقام رسولنا الصّادق الأمين، بعبارات ينقصها الكثير من الموضوعيّة! 
فلمّا قرأنا بعض ما جاء في هذه التّخريصات، عقدنا العزم على بذل غاية الجهد العلمي والطاقة الفكريّة، لإثبات أن هذا الإنجيل بالفعل هو وثيقة أصيلة صادقة، تظهر فيها حقيقة نبوّة سيّدنا محمّد (عليه أطيب الصّلاة والسّلام) وتثبت فيها مُعجزة »القرآن الكريم« الخالدة، وأنه الوحي الإلهيّ الوحيد المنزّه والمحفوظ، وأنه دعوة الله الدّائمة لبني البشر أجمعين لكي يؤمنوا ويتّبعوا الحقّ بدين الإسلام الحنيف!
وبمجرّد أن بدأنا بمطالعة الدّراسات الغربيّة (العلميّة الرّصينة منها)، لاحظنا مجموعةً من الإشكاليّات العلميّة واللغويّة حول نصّ »إنجيل بارْنَبا« ومخطوطيه الباقيين (مخطوط الأصل بمكتبة ڤيينّا الوطنية، العائد إلى القرن السّادس عشر، ومخطوط مكتبة فيشر بسيدني العائد إلى القرن الثامن عشر، الذي عُثر عليه مؤخّراً في السبعينيّات).  فعلى الفور تبادر إلى ذهننا السّؤال التالي:
ما هي مصداقيّة التّرجمة الأولى للإنجيل (بالإنكليزيّة) عن نسخة ڤيينّا الأم المكتوبة باللغة الإيطاليّة؟  هذه التّرجمة التي أشرنا إليها أعلاه وقام بها لونسْديل راگ وزوجته لورا  Lonsdale & Laura Ragg، وصدرت عن مطبعة كلارندون پرسّ  Clarendon Press  في أوكسفورد عام 1907.
والسّؤال الأهمّ هنا:
جميع الدّراسات العربية التي تناولت »إنجيل بارْنَبا«، قد رجعت ولا تزال إلى مصدر أوّلي وحيد لا ثاني له، هو الترجمة العربيّة لنصّ الزوجين راگ، التي قام بها الطبيب اللبناني د. خليل سعادة (عن الترجمة الإنكليزيّة دون أصلها الإيطالي)، فصدرت بمصـر عام 1908 بمطبعة مجلة المنار مع مقدّمة للسيّد محمّد رشيد رضا صاحب المجلّة، ثم أُعيد نشرها ثانية عام 1958.
أفلا يُلاحظ المرء نقصاً فادحاً في الأمر على الصّعيد العلمي؟  فإلى اليوم نستند إلى ترجمة ناقصة مبتورة، لم تعتمد الأصل الإيطالي بل ترجمته الإنكليزيّة وقد مضى على زمن صدورها اليوم 99 عاماً، ظهرت خلالها عشرات الأبحاث النّقدية والتّرجمات والدّراسات (الجادّة منها والمُجرّحة)..  هذا فضلاً عن العثور على نسخة مخطوطة جديدة في مكتبة فيشر بأوستراليا!
دوماً نكرّر ونُعيد:  إن لترجمة النّصوص المخطوطة القديمة - وبخاصّة الدّينيّة منها - أصولاً لا ينبغي تعدّيها بأي شكل، وإلاّ كان البحث تافهاً لا يرقى بحال من الأحوال إلى مستوى العمل الأكاديمي الجادّ.  فما بالك بترجمة نصٍّ خطيرٍ كهذا الإنجيل؟!  إنّ من أدنى معايير الترجمة الصّحيحة الرّجوع إلى كافّة المخطوطات المتوفّرة أولاً، ثم تحقيق المتن بالكلمة والعبارة والحرف، بنصّ لغته الأصليّة (وهي هنا الإيطاليّة)، مع وجوب مُقارنته بالمخطوطة الإسپانيّة التي كتبها مُصطفى دي آراندا Mostafá de Aranda (من آمبيل Ambel التابعة لإقليم آراگون Aragon في إسپانيا)، في نُسختيها: الأولى التي كانت بحوزة بعض علماء أوروپا وضاعت، والثانية التي اكتُشفت في مكتبة فيشر بسيدني. 
 

