البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات زين الدين هشام

 13  14  15  16  17 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
مظفر النواب : " تعلل فالهوى علل " 3    كن أول من يقيّم

...../ .......

قضيتنا سنرجع او سنفنى .. مثلما نفنى
ونقصف مثلما قصفوا .. ونقتل مثلما قتلوا
فإرهاب بعنف فوق ما الإرهاب ثوري
يمينا هكذا العمل
أقول ويمنع الخجل
بشج العين يكتحل
وكيف عروسكم حصص
وحصتكم بها نغل
أراهنتم على جمل بمكة
تسلمون ويسلم الجمل
غفا جرح فأرقه
بماذا قد غفا كهل
وأنب قلبه
ما كان عشق فيه يكتمل
وكاد لما تصبى وإلتقت في روحه السبل
تطيب بريقه القبل
وأطيبهن تتصل
ولكن في قرارته
هموم ما لها مقل
كما قطط ولائد في عماها
والعمى كلل
تذكر أهله فقضى
فكابر دمعه الخضل
وكاد يجوب لولا
تمسك الآمال والحيل
وعاتب صامتاً
لو كان يحكي إنما الملل
فما أحبابه يوماً بأحباب
ولا سألوا
وما مسحوا له دمعاً
كما الأحباب
بل عزلوا
ونقل قلبه لكنهم كانوا
هم الأول
فلم يعدل بنخلة أهله الدنيا
فنخلة أهله الأزل
وماؤهم الذي يروي
وماء آخر بلل
وحبره الذي نصف الهوى في قلبه
وحل
يخط عدوه من وطنه له شبراً
فينتقل
طباق .. او جناس .. او مراحل
كلها حيل
قضيتنا وان نفخوا الكلى
وشرارهم جبل
وصاغوا من قرارات
وان طحنوا .. وان نخلوا
لها درب مضيء واحد رب
فا هبل .. ولا لات .. ولا عزى .. ولا لف
ولا جدل
قضيتنا لنا أرض قد أغتصبت
وكنا عزلاً لا نعرف السوق البرجوازية في الدنيا
ولا ما تصنع الأموال والحيل
وطالبنا فكان قرار تقسيم
وطالبنا فصرنا لا جئين وخيمة
جعنا .. عرينا ..
ثم طالبنا فأصبح كل شبر مسلخاً
أما الآن لا طلبا ولكن
تحكم السكين .. تختزل
يميناً انه درب الى "حيفا"
غداً يصل

3 - يناير - 2009
قصيدة(تحيا غزة)
مظفر النواب : " تعلل فالهوى علل " 4    كن أول من يقيّم

...../ ....

تعافى جرحه من طهره وبدى سيندمل
ولكن نكأة ثغرته
حتى كاد يشتعل
فغص بدمعه مضضاً
وكابر حيث يحتمل
وعلل نفسه وتعلة
فيما انتهى محل
فما شيء كعشق ينتهي
لا يرتجى أمل
أعدله فينخذل .. وأخذله فيعتدل
تغلب طبعه عن ثابت فيه
وينتقل
فبعض عاشق يصحو
وبعض عاشق ثمل
وكاد لولا كاد
لا دبر ولا قبل
وأمسكه هوى لبلاده ما
بعده غزل
عراقي هواه وميزة فينا الهوى
خبل
يدب العشق فينا في المهود
وتبدأ الرسل
ورغم تشردي
لا يعتريني بنخلة خجل
بلادي ما بها وسط
وأهلي ما بهم بخل
لقد أرضعت حب القدس
وأئتلقت منائرها بقلبي
قبل ان تبكي التي قد أرضعتني
وهي تحكي كيف ينتزع التراب الرب
من قبضات من رحلوا
وتغتصب الذوائب ثم ترمى
فوق من قتلوا
وكيف مشت مجنزرة
على طفل .. وكيف مسيرها مهل
وكيف تداخلت شرفاتها بعموده الفقري في حقد ..
وصار اللحم في الشرفات ينتقل
فلم يسمع له صوت
وفي خديه ما زالت ظلال المهد
والقبل

3 - يناير - 2009
قصيدة(تحيا غزة)
مظفر النواب : " تعلل فالهوى علل " 5 .... تتمة     كن أول من يقيّم

....../.....

تغير صوت أمي
واعترى كلماتها الشلل
وقالت لي: قضيتنا .. وغصت بالدموع
فقلت يا أمي : قضيتنا الدمار
أو التراب الرب
لا وسط ولا نحل
قبيل ذهابكم للمسلخ الدولي وفداً
أرسلوا السكين وفداً
أنها أمل
سيسمع صوتها
وتشق درباً للرجوع
وينتهي الخطل
بذلت الروح حتى قيل يا مولاي
يبتذل
وقد صار الفراق عوا جديداً
وهو متصل
فما أدري سلوت أم إبتدأت
تشابه الزعل
وان من الهوى ما ليس عشق
انما سبل
وساجنتي محجرة ببيت في العراق
علائم فيها الفم العذري
اغفاء شديد الوصل بين الحلمتين
اطالة في الخصر ما طال الهوى
خصر وحزن توأمين
وطقس عشق ليس يعتدل
ورغم تشردي لا يعتريني بدجلة خجل
فلست أدري ليومي
انما ما يمحض الأمل
فما جوعي مذلي
او وعيد
كلها طفل
وأشهر كل ظفر في كياني
حينما النهاز يرتجل
وقد يفتي بنفيي من هنا فأظل أفنيهم
وأرتحل
أعيط بكل نهاز وجيبي .. وهم شلل
قضيتنا سلام بالسلاح ...
فثم سلم حفرة
وسلامنا جبل
وأن العنف باب الأبجدية
في زمان
عهره دول
قبيل ذهابكم للمسلخ الدولي وفداً
أرسلوا السكين وفداً
ينتهي الخلل ...

