البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات صادق السعدي -

 10  11  12  13 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
جدلية الحب والبغض 5    كن أول من يقيّم

 
         هذه الصورة عن الخليفة عمر لم تؤسسها الذهنية الشيعية على أرضية من الوهم . فقد عرف الفاروق حتى في عهد النبي بالصرامة والشدة وسرعة الغضب: دعني أضرب عنق هذا المنافق يا رسول الله. حالة تكررت في أكثر من موقف كما ذكر الرواة. أما في خلافته فإن الضرب بالدرة أشهر من أن نؤكدها بالأدلة التاريخية.
   فقد قال ابن الأثير في تاريخه: أقامت عائشة عليه-أبي بكر- النوح فنهاهن عن البكاء عمر فأبين، فقال لهشام بن الوليد: ادخل فأخرج إلي ابنة أبي قحافة، فأخرج إليه أم فروة ابنة أبي قحافة فعلاها بالدرة ضربات فتفرّق النوح حين سمعن ذلك.
   وذكر البلاذري في فتوح البلدان: أن عمر بعث محمد بن مسلمة الانصاري ليحرق باب سعد بن أبي وقاص، وخص القصب الذي خصّه على قصره في الكوفة.
     وأجاز خالدُ بن الوليد الأشعثَ بن قيس بعشرة آلاف، فبلغ ذلك عمر، فقال: إن كان من ماله فهو سرف، وإن كان من أموال المسلمين فهي خيانة. وكتب الى أبي عبيدة أن ينزع عمامة خالد. وقاسمه أمواله وأمر بعزله.
   وكتب الى عمرو بن العاص الذي كان على خراج مصر: إنه قد فشت لك فاشية من متاع ورقيق وآنية وحيوان لم يكن لك حين وليت مصر. وأرسل إليه محمد بن مسلمة فقاسمه ماله، فغضب عمرو، فقال: إن زمانا عاملنا فيه ابن حنتمة هذه المعاملة لزمان سوء...
   وقد قال عثمان بن عفان الذي لا يشك أحد في محبته لعمر للثوار أثناء حصارهم لبيته:
   ولقد عبتم عليّ ما أقررتم لابن الخطاب بمثله، ولكنه وطئكم برجله، وضربكم بيده وقمعكم بلسانه، حتى لنتم له على ما أحببتم وكرهتم. وقال بعد وفاة النبي:
   من قال إن محمدا قد مات قتلته بسيفي هذا؛ وإنما رفع الى السماء كما رفع عيسى بن مريم)
   وبلغه كلام عن بعض الصحابة في شأن الخلافة من بعده فقال:
إنّ فلاناً وفلاناً قالا: "لو قد مات عمر، بايعنا علياً فتمت بيعته، فإنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها"، وكذباً. والله ما كانت بيعة أبي بكر فلتة، ولقد أقامه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامه واختاره لدينهم على غيره، وقال: "يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر". فهل منكم أحد تقطع إليه الأعناق كما تقطع إلى أبي بكر? فمن بايع رجلاً على غير مشورة، فإنهما أهل أن يقتلا. وإني أقسم بالله، ليكفنّ الرجال أو ليقطعنَ أيديهم وأرجلهم وليصلبن في جذوع النخل)
 

31 - مايو - 2012
جذور الصراع الطائفي في العراق
جدلية الحب والبغض 6    كن أول من يقيّم

