البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات داوود أبازيد

 11  12  13  14  15 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
إبراهيم مصطفى وإحياء النحو    كن أول من يقيّم

الأستاذ إبراهيم مصطفى
وإحياء النحو
( 1 )
 
سأحاول تقديم ثلاث مداخلات حول الأستاذ إبراهيم مصطفى رحمه الله ، وحول ما سمي بإحياء أو تجديد أو تيسير النحو . الأولى تمهيدية وهي هذه ، والثانية بيان بعض مخالفته لمنهجه ، والثالثة تفنيد بعض طروحاته . وأعتذر إذا اقتصرت على السلبيات ، لأن الكثيرين سيكونون معنيين بالإيجابيات .
ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ، ما لم يكن إثما أو قطيعة رحم ، ومن هنا فلا مراء في أن دعوات التيسير عامة ، وتيسير النحو خاصة ، إنما هي دعوات محقة من حيث المبدأ ، ولها ما يسوغها على وجه العموم ، ولكن هذه الدعوات ليست بدعا في هذا العصر ، وإنما هي امتداد لدعوات التيسير التي لم تتوقف ، وقد تبين لنا أن نبذ (نظرية العوامل) وهو أقوى حجج القوم ، يرجع إلى ابن مضاء القرطبي .. ومع ذلك ، فإن شيئا مما سمي صعوبة وتعقيدا وإحالة ، لم يثن أحدا من المتقدمين أو المتأخرين عن إتقان هذه اللغة ، والتعمق في فهمها ، والمشاركة في تطويرها ، والتفنن في آدابها ، والإبداع في شعرها ونثرها.
ويبدو أن الجديد الوحيد الذي رآه بعضهم لدى دعاة التيسير من المحدثين هو النوايا والطوايا والخفايا والخبايا ؛ فبينما لم يشكّ أحد في صدق المتقدمين ، ولم يتهم أحدٌ ابنَ مضاء الأندلسي ، أو خلفا الأحمر ، أو الكسائي ، أو سواهم ، فقد ألصقت بالمحدثين شتى التهم في النوايا ، وأثيرت شتى الريب في الأهداف. حتى لقد صنفت دعوات المحدثين هذه مع ما عرف بـ  (الدعوات الهدامة) في مطلع عصر النهضة .
وبينما كانت دعوات المتقدمين من ابتكار عقولهم وبنات أفكارهم ، لم تكن دعاوى المحدثين ، غالبا ، سوى أصداء مجلجلة ، لفتن نائمة ، أيقظها خبثاء يهود المستشرقة. ولمن شاء أن يقرأ قوائم المستشرقين في أي مرجع ، ليعلم جنسياتهم ودياناتهم ومواقفهم . و أنهم ليسوا مجرد مستشرقين ، لهم إيجابيات وعليهم سلبيات .
أما الأستاذ إبراهيم مصطفى غفر الله له ، فقد كان من أكثر دعاة التيسير دويا في كتابه (إحياء النحو) وقد كتبت حوله الكتب والدراسات ، عدا عن الكتب التي ألفها مؤيدوه من أمثال ( د. أحمد عبد الستار الجواري ، و د. محمد حماسة عبد اللطيف ، و د. مهدي المخزومي ، و د. أحمد سليمان ياقوت ، و د. إبراهيم السامرائي ، و د. تمام حسان وسواهم ) وإن خالفوه الرأي حينا.. ولم ينس كبار المتـّهمين ، من أمثال طه حسين ، ولويس عوض ، وقاسم أمين ، وسلامة موسى ، وعبد العزيز فهمي ، وأمين الخولي ، وأضرابهم ، أن يقدموا دعمهم وتأييدهم ومباركتهم للأستاذ إبراهيم مصطفى ومؤيديه ، مما كان له أكبر الأثر في توكيد الشك والريبة في هذه الدعوات . وإذا كان المثل القائل: (يكاد المريب أن يقول خذوني) يزيد عن قدّهم ، فقد فـُصِّل على قدهم المثل القائل : (قل لي من يمتدحك أقل لك من أنت).  
وفي نهاية هذا التمهيد أود أن أذكـِّر بأمرين :
 الأول :
أقام دعاة التيسير دراساتهم على نظرية القرائن ، بدل نظرية العوامل ، فاستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير ؛ لأن ما سموه بالقرائن هو نفسه ما سماه الأقدمون بالعوامل ، فلنقارن عوامل القدماء المعقدة! (الرفع والنصب والجزم والجر) بقرائن المحدثين الميسرة! (قرينة الرتبة، وقرينة التضام، وقرينة الربط، وقرينة الضمائر، وقرينة البنية، وقرينة النغمة، وقرينة أمن اللبس، وقرينة مستوى الخطأ والصواب ، وقرينة التماثل الصوتي) فضلا عن قانون المخالفة الصوتي ، الذي أخذوه عن (بروكلمان) ولنذكر أنهم أضافوا على (الاسم والفعل والحرف): (الصفة والظرف والضمير والخالفة) فزادوا الطين بلة . ولم يكتفوا بتقسيم الجملة إلى (مسند ومسند إليه) وإنما أضافوا :{الحامل والمحمول ، أو الحديث والمتحدث عنه ، أو المتحدث عنه (المبتدأ) والمتحدث به (الخبر)} .. ولم يكتفوا بتقسيم الجملة إلى (فعلية وإسمية) وإنما أضافوا الجملة (الظرفية والشرطية والناقصة والنواة والجنينية والتكاثرية والتوليدية) ولم يكتفوا بسبع جمل لها محل (سموها الجمل غير المستقلة) وسبع جمل لا محل لها (سموها الجمل المستقلة) بل جعلوها عشرا بعشر . وجعل بعضهم منها جملة (في محل رفع مبتدأ) وهذا يدل على عدم تفريقهم بين الجملة والمصدر المؤول .
فانظروا إلى نماذج التيسير التي يقدمها دعاة التيسير . أفتكون هذه الزيادات تسهيلا وتيسيرا ?!.
الثاني:
جاء في كتاب (أطلس أصوات اللغة العربية) للدكتورة (وفاء محمد البيه) :
1.         الفونيم : هو الحرف الصوتي النطقي اللغوي البدائي الأولي . والمقطع الصوتي يتكون من فونيمين على الأقل  .
2.    المورفيم : هو الكلمة الصوتية المنطوقة أو اللفظ ، ويتكون المورفيم من الفونيمات اللغوية المختلفة .  ويتكون المورفيم في اللغة العربية من فونيمين على الأقل شريطة أن يكون للمورفيم معنى أو دلالة لغوية. والجملة : تتكون من مورفيمين على الأقل.
3.         علم الفونولوجي : هو علم الصوت البشري النطقي الفونيمي البدائي ، الذي يهتم بالبحث الوصفي العضوي الوظيفي التحليلي التجريدي التجريبي ، لكل من أوتوماتيكية وميكانيكية وديناميكية إصدار أصوات النطق الفونيمية التي تمثل المرحلة الفسيولوجية الثالثة ...
4.         علم الفونوتيك : هو علم الصوت البشري النطقي المسموع ، الذي يهتم بالبحث الوصفي العضوي الوظيفي التحليلي التجريدي التجريبي الآلي التطبيقي ، لكل من أوتوماتيكية وميكانيكية وديناميكية إصدار الأصوات البشرية المنطوقة المسموعة التي يصدرها الإنسان إراديا عند الكلام  ...
لا أدري إن كان هذا مجرد علم جديد (اللسانيات .. الألسنيات .. اللانغويستيك) أم هو نموذج من نماذج التيسير المنشود أيضا ?. والله المستعان ..داوود..
 