2 - نوفمبر - 2007
إنجيل بارنبا: أهو حقاً الإنجيل الصحيح؟
ضرورة إعادة ترجمة هذا الإنجيل    كن أول من يقيّم

 
ثم إنّ ما نُسبت كتابته من هوامش عربية إلى رجل دين مُسلم تركي في تُركية أو قُبرُص إنما هو غايةٌ في الجهل، لسببين: أوّلاً أن الرّكاكة اللغوية وأغلاط النّحو الواردة في هذه الحواشي ليست تدلّ على الإطلاق على نكهة تركيّة (كمسألة تأخير الاسم المُضاف عن المُضاف إليه، والتّصحيف اللفظي، وهلُمّ جَرّا)، فللتُّركيّة مذاهب لغوية ونحويّة مُغايرة تماماً.  ثم إن القلم اليابس في الكتابة لا يمكن أن يكون كتبه رجل دين مُسلم تركي، إذ أن التُّرك قد برعوا بفنون الخط العربي أيّما براعة، ووصل هذا الفن بين أيديهم في القرن السّادس عشر (زمن نسخ المخطوط) وما تلاه إلى أوجه ونهاياته في الرّوعة والإتقان.
هذه الادّعاءات جاء بها لونسْديل ولورا راگ وتبعهما سعادة، فرأينا أن من الواجب إعادة دراستها بشكل نقدي صحيح.  والذي نراه (مع إجادتنا للتّركيّة) أن كاتب الحواشي كان رجلاً إيطالياً أسلم بعدما قرأ نصّ »إنجيل بارْنَبا«، وكتب ما كتب بروح مُتعمّقة في الإيمان بنبوّة سيّدنا محمّد وبصُدقيّة القرآن.  ولا يبعد أن يكون ناقلاً بالحرف عن الرّاهب الإيطالي مارينو Fra Marino (الذي سنرى أدناه علاقته بالمخطوط).
قصارى القول: إنّ إعادة تعريب »إنجيل بارْنَبا«  البالغ الأهميّة كانت مطلباً كبيراً لرفع قيمته العلميّة من جهة ومحتواه الدّيني من جهة أخرى، وتفنيد مزاعم مَن يقولون ببُطلانه (ومنهم عرب مُسلمون: عبّاس محمود العقّاد ومحمد شفيق غربال)، وإثبات البشائر بنبوّة سيّدنا محمّد (ص)، في كتب الوحي السّماوي كلّها قبل أوان بعثته الشّريفة بقرون مديدة.  هذا بغير الحاجة إلى مُهاجمة أديان الآخرين، بل بالتأكيد على أن دين الإسلام إنما هو دين الحقّ أولاً، ثم هو دين الحوار والانفتاح، والدّعوة الدّائمة لكافّة البشر إلى الإيمان والإسلام لربّ العالمين (جلّ جلاله).
واجبٌ كبير كان أمامنا في هذه المهمّة الصّعبة والحسّاسة، لكنّنا - بحمد الله تعالى - لم ندّخر في سبيله أيّ جُهد.  واليوم، بعد سنوات من العمل الدّؤوب والمُضني، مع 4 رحلات إلى جامعات أوروپا لتحصيل المراجع العلميّة النّادرة، والغوص في أعقد متاهات المسائل اللاهوتيّة والكلاميّة ولُجّة السِّجال النّقدي الذي يطرحه البحث، في عدد هائل من المراجع ضمن 12 لغة.. ننظر أخيراً إلى حصيلة عملنا بعين الرّضا، ونفخر بتقديمه إلى أمّتنا الإسلاميّة، آملين أن يكون فيه الفائدة والباعث على مزيد من الدّراسات العلميّة الجادّة حوله.
