أركان التصوف (3) كن أول من يقيّم
ننسج على منوال ما سبق في العنوان الأول والثاني لأركان التصوف في منظار الكتاب والسنة لنرى كيف يتعامل رجال الطرق الصوفية في حياتهم العملية وكيف يصيغون النهج الذي لابد لكل مريد أن يسلكه معهم لكي يصبح في عداد رجال هذا الطريق الصوفي أو ذاك .........! يبدأ أول ما يبدأ المريد بالاستقامة على أمره تعالى في جوارحه من النظر والسمع و غيره ، فالمريد الصادق الذي يريد وجهه تعالى تراه لا ينظر الى المحرمات ، ولا يستمع للملهيات ، فيده لا يبطش بها ، ورجله لا تمشي لغير ما يرضي ربه وكذلك لا يدخل جوفه طعام من حرام أو شبهة . فهو مستقيم على أمره سبحانه ناظر لما يرضيه تارك لكل ما لا يسمح به الشرع الحنيف ، وما هذه الاستقامة والامتثال إلا بداية لهذا الطريق العالي الذي يرجو من خلاله التقرب لأعلى الدرجات والمنازل عند مولاه القدير . ففي هذه البداية يمتثل المريد في حفظ جوارحه تلك مجابرةً وقهراً لميول نفسه الأمارة بالسوء ، وهكذا يتقلب في تهذيب تلك النفس ويغلبها وتغلبه إلى أن يصل في النهاية للامتثال الطوعي الذي يتم رغبةً منه لا رهبةً ، ومحبةً لا قهراً فهو قد حاز على جوهرة من الحال القلبي مع الله لا يبغي عنها حولا . وذلك لما يجد من حلاوة الايمان من جراء مخالفته لهوى نفسه فمن غض طرفه عن محارم الله أورثه تعالى حلاوة في قلبه الى يوم يلقاه ........ أو كما قال . ويشدد رجال الطرق الصوفية الصالحين كل التشديد على تلك الاستقامة ولا يرون حظاً ولا نصيباً لأي مريد في المثابرة معهم في طريقهم ذلك ما لم يتقن الاستقامة الكاملة التي لا خرق لها ولا ازورار . هذا وإنه لمن المفروض على كل من سلك معهم أن يأتي بالشرع بحذافيره من غير نقص أو انتقاص لأن أي خلل في التطبيق العملي قد يفضي بالمريد بالخروج من حظيرة القرب التي سيكون فيها كل من داوم على ذلك الالتزام . هذا من جهة الاستقامة ، ثم يأتي ذكر الله تعالى الذكرالكثير في مضمار منهج الصوفي المريد ليرقى به في أوقاته من الدنيا وأهلها إلى ملىء أعلى منه ، فمن ذكرني في ملىء ذكرته في ملىء أعلى منه ........أو كما قال. فيجب أن يذكر الله تعالى ذكراً كثيراً يتغلب فيه صاحبه على الانشغال في الدنيا ولو عمل بها فتراه مشغولاً بالله ، فالدنيا في يديه وقلبه معلق مع ربه يرجو رحمته ويخشى عذابه . وكثيرا ما يخصص أهل الطريق الصوفي لمريديهم ورداً يومياً يذكرون ربهم من خلاله فيغدو كل منهم ذو حصة وافرة من ذكره تعالى لا ينقطع عنها ما دام يقدر على ذلك . وبذكر الله تعالى ينجلي قلب المريد وهو بنفس الوقت ميزان له إذ أن الذاكر لله لا يستطيع أن يخفي عن نفسه تقصيرا قد حصل له أو أن يمحي من مخيلته ذنباً زل به يوما من الأيام فتراه يجهد في محوه ذكراً وعملاً حتى ينجلي ذلك الذنب وتغدو تلك النفس صافيةً تحذر الوقوع بمثله تارة خرى . نتابع ان شاء الله تعالى في (أركان التصوف 4 ) ................ والسلام عليكم |