الجواب على اسئلة الدكتور يحيى ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
أخي الدكتور يحيى، عليكم السلام ورحمة الله وبركاته . أستعين بالله على القيام بالجواب على اسئلتك دون ان أشغل نفسي بالبحث عن سببها ، او عن قصدك منها . ولا اظن ان مثلك بحاجة إلى العلم بمقدار ما مثلي بحاجة إليه . على اية حال ، أرجو ان اكون من البسطاء الذين يسيرون على بركة الله ، ولن اخجل من ضحالة علم ، او من سذاجة في الفهم يمكن ان تبدو لك مما اكتب ، طالما توفرت لدي النية الحسنة في ما اهدف إليه . وتسألني حضرتك عن علم الرجلين : الزنداني ، وزغلول النجار ، وإلى حضرتك الإجابة : العلم ، عندي ، هبة من الله تعالى يهبها ، سبحانه ، للمجد المجتهد في تحصيلها ، شريطة ان يبتغي من وراء ذلك طاعة الله ورضوانه ، لا لشهرة أو طمع في حمد أو ثناء . وهذا ما أرجو أن يكون عليه علماء المسلمين جميعا . والشيخ الزنداني شيخ داعية يتخذ من الإعجاز العلمي في القرءان والسنة النبوية مرتكزا لنشر دين الإسلام بين الناس ، ويقوم بذلك بجهوده المتواضعة ، وبما يتيسر له من إمكانيات . ولكن ما شاع عن الشيخ الزنداني من بحوث طبية ــ مثل اكتشافه علاجا لمرض نقص المناعة المكتسبة ــ ، أو من بحوث في بعض الأمور الغيبية ـ مثل الشريط المسجل عليه أصوات أصحاب السعير في روسيا ــ قلل من اهتمام بعض الناس بعلومه ، وشكك في صدقها وجديتها ، خاصة وأن اكتشاف العلاج المذكور لم ينتقل إلى مرحلة الانتشار أو الحصول على براءة اختراع . وكذلك ابحاث الشيخ المختلفة ؛ نقرأ أخبارها على الشبكة أو في الصحف ، فلا نجد فيما نقرأ توثيقا علميا بالأسماء والتواريخ ، أو بمسيرة البحوث وتطورها ، مثلها في ذلك مثل الكثير من الأخبار المتماثلة عن الإعجاز العلمي في القرءان والسنة . وهناك في بلادنا الكثيرون ممن يشبهون الشيخ الزنداني في مسيرته ، ولكنهم ، في معظمهم ، أقل منه شهرة وذيوع صيت ، وبعضهم يدعي الاستعانة بالجن في شفاء الأمراض كما يعلم الجميع . أما الدكتور زغلول النجار ، فإن بينه وبين الشيخ الزنداني فرقا واضحا . زغلول النجار عالم جيولوجيا متدين يحاول ان يفيد من آيات القرءان الكريم التي تتعلق بعلم الفلك وعلوم الأرض ، وأن يفسرها وفقا لمعلوماته الجيولوجية العلمية ، وهو بذلك يساعد على تنقية التفاسير القرءانية من قصص وأخبار لا تستند إلى أية مفاهيم علمية سليمة ، ويلقي ضوءا أكثر وضوحا على معاني تلك الآيات . وبالرغم من ذلك لم يسلم الدكتور زغلول من نقد بعض ما يدلي به من تفسيرات ، نقدا في غير صالحها . وسبب ذلك فيما يبدو كثرة النظريات العلمية واختلاف بعضها عن بعضها الآخر ، وصعوبة تطويع الآيات القرءانية ، او الأحاديث النبوية في أحيان كثيرة إلى فهم دون آخر. وقد سبق للدكتور زغلول النجار ان اعترض بشدة على ما جاء في كتاب ( أبي آدم ) للدكتور عبد الصبور شاهين وهو استاذ في فقه اللغة ، وذلك لتباين فهم الدكتورين لآيات القرءان التي يمكن ان تكون ذات علاقة بموضوع خلق آدم ، وهل هو ابو البشر أم إن هناك من سبقه في الأبوة ، وهل البشر والإنسان معناهما واحد ام لا . الإعجاز العلمي في القرءان والسنة النبوية : موضوع الإعجاز هذا فيه وفي فهم معناه خلاف قديم كما تعلم يا اخي الدكتور يحيى . وهذا الخلاف يعود إلى أيام الإمام الشاطبي على اقل تقدير . وكان الشاطبي من المعارضين لمفهوم الإعجاز عند بعض الناس في زمنه ممن حمّلوا القرءان ما لا يحتمل ـ في نظر الشاطبي ـ من احتوائه على كل العلوم الطبيعية وعلوم الحساب كافة ، وما عليهم إلا السعي في التعرف عليها