اللاإنتماء والإبداع العربي ... كن أول من يقيّم
أخي الحبيب أحمد ، الإخوة الأكارم ، تحية طيبة ، وددت أن أتعقب آثار ما أسميناه " اللاإنتماء " في الإبداع العربي على الخصوص ، ولا شك أنّ مثل هذا البحث يستهوي الكثير منا ، وقد سبق البعض إلى تقفي اثر "التمرد في الأدب العربي " أو " الالحاد في التاريخ الإسلامي " أو " النزعات المادية في الفلسفة الإسلامية " ... وليس هذا على أي حال مقصدنا ، بل هو ببساطة محاولة لرصد صدى " افتقاد المكان أو الأشخاص " في ما ينطق به الإبداع أو يبثه اليراع في المدونات العربية ، القديمة منها والحديثة ... وقد يبدو أثر هذا " الغياب " واضحا في الشعر على الخصوص ، على خلاف الأدب الغربي ، حيث يكون اللاإنتماء جليا في الرواية بصفة أدق ، قد يكرس هذا الأمر ، مع بعض التحفظ ، أن للعرب الشعر وللغرب الرواية ... وهذا موضوع آخر لا مندوحة أن يكون الشعر أوّل حافظ " لأزمة " الغياب في الإبداع العربي ... وحيث أن الجماعة - القبيلة ، كان لها حضور طاغي في المجتمعات العربية (ولا زال) ، فان أول آثار اللاإنتماء تقبع في صيحات الشعراء بغربتهم عن المكان وعن القبيلة خصوصا ... هكذا نجد الشنفرى ، في بيانه رقم واحد يقول : أقيموا بني أمي صدور مطيكم فاني إلى قوم سواكم لأميل ... إنّه الإعلان عن تغيير معالم المكان والأشخاص التي ألفها الناس مذ كانوا ، ثم يصبح الانتماء فيما بعد ، إلى الضواري من السباع ، أقرب إلى الشاعر وأكثر ألفة : ولي دونكم أهلون سيد عملس وأرقط زهلول وعرفاء جيأل ويبدو لي ، ولست في مقام الحكم هنا ، لقلة باعي بالأدب العربي ، أن الشعر الجاهلي يزخر بأصداء عن هذه " الأزمة " ، حيث تتحول الأمكنة و الأشخاص ، أو يتحول عنها الشعراء والغاوون من أتباعهم ... ثم انّ "اللاإنتماء " لقوم أو لقبيلة معينة ، تصبح مدعاة للهجاء ، ومأخذا ومثلبا يشين الواحد منا : فغض الطرف فإنك من نمير فلا كعب بلغت ولا كلابا ثم إننا نجد هذه الأزمة تشتد حين نتصفح ورقات الشعر العربي الحديث ، ولعل أول علامات هذه الغربة ... غربة بين أسطر الشعر ذاتها ، لا مكان لحلها سوى التخلص من عمود الشعر ذاته ، علّ المكان يتسع حينها ويغدو أرحب ... ولعله حين أصبح كذلك افتقد ألقه الأصيل وزواياه الجميلة ... وللكلام بقية .... |