الأخت العزيزة ضياء خانم ، الشيطان يكمن ، كما يقول المثل ، في التفاصيل ... كنت أحسب أن هذا المثل فرنسي ، حتى وجدته يتردّد في ألمانيا ، ويبدو أنّ أصله انجلو سكسوني ... وكما أشرت إليه ، فالفاصل بين الجدّ والطرافة يكون في تفصيل بسيط ... فقد كان حالي مع حافلة النقل مشابها لما رويته ، إذ كثيرا ما وجدت نفسي في رحلة رغما عن أنفي ، فلا أحس "بالخطر " سوى مع اختفاء المعالم التي تعودت عليها ، والمصيبة أن اختفاء هذه المعالم يتصادف عادة مع اختفاء الأشخاص الذين نسألهم ، ويبدو سائق الحافلة في مقام أجل من أن يجيب على سؤال من قبيل " سيّدي كيف السبيل إلى العودة ؟ "
توجهت في إحدى الأيام إلى مكتبة بون الجامعية ، وكنت قد حجزت مجموعة من الكتب عبر الانترنت ، غير أنّ مؤلّفا ما لم يكن للإعارة الخارجية ، وعانت موظفة المكتبة " المسكينة " الأمرين لتوجيهه إلى قاعة خاصة بقراءة هذا المؤلف الذي كان بشكل " ميكروفيش " ... اكتشفت أن هذا المؤلف عبارة عن رسالة جامعية حديثة نوقشت منذ مدّة وجيزة في جامعة مكسيكو ، وأنّها بقيت على شكل ميكروفيش تفاديا للسرقات اللاأدبية في المجال الأكاديمي ، فللّه درّهم ، تواصل فوري مع ما ينجز في كافة أنحاء المعمورة ، مع حفظ لحقوق الباحث المعنوية ، تشجيعا للجهد العلمي وردعا للكسل والسلبية وتقنيات " قص / لصق " ... وما أبرع طلبتنا وباحثينا بها ...
فــن التقية : شرّعت الحكومة الألمانية سنة 2006 قانونا يقضي باجتياز إختبار " إندماج " من أجل الحصول على الجنسية الألمانية ... يقضي هذا الاختبار بالإجابة على مجموعة من الأسئلة ، الموجهة أساسا إلى العرب والمسلمين ، لمعرفة موقفهم من المرأة ومن الديمقراطية والعلمنة ، وكذا من اليهود ومن المثلية الجنسية ... كما يتضمّن هذا الاختبار بعض الأسئلة عن النظام السياسي في ألمانيا ، علّق عليه بعض الساسة باستخفاف أنّ الألمان أنفسهم لو اجتازوا هذا الاختبار لسقطو !!!! العجيب أنّ الكثير ممّن يودون الحصول على الجنسية الألمانية مارسوا فن التقية ، حتى أضحوا أكثر علمنة وانفتاحا من نظرائهم الألمان ... كان هذا حال المرأة السنغالية المسكينة التي شاهدتها في نشرة القناة التلفزيونية الثانية منذ أيام وهي تجيب على بعض الأسئلة الغريبة عن تعدد الزوجات وعن حرية المرأة ... فقط لتستكمل إجراءات الحصول على تأشيرة التجمع العائلي المكفولة في الشرائع العالمية ... كانت هذه التعليمات الجديدة من وحي " بريس أورتوفو " (ويدعوه بعض المهاجرين تندّرا بليس اورتوفو) ، الذي ما كاد الفرنسيون يفتقدون وجهه على رأس وزارة الهجرة ، حتّى حلّ عليهم على رأس الاقتصاد ...
تحية لحبيبنا الدكتور يحيى أكرمه الله وأعزه ... ذكّرتني ببعض الندر التي رواها لي أحد الإخوة ، وكان قد اشتغل مدّة مترجما في ليبيا ... سأدعها لفرص أخرى بإذن الله ....
الأستاذ العزيز محمد ، تحية طيبة ، أورد الشيخ الألباني ، رحمه الله ، "حديث خرافة " في سلسلة الأحاديث الضعيفة ، تجد نقاشا مفصلا لهذا الموضوع على الموقع : http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=34393&highlight=%CE%D1%C7%DD%C9 لم أفهم استعمال كلمة خَرَفَ بديلا عن كلمة خرافة ، ويبدو لي أنّ الكلمة الأخيرة أكثر آداء للمعنى لأسباب عديدة أهمها: قيمتها الاستعمالية ، فقد قرّ في اللسان العربي استعمالها للدلالة على ما لا يصدقه عقل أو ما لا يؤيده واقع ... كما أنها تبدو من الناحية الاشتقاقية أصوب ..