3 - يناير - 2009
قصيدة(تحيا غزة)
الرابحون والخاسرون في حرب غزة     كن أول من يقيّم

الرابحون والخاسرون في حرب غزة
عبد الباري عطوان
القدس العربي : 19 يناير 2009


لم تكن علامات البهجة تكسو وجهي ايهود اولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي ووزير دفاعه ايهود باراك وهما يعلنان في ساعة مبكرة من فجر امس عن وقف احادي الجانب للحرب على قطاع غزة، فالانجازات التي حققتها هذه الحرب جاءت قليلة، بل مخجلة، لانها لم تتجاوز قتل المئات من الاطفال والنساء والمدنيين، وتدمير بعض البيوت والمساجد والمباني الحكومية.
السيدة تسيبي ليفني توعدت بتغيير المعادلة في قطاع غزة، وسحق فصائل المقاومة، ونجحت في الاولى ولكن بشكل عكسي، وفشلت في الثانية، وخلطت جميع الاوراق في المنطقة العربية بشكل لم يتوقعه اكثر المتفائلين بامكانية حدوث التغيير المأمول.
بعد ان هدأ غبار المواجهات، وتوقفت الصواريخ وقذائف الدبابات والزوارق الاسرائيلية عن تمزيق جثامين الشهداء، وحرق اجساد الآلاف بالقنابل الفسفورية، لا بد من الاعتراف بان ابناء قطاع غزة دفعوا ثمنا باهظا لهذه الحرب، من خيرة ابنائهم، فلم يتوقع احد ان تبلغ وحشية الاسرائيليين هذه الدرجة من التعطش لسفك الدماء والتمثيل بالجثث، وتدمير البيوت فوق رؤوس اصحابها الجوعى المحاصرين، ولكن هذه التضحيات الجسيمة وضعت الاسرائيليين امام العالم بأسره كعامل عدم استقرار وبؤرة ارهاب تهدد امن هذا العالم.
المعركة لم تكن ابدا بين طرفين متكافئين، وكيف تكون كذلك وقد احكم النظام الرسمي العربي الطوق، وتواطأ مع المعتدين، وسهّل لهم مهمتهم بصمته تارة، والتحرك الدبلوماسي المشبوه لاعطائهم المزيد من الوقت لانجاز مهمتهم، تارة اخرى.