2 - أبريل - 2007
إحياء النحو
إبراهيم مصطفى وإحياء النحو 2    كن أول من يقيّم

تحية وبعد .. يبدو أن فرحة الأستاذ زهير بعودة الدكتور مروان لم تحمله على خرق قواعد النحو فحسب ، وإنما حملته على خرق قواعد الإملاء أيضا ، عملا بالقاعدة التي يعرفها النحويون وهي : ( التغيير يؤنس بالتغيير ) وأنا أعتذر بعذر الدكتور ، ليس لأن الموقع قد غاب عندي ، بل لأن الشبكة كلها تنقطع عني أحيانا .. ونظرا لأنني بعد هذا الانقطاع لم أجد تعقيبا جديدا في الموضوع ، فإنني سأخرق قاعدتي وأدخل المداخلتين الثانية والثالثة ، واحدة بعد الأخرى ، من دون انتظار لانقطاع الشبكة مجددا ..
 
الأستاذ إبراهيم مصطفى
وإحياء النحو
( 2 )
في هذه المداخلة الثانية ، أود أن أقف عند نقطة عدها دعاة التيسير الشر الأكبر في النحو العربي ، وأجمعوا على حربها بلا هوادة ، ظنا منهم أن هدم هذا الركن إن سلم لهم فقد سلم لهم هدم أقوى مرتكزات النحو العربي . مع أنهم جميعا يبنون آراءهم ونظرياتهم على هذا الأساس نفسه ، وأقصد (نظرية العوامل) .. لأنهم حين يحددون سبب رفضهم للعامل ، فهذا السبب نفسه هو عامل أيضا ، فهم يرفضون العامل بعامل آخر ، ويستبدلون الماءَ بالماءِ .
يقول الدكتور عبدالله أحمد خليل إسماعيل[1] : إن إبراهيم مصطفى أراد أن يدرس النحو في ظل أصول وأسس منها : (التحلل من فلسفة العامل[2])
ومن المعروف أن (العوامل والعلل النحوية) هي آراء نظرية مجردة ، لا رصيد لها من الواقع ، يعلل فيها العلماء أحكامهم اللغوية ، لتبدو منطقية معقولة ، وخلاهم ذم . وإن الناظر إلى دعوات التيسير يجدها تطفح بالعلل والأقيسة والأدلة والحجج ، فهل هذه الحجج إلا وجه آخر للعوامل التي يدعون لرفضها?..
وعلى الرغم من أن دعاة التيسير إنما ينشدون التيسير لمناهج المرحلة الثانوية وما دون ؛ لأنهم لا يفترون يرددون بأن النحو على صورته هذه يشق على الناشئة ، وعلى الرغم من أن تلك (العوامل والعلل) لا تدرّس للناشئة أصلا ، ولا وجود لها في مناهجهم ، فقد استمر دعاة التيسير يطالبون بحذفها من المناهج التي لا تحويها ، فكانوا كمن يطالب بحذف كلمة (شرك) من (قل هو الله أحد) أو كمن يردد (أعطه جَمَله). وهذا هو سر إخفاقهم غالبا : عدم الصدق في الطرح ..
فلننظر إلى دعاة نبذ العامل لنرى : أنبذوه حقا?. :
المثال الأول :  
ينقل الدكتور عبد الله أحمد خليل ، عن الأستاذ إبراهيم مصطفى قوله : ((اسم "إنّ" منصوب على التوهم ، ذلك أنه لما كثر ضمير النصب بعد "إنّ" توهموا أن الموضع للنصب ، فلما جاء الاسم الظاهر نصب أيضا على التوهم[3] ..)) ويضيف معلقا ((إن مجرد الافتراض بأن اسم "إن" منصوب على التوهم قد يغري بالقول بأن "إن وأخواتها" عوامل ، وهذا ما يفسد على صاحب الإحياء نظريته في إلغاء العامل.)) فها هو الباحث يرى التوهم عاملا ، ويريحني من ادعاء ذلك لنفسي . ومع هذا أقول : ألم يقدم لنا صاحب الإحياء ، في تسويغ رأيه ، عاملا من العوامل وعلة من العلل?. أليس هذا التوهم هو عامل النصب?!. أليس هذا هو عين تعليل النحويين المتقدمين ، الذي يرفضه دعاة التيسير ، بحجة أنه عامل فلسفي نظري ، لا يؤيده الواقع العملي?!. فمن أين عرف الأستاذ إبراهيم أنهم توهموا?. ومن هم الذين توهموا?. وكيف عرفوا الضمير?. وكيف عرفوا أنه ضمير نصب ?. بل كيف عرفوا النصب من أساسه?. وكانوا أمة أمية يزعمون ?. وهل يعقل عاقل أن تنبني لغة عظيمة ، كعربيتنا ، على التوهم?. إلا كما عقلت عقول أن كونا عظيما قد كان بلا مكوِّن!.  