يحشر المرء مع من أحب.... الله الحق . ( من قبل 4 أعضاء ) قيّم
رأي الوراق : عندما يعرض الدكتور سعيد بن ناصر الغامدي اهتماماته أمام مجموعة من المؤيدين فإنه لا يقتصر فقط على كيفية التعبير بوضوح عن هذه الاهتمامات بل تتعداها أيضا إلى ما يمثله بنفسه كشخص يحاول تعزيز قضاياه. إنه يكتب الأفكار لأنها –بعد طول تفكير- هي التي يؤمن بها .. ولأنه أيضا يريد إقناع الآخرين بوجهة النظر هذه .. الدكتور سعيد له تاريخه .. وقِيَمه .. وكتاباته .. ومواقفه .. ووقود من التجارب التي –رغم خصوصيتها- تداخلت في الشأن الثقافي العام وشكلت كيانا معقدا تمازج فيه عالمه الخاص بعالم الجمهور الكبير. ولأنني أفترض في الدكتور سعيد أنه مثقف وُهِبَ مَلَكةً عقلية لتوضيح وجهة نظر وموقف وفلسفة ورسالة فإني أفترض أيضا أن لهذا الدور محاذيره ولا يمكن القيام به من دون شعور المرء بأنه إنسان مهمته أن يطرح علنا للمناقشة أسئلة محرجة و يجابه التصلب التقليدي (بدل أن ينتجه) . إن هذا النقد لا يعني المعارضة فقط .. بقدر ما يهمه طرح أسئلة وإحداث فروق وإعادة التذكير بالمسائل التي يوجد ميل إلى إهمالها وتجاوزها في خضم الاندفاع نحو الأحكام الجماعية. وربما من الأفضل أن نبدأ بالتساؤل عن الروح المعاركية التي تتسم بها عبارات الدكتور عندما يصف مخالفيه (المحليين) بمجموعة من الألفاظ الحربية .. خصوصا وهو يتمثل وقوفه كوقوف المجاهد يوم الزحف: (أمام محاربين ألداء لعقيدة الإسلام وشرعته وأحكامه وتاريخه وحضارته ، محاربة مباشرة أو من وراء حجب الألفاظ والرموز ، والين مع المحارب من صفات الأحمق أو العاجز ) أو عندما يجيب على سؤال عن العصرانيين فيقول معرضا بهم : (فهل يلوم –لعله يقصد يلام- من يقف ضد قطاع الطرق الفكرية ومروجي المخدرات الثقافية وموزعي الخمور المادية؟) . السؤال الذي أود أن أطرحه هو لماذا يفترض الدكتور أنه بصدد حرب فكرية؟ لماذا يتملكه ذلك الشعور اللاعقلي .. المتنامي تدريجيا .. بأننا "نحن" مهددون من جانبهم "هم" .. والنتيجة تعصب وخوف بدل المعرفة والمشاركة ! عندما يقوم الدكتور باستعمال الضميرين "نحن" و"نا" –مجازيا- في المقالة فإنه يشير إلى نفسه بالطبع .. لكنه يوحي في الوقت ذاته بهوية أممية قومية .. وكما يقول إدوارد سعيد (لكن في سياق آخر) إن تكرار الصيغ الجماعية هو تكاسل شديد ليس إلا ! فالدكتور سعيد يسوق إلينا عبارات متعلقة بـنا "نحن" وبهم "هم" كذريعة لتوضيح الأمور لعامة الناس .. وهذا كله جزء من المحافظة على الهوية الحزبية .. فأن تشعر مثلا أن "العلمانيين" قادمون أو أن "الحداثيين" يخربون لغتنا أو أن "العصرانيين" يتلاعبون بديننا لا يعني فقط بقاء الذعر الاجتماعي مستعرا وإنما يعني أيضا تعزيز هويتنا "نحن" وكأنها محاصرة أو معرضة للخطر .. وبالتالي فإن أي نقد يوجه إلى الثقافة المحلية السائدة يعد انشقاقا عن الطاقم المتحد وهذا ما يخول شيخنا لبس ريشة النعام والتبختر بها بين الصفين. إن الدكتور هو أكثر من يعلم أن الموضوعية لا تنسجم مع صِيَغِهِ الحماسية التي يستخدمها عادة ضد مخالفيه/أعدائه.. ولذا نجده يستعير حيلة غريبة تبرر له التخلي عن شروط الموضوعية في الحوار .. إنه يقيس