 
   صورة رسمها الرواة، ليس بالضرورة أن نقبلها ولا بالضرورة أن نرفضها. قد نقرؤها بنظّارة سوداء قاتمة، فنجعل منها دليل إدانة لعمر، وتأكيدا لمزاعم الشيعة في إمكانية صحة الواقعة، وقد تكون دليلا من وجهة نظر أخرى على نزاهة عمر وشدته في الله، لا فرق بين قريب وبعيد.
    وقد لا يكون هذا ولا ذاك عندما لا نقرأ ونحن في سكرة الانتماء. إنسان يخطيء ويصيب، يغضب كما يغضب كل من خلقه الله من طين لا من جوهر سماويّ. محكوم بعوامل الوراثة والتربية وظروف البيئة والنشأة الاجتماعية. يعيش على الأرض لا في السماء، وبين البشر لا بين الملائكة. والأمر سهل بالنسبة لمن لا يرى العصمة لأحد من بعد النبي، لأنه لا يمس ركنا من أركان عقيدته كما هو الأمر بالنسبة للشيعة.
   السنة واقعيون! لهذا هم أكثرية! وأرجو أن لا يُفهم من هذه العبارة ما لا أقصد. لأنها الى المدح أقرب. لقد حكموا الدنيا لقرون، وذاقوا حلاوة الحكم ومرارته، ودفع الكثير منهم حياته ثمن كرسيّ الحكم. أما الشيعة فمن الطبيعي أن يكونوا مثاليين، بكّائين. يلعنون الحاكم الجائر، ولا يرون فيه إلا الشر والعدوان. وقد جرّب بعضهم الحكم الآن، فماذا قال: السياسة فن الممكن!
    ومن يظن أنّ هناك عدلا مطلقا فهو موهوم. ولو كان في هذا العالم عدل ما سميّ بعالم الشرور، ولما استحق الفناء! الرسول الكريم نفسه بكل مزاياه وفضله لم يكن قادرا- كما نقرأ في سيرته- على تحقيق العدل لا بين زوجاته في الحب، ولا بين صحابته في المال والعطاء! وقصة الأنصار وشكواهم بعد حنين معروفة. وعلى المال وحبّ النساء اقتتل الناس من قصة هابيل وقابيل الى المسلسل التركي فاطمة!
    قل في المدح ما تشاء، وتجنب الذم ما أمكن. لا بأس في ذلك، لأن حسن الظن في هذه الحالة أفضل من سوء الظن.
ولو حيز الحفاظ بغير عقل    تجنب عنق صيقله الحسـام
ولو لم يعــلُ إلا ذو محـلّ      تعالى الجيش وانحطّ القتام
ولو لم يـرع إلا مستحــقّ      لرتبتـــه أسامــهم المُســـام
وما كـل بمعــذور ببخــل      ولا كــل على بخــل يــلام
 

31 - مايو - 2012
جذور الصراع الطائفي في العراق
جدلية الحب والبغض 7    كن أول من يقيّم

 
 
    إنّها محاولة لإجابة على تلك الأسئلة الحائرة عن سبب الإرتماء في أحضان الكراهية أو الحب في موضوع واحد. الإنتقائية في القراءة وفي الأخذ والرد، وفي التعديل والتجريح. إنتقائية لا يلام عليها المحب، وقد يعذر فيها المبغض، في بحر متلاطم الأمواج، ظلمات بعضها فوق بعض..
    في جدلية البغض والحب لا يتسع الصدر لقراءة وسطية مخالفة لما هو موروث راسخ في الذهنيّتين. إنّ الإنتماء العقائدي في كل صوره وأشكاله، يعزز رسوخ الصورة الذهنية النمطية لا في عقل أصحابها فقط ، وإنما في وجدانهم ومشاعرهم. يصبح الإنتماء مع تكرار الخطاب وإستحضار المشهد - ومن منا غير منتمي بصورة أو بأخرى- حصنا حصينا، وملاذا آمنا، متعة، بل اللذة في قمة عرامتها عند رجل الدين والسياسي والمثقف..
   وإذا كنتَ قد تحررت من كل هذه الضغوط الهائلة- وهو أمر نادر- فإنّ لقمة العيش، الخوف من خسارات كبيرة: أسرتك، عشيرتك، محيطك الإجتماعي.. مجهول ينتظرك وقد قررت فجأة الخروج من صندوق العجائب الى واقع لا تعرف عنه شيئا، قد لا يوفر لك الأمان النفسي، فضلا عن الأمان الإجتماعي والإقتصادي.. إلا بشرط هوية جديد وإنتماء جديد. الخروج من حفرة، والوقوع في بئر! وفي الحالتين، تعود مقروصا من أذنيك الى صف القطيع!
   كان أحد قادة التنظيمات السرية في أوربا قبل عدة قرون مضت، يمتلك من الكارزما وقوة التأثير في أتباعه ما يجعله يداوي مرضاهم بدهان العقيدة! 
   الغريب أن هذا الرجل وعلى خلاف كل رجال الدين في التاريخ، لم يكن يعالج مرضاه إلا بطقوس العقيدة التي ينتمون إليها. لأن العقيدة – ولعله كان يتصوّر كذلك- هي أقوى جهاز مناعي عند الإنسان، وإن محاولة القضاء عليها يعني القضاء على الإنسان نفسه. كلنا أصحاب عقيدة بشكل أو بآخر، الفرق أنّها سماوية عند البعض وأرضية عند البعض الآخر، مثالية هنا ومادية هناك.
   حتى أؤلئك الذي هربوا من عقائدهم لأسباب خاصة، ارتموا في أحضان عقيدة أخرى لا تقل إشكالية عن عقيدتهم السابقة إن لم تكن أشكل في تناقضاتها.
 