وأنا زعيم بأن العوامّ لم يتوهموا في عاميتهم ، فكيف تتوهم العرب العرباء في فصحاها ما لم تتوهمه فيها الأعجمية العجماء ?. وكيف عرف الأستاذ إبراهيم مصطفى أن الضمير بعد (إنّ) أسبق من الاسم الظاهر?. ولم لا يكون الظاهر بعد (إن) هو الأسبق ، كما افترض الدكتور عبد الله خليل?. إن مجرد المساءلة هي مطالبة  بالدليل أي بالعلة أي بالعامل.. ومن هنا يتبين أن الذين رفضوا العامل إنما كانوا يرفضونه محتجين بعامل آخر ، فهم ينهون عنه ولا ينأون عنه ، وبهذا يفسدون اللغة ويظل العامل ، وتبقى العلة النحوية.
 المثال الثاني :
ذهب المرحوم إبراهيم مصطفى إلى أن (الضم علم الإسناد ، والخفض علم الإضافة ، وأن الفتحة ليست بعلم إعراب ، وإنما هي الحركة الخفيفة المستحبة ...) وعلى الرغم من استخدام مصطلح الخفض الكوفي ، والخلط بين الحركات والعلامات ، فإن قوله: (حركة خفيفة مستحبة) هو عين العامل ، وهنا نتساءل :  كيف عرف الأستاذ الحركة والعلامة ?. وكيف عرف الخفة والثقل والاستحباب والكراهة?. ألم يأخذها من المتقدمين ?. ولكن ما الخفة وما الثقل وما الحركة وما العلامة ?. لقد قال بها الأقدمون ، فقال لهم المجددون هذه علل باطلة ، لا رصيد لها من الواقع ، وهاهو زعيم الإحياء يزعم الزعم نفسه ، فكيف نقبله منه ونرفضه منهم?. وهل شاهد أحد علامة الحركة وهي تتحرك فيصف لنا سرعتها?. وهل أحس بخفتها وثقلها ليحدد لنا وزنها بالمثقال والدرهم ?. ألا يحق لمن يشاء أن يزعم بأن الضمة والكسرة غير ثقيلتين ?. أو أن ينكر وجودهما أصلا ، بحجة أنهما بلا طعم ولا لون ولا رائحة ?. وإذا سلمنا بأن الفتحة خفيفة ، فكيف نسلم بأنها مستحبة?. صحيح أن الفتح مستحب ، ولكن كيف يكون النصب مستحبا ?. ولمَ لا يكون الرفع والخفض مستحبين أيضا ?. وما معنى الاستحباب والاستكراه هنا ?. أليست هذه عوامل نظرية بحتة مجردة كعوامل المتقدمين ?. وقد ارتضاها الأستاذ لإثبات رأيه ، فلمَ يحلها لنفسه ويحرمها على غيره?. والسؤال المهم : هل كان أهل اللغة أنفسهم في الجاهلية الأولى يعرفون تلك المصطلحات ?.
أكتفي بهذين المثالين ، ففي المثل مندوحة عن الحصر ، وبهذا نتبين أن كل الذين رفضوا نظرية العامل وطالبوا بنبذها ، بدءا من ابن مضاء ، وانتهاء بتلاميذ الأستاذ إبراهيم مصطفى من بعده ، إنما نبذوها لأسباب وحجج ودواع ، لا أزعم بأن بعضها ليس وجيها ، بل ربما كان بعضها أكثر وجاهة من بعض علل المتقدمين ، ولكنني لا أسلم بأنها ليست عوامل وعللا .. وقد فضّل (د. محمد عبد الستار الجواري) قول الأستاذ إبراهيم مصطفى (الضمة علم الإسناد) على قول الزمخشري (الرفع للفاعلية) أوليس الأستاذ وتلميذه هنا  في صلب نظرية العوامل ، التي ينادون بنبذها ويفعلون مثلها?. والله أعلم ..داوود..


[1] -  في مقال بعنوان (إبراهيم مصطفى .. آراؤه ومدرسته النحوية) للدكتور عبد الله أحمد خليل إسماعيل .. وهو منشور في مجلة (دراسات) الإماراتية نصف السنوية ، التي تصدر عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات .. السنة الأولى1990.. العدد الثاني ص67 – 124
[2] - على الرغم من عودة كبار اللغويين مثل نعوم تشومسكي إلى قبول نظرية العوامل ؛ لأنها تؤمن منطقية العلم ..
[3] - مجلة دراسات ص 74  وقد عزاه الكاتب إلى ص 64 – 71 من إحياء النحو ..