ربما يكون تعداد الرابحين من هذه الحرب عملية شاقة، علاوة على كونها موضع جدل، بحكم الصورة المأساوية على أرض القطاع الصغير المحاصر التي نقلتها وتنقلها شاشات الفضائيات بتفاصيل مرعبة، ولكن حصر الخاسرين، من وجهة نظرنا على الاقل، يبدو اكثر يسرا، ويمكن ايجازهم في النقاط التالية:
اولا: الخسارة الاسرائيلية هي الأضخم، ان لم يكن عسكريا، فسياسيا بكل تأكيد، فبعد اكثر من ثلاثة اسابيع لم يخرج المقاومون من انفاقهم رافعين الرايات البيضاء، متوسلين وقف اطلاق النار، ولم تتوقف الصواريخ، ولم يخرج شعب قطاع غزة، رغم فجيعته الكبرى في مسيرات بين انقاض منازله المدمرة مطالبا بطرد سلطة 'حماس' وعودة سلطة رام الله ورجالاتها. القيادة الاسرائيلية، ذهبت الى واشنطن، وهي القوة الاقليمية العظمى، لتوقع اتفاقا امنيا معها لمراقبة تهريب الاسلحة الى القطاع. وظهرت امام العالم بأسره كقوة مكروهة متعطشة لمص دماء ضحاياهم من الاطفال والمدنيين في حرب يجمع انصارها انفسهم بأنها لم تكن ابدا شبه متكافئة.
اسرائيل خسرت الجزء الاكبر من الرأي العام العالمي، مثلما خسرت اصدقاءها العرب، وقتلت عملية السلام، وشجعت التطرف، واسست لنمو منظمات فلسطينية واسلامية ربما لن تتردد في تبني 'الارهاب' واستغلال اجواء الاحباط السائدة في الشارع العربي لتجنيد المئات،ان لم يكن الآلاف، من الشباب، تماما مثلما حدث بعد هزيمة حزيران عام 1967 المهينة.
ثانيا: خرج النظام المصري الخاسر الاكبر عربيا، وخسر دوره كوسيط، بعد ان خسره كقوة اقليمية رائدة، وتعرض لطعنات قاتلة ومهينة من اقرب حلفائه، الامريكان والاسرائيليين، وتمثل ذلك في امرين اساسيين، الاول توقيع تسيبي ليفني وزيرة خارجية اسرائيل ونظيرتها الامريكية كوندوليزا رايس اتفاقا امنيا بمراقبة الحدود المصرية مع قطاع غزة، ومنع التهريب، دون التشاور مع الحكومة المصرية، او حتى اطلاعها على تفاصيل هذه الاتفاقية، مما يؤكد ان دور نظام مصر هو التابع المؤدي للخدمات بمقابل، وليس الحليف الاستراتيجي المحترم. اما الثاني فهو ادارة اسرائيل ظهرها للمبادرة المصرية لوقف اطلاق النار بشكل ينطوي على احتقار وازدراء متعمدين، ودون اي اعتبار لجهود واتصالات مصرية استمرت اسبوعين لتثبيت هذه المبادرة، وشق الصف العربي من اجل تحقيق هذا الغرض.
ثالثا: السلطة الفلسطينية في رام الله تهمشت بشكل مفجع، ليس بالنسبة الينا، وانما بالنسبة الى المسؤولين فيها، فقد خسرت تأييد نصف العرب على الاقل، ودول اسلامية عظمى مثل تركيا وايران واندونيسيا، ولم تتحقق احلامها في العودة الى قطاع غزة، واستمرارها في رام الله بصورتها وتركيبتها الحالية بات موضع شكوك. وجاء خطاب رئيسها محمود عباس في قمة شرم الشيخ انعكاسا واضحا لهذه الحقيقة، فقد كان الأقصر والأضعف من بين جميع الخطابات، لم يتحدث عن معاناة ابناء القطاع، ولم يطالب بفتح المعابر، ولم يكشف عن خيبة امله في عملية سلام فشل رهانه عليها.
رابعا: مني ما يسمى بمحور الاعتدال العربي بضربة موجعة في مصداقيته، او ما تبقى منها، امام مواطني بلدانه، عندما تهرب من القيام بأي تحرك فعلي، وظهر بمظهر المتورط المشارك في العدوان، سواء بتصدير الازمة الى مجلس الامن الدولي، او بعرقلة عقد قمة عربية طارئة، وتمسكه بمبادرة مصرية رمت بها اسرائيل في سلة المهملات، وأدارت الظهر لها ولصاحبها.
خامسا: السيد عمرو موسى امين عام الجامعة العربية قد يكون ابرز ضحايا حرب غزة على الصعيد الشخصي، فقد حاول الرجل ان يلعب على عدة حبال في وقت واحد، وان يتجنب السقوط، ولكن محاولاته باءت بالفشل، وحسب نفسه على محور الاعتدال، او بالاحرى كشف عن حقيقة انحيازه الى هذا المحور منذ البداية، وهو الذي اخفى هذا الانحياز ببراعة من خلال عبارات رنانة حول الصمود والمقاومة. جامعة السيد موسى سقطت جماهيريا، وانتهى رصيدها القليل في الشارع العربي بشكل درامي، ولا نعتقد انها ستخرج من هذه الكبوة سريعا، وبالأحصنة الحالية نفسها. امر محزن ان ينهي السيد موسى بعض جوانب تاريخه بهذه الطريقة المأساوية.
سادسا: خرج اعلام محور الاعتدال بخسارة كبيرة انهت كل الآمال بتعافيه من الضربة الكبيرة التي انهت مصداقيته بسبب انحيازه الى الاحتلال الامريكي للعراق. ولم تشفع كل ادعاءات المهنية في ابراء ذمته من الانحياز المبطن للعدوان الاسرائيلي على قطاع غزة. بينما عزز اعلام دول الممانعة، على قلته، وضعف امكانياته من وجوده في الشارع العربي الذي وقف الى جانبه مساندا ومؤازرا.

صمود اهل قطاع غزة حقق معجزة في زمن قلّت فيه المعجزات، مع اعترافنا بالثمن الباهظ لهذا الصمود. فالعالم كله منشغل حاليا في كيفية توفير الامن والحماية للاسرائيليين، وايجاد الطرق والوسائل وتوفير المعدات المتقدمة لمنع تهريب الاسلحة الى الصامدين المحاصرين في هذا القطاع الصغير في مساحته الكبير في عزيمة ابنائه.
هذا العناد في التمسك بالثوابت، وفي رفض الاستسلام هو الذي تخشاه اسرائيل وقيادتها وشعبها، فإذا كان هؤلاء صمدوا ثلاثة اسابيع، ولم يخرج واحد منهم على شاشات التلفزة يندد بالمقاومة، رغم انهيار سلطة 'حماس' واختفاء قواتها التنفيذية، وضخامة اعداد الشهداء والجرحى، فإن اداءهم في اي مواجهة قادمة، اذا ما امتلكوا الحد الادنى من الاسلحة الدفاعية، سيكون مفاجئا. فالجيل القادم من ابناء القطاع، الذي سيتكون من اطفال شاهدوا مجازر آبائهم وامهاتهم واشقائهم وشقيقاتهم، سيكون الاشرس، ولن ينسى، ولا نعتقد انه سيغفر.
حرب غزة اعادت القضية الفلسطينية الى الواجهة مجددا، وجبّت كل ما قبلها من مفاوضات عبثية، وعملية سلام مزورة، وقيادات متخاذلة، وما يسمى بحل الدولتين، وعززت ثقافة المقاومة، وكشفت عن المعدن الصلب المقاوم للشعب الفلسطيني، مثلما اعادت احياء الشارع العربي، والتلاحم بين ابنائه والتفافه حول قضيته المركزية، وتوسيع الفجوة بينه وبين الانظمة الدكتاتورية العاجزة، فاقدة الارادة والسيادة التي تحكمه.
مسرحية مؤتمر شرم الشيخ لن تنقذ النظام الرسمي العربي من مأزقه، ولن تعيد له شرعيته ومصداقيته لان هذا النظام بات فاقد الكرامة والشرعية، بعد ان سحبهما منه شهداء غزة، واحتجاجات الشرفاء، وهم الغالبية، داخل مصر المحروسة، والعواصم العربية الاخرى.