أسلوبه مع المخالفين بأسلوب القرآن مع الكفار .. وبذلك لا يجد بأسا في استخدام ألفاظ الأنعام والكلاب طالما كانت هذه العبارات تجسد (الأوصاف المطابقة للموصوفين) ! الذي لا يقول شيئا هاما يضطر إلى أن يقول شيئا مثيرا ! هذا بالضبط ما عبرت عنه رؤية الدكتور .. وهنا نقول لفضيلته أنك إذا رغبت في دعم الموضوعية فعليك أن تدعمها للجميع لا أن تدعمها انتقائيا لمن تصنفهم جماعتك أو أخوتك أو أمتك أهلا لها .. وإن من أكثر المناورات الفكرية تخلفا .. التحدث بعجرفة عن انتهاكات الآخرين في مجتمع الغير وتبرير الممارسات ذاتها في مجتمع المرء نفسه . إن لازمة أن يعتقد المرء أنه في صف القرآن وحزب الله يقتضي أن الآخر هو صف قريش و حزب الشيطان ! ومن هنا كانت الإهانة وليست الهداية هي رصيد رسالة الدكتور .. ولهذا السبب كانت رسالته تبرر الشتائم والرغبة في التدمير .. فالذي ينوي أن يهينك لا ينوي أن يكسبك أيضا.. لأنه لا يهمه مصير أعدائه في الجحيم ..بقدر ما يهمه رضى أتباعه في دار الدنيا .. إن الدكتور يعرف طريقه ويعرف أن الشتائم مؤلمة ويحشرها لنا على الورق ويرسلها في البريد ثم يسافر منشرح الصدر للدعوة. هذا كل ما يريده لأنه أيضا كل ما يستطيع أن يفعله طالما أنه يقول : (أرجو أن أكون في ذلك مخلصاً صادقا بعيداً عن هوى النفس والأغراض الشخصية والله وحده الموفق للصواب ). أما عندما يتحدث الدكتور عن الحداثة وما بعدها فإنه يختصرها بقوله: (الحداثة وما بعد الحداثة ليست سوى طريقة لبث المعتقدات العلمانية وأسلوب لترويج المفاهيم اللائكية) والطريف أن الدكتور لا يشعر بالحرج أن يقول في إجابة على سؤال آخر (مازلت أكرر وأقول بأننا في حاجة شديدة إلى تعلم الطريقة الحقيقية للتفكير الموضوعي بعيداً عن العاطفة المتأججة بلا ضبط ، وعن اتباع الظن ، وبعيداً عن إصدار الأحكام الجزافية بلا برهان ، وبعيداً عن التعميم الظالم ) مفترضا أن قواعده التي يمارس بها الأستذة على المشاركين لا يشترط أن يلتزم بها. الدكتور يختصر الحداثة وما بعد الحداثة في عقيدة علمانية متناسيا في هذا النوع من الاختزال شروط التحليل العلمي وعمق التصور الأكاديمي.. إذ إن العلاقات بالغرب متعددة الوجوه والمستويات .. وكما أن فيها شيئا من السلبية فإنها لاتخلو من رصيدها الإيجابي أيضا.. صحيح أنها تتم في سياق سجالي منذ صدمة الحداثة حتى صدمة العولمة .. ولكن ذلك لا يعني أن نشن الهجوم على الغرب وثقافته وأثرها الفعال في نهضتنا الفكرية وسيرورتنا الحضارية .. ذلك أن العلاقة بين الحضارات إنما هي علاقة تبادل وتفاعل بقدر ماهي علاقة تحد ومواجهة. أظن أن الدكتور يعز عليه أن يعترف بأن أثر الغرب يتعدى التقنيات والوسائل لكي يطال المبادئ والمقاصد.. فالتقنية في حقيقتها تجسيد لرؤية فلسفية جعلت الأفكار والنظريات والمذاهب المنتجة في الغرب تتسلل إلى وعينا وعقولنا وحتى لغتنا .. ويتبدى لنا أن المصطلحات التي ابتكرها العلماء والفلاسفة الغربيون قد اخترقت لغة الدكتور وخطابه كما هو شأن مقولات مثل "الموضوعية" و "التعميم" و"الهوية" و"التراث" التي تستخدم كشعارات للدعوة وهي في نفس الوقت من صناعة الغربيين. إنه من غير المجدي ممارسة نرجسيتنا