18 - أبريل - 2007
إحياء النحو
إبراهيم مصطفى وإحياء النحو 3    كن أول من يقيّم

الأستاذ إبراهيم مصطفى
وإحياء النحو
( 3 )
 
أود في هذه المداخلة الأخيرة أن أقف عند بعض آراء المرحوم إبراهيم مصطفى ، فقد وقف مؤيدوه ومعارضوه على حد سواء ، يقبلون شيئا من آراء الأستاذ ويرفضون شيئا آخر ..
1.    إن مصطلح المسند والمسند إليه ، الذي فضّله إبراهيم مصطفى وغيره ، هو من مصطلحات المتقدمين أصلا ، وقد تحاشته الكتب الحديثة لأنه أعقد من الفعل والفاعل أو المبتدأ والخبر وأشمل منهما ، فصاحب الحال مسند إليه ، والموصوف مسند إليه ، والمضاف مسند إليه ، واسم كان مسند إليه ، واسم إن مسند إليه ، وتوابع المسند إليه مسند إليها ولقد تحاشت المناهج الحديثة مصطلح الإسناد إيثارا للتيسير ، فلا جرم تكون العودة إليه ضربا من التعسير باسم التيسير . وإذا كان (الرفع علم الإسناد) كما يقول المرحوم صاحب الإحياء ، وجب أن يكون كل ما تقدم مرفوعا ، ولما وجدنا أن ما تقدم متنوع المواقع الإعرابية ، تبين أن قوله (الرفع علم الإسناد) ليس صالحا ..
2.    وافترض إبراهيم مصطفى أن الضم وحده علامة الرفع ، أما الواو في جمع المذكر السالم فهي إشباع للضمة ، ولكنه لم يقل لنا لماذا لم يشبعوا ضمة المرفوع المفرد وجمع المؤنث السالم والفعل المضارع ?. كما لم يقل لنا أين ذهبت ضمة الاسم المقصور والمنقوص ، وضمة المضارع المعتل الآخر والأفعال الخمسة[1] ، ولم يقل لنا لماذا أشبعت ضمة المثنى إلى الألف بدلا من الواو.
3.    اعترض إبراهيم مصطفى وبعض تلاميذه على مصطلح (الفضلة) وحين وضعت لجنة تيسير النحو ، وهو أحد أهم أعضائها ، مصطلح (التكملة) بدلا منه ، لقي المصطلح الجديد الاعتراض نفسه فقال : (إن تسمية المنصوبات بالفضلات يشعر بتفاهتها في الكلام ، وقلة شأنها في تأدية المقاصد ... ومصطلح التكملات لا يخلو من ذلك) وفضّل مصطلح التعليق .. وأقول : إن الفضلات والتكملات والتعليق مجرد مصطلحات . فهل تشعر الفضلات والتكملات بالإهانة من اسميهما حقا ، وترغبان أن تستبدلا به اسم التعليق?. وهل التعليق أكثر كرامة أو أقل إهانة?. أوليست هذه عواملَ وعللا مجردة لا رصيد لها من الواقع أيضا?.
4.    وأختتمُ الحديث باقتباس من دراسة للباحث "رشيد بلحبيب" نشرها على الشبكة بعنوان : (قضية الإعراب ومشاريع تجديد النحو العربي) حيث يقول :
((لقد تراوحت مضامين التجديد بين الإلغاء ، والاستبدال الاصطلاحي ، والترميم الجزئي ، في إطار النظرية النحوية العربية ، وبين استثمار النظريات الحديثة لإعادة بناء النحو العربي على أسس شبيهة بما بنت عليه اللغات الطبيعية أنحاءها ، كما تراوحت بين العلمية والموضوعية ، وبين العدائية والانفعالية ، وقد جمعت حقا وباطلا ، وهوجم النحو بما فيه وبما ليس فيه ، وحملت عليه أوزاره وأوزار غيره ... وقبل أن نقتحم عالم الإعراب ومشاريع التجديد ، أحب أن أقف ، ولو بصورة مختزلة على بعض مضامين التجديد :
1.    فقد اقترح حسن الشريف: إلغاء الممنوع من الصرف ، والتسوية بين العدد والمعدود في التذكير والتأنيث ، وأن يظل نائب الفاعل منصوبا  وأن يلزم المنادى والمستثنى حالة واحدة ، فيكونان مرفوعين دائما ،  أو منصوبين[2] ...
2.    واقترح جرجس الخوري المقدسي:  نصْبَ المنادى المعرب مطلقا ، وجعْلَ ضميري الجمع المذكر والمؤنث واحدا ، ونصب جمع المؤنث السالم بالفتحة ، ورفع الاسم والخبر في جميع النواسخ[3] ...
3.     واقترح إبراهيم مصطفى : جعل الخبر من التوابع ، وحذف النعت من التوابع، وحذف الفتحة من علامات الإعراب[4] ...
4.    واقترح شوقي ضيف:  إلغاء ثمانية عشر بابا ، واعتبرها من الزوائد الضارة، وهي : باب كان وأخواتها ، وباب كاد وأخواتها ، وباب الحروف العاملة عمل ليس، وباب ظن وأخواتها ، وباب أعلم وأرى  وباب التنازع ، وباب الاشتغال ، وباب الصفة المشبهة ، وباب اسم التفضيل ، وباب التعجب ، وباب أفعال المدح والذم ، وباب كنايات العدد ، وباب الاختصاص ، وباب التحذير ، وباب الإغراء ، وباب الترخيم ، وباب الاستغاثة ، وباب الندبة[5] .
ومع أن بعض هذه المقترحات يمكن دراسته ، إلا أن أغلبها -  مع تلبسه بالعلمية -  كان يجمع بين الإثارة والغرابة ، ولم يكن  قائما على أسس علمية ودراسة متفحصة للواقع اللغوي .)) هذه أول توهية لدعوات التجديد أو الإحياء أو التيسير .))
ويتابع بلحبيب قائلا : ((كان إبراهيم مصطفى قد شارك - وكانت له مكانته ونفوذه -  في تأليف العديد من الكتب المدرسية الرسمية في النحو منذ أواخر الثلاثينيات ، ولكنه مع ذلك لم يستطع أن يضع فيها شيئا من الآراء النحوية الجديدة التي ضمنها كتابه الموضوع أساسا لتيسير النحو، باستثناء فكرة المسند والمسند إليه التي تجمع أبواب المبتدأ والفاعل ونائبه معا ... وقد بذلت جهود لتعميم هذه الفكرة ، في الكتب المدرسية في كل من مصر وسوريا إبّان الوحدة ، ولكنها رفضت بشدة من قبل السوريين ، ثم أهملت تماما ، ولا تزال كذلك حتى الآن[6])) ا.هـ.
فلو كانت لدى المرحوم إبراهيم مصطفى نظرية نحوية متماسكة يطمئن إليها ، لأحلها محل النحو العربي التقليدي ، مستخدما سلطته..
وأختم بقول بلحبيب لأهميته : ((كما اضطُر إبراهيم مصطفى للتنازل عن كثير مما دعا إليه من اجتهادات ، وتخلى عن تأليف كتابه الثاني في الأفعال الذي وعد به[7].)) ا.هـ. مما يوحي بأن صاحب الإحياء قد تنازل عن نظريته جملة ، فهل تنازل أنصاره عما تراجع عنه أستاذهم?. ..داوود..