الأخ صالح ، تحية طيبة ، فضلا عن مداخلة الأستاذ زهير القيّمة ، وددت أن أشاركك مناقشة هذا الموضوع من زاوية أخرى ... لا شكّ أن نائبة فقد الكتاب والمكتبات ، من أكبر ما يمكن أن ترزأ به أمة من الأمم ، كما أنّ سعي بعضهم إلى طمس ذاكرة الأمّة من خلال تدمير مؤلفاتها و مكتباتها دلالة على خطورة هذه المسألة وعظم تأثيرها ... غير أنّ المسألة قد تكون عكسية أحيانا ، فكثيرا ما ساهم بعض الغزاة في اكتشاف هذا الإرث الثقافي والحضاري والمحافظة عليه ، كما هو الحال مع بعض المخطوطات النادرة ... غير أنّ المسألة لا تقاس في الأخير بالعدد والكم ، إذ أن الفعالية الحضارية مرتبطة أساسا بالتقاط الإشارات الموجودة في مظان الكتب وفي بطون المراجع على قلّتها .. إنّ الأمة التي لم تفعل فيها مقدّمة ابن خلدون ، ومؤلفات ابن تيمية وابن رشد والغزالي والشافعي وابن جني ، في فترة انحطاطها الشيء الكثير ، لا يمكن أن يضيف إلى رصيدها مصادر أخرى ، سوى أن تضاف إلى الرف تباهيا أو حسرة على ما مضى ، قال تعالى : " مثل الذين حمّلو التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا " ، وفضلا عن أن يفقه الحمار هذه الأسفار ، فقد تحول أحبانا دون تقدّمه إلى الأمام ... تلك سنّة الله " ولن تجد لسنّة الله تبديلا " ...
تحية متجددة ، كانت حصة الجغرافبا أشدّ الحصص وطأة على نفسي أثناء فترات الدراسة المتوسطة والثانوية ، إذ كنت أشعر خلالها بالضياع بين خطوط الطول ودوائر العرض ، وأتيه بين الجهات الأربع ، وقد ظلّت عقدة التيه هذه معي حتى الآن ، وقد تستمر ، كما كان الحال مع بني إسرائيل ، أربعين سنة أخرى ... ذلك أنّ مادة الجغرافيا ، كغيرها من المواد ، كانت تقدّم لنا بطريقة " ناشفة " يستعرض من خلالها أستاذنا معلوماته الغزيرة عن الأمكنة والمسافات ، فيما نضيع نحن بين هذه الأصفار المتعددة ، وأذكر أنّه في إحدى اختبارات مادة الجغرافيا ، أجاب أحد زملائي ، ولم يكن أحسن حالا مني ، عن سؤال يتعلّق بالثلج " بأنّه مادة كروية باردة يتراوح سمكها بين كذا .... وكذا " ، إذ كان هاجس الكم والأرقام أشدّ ما يأخذ بلبنا ... لم أكتشف الجغرافيا سوى فيما بعد ، حين ابتدأ ولعي بأدب السير ، وبما يدعى بالجغرافيا البشرية ، وكانت كتب أنيس منصور ، ولا تزال ، أثيرة إلى نفسي ، حينها تدلّت مادة الجغرافيا من عرشها ، وأصبحت رفيقة درب ، وكتاب سلوى ، ورحلة في الآفاق وفي الأنفس ... في علاقتها بالمكان وبالزمان ... وأزعم أنّ أشدّ ما أضرّ بمناهجنا الدراسية استبعاد هذا الكم الهائل من أدب الرحلة والرحالة ، ومن المرويات الشفهية والكتابية ، التي ساقها لنا رواد الآفاق ، فأنت تبصر الخريطة ، فتهاب من شساعتها ، وينتابك الدوار مع استدارتها ، لولا أن يأخذ بيدك من جال بها ، وتعرّف على دقائقها ، فحاور الرمال والعمران ، وزامل الناس والكائنات ، وعايش بجسده وروحه هذه الأمكنة ، فسكنها وسكنته ... **** عن أدب الرحلة اليوم : صادفت أثناء إقامة قصيرة في مدينة أكسفورد الانجليزية ، باحثة في علم المكتبات ، تتولى مشروعا ضخما يتعلّق بالمخطوطات العربية في