الثقافية التي تحملنا على التوهم بأننا قادرون على إنقاذ الكون فيما نحن نظهر عجزنا عن معالجة مشاكلنا المزمنة وأزماتنا الخطيرة في غير مجال.. فلا مصداقية للدعوات التي نطلقها إلى أسلمة الحداثة والفنون من أجل خلاص البشر ومداواة النفوس فيما مجتمعاتنا تنخرها العيوب والآفات بدءا من الإخفاق في مشاريع التنمية وانتهاء بالفشل في معالجة قضايا الحريات وحقوق الإنسان. وحين ننتقل إلى حيث سئل الدكتور عن حزب العدالة والتنمية التركي فإنه لم يستطع إخفاء التململ من نجاح ذلك النموذج الذي لم يعد ينسجم مع منطلقات الدعوة الأم. ولأن الدكتور لا يستطيع –أيضا- أن ينتقد ذلك النموذج –لاعتبارات دبلوماسية- فقد آثر استعمال الرمز في الإشارة إلى أن الحزب هو في حقيقته ضحية لسرقة لكنه انشغل بمسابقة اللص عن استرجاع المسروق. إنه يعيب على حزب العدالة والتنمية تأكيده على تبني خيار الديموقراطية وحقوق الإنسان ويعد ذلك انشغالا بالسباق مع السارق عن استرجاع المسروق المتمثل في معارك الحجاب وتطبيق الشريعة! ولعل مما يفسر حالة الضيق عند الدكتور –من هذا الموقف- هو تنكر حزب العدالة للأولويات التي تبناها الرمز التاريخي للحركة التركية أربكان ويعدها كحالة من العقوق خصوصا وأن الدكتور كان عبر الحوار يحاول ترسيخ دور الشيوخ وقدامى المحاربين والصقور في اتخاذ القرارات. أما حين يسأل الدكتور عن الأشاعرة فإنه يقع في فخ المزايدة على السلفية بتقسيمه للموقف من الأشاعرة إلى طرفين ووسط .. ولأن الدكتور لم يتطوع بإخبارنا عن موقفه الذي يتبناه فإني أفترض أنه (وسطي).. كعادته حين يطلق على نفسه كل الصفات الحلوة ويطلق على خصومه كل الصفات الباقية .. لكن السؤال ماهو هذا الموقف الوسطي ؟ لقد عبر عنه أستاذ العقيدة بقوله : (ويقول هؤلاء بأن الأشاعرة في جملتهم من أهل السنة والجماعة إلا فيما خالفوا فيه كتأويل الصفات وصرفها عن حقائق معانيها التي كان عليها الصحابة والتابعون وأتباعهم) وظاهر هذا الكلام أن الأشاعرة الذين يؤولون الصفات ليسوا من أهل السنة والجماعة.. وهنا أعتقد أن من حقي السؤال .. هل هناك من الأشاعرة من لا يؤول الصفات ويصرف حقيقتها إلى مجاز؟ أقولها –بشيء من الألم- إنني قد تفاجأت بتجلي الفقر المعرفي عند الدكتور عندما جمع بين مراسل صحفي لمجلة المجتمع (نبيل شبيب) وفيلسوف عملاق كطه عبد الرحمن أو في جمعه بين عبدالوهاب المسيري الذي اتخذ الإسلام وسيلة لمركزية الأمانة الإنسانية (والذي عبر مرارا من خلال كتبه بإيمانه بضرورة فصل المؤسسات الدينية عن السياسية) و واعظ كجعفر شيخ إدريس يمثل المدرسة التقليدية للسلفيين.. مما جعلني أعتقد في النهاية أن نرجسية الدكتور الثقافية دفعته عبر الحوار إلى ممارسة الأستذة على السائلين لتذكيرهم بالموضوعية فيما يتعلق بالشأن الدعوي الحركي .. فيما يبدو أنه نسى موضوعيته حين جعل أفكاره تتركز في ردات فعل تمليها العقيدة الأيديلوجية والمواقف النضالية أكثر مما هي تحليل للواقع من أجل الانخراط في صناعة الحاضر والمراهنة على ما يمكن أن يحدث في المستقبل. د.سالم إبراهيم الطيب سابك –الجبيل انظر : http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=5267 |