19 - يناير - 2009
ملف العدوان على غزة
زلزال غزة يضرب الاعلام     كن أول من يقيّم

زلزال غزة يضرب الاعلام
عبد الباري عطوان
القدس العربي : 26 يناير 2009


زلزال غزة ضرب الاعلام العالمي، والعربي منه على وجه الخصوص، في صميم قلبه، ووضعه امام 'محاكمة' حقيقية، قضاتها هم ضحاياه، اي ضحايا هذا الاعلام بأشكاله كافة، من قراء ومشاهدين وصناع رأي، بل وابناء المهنة انفسهم، والتهمة هي السقوط الاخلاقي والقانوني والمهني بسبب الرضوخ للهيمنة الاسرائيلية، المباشرة منها وغير المباشرة.
محطات تلفزة، وصحف، واذاعات، عربية واجنبية، اجتازت هذا الاختبار او المحاكمة بنجاح كبير عندما انحازت الى المهنية والموضوعية، وقدمت الوقائع الحقيقية للمجازر الاسرائيلية في قطاع غزة، بالصوت والصورة دون اي تدخل، واخرى ضبطت متلبسة في الانحياز الى الجلاد ومحاولة تحسين صورته البشعة، مثل هيئة الاذاعة البريطانية 'بي بي سي' بمختلف فروعها وقنواتها التلفزيونية والاذاعية.
السقوط الاخلاقي والمهني الكبير لهيئة الاذاعة البريطانية تمثل في رفضها بث 'نداء غزة' الخيري الذي تقدمت به اكثر من خمس عشرة مؤسسة بريطانية انسانية لجمع تبرعات لضحايا العدوان الاسرائيلي، تحت ذريعة التمسك بالحيادية، في حين بثت النداء عدة محطات بريطانية منها القناتان الرابعة والخامسة والـ'اي تي في'.
مظاهرات احتجاج عارمة احاطت بمبنى المحطة الرئيسي طوال اليومين الماضيين تطالبها بالتراجع عن قرارها، وفعل الشيء نفسه خمسون نائبا في البرلمان، وكذلك جون سينتامو اسقف يورك الذي اتهم الهيئة بالتحيز الى جانب دون الآخر وقال 'ان النداء ليس من حركة 'حماس' من اجل الحصول على السلاح، ولكن من اجل الاغاثة'.
هذه 'الصحوة' التي انعكست في افتتاحيات قوية في معظم الصحف البريطانية، تنتقد هذه الهيئة الممولة من قبل دافع الضرائب البريطاني، تؤكد على ما كررناه دائما، من سيطرة اللوبي الاسرائيلي عليها بالكامل، بعد ان نجح في ارهابها من خلال سحب اعتماد بعض مراسليها في فلسطين المحتلة، او ارسال آلاف الرسائل الاحتجاجية اليها بعد كل برنامج تتناول فيه جوانب الصراع العربي ـ الاسرائيلي. وقد علمت شخصيا، ومن مصادر وثيقة داخل الهيئة، ان اوساطا اسرائيلية فرضت ما يشبه القائمة السوداء غير المكتوبة، تضم اسماء بعض الخبراء العرب في الشأن الشرق اوسطي، تتهمهم بالتطرف، وتطالب بتقليص ظهورهم اذا لم يتأت منعهم بالكامل.

صحيفة 'الجويش كرونيكل' الناطقة باسم الجالية اليهودية، والمدافعة الشرسة عن اسرائيل، نشرت في عددها قبل الاخير قائمة بمن اسمتهم بالمحللين التلفزيونيين الناقدين لاسرائيل، سخرت من مهنيتهم، في تحريض سافر، وقالت انهم غير موضوعيين، ويملكون 'اجندات خاصة'، واحتل كاتب هذه السطور رأس القائمة، مع نبذة عنه مزينة بصورته، وجاء الدكتور ريتشارد فولك منسق الامم المتحدة في قطاع غزة في المرتبة الثانية، والدكتور النرويجي مادس غلبرت، الذي اجرى عشرات العمليات الجراحية لضحايا العدوان الاسرائيلي في مستشفى الشفاء في قطاع غزة، في المرتبة الثالثة.
جون سنو المذيع الشهير في القناة الرابعة في التلفزيون البريطاني المعروف بمواقفه الجريئة، انتج فيلما وثائقيا مع زميله المخرج والمصور ديفيد نيبلوك اذيع مساء الخميس الماضي، يتناول رضوخ معظم وسائل الاعلام العالمية للارهاب الرسمي الاسرائيلي، والرقابة المكثفة التي فرضتها الحكومة الاسرائيلية على هذه الوسائل، بما في ذلك منعها من دخول قطاع غزة، وقذفها بآلاف الرسائل والوثائق والمعلومات المضللة عن الحرب. وبيّن الفيلم كيف نجحت محطات مثل 'الجزيرة' بشقيها العربي والانكليزي في تقديم صور حية للدمار الاسرائيلي وجثامين الشهداء من الاطفال، وآلاف المشردين بعد قصف منازلهم بالصواريخ.
الفيلم الذي قدم شهادات وصورا غير مذاعة للضحايا وذويهم، وصل الى نتيجة مفادها، ان العالم ما كان سيسكت لو شاهدها مبكرا، ولما سمح لاسرائيل بمواصلة عمليات القتل الوحشية لمدة ثلاثة اسابيع ودون اي ضغوط خارجية.