كانت غايتنا الرئيسيّة من هذه التّرجمة المُقارنة  إثبات أن بارْنَبا صاحب الإنجيل كان حَواريّاً مُعاصراً للسيّد المسيح عليه السلام)، وليس واحداً من يهود الأندلس المرّانوس Los Marranos تنصّر ثم أسلم فألّف الكتاب، أو مُسلماً شاء الطعن في الدّين المسيحي، إلى ما هنالك من هذه التُّرّهات الفارغة..  هنا نسأل مَن ادّعى ذلك: إذاً فسّروا لنا.. لماذا لم يلجأ المسلمون - أو اليهود - في أيّة مناسبة إطلاقاً إلى الإلماع بذكر هذا الإنجيل في سِجالاتهم الدّينية مع النّصارى، إن كان حقاً من وضعهم؟!  وذلك على غرار ما رأيناه في كتاب السّموأل بن يحيى المغربي: »بذل المجهود في إفحام اليهود«.
غايتنا هذه تمّت بالدّرجة الأولى عن طريق تحليل لغة النّصّ، وتَوافُقها الجمّ مع الأصل الآرامي المُفترض (اللغة السّائدة في عصر المسيح)، مع مقارنة الكمّ المعرفي لصاحب النّصّ وما يمكن أن يُنسب إليه من حقبة زمنيّة، فمعرفته النَّقليّة مثلاً بمفردات التّوراة والهَجَداه تدلّ بكل ثقة على ترجيح كونه من حَواريي المسيح، وهم أصلاً من اليهود المُتمرّسين بالشريعتين: المكتوبة والشّفاهيّة (أي التّوراة والمِشْناه)، ولا ريب أنهم كانوا أيضاً يُجيدون اللغة العبريّة المَشوبة بالآراميّة آنذاك.
أمّا حول آليّة عملنا: فلقد عمدنا إلى جمع الأصول المخطوطة كلّها من مَظانّها الأصليّة، مع كافّة الدّراسات والتّرجمات الصّادرة حديثاً.  ولإثبات مصداقيّة النصّ عمدنا إلى تحليله لغويّاً ونصّيّاً ومعرفياً، على ضوء العلوم التالية:
- علم الفيلولوجيا: Philology (دراسة النّصوص القديمة).
- علم النّقد النصّي: Textual-critique.
- علم اللسانيات اللغويّة المقارنة: Comparative Linguistics.
- علم الاشتقاق اللغوي: Etymology.
- علم اللاهوت والكريستولوجيا: Theology & Christology.
- علم الأنطولوجيا: Anthology (المرويّات الأدبيّة).
- علم الطپوغرافيا التاريخيّة: Historical Topography.
- علم الطوپونوميا: Toponymy (دراسة أسماء الأماكن).
- علم التاريخ الحَولي: Chronology.
وعند ترجمة النّص وتحريره، اعتمدنا متنَي المخطوطين الإيطالي والإسپاني الأصليين، وقمنا بمقارنة ذلك بنصوص الأناجيل الأربعة (باليونانيّة) والإلماعات التّوراتية (بالعبريّة من التّوراة المَسُوراتيّة)، وما ورد منها مُستنسخاً بلفظ الڤولگاتِه (بنُسخها اللاتينيّة المختلفة)، ثمّ مقارنة لغة النّصّ وأساليبه التّعبيريّة بلغته الأصليّة الأولى (الآراميّة).  وهذا كلّه على غرار ما كنّا فعلناه في كتابينا: »تطوّر الإنجيل« (2003)، و»التّلمود كتاب اليهود المقدّس« (2006).
*  *  *
 