مكتبة " البودليان " Boedlian Library الشهيرة ... كانت تريق ماء عينيها بين صفحات المخطوطات وطياتها ... تأسفت حين سألتها عن دور التوثيق والفهرسة في زمن التكنولوجيا والأنترنت ، حيث تبرد حماسة الباحث حين تقلّ علاقته بالوثيقة ، إذ بمجرد الضغط على زر " ابحث " أو " رتب " تحصل على المأمول ، فيما كان يعجز عنه أولوا العصبة من الباحثين والطلبة ... كذا الحال مع الرحلة اليوم ، فأنت تقول " ماذا سأروي للآخرين عن هذا المكان أو ذاك ، في ضوء ما تجود به وسائل الإعلام والاتصال الحديثة ؟ " وكيف لي أن أتفوّق على محرّك البحث "غوغل إيرث " مثلا ، وهو الذي يطير بك ، كما سجاد علاء الدين ، ويحضر لك الأمكنة على الساخن ... إنّها التفاصيل الإنسانية ولا شك ، تلك التي تغفل عنها الكاميرا ، أليست الكاميرا عينا ثانية ، يصيبها ما يصيب العين من سهو ونسيان ؟ غير أنّ الكتابة ، تعجز أحيانا عن نقل هذه التفاصيل ، بل الصورة أيضا ، فما تنفك أحيانا سوى أن تقول لمحاورك ، وقد أعياك العجز " لا بدّ أن تذهب بنفسك وترى " ، وليس الشاهد كالغائب ... لله درك أيها النّفري ..... " إذا اتسعت الرؤيا ، ضاقت العبارة " ...
يمكننا أن نتساءل عن العلاقة بين الرحلة والكتابة ... هل تؤدّي الرحلة حتما إلى الكتابة ؟ كنت قد طالعت مجموعة من القصص القصيرة لأحد الكتاب الفرنسيين المبتدئين ، حيث جاء في تقديم الكاتب " أنّه على الرغم من إبداعه ، فإنّه لم يغادر قريته الصغيرة قط " مع علامات تعجب واستفهام ، رسمت حيرة مقدّم الكتاب ... لا شكّ أنّه في الوقت الذي تطوّرت فيه وسائل الاتصال والمواصلات ، يبدو غريبا أن يقبع الواحد منا في نطاق منطقته بله مدينته ... بل لقد غدت هذه الرحلة والترحال علامة على الأشخاص وعلى الشعوب ، فجورج بوش الإبن مثل شخص ساذج ، غبي ، جاهل متعجرف ، لم يغادر الولايات المتحدة الأمريكية قط ، سوى بتذاكر مدفوعة الثمن على متن الإير فورس 1 ، عقب انتخابه رئيسا لأمريكا ، بينما بدا منافسه باراك أوباما ، رجلا متفتح الذهن ، ذكيا ، ذا رؤية وأفق واسع ، وكانت علامة ذلك ، ذلك التعدّد والتنوّع الذي يختزله ، فوالده سافر من كينيا ، وهو ولد في هاواي ، وعاش شطرا من طفولته في أندونيسيا ... وكذا الأمر بالنسبة للشعوب والثقافات ، فكثيرا ما ينظر إلى الأمريكيين على أنّهم شعب جاهل متمركز على ذاته ، وقد أجريت إحدى الاختبارات على الخريطة الإدراكية للأطفال الأمريكيين ، من خلال اختبار رسم لما هو خارج أمريكا ، فلم يظهر على الرسومات سوى الخواء والفراغ ، مع بعص البنايات في الجانب الآخر من المملكة المتحدة ، أماّ باقي العالم فلا شيء Terra Nihilo وقد يعزو البعض ذلك إلى أنّ الولابات المتحدة بذاتها قارة ، تمتدّ من الشرق إلى الغرب ، فلا حاجة إلى السفر خارجها ، يل السياحة داخلها أيسر وأقل كلفة ... هذا أمر صحيح ، غبر أنّ الدواعي النفسية والثقافية أشدّ أثرا في رأيي ... والأمر كذلك ، ولكن بصفة عكسية بالنسبة للبنانيين ، فهم ولا شك شعب ذكي ، مبدع ومتنوع ، يميل إلى الترحال والسفرمنذ القدم ... وأزعم أنّ دائرة الجوازات في لبنان هي أكثر الإدارات نشاطا وإنتاجا .... وبالعودة إلى سؤالنا ، نقول : هل يجب أن ترتبط الرحلة بالكتابة حتما ؟ والجواب نعم ولا ... فالرحلة والتجوال هي تحوّل في المكان وفي الزمان أحيانا (الزمان الحضاري)، كما أنّ الكتابة تحويل وتكثيف للواقع أيضا ، فالإبداع لا بعكس الواقع مباشرة ، بل هو يراكمه ، ويلتقط تفاصيله ودقائقه ، ليخرجه في شكل جدبد ... والواقع هنا في رأينا ، ليس الواقع المادي المباشر ، الذي اختزلته النزعة المادية وشيّـأته ، بل هو أوسع من ذلك ، فالجن والعفاريت والشياطين هي ، بالنسبة لشخص أو لثقافة ما من الواقع ، بقدر ما تؤثّر فيهما ، والتاريخ هو من الواقع ، بقدر ما يحرّك الحاضر ويوجّهه (أنظر مثلا موقعة استشهاد الحسين على الشيعة) ... والغيب ، في المنظومة الإسلامية ، من الواقع بقدر ما يعتقد به الفرد والمجتمع ، وبقدر ما يعمل فيه ...
إذا تواكب التحول في المكان (الرحلة) مع القدرة على تحويل الواقع (ما يدعى أحيانا التخييل) ، كانت نتاج الرحلة الكتابة ... إذ أن السفر يشحذ الذهن ، ويدفعه إلى الإبداع ... غير أنّ النبات الخصب ، لا ينمو في الأرض القاحلة ، لذا فكثيرا ما تعثر على أشخاص مرّوا بما لا يرف له جفن ، وما لا تنبس ، إجلالا له ، شفة ، ولا شيء تحرّك أو تغيّر ... شعارهم في ذلك ، مع الاعتذار ، " سافر حمارا ، فما عاد حصانا " (والعبارة لأنيس منصور).... ويبدو أنّ طول الإقامة في بعض الأحيان ، أسوأ ما يمكن أن يحيق بالرحالة ، فالزمن له أثرين متعاكسين ، فمن جهة ، لا بد من المكوث مدّة ما للتعرف على المكان وعلى ساكنيه ، ومن جهة أخرى يؤدّي طول المكث إلى الاعتياد والروتين ... وهذا ما يجعل علاقة الرحالة بمحيطه علاقة باردة ، لا أثر لها في إبداع أو كتابة ... وللحديث بقيــة
الأستاذة العزيزة ضياء ، شكرا على مرورك الكريم بهذا الملف وعلى توقيعك المميز ، كالعادة ، فيه ... استكمالا لما شرعت الحديث عنه ، أود أن أتساءل عن ارتباط الرحلة بالكتابة . ماالذي يدفع المسافر ، أو الرحالة ، إلى الكتابة ؟ يقول المثل الفرنسي : " يكذب كما يريد من يأتي من بعيد " دلالة على إمكان أن يحكي المسافر ما يشاء ، حقيقة أو اختراعا ، باعتبار أن ليس هناك من سيكذّبه ... كان ذلك سنة 1694 ، سنة ذكر هذا المثل في معجم الأكاديمية الفرنسية ، غير أنّ الامور تغيّرت مع تحوّل العالم إلى قرية صغيرة ... أمّا المقابل الألماني لهذا المثل فيقول : wenn einer eine Reise tut, dann kann er was erzählen ويعني أنّ من يسافر يمكنه أن يحكي أشياء (ليست كاذبة بالضرورة) ...
يبدو أنّ ضرورة الحكي تأتي من الحاجة إلى " تخليد " لحظة الرحلة الفانية ، وإلى استعادة نشوة الدهشة الأولى المنقضية ... ألا تلحظ سعادة الحاج بحكاية رحلة الحج ، واستعادتها مرّة ومرّات ، كأنّه حين الحكي يستعيد طقوس الحج ساعة بساعة بل قل لحظة بلحظة ...
أمّا القضية الثانية فهي إحساس الرحالة بأنّ على عاتقه تقع "مسؤولية " الحكي ... فكثيرا ما يستقبله الآخرون بأعين مندهشة ، وبعقول (وأفواه) مفتوحة مطالبينه بسطر ما رآه ، أو بروايته على أقل تقدير ...