مارك تومبسون مدير عام هيئة الاذاعة البريطانية 'بي بي سي' اتخذ قرارات عديدة استفزازية في السابق، تكشف انحيازه لاسرائيل على مدى السنوات العشر الماضية، ورضوخه لارهابها واللوبي المناصر لها في بريطانيا، ولكن هذا القرار الاخير بمنع بث نداء انساني يجب ان يكون الاخير، وعليه الاستقالة فورا من منصبه، فهناك اجماع في بريطانيا على ان هناك ثلاث هيئات هي الاسوأ ادارة على الاطلاق، وهي 'البي بي سي' والبنك الملكي الاسكتلندي، وهيئة المطارات البريطانية، ولا نبالغ اذا قلنا ان هيئة الاذاعة البريطانية تحتل المرتبة الاولى، وصدق الزميل تيم لويلني الذي عمل مراسلا لها لمدة ثلاثين عاما في الشرق الاوسط، عندما قال انها 'هيئة من الاسود يقودها حمير'.
السقوط لم يقتصر للأسف على الاعلام الغربي، او بعض هيئاته، وانما يشمل الاعلام العربي للأسف الذي لا عذر له، وللمشرفين عليه، لانه ابن المنطقة ومن المفترض معرفته بكل تفاصيلها. ومن المؤسف ان بعض وسائط هذا الاعلام، والتابعة منها لما يسمى بمحور الاعتدال، اثبت انه اكثر انحيازا للعدوان الاسرائيلي من بعض محطات التلفزة الاسرائيلية.
ففي ذروة حرب الابادة التي كانت تشنها الطائرات والدبابات والزوارق الاسرائيلية على ابناء قطاع غزة، كان من يطلقون على انفسهم بالليبراليين الجدد يتربعون على الشاشات التابعة للمحور المذكور يلومون الضحية، ويحملونها مسؤولية القتل والدمار دون ذرة خجل او حياء. وسمعنا شلة منهم تسخر من فريضة الجهاد، وتطالب بالاستسلام للاعداء بالكامل.
فالاعلام الرسمي المصري الذي يكلف خزينة الدولة عدة مليارات من الدولارات سنويا، في بلد يعيش نحو ثلثي سكانه على اقل من دولارين في اليوم، شن حملة شرسة طوال ايام الحرب، وما زال، استهدفت غسل دماء المواطن العادي البسيط، واستنفار مشاعره الوطنية المصرية وتوظيفها ضد العرب والفلسطينيين، للتغطية على فشل السياسة الخارجية في التعاطي مع 'مأساة غزة'.. بحيث اصبح كل من ينتقد هذه السياسة الحكومية الفاشلة والمهينة لمصر ودورها وتاريخها وشعبها عميلا لايران وسورية وقطر، واصبح الموضوع 'الهجوم العربي على مصر'.

ما يطمئننا ان احداث غزة، وما رافقها من صمود اسطوري، اثبتت ورغم كل حملات التضليل الاعلامية، ان الشعوب العربية، والشعب المصري على وجه الخصوص، اذكى من كل تلك الاصوات الشاذة، والدليل على ذلك خروج مظاهرات غير مسبوقة في مدن صغيرة مثل طنطا ودمنهور وحتى بعض القرى النائية شارك فيها مئات الآلاف.
والاهم من كل ذلك ان الاعلام الحكومي العربي، والمصري منه خاصة، ورغم ما ينفق عليه من مليارات الدولارات في شكل رواتب خيالية، وامتيازات لا حصر لها، فشل في مهمته وهي تبييض وجه الانظمة المتواطئة مع العدوان الاسرائيلي، كما فشل في كسب الحد الادنى من الاحترام داخل الوطن العربي وخارجه، باستثناء احترام الاسرائيليين، واثار بعض رموزه حالة من الخزي والاشمئزاز، وقد كانت احدى الصحف المصرية المستقلة اكثر من موفقة عندما قالت في مانشيت كبير 'فضحتونا'.
حرب غزة شكلت علامة فارقة في التاريخ العربي، ستغير معادلات كثيرة، والمعادلة الابرز هي مدرسة التعتيم الاعلامي، والانحياز السافر للعدوان، والرضوخ للارهاب والاملاءات الاسرائيلية. فالرأي العام لا يمكن ان يسمح بعد اليوم بالصمت على سياسات التطهير العرقي وارهاب الدولة، خاصة اذا كانت اسرائيلية بحجة الموضوعية والمهنية الزائفتين.