[1] - كان قد ترك الحديث عن الأفعال إلى كتاب آخر ، ولكنه تنازل عن طبعه وتخلى عنه كما سيمر في آخر هذه المداخلة .
[2] -  تبسيط قواعد اللغة العربية ، حسن الشريف  - الهلال مجلد  46 ، ص 1110
[3] - العربية وتسهيل قواعدها-  المقتطف مجلد 29/ ص342
[4] - إحياء النحو ص 115 – 116
[5] - تيسير النحو التعليمي لشوقي ضيف ص 56 و 140
[6] - مقال على الشبكة : (قضية الإعراب ومشاريع تجديد النحو العربي) لرشيد بلحبيب
[7] - من مقال رشيد بلحبيب ..

18 - أبريل - 2007
إحياء النحو
من مشكل الألف اللينة    كن أول من يقيّم

لا أعلم سببا لهذه الألف في بعض الكلمات ، فقد تربينا على : سوريا وسورية ، وجغرافيا وجغرافية ، وموسيقى وموسيقا ، وأمريكا وأمريكة ، ولا أدري لم كتبها الذين كتبوها أولا ، ولا أعلم لم غيرها الذين غيروها ثانيا .. فهي كلمات غير عربية ، وكان العرب يغيرون في اللفظ المترجم ليقارب أوزان العربية ، فقد نقلوا رودريك إلى لذريق ، وإدفونس إلى إذفونش وهلم جرا .. فكلمة جفرافيا هي ( جيوغرافي ) وكلمة سوريا هي ( سيري أو سيريا أو سيريانا أو شور أو ما شابه) وكلمة موسيقا هي ( ميزيك أو ميوزيك) فمن أين جاءت الألف?. كما أن كلمة فيزياء هي ( فيزيكس أو فيزي ) وكلمة كيمياء هي ( شيمي أو كيمستري ) فمن أين جاء المد ?. ولم يكون الألف صوابا وتكون التاء المربوطة خطأ?. ولم لا يجوز الوجهان مثلا?.

3 - مايو - 2007
الألف اللينة
أمير الشعراء بلا منازع    كن أول من يقيّم

تحية وبعد .. وأعتذر لعدم تجاوب اختيار حجم ونوع الخط ..
الشكر موصول لمن بدأ بالموضوع ولمن أثراه أيما إثراء ..
أما إمارة شوقي فلا يماري فيها منصف ، ومن الإنصاف الاطلاع على دواوين من عاصروه ، ولقد كنت وأنا طالب في الجامعة أظن هذا الظن ، وهو أن شوقيا نال الإمارة لقربه من القصر . ولما اطلعت على حافظ ومطران وصبري ومن في طبقتهم ، تبينت لي الحقيقة الناصعة ، وهي أن جميع أولئك متقاربون في مستوياتهم في النظم ، ويستوي شوقي متفردا بشعره فوقهم طرا . وتبينت أن لو كان منهم أحد يقاربه لما بايعه ولما اعترف له بإمارته .. وآية مصداق هذا أن القوم لم يتفقوا على أمير من بعد شوقي ؛ لأنهم لم يجدوا من بينهم من يتفرد متفوقا عليهم بهذا البون الشاسع في الطبقات . حتى إن الأخطل الصغير قد كان يظن نفسه أهلا لإمارة الشعر بعد شوقي ، وقيل قبله ، فأطرق كرا .. أما الرافعي والعقاد ومن في حكمهما فمن الظلم أن ننسبهما إلى الشعر ، وخاصة العقاد .. ولما بايعه طه حسين بعد شوقي ودعا الأدباء إلى بيعته لم يستجب له أحد .. وكان طه حسين فعل ذلك حقدا وسخرا: حقدا على شوقي وسخرية من العقاد ؛ لما كان بينهم من خلافات مذهبية أدبية ونقدية وحتى عقدية..
وأنا لم أر في معاصري شوقي ومن جاء بعده إلى اليوم من يستحق أن يشاركه هذا اللقب .. أما قبل شوقي ، فأنا أجزم بأن رب السيف والقلم وفقيد السيف والقلم وأمير السيف والقلم محمود سامي البارودي لو قدر له أن يكون من معاصري شوقي فلن يبذه فيها أحد ، ولكنه لم يكن فيها جذعاً ..
واللقب الزنيم هو لقب عميد الأدب لا لقب أمير الشعراء ، فهل علمتم كيف جاء اللقب ومن بايعه به?.
وأما كتاب أمير البيان شكيب أرسلان (شوقي وإخاء أربعين عاما) فأظنه (شوقي أو صداقة أربعين سنة) وقد تمنى فيه أن لو لم يكن شوقي قد عارض بردة البوصيري ، وقال بأن شوقيا لوا استشاره في هذه المعارضة لنهاه عنها .. مع أطيب تحياتي .. والله أعلم