ثالثا : كثيرا ما يكون الحكي لمقابلة واقعة بأخرى ، وهذه آلية فكرية ونفسية بشرية معتادة ، فالذهن يستحضر مقابله ونظيره بصورة أسرع وأيسر ... فكثيرا ما تقرأ لدى الرحالة أو تسمع قولهم " كان الأمر كذا في بلدة كذا ، أمّا لدينا فالحال غير الحال .... "
وهذا ما يقودنا إلى التساؤل عمّا يلتقطه الرحالة في سفره ... كثيرا ما تقرأ لأحدهم عن رحلة أجراها في بلاد غريبة ، فلا تعثر سوى على صور معادة وكليشيهات جاهزة ، فكأنّك تقرؤه هو لا رحلته ... يشبه ذلك من يعود بصور ملتقطة من هنا وهناك ، لا تجد فيها سوى وجهه ورأسه وهيأته تغطّي كل الصورة ، تكاد تصرخ في وجهه : " يا لكع ، هذا الوجه عرفناه ، وهذه الشوارب ألفناها ، وتلك الأكمة (صلعة رأسه) مللناها ... إنّما بغيتنا ما وراء الأكمة " ... إنّ كتاب الرحلة المفيد هو المؤلّف بذهن مفتوح وبخاطر متّقد ، يلتقط الإشارات والعلامات ، ويحوّلها إلى أسطر وجمل ، تكتشف من خلالها الأرض ، كما أن لم تكن رأيتها من قبل ، ذلك أنّنا لا نعبر الوادي مرّة واحدة ...
الأخت الكريمة أم علي ، تحية طيبة ، يتوقف إختيار موضوع بحث ما ، كما تعلمين ، إلى أسباب ذاتية وأخرى موضوعية ... الأسباب الأولى في رأيي هي محرّك البحث ، أو هي الجذوة الأولى التي يجب حفظها من الانطفاء ، أما الثانية فهي التي تساعد على اتقاد هذه الجذوة وعلى استمرارها ... لذا فيبدو لي أنّ اختيار موضوع البحث يجب أن يخضع في المقام الأول إلى اهتمامات الباحث وقراءاته ... يمكنني مثلا أن أحصل على عشرات المراجع والمصادر حول موضوع ما ، سيما على الشبكة العنكبوتية ، ولا أراوح بالبحث خطوة واحدة ... يأتي فيما بعد دور البحث الاستكشافي ، الذي يترافق مع التوجيه والنصح والنقد ... لذا أنصحك ، نصح التلميذ لا الاستاذ ، بالنظر غلى أقرب المواضيع إلى نفسك وعقلك ، والمضي ، اتكالا على الله ، ثمّ على همّة الباحث الكامنة فيك ... مع تمنياتي بالنجاح
مساء الخير أستاذة ضياء ، الأصح القول " لا نعبر النهر مرتين " (هيراقليطس) ، لا كما ذكرتُه " لا نعبر الوادي مرة " ، مع أنّ عبور الوادي أسهل !!! شكرا على هذه الملحة ، وتحية لقلمك الممتاز ...
الإخوة الأفاضل ، تحية طيبة ، سعدت كثيرا لهذا النبأ الطيّب ، عن صدور ديوان شاعرنا الرائع زهير ظاظا حفظه الله ... فضلا عن القيمة الجمالية التي أشار إليها أساتذتنا الأكارم ، أودّ أن أشير إلى قيمتين أخريين لصدور هذا الديوان : الأول / قيمة إنسانية ، بالإشارة إلى سمو أستاذنا زهير وعلو كعبه من خلال مخاطبته بخلق رفيع لكثير من مرتادي الوراق وسراته ، وعلى رأسهم الأستاذة ضياء ، التي لا يماري أحد باعتبارها الأحق ، دون منازع ، يهذا الإهداء ... الثاني : قيمة ثقافية ، إذ إنّ الفضل ، في صدور هذا الديوان هو كذلك لموقع الوراق ، ولراعيه الأستاذ السويدي حفظه الله وأجزله خير الجزاء ، إذ كان هذا الموقع ، ولا يزال ، ساحة فكرية وثقافية ، يقودها أستاذنا زهير ، ونحن على آثاره لمقتفون ... إنّ صدور هذا الدبوان ، هو علامة فخر ، ليس لأستاذنا فحسب ، بل لنا جميعا ، إذ يشعر كل واحد منا أنّه ساهم بشكل ما في نصج هذه الثمرة ... فمبارك للأستاذ زهير ، ومبارك لنا جميعا ...
