آية في القرآن استلت الشرك من جذوره ( من قبل 6 أعضاء ) قيّم
إن من يتدبر كتاب الله ويقرأ كلامه المعجز البليغ ليعجب من أساليبه البليغة في بيان وتوضيح فساد طريق الباطل والضلال بحجج يعترف بها كل عاقل ولا يمكن معها أن يكابر ، ومن هذه الأساليب ما عبر الله به عن فساد مسالك من أشرك مع الله ورجا النفع والضر من الأنداد فقال سبحانه : "قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ومالهم فيهما من شرك وماله منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ." سبأ 34/23،22. ولابن القيم تعليق نفيس في موضعين من كتبه يبين ويوضح المقصد من هذه الآية : الموضع الأول: *قال -رحمه الله -:"فتأمل كيف أخذت هذه الآية على المشركين بمجامع الطرق التي دخلوا منها إلى الشرك وسدتها عليهم أحكم سد وأبلغه ، فإن العابد إنما يتعلق بالمعبود لما يرجومن نفعه ؛وإلا فلولم يرج منه منفعة لم يتعلق قلبه به ، وحينئذٍ فلا بد أن يكون المعبود مالكاً للأسباب التي ينفع بها عابده ، أو شريكاً لمالكها أو ظهيراً أو وزيراً ومعاوناً له أو وجيهاً ذا حرمة وقدر يشفع عنده ؛فإذا انتفت هذه الأمور الأربعة من كل وجه وبطلت ؛انتفت أسباب الشرك وانقطعت مواده فنفى سبحانه عن آلهتهم أن تملك مثقال ذرة في السموات ...."أ.هـ. الموضع الآخَر : *وقال في موضع آخر –رحمه الله -:" فنفى سبحانه المراتب الأربع نفياً مرتباً ، متنقلاً من الأعلى إلى ما دونه ، فنفى الملك ، والشركة ، والمظاهرة ، والشفاعة التي يظنها المشرك ، وأثبت شفاعة لا نصيب فيها لمشرك ، وهي الشفاعة بإذنه . فكفى بهذه الآية نوراً ، وبرهاناً ونجاةً ، وتجريداً للتوحيد ، وقطعاً لأصول الشرك ومواده لمن عقلها . والقرآن مملوء من أمثالها ونظائرها ، ولكن أكثر الناس لا يشعرون بدخول الواقع تحته ، وتضمنه له ، ويظنونه في نوع وفي قوم قد خلوا من قبل ولم يعقبوا وارثاً ..." أ.هـ . فذكر سبحانه في هذه الآية أصول الشرك الأربعة وهدمها وهي: -الأصل الأول :إثبات أن آلهتهم لا تملك من الأمر شيئاً فكيف تكون معبودة من دون الله المالك لكل شيء ، وهذا الأصل يقر به المشركون إذا رجعوا إلى أنفسهم (أعني إثبات الملك لله ). -الأصل الثاني: إثبات أنه لا شريك مع الله سبحانه في هذا الملك –والمشركون مقرون بتفرده في الملك-فإذا كان ليس له شريك ومن ضمن ما نفى أن يكونوا شركاء لله في هذا الملك هو : معبوداتهم ،فإذا لم تكن ولا حتى شريكة لله في ملكه بطل أن تكون آلهةً تستحق العبادة. -الأصل الثالث: إثبات أنه لا معاون ولا ظهير مع الله لأنه سبحانه القوي القاهر المستغني عن كل أحد-وهذا مما هو مستقر في الفِطَر ويُقِرّ به المشركون- وآلهتهم ليست كذلك معاونة ولا ظهيرة ،فكيف تصِحّ عبادتها من دون الله القوي القاهر الغني عما سواه . -الأصل الرابع: نفي أن تكون هناك أي شفاعة من دون إذنه ، وأول من تنفى عنهم الشفاعة هو من أشرك مع الله ، وكل من دعا أحداً من دون الله وعبد غير الله فلا شفاعة له لعدم تحقق الشروط في شفاعته وهي : الإذن للشافع ، والرضى عن المشفوع . |