ليدللوا بذلك على إعجاز القرءان بسبقه إلى ذكرها . ولكن غير الشاطبي من العلماء القدماء ذهب بعضهم غير مذهبه . ومن الممكن أن نعزو الخلاف في ذلك إلى عدم الانتباه إلى الفرق بين الإعجاز العلمي في أيات القرءان ، وبين التفسير العلمي لها . وإذا كان الإعجاز العلمي يتمثل في الإخبار عن حقائق علمية لم يكن متيسرا اكتشافها في عهد المسلمين الأوائل ، ثم تمكن الناس من اكتشافها في عهود تلت ، فإننا نفهم ساعتها أن هناك إعجازا كان خافيا علينا ، ثم كشفه لنا البحث العلمي ، ويبقى من سبقونا قد جهلوا ذلك الإعجاز العلمي . ولكن هذا القول يبقى عرضة للنظر من جهة وصف القدماء بالجهل بالإعجاز ، فهم قد قرؤوا الآيات اكثر مما قرأناها ، ونظروا فيها وتمعنوا ، وفهموا ان فيها إعجازا ، ولكن تفسيرهم العلمي لها هو ما يمكن أن يتعرض للتخطئة أو التصويب وفقا للمعارف العلمية التي جاءت بعدهم . ومن الآيات التي تتضمن إعجازا علميا تلك التي تخبرنا ، مثلا ، عن مدة خلق الأرض والسماوات ، أو ان عدد السماوات سبعا ، وأن من الأرض مثلهن . الإعجاز هنا يتمثل في الإخبار عن شيء نجهله ، ولكن التفسير العلمي لمعنى المدة ، ومعنى السماوات ، ومعنى الأرضين يظل عرضة للتبدل حتى نتوصل إلى الحقيقة الثابتة في ذلك إن أراد الله سبحانه لنا ان نتوصل . إن اختلاف التفسير العلمي لآيات القرءان أو الأحاديث النبوية التي تتضمن إعجازا علميا هو ما يجعلنا نقع فريسة للخلاف المذموم الحاصل أحيانا بين بعض المهتمين بهذا الشأن . ولو انطلقنا من معرفتنا لمعنى النظرية العلمية ، أو الفرضية العلمية ، وإلى الفرق بينهما وبين الحقيقة العلمية لتخلصنا من معاناتنا التي تتمثل احيانا باتهام بعضنا بعضا بما ليس فينا . والشبكة المعلوماتية العنكبوتية تحفل بالكثير من التفسيرات العلمية للقرءان والحديث ، ويظنها بعضنا ثابتة لا تتغير ، ثم يتبين فسادها او فساد بعضها بعد ان كنا نظن فيها الصحة القاطعة ، وبهذا نكون قد عرضنا قرءاننا واحاديث نبينا إلى العبث ، وهذا ما لا يجيزه مؤمن . ومن امثلة ذلك ما نجده مكتوبا في مواقع كثيرة عن سرعة الضوء وان القرءان ذكرها ، وان الأمر يتنزل من السماء إلى الأرض بسرعة الضوء في زمن مقداره كذا وكذا . كل هذه التفسيرات تتخذ من العلوم الحديثة مدخلا إلى إثبات الإعجاز العلمي دون فهم سليم لهذه العلوم أو فلسفتها . وكم سمعنا أقوالا متضاربة في المعنى العلمي للجواري الكنّس، فمن قائل إنها الثقوب السوداء، ومن قائل إنها المذنّبات ، ولا ادري اقوالا اخرى يمكن ان تكون قد قيلت فيها . كلها تفسيرات لظواهر يظنون وجودها وما زال امرها غامضا . وسرعة الضوء قيل عنها ما قيل من خلاف في ثباتها ، وفي دقة قياس مقدارها ، وفي عدم القطع بأنه لا يوجد أسرع منها ، وكل ذلك ظاهر في المواقع والكتب العلمية . ومن أغرب ما قرأته على الشبكة ، مرة ، قولا ينص على أن النور يسير في خطوط مستقيمة ، وان آينشتين كذب في دعواه من ان الضوء ينحني في الفضاء ، وأن القرءان هو الصادق حين يقول في سورة النساء : " يا ايها الناس قد جاءكم برهان من ربكم ، وأنزلنا إليكم نورا مبينا " ، ويقول أيضا في سورة النور : " والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " . وقد قام صاحب القول المذكور عن النور بالجمع بين الآيتين السالفتين ، واستخلص منهما أن النور يسير في خط مستقيم . إن تفسير الضوء بالنور هو ما أوقع صاحب ذلك القول في الخطأ ، وجعل المطلعين على مقصد آينشتين من وصفه الضوء بالانحناء عند اقترابه من جاذبيات كبيرة ، جعلهم ، أو ، على الأقل ، جعل غير المؤمنين