مع التحية للأخ أحمد عــزو

27 - يناير - 2009
ملف العدوان على غزة
التاريخ ... هذا " الغريب " بين ظهرانينا ...    كن أول من يقيّم

إستقيظت إحدى صباحات العدوان على غزة ، فعثرت على هاتفي الجوال على رسالة قصيرة ... كان الرقم مجهولا ، فقلت هذه إحدى الرسائل التي تنغّص صباحاتك بأن تعدك بالمال الوفير ، على إقتاره أيام هذه الأزمة ، أو بزوجة جميلة ، في غفلة من أعين زوجتي ... غير أنّ مفاجأتي كانت كبيرة ، حين قرأت " من فضلك قاطع منتجات Aldi و Lidl (إجدى أكبر محلي توزيع المواد الاستهلاكية) باعتبار أنّهما قرّرا توزيع أرباح نهاية الأسبوع إلى إسرائيل ...

بغض النظر عن صحة الخبر من خطئه ، سعدت كثيرا
بهذه الرسالة ، ربّما لأنها كانت تعني لي أنّ " أضعف الإيمان " قد جاء يحرك ماء ضحالتنا و سلبيتينا ... غير أنّه كان يعني أمور أخرى أهمها أنني شهدت للمرة الأولى منذ إقامتي في ألمانيا أول حركة احتجاج منظمة انتصارا لغزة (مع بعض الاستثناء إبّان موجة الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للأمة في تشويهها لصورة النبي الكريم ، صلوات الله عليه ...)

... قرأت
تعليقي العزيز محمد هشام ، وشاهدت أفكاري تتجول بين أحرفه وأسطره ، عن ثقافة المقاومة وفكرة الانتصار ، ومكانة التاريخ بين هذا وذاك... وكنت أردد أنّ أسوأ ما يمكن أن يحيق بأمّة ، هو أن لا يصبح لها التاريخ معلما (بسكون العين)  ومعلما (بفتح العين) ، وما ذكرى قمّة الكويت عنا ببعيدة (كان مقال الأستاذة ضياء حولها من أجمل ما بمكن أن يخطّه قلم) ...
هل انتصرنا حقا ... أقولها ، وكلي ثقة ، أي والله ... وإلا كيف نقرأ تلك الشهادات التي كانت ترد على لسان الأطفال (معلّمونا الأوائل) ... ؟ كيف نقرأ ارتباط النخبة بأهلها وبالعامة في حادثة استشهاد القائد نزار ريان ؟ كيف نقرأ عودة أهالي غزة إليها من مصر ، نقضا لدعاوى توطين غزة التي أصمّت الآذان بنبرتها العفنة ؟ كيف نقرأ تحوّل الخطاب الإعلامي الغربي ، الذي لا يتزحزح مقدار أنملة ، ليدندن بانتهاك اسرائيل للقانون الانساني الدولي ؟ على الرغم من أسهم معاداة السامية المتوثبة بين كل آن وحين ...
إذا لم تعلمنا هذه الأحداث وهي تجول بيننا ، كيف يمكن للتاريخ أن يحرك فينا بعضا من فهم لسننه ؟
مع التحيــة

18 - فبراير - 2009
أحاديث الوطن والزمن المتحول
تعقيب ....    كن أول من يقيّم

الإخوة الأفاضل،
تحية طيبة،
سبقنا الأستاذ ياسين الشيخ سليمان إلى التعقيب على هذا الموضوع ، وإذا كان من الصعب الإضافة على قول أستاذنا ، فقد وددت أن أشير إلى بعض اللمحات التي جالت بخاطري عقب قراءة نص البرزخ ...
لا شك أن عنوان النص بذاته يعدّ مفتاحا إلى الولوج إليه ، وقد كان اختيار أستاذنا الفذ السويدي موفقا ولا شك ...
إنّ اختيار مساحة البرزخ للحديث على لسان الراحلين عن الدنيا ، وفق ما نقلته عنهم ، صحة أو خطأ، ألسنة الرواة ، بشير إلى تواضع الراوي ، حين يجعل نفسه في ذات المستوى الذي يتحدّث فيه شخوص الحكي ...
فعلى خلاف المعري و دانتي ، صاحبا أشهر مرويات المغيبين عن الدنيا ، لم يحلّق المؤلّف بين الجنة والنار ، أو بين المطهر والعذاب ، مفصّلا على المقاس أمكنة الأشخاص وآراءهم ، فذلك أمر ، الله مطّلع فيه على سرائرهم ...
ولعلّ قائلا يقول، أنّ لا مكانة في الإبداع الأدبي لهذه التفصيلات اللاهوتية، وأنّ للمبدع أن يأخذ بتلابيب الحكي وأن يحلّق بها حيثما يشاء ، يحاكم هذا ويخرج آخر من علياء الجنة ليطرحه في درك جهنم ، أو أن يعيد تأهيل أحد المغضوب عليهم في التاريخ ، فما تنفك أن تجده يرفل في نعيم الآخرة ...
هذا الرأي هو موقف يؤخذ منه ويرد، غير أنّ وقوف الراوي على مسافة متساوية بين شخصيات الحكاية، خاصة حينما يتعلّق الأمر بأشخاص ، تشكّلت صورتهم عبر مختلف المرويات ، فنحن نحكم عليهم تحت ثقل هذا المخزون الشفهي والكتابي ، ولعلّ " المتوكّل " أحد هذه الأمثلة ، فهو لدى الخطاب السني ناصر السنة ، الذي حسم الخلاف حول مسألة خلق القرآن ، وأعاد لابن حنبل اعتباره ، عقب محنته الشهيرة ، وهو عند الشيعة معادي أهل البيت ، الذي تحل عليه اللعنة ....
كما أنّ رواية حدث تاريخي ما ، في شكل مسرحي ، من خلال رؤية مختلف شخوص الحدث لها ، هو أمر في غاية التميز ، يمنح لمختلف للفاعلين التاريخيين المساحة للتعبير ، كل من جهته ، عن الحدث كما رآه هو ، لا كما يراه الآخرون ... وأعتقد أنه في المسرح الحديث شبيه لهذا ، أو كما هو الأمر في رواية الكرنك ، فيما أذكر ، لنجيب محفوظ ...