2 - نوفمبر - 2007
إنجيل بارنبا: أهو حقاً الإنجيل الصحيح؟
الترجمة العربية القديمة والوحيدة    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

الغريب كما يُلاحَظ أن الدّراسة العربيّة النّقديّة الوحيدة الصّادرة حتى يومنا هذا عن »إنجيل بارْنَبا« إنما هي التي صدّر بها خليل سعادة ترجمته القديمة في عام 1908، علماً أنها منقولة جُزافاً عن راگ ولا تأتي بجديد!  أفنحن أمّةٌ نائمة أم ماذا؟  كم شعرنا بالعَيب والخيبة عندما قارنّا ما يرد عن »إنجيل بارْنَبا« بالعربيّة على أديم الإنترنت وبين ما طالعناه من أبحاث أجنبيّة هامّة للغاية حول الموضوع، تضمّ مُعطياتٍ جديدة موثّقة وأبحاثاً علميّة جادّة رصينة تصل إلى أعلى المستويات الأكاديميّة([1]).
 
فأولاً: جميع الدّراسات العربية التي طالعناها (برمّتها، لم نترك منها شيئاً) هي تكرار للأفكار البالية الواردة في المقدمة المُبتسرة التي كتبها سعادة.. لم نجد فكرة أو خبراً أو حتى مجرّد رأي يتّسم بالأصالة أو الجدّة.  أوَليس هذا بعيب فادح؟  أنَضَبَت هذه الأمّة وأصاب الوهنُ عزائمها، وصارت عالةً حتى في علومها؟!
وثانياً: لما راجعنا الأبحاث الأجنبيّة حول الموضوع، أمضينا في ذلك أكثر من أسبوعين ونحن نتنقّل من بحث إلى دراسة، ومن ترجمة جديدة إلى نظريّة جريئة، ومن خبر اكتشاف مخطوط جديد في أوستراليا إلى خبر اكتشاف مخطوط سُرياني أقدم يتّصل بـ »إنجيل بارْنَبا« في تُركية عام 1986!  فأين نحن من ذلك كلّه؟!!
لقد أحصينا حتى الآن 12 ترجمة للإنجيل المذكور، مع أكثر من 24 دراسة وافية عنه بكل من: الإنكليزيّة والإيطاليّة والإسپانيّة والفرنسيّة والتّركيّة والألمانيّة والهولنديّة (وحصلنا على بعضها)، هذا غير الفارسيّة والأورديّة.
*  *  *
مع ذلك: فالباقي أمامنا من مجال، للإدلاء بدلونا في هذا المجال الحيوي، قد نراه أكبر ممّا فاتنا، وعملاً بقاعدة »ما لا يُدرك كلّه لا يُترك جُلُّه«، تابعنا بكلّ طاقة وتوخّينا الدّقة والأمانة العلميّة، فنرجو أن نكون نجحنا.
*  *  *
 
 

([1]) لسنا أبداً من المتهالكين على أعتاب الغرب وإن كنا نجيد لغاتهم ونفهم طرائقهم البحثيّة، لكننا نؤمن أن العلم أسمى غاية بشريّة، ينبغي لنا أن نتتبّعها أينما وُجدت.

2 - نوفمبر - 2007
إنجيل بارنبا: أهو حقاً الإنجيل الصحيح؟
الطبعتان القديمتان ولغز اختفاء نسخ الكتاب    كن أول من يقيّم