12 - مايو - 2007
دفاعا عن أمير الشعراء ( أحمد شوقي)
مبايعة شوقي    كن أول من يقيّم

تحية طيبة وبعد ..
أحيي الأخ زهيرا على هذه المختارات البديعة ، وأشاطره نقله عن شوقي ضيف ، فكتابه (شوقي شاعر العصر الحديث) من خير ما كتب عن شوقي ، وقد اتبع فيه أسلوبه المعهود في تأريخه للأدب العربي ، تبويبا وترتيبا ودراسة وتحليلا واستشهادا .. 
ولكن هذه النقول ، معظمها ، هي في رثاء شوقي وليس في مبايعته ، فلو تكرم علينا الأستاذ زهير بجمع الأبيات التي فيها المبايعة فقط ، مع ذكر شاعر كل بيت ..
وفي بقايا ذاكرتي أن شوقيا حين أعاد طبع ديوانه (الشوقيات) أقام له الأدباء حفلا تكريميا في (عاليه) بلبنان ، تلك البلدة التي أحبها شوقي وخلدها ، وفي هذا الحفل تمت البيعة ، فإن صح ما أتذكره فلا علاقة للقصر ولا للخديوي بهذه المبايعة ..
أما قامة الجواهري الشعرية والبدنية أيضا ، فليست محل جدل ، ولكن ثمة جدلا كبيرا يدور حوله ، في كثير من الجوانب ، التي لامجال للحديث عنها الآن ..

16 - مايو - 2007
دفاعا عن أمير الشعراء ( أحمد شوقي)
الألف اللينة أيضا    كن أول من يقيّم

 

إضافة إلى ماذكره الأخ منصور مهران حول الألف اللينة ، أنقل عن كتاب(مذكرات في قواعد اللغة العربية)  للمرحوم سعيد الأفغاني الذي صار يسمى (الموجز في قواعد اللغة العربية) أنقل ما يلي :
مذهب الكوفيين في الألف الواقعة ثالثة أن ترسم ياء إذا كان أول الكلمة مضموماً أو مكسوراً ولو كان أصل الألف الواوَ مثل: الرُبى، والدُجى والعِدى.. إلخ وما زال هذا الرسم جارياً على أسلات بعض الأقلام، مع أنه ليس له وجه ولا تعليل مقبول وهو مخالف للقياسن وإليك نقاشاً جرى في هذا الموضوع بين عالم كوفي يمثل هذا الرأي وعالم بصري ينصر القياس المطرد، لا يخلو إثباته من طرافة: ((حكي أن بعض الأكابر من بني طاهر سأل أبا العباس ثعلباً أن يكتب له مصحفاً على مذهب أهل التحقيق، فكتب (والضحى) بالياء، ومذهب الكوفيين أنه إذا كانت كلمة من هذا النحو أولها ضمة أو كسرة كتبت بالياء وإن كانت من ذوات الواو، والبصريون يكتبون بالألف، فنظر المبرد (من أئمة البصريين) في ذلك المصحف فقال: ((ينبغي أن يكتب (والضحا) بالألف لأنه من ذوات الواو، فجمع ابن طاهر بينهما:
فقال المبرد لثعلب: لم كتبت (والضحى) بالياء?
فقال: لضمة أوله. فقال: ولمَ إذا ضم أوله وهو من ذوات الواو تكتبه بالياء?
فقال: لأَن الضمة تشبه الواو، وما أوله واو يكون آخره ياء، فتوهموا أن أوله واو. فقال المبرد: أفلا يزول هذا الوهم إلى يوم القيامة?!!))
إرشاد الأريب لياقوت 19/118
وانظر كتابنا (في أصول النحو) ص190 الطبعة الثالثة (مطبعة جامعة دمشق).انتهى ..
وقد نظرت   في ذوات الواو في العربية فوجدت المستعمل منها لا يعدو عشر كلمات .. ولكن إقحام مكسور الأول   يثير التساؤل ، فمكسور الأول واوي الآخر مثل(الرِّبا) ويائيه مثل(الزِّنى) فلو توهمو أن الكسرة ياء ، فهل في العربية ما أوله وآخره ياء?. فلم أقحموا الكسرة مع الضمة في هذا المكان.? 