20 - فبراير - 2009
البرزخ (أيام من دولة المتوكل)
تعقيب 2....    كن أول من يقيّم

سأحاول العودة إلى موضوع البرزخ ، وشخصيتي المتوكل والفتح بن خاقان في قراءة لاحقة إن شاء الله ...
كما أود تنبيه الأستاذ معتصم إلى خطأين تقنيين في موضوع البرزخ :
الأول : يخص الجزء الثاني ، وبتعلق بتنظيم البيت :
وقد  قلت للمعلي إلى المجد طرفه   دع   المجد   فالفتح   بن  iiخاقان
شاغله أطل بنعماه فمن ذا يطاوله   وعم   بجدواه  فمن  ذا  iiيساجله
والأصح كما هو واضح ، جعل شاغله في عجز البيت الأول ...
الثاني : يخص الجزء الرابع ، حيث ورد :
ومن شعري في أبي نوح:
***** ويبدو أن هذا المقطع سقط من النص ...
من جهة أخرى حاولت استعمال محرك البحث لقراءة السياقات المختلفة التي وردت فيها كلمة برزخ ، غير أنّه يتعذّر الاطلاع على النصوص من صفحة النتائج ، فالرجاء مراجعة هذا الخلل الفني ...
مع التحية

20 - فبراير - 2009
البرزخ (أيام من دولة المتوكل)
إن من يحب اللغة العربية لا بد أن يحب المتنبي ...    كن أول من يقيّم

مالك التريكي : بين الطيب صالح ومحمود المسعدي
القدس العربي ، 21/02/2009

علاوة على الروايات والقصص القصيرة التي حققت للمغفور له الطيب صالح مكانة متفردة في الأدب العالمي، حيث أنه من أشهر الأدباء العرب في العالم، فقد كان لمقالاته الصحافية دور بارز في حفظ التواصل بينه وبين محبيه من العرب. بل إن هذه المقالات بقيت لمدة طويلة هي الصلة الوحيدة بينه وبين القراء. ذلك أنه كان من النزهاء القلائل الذين امتلكوا شجاعة التوقف عن الكتابة الأدبية في فترة مبكرة عندما شعر أن لم يعد عنده من الإبداع مزيد. ولعل أهم هذه المقالات هي تلك التي ظل ينشرها أسبوعيا طيلة أعوام بين الثمانينيات والتسعينيات في مجلة 'المجلة' اللندنية، بعنوان 'نحو أفق بعيد'، والتي كان يذيلها بتلك العبارة المبشرة 'للحديث بقية'. ولا بد أن من اطلع على مجموعة 'مختارات' التي صدرت في السنوات الأخيرة متتابعة في تسعة كتب قد لاحظ أن بعضها يحتوي مقتطفات من هاتيك المقالات. وبعد انقطاع طويل عاد الطيب صالح في منتصف 2006 إلى الكتابة في زاوية 'نحو أفق بعيد'، ولكنه سرعان ما انقطع من جديد. ولعل ذلك تزامن مع اشتداد علته.
التوقف عن الكتابة الإبداعية في فترة مبكرة من العمر شيمة من شيم الفروسية النادرة، خاصة إذا كان الأديب مُقلاّ أصلا. إلا أن شجاعة الانسحاب المبكر هذه، على ندرتها، قد جمعت بين الطيب صالح والأديب التونسي محمود المسعدي، الذي توفي في نهاية 2004. وفي هذا يقول الطيب صالح ذاته، في مقال بتاريخ 14 نيسان (ابريل) 1993، إن المسعدي 'قد فرغ من كل كُتبه منذ خمسين عاما وليس له، حسب علمي، غير هذه الكتب'.
ويثني الأديب السوداني في المقال المذكور على طه حسين، الذي كتب منوها برواية 'السد' للمسعدي في صحيفة 'الجمهورية' القاهرية بتاريخ 27 شباط (فبراير) 1957، لأنه 'انتبه في وقت مبكر إلى موهبة تونسية كبرى لا يزال صاحبها إلى اليوم ليس معروفا على نطاق واسع في المشرق العربي. ذلكم هو محمود المسعدي، صاحب 'السد' و'حدث أبو هريرة قال' و'مولد النسيان'. كل كتاب من هذه الكتب تحفة نادرة ولؤلؤة عجيبة لا تتأتى إلا لعتاة الغواصين في بحار المعاني. ولا مراء أن محمود المسعدي أمير من أمراء البيان العربي في هذا الزمان'. ثم يسترسل الطيب صالح فيروي إحدى زياراته للمسعدي في بيته: 'وجدناه يقرأ القرآن في مصحف أمامه، وحوله كتب مفتوحة من بينها كتاب الأغاني. شرّق بنا في الحديث وغرّب بصوته العميق الأجش، وقال لنا إنه معنيّ بمسألة جرْس الآيات القرآنية وموسيقاها، ويتمنى لو وجد الوقت ليؤلف كتابا في ذلك. صوته والبريق في عينيه ورنة السخرية اللطيفة في حديثه تنبئك أن هذا رجل حدّق طويلا في مجاهل العقل والروح، وأبحر بعيدا في صحبة العقول الجليلة في تراث الإنسانية'.
ولأن الطيب صالح لم يكن موسوعي الثقافة كوزموبوليتي النزعة فحسب، بل كان مهتما بأصيل الإبداع العربي حيثما وجد، فقد كتب أيضا عن الروائي التونسي البشير خريّف، الذي توفي عام 1983، قائلا إن الفضل في معرفته بروايته 'الدقلة في عراجينها' يعود إلى الشاعر عبد الرحمن الأبنودي. وقد وضع الطيب صالح مقدمة جميلة لهذه الرواية ضمن سلسلة 'عيون المعاصرة' التي كان يشرف عليها الناقد الأدبي توفيق بكار. وبسبب تقارب العوالم بين صعيد مصر وشمال السودان و'الجريد' في جنوب تونس، فقد كتب الطيب صالح أن 'الذي يقرأ شعر الأبنودي، ويقرأ لي، ويقرأ للبشير خريّف، يجد أن ثلاثتنا كأننا نمتح من بئر واحدة'.
كان بِرّ الطيب صالح بلغة الضاد مبهرا معديا: ما إن تقرأه حتى تدمنه، خاصة إن وقع بين يديك بعض حديثه العذب في قديم الشعر العربي من المهلهل إلى أبي العلاء، مرورا بصاحبه 'المتنبي العظيم الذي يصيب كبد الحقيقة كل مرة'. أما إذا ابتغيت دليلا على ما بلغه من الرفق ورقة الوجدان، فحسْبُك أن تقرأ الجزء الأول من كتابه 'المضيئون كالنجوم' (الثاني في المختارات) عن رجالات الإسلام، إذن لرأيت كيف أنه يذهب في استصفاء الأبلغ والأوقع من الروايات التاريخية كل مذهب حتى يُريك ما قد رأَى من آيات الجلال، ثم لرأيت كيف أنه بالغ من نفسك ذلك كله دون كثير قول من عنده، إلا أن يكون ومضَ إشارة وإنارة.
كان، رحمه الله، يقول 'إن من يحب اللغة العربية لا بد أن يحب المتنبي'. وقد حق من اليوم القول إن من يحب العربية لا بد أن يحب الطيب صالح بمثلما يحب أبا الطيب المتنبي.