كيف نقيّم ترجمة راگ وترجمة سعادة؟
هذا الإنجيل الذي بين يديك أخي القارئ ليس مجرّد كتاب قديم في أصول العقيدة المسيحيّة، بل هو رسالة حقّ مُضيّع، شقّت طريقاً وعراً محفوفاً بالمآزق ومحاولات الطّمس المُستميتة كيلا تصل إلى النّور، فوصلت.
وما نذكره هنا لا ينطبق فقط على مراسيم المَنع والتّحريم، التي كبّلته عبر سبعة عشر قرناً بقيود ثقيلة، ولا بإخفاء نسخه المخطوطة والمطبوعة قديماً وحتى في عصرنا (كما سنرى في الصّفحة التالية).. وإنما الغريب الآن أنّه حتى في طبعتيه القديمتين (راگ وسعادة) بُذلت جهود استثنائيّة، هذه المـرّة لا لمنعه من الصّدور، بل لإظهاره بمظهر الوثيقة المزيّفة، الطافحة بنُقاط الضّعف، وبالأخطاء العقائديّة والجغرافيّة والتاريخيّة والمنطقيّة، وحتى في تراكيبه اللّغويّة. 
ومن خلال ما كتبه راگ في مقدّمته المطوّلة (77 صفحة) وتبعه سعادة، يُنظِّر الرّجلان - بكل ثقة - أنّه كتابٌ لا بدّ أنّ واضعه رجلٌ يهودي تنصّر أولاً ثم أسلم، وشاء الطّعن في المسيحيّة فألّفه في إسپانيا مُستقياً من الملهاة الإلهيّة لدانتِه ومن سواها.. ومتى؟  في أثناء حَومة محاكم التفتيش، التي كانت تُعاقب بالحرق كلّ من نَطقَ بحرف يُخالف الكثلكة.  أهذا يُعقَل؟!
ولم يكتفيا بذلك، بل راحا يتصرّفان في ترجمة النصّ كما يحلو لهما، فيُقحمان فيه - والعياذ بالله - بكلمات نابية على لسان المسيح الطاهر، لإظهاره بمظهر البعيد عنه كلّ البُعد، بافتراء وبُهتان!  وسُرعان ما انثال العشرات يكيلون الهجوم لإنجيل بارْنَبا ومصداقيّته.  فلنسألهم: هل حاول أيٌّ منكم الرّجوع إلى المخطوطين الأصليين، ليَعي ما يقول؟!
لذلك كلّه أعَدنا التّرجمة، ومرّ إنجاز الكتاب بدوّامة مُضنية جداً من البحث والمتابعة، في تحصيل أصوله المخطوطة وطبعاته القديمة النّادرة، ثمّ في بذل غاية الطاقة لترجمته وتحقيقه وتبيان غوامضه بالشّرح والنّقد.
 
فما سرّ هذا الإنجيل، ولمَ هذه الترجمة؟
ندعو القارئ الكريم أن يشاركنا الإجابة على هذا السؤال:
منذ اللحظة الأولى التي شددنا فيها العزم على إعادة نشر الإنجيل بمستوى علمي رفيع، ورحنا نطوف على مواقع الإنترنت المختلفة نستطلع الآراء والنّقد والأبعاد الإيديولوجيّة المتباينة حوله، وَقَرَ في ذهننا - كأي باحث جادّ - أن نبادر في البداية إلى جمع الأصول المخطوطة للنصّ.
هنا كانت المفاجأة: رفضت مكتبة هُوف بيبليوتيك  Hofbibliothek  في ڤيينا بالنمسا الرّد على مراسلاتنا، ولا بشكل من الأشكال.. مرّة، مرّتين، ثلاثاً، أبداً!  طفقنا نبحث عن نسخة قديمة من طبعة راگ الأولى (1907)، فراعَنا أنْ لا أثر لها أبداً في المكتبات الكبرى!  حاولنا في المكتبة الوطنيّة بپاريس، مكتبة چستر بيتي بدَبلن، دار الكتب بالقاهرة ومكتبات جامعة القاهرة وعين شمس والإسكندريّة، مكتبة الجامعة الأميركيّة في بيروت.. لا أثر يُذكر!!
أخيراً، أسفر البحث المُضني عن العثور على نسختين فقط: في مكتبة المتحف البريطـاني  The British Library، ومكتـبة الكونگـرس  The Library of Congress. ثمّ كم سُررنا بعثورنا على نسخة نادرة للغاية معروضة للبيع في مؤسّسة Alibris للكتب النّادرة، ولكن لم نكد نراسلها حتى جاء الجواب: مع الأسف، بيعت!
هذا من جهة.. من جهة أخرى رغبنا في الاطلاع على طبعة د. سعادة القديمة (القاهرة 1908)، ولا بأي شكل من الأشكال!  هناك عمليّة طمس وإبادة تامّة ناجزة وواضحة تعرّض لها هذا الكتاب بطبعتيه القديمتين.. ثمّة مَن لا يريد أبداً أن يطّلع على هذا الكتاب أحد.. فلماذا؟  نظنّ أن الصّورة بدأت تتّضح!
أخيراً - بعد غاية الإصرار والدّأب - عثرنا على غايتنا المنشودة، وكاد اليأس يثنينا: فنسخة مكتبة فيشر تمّت الموافقة على نَسخها من قبل نيل بُونيس Neil Boness  قيّم المخطوطات والوثائق النّادرة، ومخطوطة مكتبة ڤيينا عثرنا على  رَوسَم كامل عنها في المكتبة الوطنيّة بپاريس La Bibliothèque Nationale، وطبعة راگ الأولى حظينا بصورة عنها من مكتبة جامعة تورونتو Toronto بكندا، وأمّا طبعة سعادة الأولى فظفرنا منها بميكروفيلم فريد في الجامعة الأميركيّة ببيروت.