منهم ، والذين ليس لهم اطلاع على آيات القرءان ، يظنون الخطأ في القرءان نفسه . وغير ذلك ، فقد وضع القائل المذكور آينشتين والقرءان الكريم في مواجهة واحدة!! ومن الآيات التي تدل على الإعجاز العلمي في نظرنا هي الآيات التي تنبيء بكروية الأرض ودورانها دون دلالة مباشرة ، إلا ان تفسيرنا العلمي لها سبب لنا حرجا كبيرا في نظر اهل العلم الطبيعي ، فهم اكتشفوا كرويتها ودورانها دون قرآن يخبرهم بذلك ، ونحن أنكرنا كرّيتها ودورانها ـ غالب القدماء منا ـ وكتاب الله ينص على حركتها وكريتها . ويبدو أن الله تعالى أراد منا البحث والتنقيب ، والتمعن والتفكر فيما خلق الله من كون ، فلم يذكر دوران الأرض صراحة ، ولكننا بدورنا اكتفينا بظاهر ألفاظ اللغة دون الاستعانة بالبحث والنظر ، واستندنا إلى أخبار قديمة لا تعدو الأساطير ، وقمنا بالنعي على من قال بكروية الأرض ودورانها ، وربما اتهمناه بالمروق من الدين . وهذا يشبه تماما ماحصل في أوروبا في العصور المظلمة . حتى اللغة نفسها لم ننتبه ولا نزال لدلالات بعض ألفاظها . إن الذين قالوا بثبات الأرض بإرساء الله الرواسي فيها لم يفرقوا في المعنى بين الدوران بسرعة ثابتة وبين الميَدان ، وما كان الذنب ذنب اللغة . وسؤالك إياي يا سيدي ، عن المؤتمرات العلمية لم ادرك تماما القصد منه ، ولا إلى ماذا يهدف بالضبط . ومن المحتمل ان قصدك الاستدلال بالمؤتمرات على صحة الإعجاز العلمي ، وقد بينت لك أنني من المؤمنين بآيات الإعجاز ، ولكنني من غير الراضين دائما ، مثل الكثيرين غيري ، عن تفسيرها العلمي . وأعود إلى قصة سرعة الضوء التي ذكرتها : قالوا عن صاحب هذا الاكتشاف إنه عرضه على لجنة من اساتذة الجامعات في السعودية ، ومنهم من دارسي العلوم الطبيعية ، ومنهم من دارسي العلوم الشرعية ، وقد أجازوا اكتشافه وحكموا بصحته . نقرا هذا دون ان نعلم من هم اولئك الأساتذة ، بل دون ان يطلعونا على كيفية اقتناعهم بما قاله صاحب الاكتشاف ، ولا كيف ناقشوه . وإذا كانت الأخبار التي تردنا عن عقد مؤتمرات تشبه هذا النوع من الأخبار ، فلا فائدة نظرية ولا عملية منها . ولن نسلم بما يقال ويكتب دون برهان أبدا . أما إن اجتمع العلماء وقالوا مثلا : لقد تبين لنا أن القرءان الكريم ذكر أن الأرض في مرحلة ما قبل الرواسي كانت ذات حركة اشبه بالعشوائية ، ثم بعد ان أرسى الله الجبال صارت حركتها منتظمة ، وتهيأت لتصبح بعدها صالحة لتقدير أقواتها فيها ، وأن هناك نظرية علمية تقول بذلك ، لقلنا لهم : هذا ما أخبرنا الله به ، والنظرية العلمية صحيحة . نعم ، القرءان معجز في كل نواحيه ، والسعيد من يفهم هذا الإعجاز على وجهه الصحيح ثم يستغله ليفيد منه . الخلاصة : إن الإعجاز بمعنى الإخبار العلمي في القرءان أمر لا شك فيه ، إلا ان تفسيره هو الذي يصيب ويخطيء ، وربما يضر وربما ينفع . وان الله سبحانه يحث الناس على بذل الجهد في تفسير ما ذكره لهم لينتفعوا به ماديا وإيمانيا . ومما يدعو إلى الأسف والحزن هو اننا ، نحن المسلمين ، قد تاخرنا كثيرا عن ركب العلم والبحث العلمي بعد ان كنا من سادته ، وكتاب الله بين ايدينا نتلوه آناء الليل وأطراف النهار ، وأحاديث النبي لدينا منها المجلدات الكثيرة .القراءات السبع او العشر : أرجو ان تبسط القول في قصدك من سؤالك هذا حتى اتمكن من الإجابة المعقولة . وإن اردت القراءات بصفتها علما ، فما لمثلي من العلم بها وعن اصحابها إلا القليل . توليد المعاني واستنباط الأحكام من المصدرين : أرجيء البحث فيها إلى مرة تالية ؛ لأنني أصبت بالتعب من كثرة ما ارتجلت وكتبت . |