الأخت فاطمة ، تحية طيّبة ، موضوع الأدب النسوي من الموضوعات التي سال من حولها الكثير من الحبر ودار بشأنها الكثير من الجدل ، ويمكن اختصار هذا النقاش بالسؤال " هل للمرأة رؤية للعالم ، مختلفة عن نظيرها الرجل ، وهل يؤثر هذا الاختلاف في أشكال الإبداع ، كتابيا كان أو شفهيا ؟ " يحكي أحد النقاد عن محاضرة ألقتها إحدى الأستاذات الجامعيات بكندا حول كتابات ياسمينة خضراء (*) ، وكيف حاولت البرهنة على الرؤية النسوية داخل الأدب الجزائري وعن تميّزها ، على الرغم من مظاهر العنف (البدني والمعنوي والرمزي) الذي تتعرّض له ... الطريف في الأمر أنّــه اتضح فيما بعد أنّ ياسمينة خضراء " هذه " في الحقيقة اسم مستعار لكاتب جزائري يدعى " محمد مولسهول " ، الذي استعاض عن إسمه الحقيقي باسم زوجته (ياسمينة) واسم أمّه (خضراء) ، وسقطت بالتالي تلك التنظيرات عن الأدب النسوي وتميّزه المزعوم ... لا شكّ ، أنّ للمرأة ، رؤية مختلفة للعالم ، عن تلك التي يكوّنها الرجل ... تكون هذه الرؤية عادة نتيجة تكوينها وخلقتها ، ونتيجة الفضاءات التي تعيش فيها ، ولطبيعة الخبرات التي تكتسبها ، وللعلاقات التي تؤلّفها وتأتلف معها ... إنّ هذا التميّز الوجودي ، قد يكون له أثر على الكتابة ، ولا شكّ عندي أني حين أقرأ فدوى طوقان أو غادة السمان أو أحلام مستغانمي ، فإنني أشعر باختلاف وتميّز هذه الكتابة عن نظيرتها التي أنتجتها الذائقة الرجولية ... ولا ريب ، أنّ الكتابة في ذاتها ، هي تحوّل داخل التحول ، كما تقول إحدى الناقدات ، فالمرء حين يكتب ، إنّما هو يخالف ذاته من حيث يريد تمثيلها ، ألا ترى كيف تخرج الكتابة أحيانا مخالفة لما نريد قوله ، لذا فمن طريف ما يحكى عن توفيق الحكيم ، أنّه كثيرا ما كان ينتشي بكتابات من بنات أفكاره ، لا يعلم بذلك حتى يخبره الآخرون ... إذا كان الأمر على هذا الحال مع الكاتب ذاته ، فما بالك بالكتابات الأخرى ... التميّز إذا سنّة كونية ، غير أنّ التميّز لا يعني بالضرورة المناقضة ... فالأدب في الأخير ، وإن كان فضاء جماليا للإبداع والتخييل ، قد يتحوّل إلى مكان لتصفية حسابات إيديولوجية ، ولا يرتبط الأمر بجنس المبدع ، بل لتصوره للعالم ولرؤيته للأفكار والأشخاص والأشياء ، تلك الرؤية التي تتأسس في مرجعية معينة ، وتتطور في محاضن خاصة لها ... لذا فكثيرا ما يقرأ المرء كتابات "رجالية " تدافع عن المرأة وعن قضاياها ، وبالعكس يقرأ أحيانا لكتابة نسوية تضطهد المرأة من حيث تدري أو من حيث لا تدري ....
(*) ياسمينة خضراء : من أشهر الكتاب الجزائريين الذين يؤلفون بالفرنسية ، كتب باسم مستعار ، حين كان ضابطا في الجيش الجزائري ، تحت طائلة الكتمان ، ثمّ خرج إلى العلن ، وأصبحت روايته من أكثر الكتابات مبيعا في فرنسا وفي الغرب ... له : " صمت الحملان " ، " بماذا تحلم الذئاب " ، " الكاتب " ، " الاعتداء " ، " سنونوات كابول " ، " أجراس بغداد " وغيرها ... ترجم بعضها إلى العربية ...