2 - نوفمبر - 2007
إنجيل بارنبا: أهو حقاً الإنجيل الصحيح؟
نشرة د. عمر عبد السلام تدمري لتاريخ قرطاي    كن أول من يقيّم

أخيراً أقول:
في المؤتمر الدولي السابع لتاريخ بلاد الشام، الذي أقامته الجامعة الأردنية وجامعة مؤتة بعمّان في أيلول (سبتمبر) من العام الماضي 2006، التقيت بالباحث الكبير الدكتور عمر عبد السّلام تدمري، عين أعلام طرابلس الشام وصاحب المؤلفات والتحقيقات الغزيرة المفيدة.. فأفادني بأنه قام مؤخراً بتحقيق كتاب تاريخ الأمير قرطاي العزي الخزنداري، وتولت نشر الكتاب المكتبة العصريّة بصيدا.
ولكن بسبب سفري وبعدي عن الديار، لم يتح لي الاطلاع على نشرة الدكتور تدمري، غير أنني متى أتيح لي ذلك أعد بعرض ملخص عنها في هذا المجلس بالذات، إتماماً للفائدة.
وجزيل الشكر للسادة سراة الورّاق، مع وافر الامتنان للسيّدة الكريمة ضياء.

2 - نوفمبر - 2007
مغامرة بطوليّة من تاريخنا - قصّة المملوك الصارم أوزبك
هل أثمر بحثنا هذا في النهاية؟    كن أول من يقيّم