17 - مايو - 2007
الألف اللينة
مخطوطة أم خواطر?.    كن أول من يقيّم

 
قدمتم للبحث بتقديم أرجو ألا يكون من قبيل التدليس .. فقد ظننت حقا أن في الأمر مخطوطا تم العثور عليه ، فيستحق من عثر عليه الشكر والإعجاب . ولكنني أعرف أن مخطوطاتنا سرقت ، ولم يعد هناك ، منذ نصف قرن على الأقل ، أي أمل بالعثور على أي مخطوط ضائع .. ولهذا استغربت واستبعدت ، ثم تبين لي أنه أسلوب من أساليب الأدباء ، في إقناع القارئ بواقعية القصة أو الرواية ، والإقناع بواقعية العمل من أهم عناصر التشويق في الفن الأدبي .. ولكنكم أسرفتم في وصف المخطوطة ومكانها وزمانها وشكلها مما يوحي بأن ثمة مخطوطة حقا ..
وكان الأصوب أن تصفوا الأمر كما هو ، مجموعة خواطر عاشها الكاتب مع ديوان الشاعر ، وكأنما كان يعيش مع الشاعر نفسه ، وجعل لذلك أسلوبا جديدا ، تخيل فيه العثور على مخطوط بخط المتنبي ، الذي لا أظن أنه كتب بيده شيئا قط .. وعلى كل حال ، فهذا النوع من الخواطر الحية ، هو من خير أنواع التحليل الأدبي ، ولا يستطيع الإبداع فيه إلا القلة الذواقة ، من كبار المبدعين ، وأرجو أن يكون الأستاذ السويدي واحدا منهم .
وهذه الخواطر ، التي كتبها الأستاذ السويدي مشكورا ، هي عمل أدبي رائع ولا شك ، ولكنها مثلها مثل السيرة والقصة والرواية ، لا يمكن أن تكون وثيقة تاريخية أو مصدرا معتمدا من مصادر التاريخ ، ، فليس لها أية قيمة توثيقية ، وإن كان من الممكن وربما الواجب الاستئناس بها في بعض الأحوال ..
لذا فإنني أرجو ألا يطالب الأخ السويدي أو سواه ، بان تكون هذه الخواطر وأمثالها مرجعا أو مصدرا تاريخيا حقيقيا عن حياة المتنبي وشعره ، كما فعل جيورجي زيدان ، حين طالب بأن تكون رواياته مرجعا تاريخيا ، وهو فيها يخالف حقائق التاريخ ويزيفها كما يحلو له..
هذه الخواطر متاحة لمن يريد أن يقرأ أدبا راقيا رفيعا ، لا لمن يريد مصدرا تاريخيا مرجعيا ، وإن كان البحث التاريخي سيكون جافا وجامدا ومملا ، إذا لم يزينه صاحبه ببعض الخواطر والجمل والمعاني ، التي أبدعها ذهن الكاتب السويدي المتوقد ، وخطها يراعه المبدع المتفنن.. مع تحياتي للجميع ..

24 - مايو - 2007
يوميات دير العاقول
أمير بلا إمارة    كن أول من يقيّم

 

عطفا على مجمل الحديث الذي دار ويدور حول أمير الشعراء أحمد شوقي ، فإن عالمنا العربي يشهد اليوم ظاهرة تثير الدهشة ، هي التهافت على استجداء الألقاب ، أو منحها دون حساب ، فهذه مسابقة (شاعر المليون) وتلك مسابقة (شاعر العرب) وأخيرا وليس آخرا مسابقة (أمير الشعراء) وهي مسابقات تعقد لها الندوات وتختار لها اللجان .. وإخال أنها ستتمخض عما تمخض عنه الجبل .. فيمنح من لا يملك لمن لا يستحق ، ولو لقباً.. ولا أدري ماذا سيقول الذين استكثروا على شوقي هذا اللقب ، بعد أن يشاهدوا مئات وآلاف المتهافتين على مثله ، وما منهم من أحد له بأهل ، وإن كان أهلا للقب شاعر.
وعلى سبيل المثال فإن أحد كبار أعضاء لجنة مسابقة (شاعر العرب) لا يستطيع أن يقيم بيتا واحدا من دون أن يقع فيه بخطأ لغوي أو نحوي أو عروضي ، وآخر ما قال: (قوم إذا استنبح الأكلاب ضيفهم) (كذا) وكثيرا ما كان صاحب القناة يصحح له ، فأنى يكون تحكيم دقيق أو أمين ولو كثرت شروطه وقواعده وقوانينه ?!.
أما مسابقة (أمير الشعراء) فأعضاء لجنة التحكيم فيها ليسوا بدعا ؛ فهم غير معروفين خارج بلدانهم غالبا ، وداخلها أحيانا.. وإذا كان الدكتور عبد الملك مرتاض ، صاحب (القراءة السيميائية) للأدب ، والدكتورصلاح  فضل أهلا لذلك ، فإن الفنان القدير غسان مسعود ، مع وافر الاحترام ، أهل للتحكيم في قرطاج أو الأوسكار ، لا في مسابقة (أمير الشعراء) ..
وليس من العجب اختيار الدكتور مرتاض ، الذي عرف بنقده للجان التحكيم في الجوائز الخليجية ، واتهمها بالأدلجة ، ولكن العجب هو قبول الدكتور وموافقته على المشاركة في لجان صب عليها جام نقده. فلعله يهدئ من نقده ، أو ينتقد نفسه معهم ..
ولا أدري أين ذهبت أسماء كانت مطروحة في لجنة التحكيم مثل : د. محمد رضوان الدية ، د. إبراهيم السعافين ، د. فاطمة البريكي ، د. سعيد السريحي ، د. فوزي الزمرلي ، والشاعر محمد كابر هاشم .. حيث لم تعد هذه الأسماء داخلة في بعض طبعات أسماء أعضاء لجنة التحكيم ..
ولم تلق هذه المسابقة قبولا حسنا لدى بعض الشعراء والنقاد ، حيث قال الشاعر (فاروق شوشة) : (إن لقب أمير الشعراء لم يعد قابلا للتكرار) وقال الشاعر عبد المنعم عواد يوسف (أفهم أن يجمع شعراء الأمة على اختيار واحد منهم تحققت فيه شروط التفوق والتفرد في إبداعه الشعري وغزارته ليكون أميرا عليهم، كما حدث مع شاعر مصر والعرب الكبير أمير الشعراء، بلا منازع، أحمد شوقي).
وإضافة لما ذكرت من دعوة طه حسين الشعراء لمبايعة العقاد ، التي ذهبت أدراج الرياح ، يذكر الشاعر عبدالمنعم عواد (محاولة الدكتور لويس عوض تنصيب الشاعر الكبير صلاح عبدالصبور لإمارة الشعر بعد شوقي، ولكن محاولته ذهبت أدراج الرياح.)
إن هذه الأعداد الهائلة التي تعد بالآلاف ، من المتقدمين لهذه الجائزة أو تلك ، لا تعبر عن ظاهرة الغنى الثقافي والتقدم الفكري ، بمقدار ما تعبر عن ظاهرة الفقر المادي والخواء المعيشي.. ويبدو أن شعراء التكسب بالأمس كانوا أعز مكانة من شعراء الجوائز اليوم .. وحقا قالت الاقتصادية الإليكترونية : (شعراء الفصحى يبدؤون ركض المليون دولار في أبو ظبي) فقلبي معهم ألا تتقطع قلوبهم ونياطهم..
إن هذه الجوائز لا تحتاج إلى مسابقات ، يستجدي فيها المتسابقون الرحمات، ولكنها بحاجة إلى لجان دائمة ، تتابع نتاج المطابع والقرائح والعقول ، وتختار في كل عام مبدعا من كل فن وعلم ، وفق شروط واعتبارات محددة ، فتقدم الجوائز ثم تقيم المظاهر الإعلامية، وقد تحجبها إذا لم تجد من يستحقها .. وبذلك نصون وجوه المبدعين.. ولكن الفساد قد يؤدلج هذه الجوائز ، ويدخلها باب الإقليمية أو العصبية أو حتى الرشوة ..
وفي الختام : فكأن أمتنا التي تتزاحم فيها ملايين النجوم ، لم يعد ينقصها إلا أمراء الكلام و(فرسان الهواء).. ولا أدري .. أيوافق الشعراء على من تم اختياره ليكون أميرا عليهم ويعترفون له بإمارته?. أم يعدونه مفروضا عليهم بعيدا عن قواعد الديمقراطية فيطالبون بإعادة الانتخابات?. 