1 - يونيو - 2012
جذور الصراع الطائفي في العراق
جدلية الحب والبغض 8    كن أول من يقيّم

 
   حتى لا نبتعد كثيرا عن الموضوع، نقرأ وجهة نظر مخالفة لرجل كان يرى في الصحابة بالأمس، ما يرى اليوم في علي وآل بيته، مع زيادة العصمة والوصية.. مبررا موقفه بقوله:
  ( فالقضية في تقديري متصلة بمصير الإنسان أمام خالقه وبدينه الذي يشكل ينبوع ممارسته العبادية اليومية عندما ترى نفسك وقد دنوت قاب قوسين أو أدنى من لهيب النار، وفجأة تكتشف حبل النجاة. أفلا يدعوك ذلك الى الجنون، الى قول أي شيء في حق من قادك الى هذه الهوة السحيقة، للهوه ولعبه... ثم يضيف بعد ذلك معللا وجهة نظره:
   أما الذي وجدوا في تلك المرويات التي أثرتها في كتابي، تحريضا بالصحابة والراشدين، فإنني لا أجد طريقا يقوى، ولا دليلا ينهض في وجه من يرفض الروايات، لا لضعف سندها ولا لرطانة متنها، وإنما فقط لأجل تعرضها للمقدسين. ما ذنب الرواية إذا جاءت بما يخاف المقدس.. متى رأى الذين يقدسون أشخاصهم بالعيان؟! حتى يقطعوا بأنهم كانوا على حالة أسطورية من التقوى والورع؟!
    إننا لم نتعرف عليهم إلا من خلال الروايات، فلماذا نقف في وجه الروايات المناقضة، علما بأن الرواية هي مصدرنا الوحيد لمعرفة رجال التراث! إنها رواية برواية..
    متى كانوا كبارا حتى نسقطهم؟!! أليسوا هم الذين أسقطوا أنفسهم؟! هل وجودهم كبارا وعمالقة في الأذهان المسحورة بكذب المؤرخين كاف لجعلهم كبارا وعمالقة في واقعهم التارخي.
   إنّ عقلي لم يعد يفهم هذه الفلسفة الوحدوية المجحفة، ولا ذائقتي بالتي تستسيغ هذه النغمة السياسوية. أي وحدة هذه التي تقوم على مذبحة الحق! وأي فتنة بدأت وانتهت؟! كيف أسكت وأنا أرى مجاميعهم تعقد الجلسات وتؤلف البحوث الطوال في تكفير أهل الولاية..)
   وحُقَّ لعقله أن لا يفهم، لأنّ الأزمة معقدة ومتشابكة وتاريخية. إنّها صورة عرضناها لوجهة نظر موجودة تقابلها وجهة نظر مضادة ربما أشد، ولكل مشروع وأهداف في السياسة والدين والإقتصاد والثقافة والنظم الإجتماعية..
 

1 - يونيو - 2012
جذور الصراع الطائفي في العراق
جدلية الحب والبغض 9    كن أول من يقيّم

 
   إنّ محولات التبرير غالبا ماتكون مقنعة للموالي أو المحب، لكن كيف لك أن تزيل تلك الصورة النمطية الموروثة من تاريخ يكتسب شرعيته في الحب أو الكراهية بفعل الشحن المستمر واستحضار المشهد معززا بكل ما يملكه رجل الدين أو المثقف المنخرط في مشروع الدولة المذهبية من أدواة معرفية ومن مصداقية وتأثير في أتباعه، أو ذلك الكتاب أوالوسيلة الإعلامية باختلاف صورها، في قدرتها على الإقناع سلبا أو إيجابا.
   إشكالية كبيرة في جدلية الحب والكراهية أن يكون ما هو مدان وجريمة منكرة في نظر المبغض، عبقرية وانجاز تاريخي في نظر المحب!
   أنظر في ما يقوله حافظ إبراهيم حيث أراد صياغة مثل هذه المفاهيم التي لهج بها المؤرّخ الناثر في قالب شعري مؤثّر من قصيدته أو ملحمته العمرية:
وقولـــــة لـعلـيّ قالــها عمــــر       أكرم بسامعهــا أعظــم بملقيـــها
حرّقتُ دارك لا أبقي عليك بها       إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها
ما كان غير أبي حفص يفوه بها       أمــام فــارس عدنان وحاميــــها
كلاهما في سبيل الحق عزمتـه       لا تنثني أو يكــون الحـق ثانيــها
فاذكرهمـا وترحّم  كلما ذكروا       أعاظـما ألّهـوا في الأرض تأليـــها