22 - فبراير - 2009
الطيب صالح ..الروائى السودانى الكبير ..فى رحاب الله.
اختلاف الخريطة الإدراكية    كن أول من يقيّم

عمت مساءً أستاذة ضياء،
الأمر كما أشرت إليه
يكمن في اختلاف الخريطة الإدراكية "بيننا" و "بينهم " ، ففي الوقت الذي تشيـر جغرافيا الذهنيـة الغربية في موقف ما إلى سهل أو إلى منحدر يسيـر ، تكون فيه بوصلتنا تؤشر إلى جبـل وعـر أو إلى أرض مقفرة، ولعلّ موقف الشك من كل سلطة أو هيئة إدارية هو أهم مظهر من مظاهر هذا الاختلاف ؛

* يحكي لي صديق أنّه كان لدى أحد الأطباء عندنا ، وحين انقضى موعد الكشف طلب فاتورة ، فقامت ثائرة طبيبنا الذي اعتبر هذا الأمر مساسا بكرامته وتشكيكا في مصداقيته ..فيما يعدّ هذا الأمر هنا أكثر من بديهي ...

* وفي شأن آخر، أذكر أنني عندما كنت أتقدّم إلى بعض الإدارات هنا ، كنت أتوجّه طوعا إلى مكتب الاستعلامات لأخذ الإذن بالمرور ، فقد تعودنا عندنا أن نأخذ الإذن من أبسط حاجب حتى أعلى مسؤول ... وهو أمر كثير ما يقابل بضحكة استغراب هنا ...

* حضر أحد " الإخوة " وطلب مني أن أحرر له وثيقة يقدّمها إلى السلطات الالمانية ، فقلت له أنّ هذه الوثيقة يمكن أن لا تخدم إقامته هنا ، يل وقد تتسبب في ترحيله ، فقال لي : "إذن حرر لي وثيقة تشهد فيها بأنّك لم تَـرَنِ " ... ولا أعلم أيهما أنطقه  ؛ الخوف أو الحمق ...

* طالعت هذه الأيام مذكرات " عبد الرحمن بدوي " ، واستمتعت على الخصوص بمروره في ثلاثينيات القرن الماضي بألمانيا ، على الرغم من حسّه النقدي اللاذع ، وغصّته من رجال السلطة ومن المثقفين ، ومن الناس جميعا ... غير أنّ موقفه المهادن بعض الشيء من الايديولوجيا النازية ، قد يثير حفيظة البعض ...

مع التحية ...

25 - فبراير - 2009
مواقف طريفة في ألمانيا ...
 13  14  15  16  17