رحلة الكتاب كانت طويلة وعسيرة ومُضنية، فهل أثمرت؟
يكفي أن نشير إلى بضعة رؤوس أقلام صغيرة، ونتمنّى من القرّاء الأكارم على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم واتجاهاتهم الفكريّة أن يرفدونا بآرائهم التي نكنّ لها كل احترام وتقدير.  فنحن لا ريب إخوة: في بشريّتنا إخوة وفي إيماننا إخوة، وهذا أكثر من كافٍ لكي نتبادل الآراء والأفكار، وبكلّ محبّة.
فهذا الإنجيل - بحلّته وترجمته الجديدة - يرسم صورة جديدة للمسيح (عليه السلام) هذا الإنسان النّقي الطاهر المكرّم، وهي لا شك صورة مغايرة في كثير من رُموزها لما هو مألوف لدى إخوتنا المسيحيين: »أهو بشر فقط، أم له طبيعة فوق بشرية«؟  ولكن، إذا أجّلنا بحث هذه المسألة الآن.. فها هو ذا العملاق، بصفاته الإنسانيّة النّبيلة يظهر بأروع ما تكون سجايا الطُّهر وأخلاق النبوّة، معلّماً وأيّ معلّم، أخاً ونِعمَ الأخ، مثالاً رُوحياً وخُلقياً فريداً في سيرة علاقة التّوحيد بين الله والبشر، الخالق والخليقة.  يتكلّم بهَدي الله فيأسر القلوب والعقول.
الأجمل من ذلك، عندما يعمد المرء إلى قراءة هذا النّص بروح متجرّدة، متحرّرة من جُمود العبارات وحرفيّة الصّيغ التي اعتاد سماعها مُسبقاً، ويستشفّ النصّ كمحاولة جديدة لفهم هذه الرّسالة النّبيلة: رسالة المسيح (عليه السلام)..  فإذا به يلمح ترميزاتٍ جديدة، ويبدأ باكتشاف خيوط لم تكن من قبل مترابطة: فما هي علاقة رسالة موسى بالمسيح (عليهما السلام)؟  ومن هم اليهود المعاصرون له؟  هَلاّ أدركنا أنّ المسيح كانت ثورته لا على شريعة موسى، بل ضدّ اليهوديّة الفريسيّة الهَيكليّة التي انقلبت على شريعة موسى إلى شريعة الحاخامات الشّفويّة؟!
ثمّ كيف نستطيع أن نفهم أن المسيح المُشيد (هنا وفي الأناجيل القانونيّة) بكل إجلال بشريعة نبيّ الله موسى، يُمكن له أن ينقُض جوهر عقيدة التّوحيد السّابقة ويلغي أهمّ وصاياها العشر (التّوحيد)؟!!  هذا يتعسّر للغاية فهمُه.  أنا يا أخي ذُبتُ محبّةً في شخصيّته الآسرة وأنا أُميطُ عنها طبقات عُصور مُتراكمة من التّآويل والتّرجمات، حتى تبيّن ألَقُها الأصيل النّقي والنّبيل.  ولا أبالغ لو قُلت: وأنتَ مثلي ستُحبّ المسيحَ (عليه السلام)، بَشراً نبيّاً عابداً طائعاً موحِّداً، يعوذُ عن الإشراك بالفَرد الصّمَد، ربّ الكون القُدّوس جَلّ جلالُه.  وستلمس بكل سلاسة ويُسر حَتميّة التّوحيد من مُوسى إلى عيسى إلى مُحمّد (عليهم السّلام).
وما هو إنجيل يَهوداه، وما علاقته بإنجيل بارْنَبا؟
كثيرون منّا سمعوا في ربيع العام المُنصرم 2006 بإنجيل يَهوداه (أو كما يُسمّى على نحو غير دقيق بالعربيّة: يَهـوذا)، أو بالإنكليزيّة: The Gospel of Judas.  فما هي حكاية هذا الإنجيل الجديد والمثير؟  ما سرّ كل ذلك الاهتمام الضخم الذي ناله؟  وهل له علاقة بإنجيل بارْنَبا هذا الذي بين أيدينا؟ 
الجواب: نَعَم، كلّ العلاقة وكلّ الصلّة..  هذا الإنجيل القبطي الذي عُثر عليه بمصر في السّبعينيات يعود إلى القرن الثالث الميلادي، ويكشف عن واقعة جدّ خطيرة تتطابق مع ما هو وارد في إنجيل بارْنَبا (وما ينصّ عليه القُرآن الكريم)، أن الصّلب إنّما وقع على »يَهوداه« وليس على المسيح (عليه السلام)!  هذه حقيقة هامّة للغاية ونعدّ أن من أولى واجباتنا الآن ترجمة هذا الإنجيل الجديد، على غِرار ما فعلناه بخصوص »إنجيل بارْنَبا«، وربط مُعطياتهما المُذهلة معاً.
*  *  *
في الختام، إذ نقدّم طبعتنا العلميّة النّفيسة لهذا السِّفر الفريد والثّمين، ما أجدرنا أن يسمو في نفوسنا إشراقُ كتابنا المكـرّم »القرآن الكريم« كلمة الله الخالدة، وأن نردّد الآية الكريمة: {إنّا نحنُ نَزَّلنا الذِّكرَ وإنّا لهُ لَحافِظون}.  وما أحرانا بعدُ أن نقول إن بارْنَبا الحواريّ الأمين، تلميذ المسيح (عليه السلام)، قد استحقّ وبكلّ جدارة معنى اسمه بالآراميّة: בר־נבא  بَر نَبا: »ابن النُّبوّة«. 
وفوق كلّ ذي علمٍ عَليم، والحمدُ لله ربّ العالمين.
                                                                                       د. أحمد إيبش

2 - نوفمبر - 2007
إنجيل بارنبا: أهو حقاً الإنجيل الصحيح؟
تتمة المقدمة آتية قريباً    كن أول من يقيّم

سوف أقوم غداً بمتابعة هذه المقدمة.
شكراً جزيلاً.

2 - نوفمبر - 2007
إنجيل بارنبا: أهو حقاً الإنجيل الصحيح؟
 1  2  3  4  5