28 - مايو - 2007
دفاعا عن أمير الشعراء ( أحمد شوقي)
بطل مغوار أم شاعر عملاق    كن أول من يقيّم

 

وصف الأستاذ زهير المتنبي بأنه بطل مغوار ، وشاعر عملاق .. وأرى أنه من الخير أن نقسم المتنبي نصفين : (المتنبي الرجل ، والمتنبي الشاعر) ..
وعلى الرغم من أن الشاعر والبطل لا يجتمعان في شخص واحد ، إلا أنهما في المتنبي أبعد ما يكونان عن الاجتماع .  والبطولة والشاعرية تتناسبان عكسا في الإنسان ، فكلما زادت البطولة قلت الشاعرية وبالعكس . وبما أنه لا مشاحة في عملقة المتنبي الشعرية ، فلا شك في أن رجولته وبطولته مشكوك فيها ..
وقل مثل ذلك في (الملوك الأرانب) فهل كان كافور أرنبا مثلا?. وهل استطاع المتنبي أن ينال من كافور شيئا?. وهل كان كافور أقل ذكاء من المتنبي ?. لقد أدرك كافور هدف المتنبي من أول وهلة ، ولكن المتنبي لم يدرك مرامي كافور إلا بعد فوات الأوان ، فأيهما أذكى?.
قال أحدهم يوما : لقد كان المتنبي كبيرا إلا أنه كان يطلب أمرا حقيرا ويظنه بخياله عظيما ، لقد كان يطلب وظيفة عند كافور ، فلم يحصل عليها .
أما مصرعه ، فأين البطولة فيه وقد هرب أول الأمر لولا أن خادمه عيره بمفاخره الخيالية ، فعاد إلى حتفه لا إلى بطولته ، فلم يسجل لنا التاريخ شيئا عن مقاومته وبلائه قبل موته..
ثم إن قول الأستاذ النويهي بالأسباب السياسية لقتله ، على وجاهته ، يحتاج إلى الدليل ، ولا أظنه بعيدا ، ولكن لا بد منه ، فقد قيل إن مخاصمة المتنبي وسيف الدولة ، ورحلة المتنبي إلى كافور كانت حيلة سياسية لا ستطلاع بعض الأمور التي تساعد سيف الدولة في مد سلطانه إلى مصر ، حيث كان المتنبي وسيف الدولة (يستضرطان) كافورا ، فباءت الرحلة والحيلة بالإخفاق .. 
وأما قول الأستاذ النويهي (ولايثبت فى يقينى أن هجاءه لضبة كان الذريعة لقتله ، وإلا مابقى شاعر على قيد الحياة لمجرد هجائه لبعض الناس) ففيه نظر ؛ لأن العرض كان في نظر القوم أغلى مما آل إليه اليوم ، ولأن قلة من الشعراء ينحدرون إلىالدرك الذي انحدر إليه المتنبي في هجائه لضبة .. ولأن المتنبي لم يقم بهجاء ابن ضبة بل هجاها هي بفحش لا مثيل له.. لقد أفحش فحشا أستغفر الله أن أذكره على هذه الصفحات .. إنه لا يستحق عليه الجلد ، بل ربما يستحق الرجم أيضا ، ولا أزعم أن فاتكا نفذ فيه حكم الله ، ولكن أي امرئ في وضع فاتك لا يمكن أن يقوم بأقل من هذا ..
ولننظر أكل الشعراء يفعلون مثل هذا حتى لا يبقى شاعر?. واقرؤوا إذا شئتم ( ما أنصف القوم ضبة .. وأمه الطرطبة ) ..
أما أن المتنبي شاعر عملاق ، فلا يماري في ذلك عاقل .. وأما أنه بطل مغوار ، فاسمحوا لي بالمخالفة ؛ لأن سيده سيف الدولة نفسه ، المشهور ببطولاته وأمجاده ، وبألقاب الفخر والتمجيد التي عرفناها عنه في الأدب لا التاريخ ، لم يكن كذلك ، فكأن بطولة سيف الدولة هي من شعر المتنبي أيضا ؛ ففي المحاضرات والندوات التي أقيمت في اختيار حلب مدينة الثقافة الإسلامية ، أشار بعض المحاضرين إلى أن التاريخ  سجل لسيف الدولة ثلاث عشرة معركة لم ينتصر إلا في ثلاث منها فقط !. فاقرأ واعجب . مع كل احترامي وحبي ..

7 - يونيو - 2007
يوميات دير العاقول
 11  12  13  14  15