1 - يونيو - 2012
جذور الصراع الطائفي في العراق
جدلية الحب والبغض 10    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :

 
وقد قرأنا في كتب الأدب أن من حفظ أربعين قصيدة للطائيين- أبي تمام والبحتري- ولم يقل الشعر فهو حمار في مسلاخ إنسان! وهذا صحيح بالاستقراء، وما شذ فهو قليل. وقد جعلوا عبقرية الإنسان في ذاكرته. والذاكرة كما هي نعمة، قد تكون أيضا نقمة كبيرة عندما تصبح جهاز استنساخ لصور نمطية حاكمة على العقل. في هذه الحالة تكون أداة طاردة للفكر الموضوعي، تعيق القدرة الذهنية على الفرز والمقابلة بين الأشياء المختلفة، والاستنتاج الحر. 
    الحضور الدائم  للموروث، يرسّخ الصور النمطية في العقل والقلب، فتأخذ شرعيتها عقلا ومنطقا في غياب صورة مختلفة تزاحمها في قوة الحضور. ولا علاقة للمنطق في هذه المعادلة بين الغياب والحضور. لأن الشرط الضروري غائب أصلا: المقابلة بين الأشياء المختلفة والقدرة على الاستنتاج الحر. وبالتالي عليك أن لا تستغرب عندما تكون حماراً في ظل هذه الإشكالية! لأن العقل في ظلها مصادر لحساب الصورة النمطية.
    وإذا كنت جادا في البحث عن الحلول، لابدّ لك أولا أن تبحث في أصل المشكلة. والمشكلة هي شعور بالألم كما يقول عبد الرحمن بدوي، يحدثه الطابع الإشكالي ووجوب رفع هذا الطابع وإزالته..
   فهل نحن نشعر حقا بألم المشكلة ؟ وهل نريد إزالة هذه الإشكالية فعلا؟
   أن أكون حمارا، أو تنطبق السماء على الأرض أخفّ عندي من إزالة الصورة النمطية وتحمّل ألم لا يطاق من قول المخالف لي في العقيدة: إنك قد حبست وجودك وسعادتك على خرافة كبيرة أوأسطورة زائفة لا يقبلها العقل، ولاسند يدعمها إلا الأقاويل.
   عندما يتعرّض جهازك المناعي للخطر، لا شيء يمنعك من القول:
   اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء..!!

1 - يونيو - 2012
جذور الصراع الطائفي في العراق
التعايش الداخلي والتدخل الخارجي    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :

 
  العراق اليوم منقسم عمليّا بين جنو ب شيعي عربي، وشمال كردي، ومنطقة غربية عربية سنية. ومناطق ومدن أخرى تعيش فيها أقليات وقوميات وأديان مختلفة. أما بغداد فقد بقيت عاصمة يغلب عليها الطابع العربي السني.
  ومن الغريب أن يكون الاختلاف المذهبي سببا في العمران، والغالب أن يكون سببا في الموت وخراب البيوت! فقد جاءت مع الحملة العثمانية كما ذكروا عشيرة عربية – لا يهم إن كانت عربية أو تركية أو خليطا من الجنسين- لتسكن الى جوار أبي حنيفة النعمان، تحمي قبره من عبث الصفويين! متى كانت العقيدة السنية تؤمن بقدسية قبر أحد من الناس، فضلا عن حمايته ممن يريد هدمه وتسويته بالأرض! ربما لرمزيته  المذهبية أو عدم التشدد في مسألة بناء الأضرحة على القبور في العراق، هذا ما حصل. وحول القبر قامت مدينة الأعظمية، واتسعت بعد ذلك لتكون معقلا كبيرا لسنة العراق. وكان آخر مشهد من مشاهد التعبير عن التخندق الطائفي في الشدائد والأزمات والخوف من ضياع المكاسب، ظهور صدام حسين في مدينة الأعظمية يلوّح للجماهير المشحونة عاطفيا ومذهبيّا، ليختفي بعد ذلك..
   على نفس الضفة الشرقية قرر الزعيم عبد الكريم قاسم في سنة 1959 إنشاء مدينة لسكان الصرائف القادمين من جنوب العراق.هربا من الفقر والبحث عن الوظيفة والعمل. هذا الزعيم المتهم بالشوفينية والقطرية والدكتاتورية والعداء للعروبة لم يكن يملك بيتا أو مالا ولا زوجة أو طفلا يرثه بعد موته، جريرته أنه بنى بيوتا للفقراء الشيعة، وحاول أن يجعل كفتي الميزان على حدّ سواء ولم يستطع، في صراع لم يكن يوما يقبل القسمة بالتساوي. مدينة الثورة التي أخذت اسمها من ثورة 14 تموز، أصبحت بعد ذلك مدينة صدام، ثم مدينة الصدر.
   هذا التداخل والتعايش غير المنطقي في عرف النزاعات المذهبية في مدينة واحدة- بغداد- يتوزع على امتداد ضفتي نهرها الشيعة والسنة بطريقة ملفة للنظر، ومثير للتسائل عند غير العراقين من العرب: كيف تعايش السنة والشيعة في ظل هذا التداخل والانقسامات المذهبية؟! لماذا لم يكن يحدث قبل سقوط بغداد ما حدث بعد ذلك من فتن وقتال ومذابح بين السنة والشيعة؟
    الأكيد أن وجود دولة مركزية قوية يمنع في الغالب إمكانية نشوب نزاعات عرقية أو مذهبية، لكن هل هذا يعني أن التعايش السلمي بين الشيعة والسنة خصوصا وبين الطوائف والأقليات الأخرى في العراق كان مجرد شيء ظاهر يخفي في باطنه غليانا ينتظر من يرفع عنه الغطاء؟

5 - يونيو - 2012
جذور الصراع الطائفي في العراق
التعايش الداخلي والتدخل الخارجي 2    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :

 
   لم يشهد العراق استقرارا سياسيا أو اقتصاديا أو جتماعيا إلا في فترات محدودة متقطعة من تاريخه، منذ الفتح الإسلامي وحتى سقوط الدولة العثمانية واحتلال بريطانيا للعراق وقيام الملكية بمباركة دولة أجنبية غربية هذه المرة! حروب وثورات وانتفاضات، وسقوط دولة وظهور دولة جديدة، أوبئة ومجاعات وفيضانات لا تنقطع لنهر دجلة والفرات.
   إن التداخل والتعايش السني الشيعي في بغداد خصوصا وفي بعض المناطق المختلطة دينيا ومذهبيا وعرقيا، كان في ظلّ بناء بعض المدن واتساع ما كان موجودا منها. ومع البناء والتوسعة العمرانية، تتداخل الأعراق والمذاهب، وتتبدل طبيعة التركيبة السكانية  للمكان، وتظهر مفاهيم جديدة في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية، وتخف شيئا فشيئا النزعات العنصرية والمذهبية وكثير من التقاليد والأعراف الاجتماعية.
    وفي ظل استقرار اجتماعي وسياسي واقتصادي وبناء المدارس والجامعات، وانتشار التعليم بين الناس الذي أخذ يظهر تدريجيا منذ تأسيس الدولة العراقية، أثر أيجابا على طبيعة العلاقة بين مكونات الشعب العراقي. ومع المجاورة واللقاء والتحاور والعمل والمصلحة المشتركة، يحصل التفاهم والانسجام وكذلك المحبة والزواج بين المختلفين مذهبيا وعرقيا..
   في هذا الجو من الانسجام والترابط الأسري، كانت تتوارى تماما الخلافات المذهبية بين الشيعة والسنة. لم يكن اسم أبي بكر أوعمر يثير حساسية الشيعي وهو في حضن زوجته وحبيبته السنية، ولا زوجة الرجل السني وهي تجلس الى جواره يداعبها ويهمس في أذنها بكلمات الغزل وهي تدفعه بتصنّع، تتوارى الصورة الموروثة في طيّات ذاكرة مهملة. قد يثيرها نزاع اجتماعى أو اقتصادي أو أسري وهو أمر نادر الوقوع. ولكنّ البلاء في الخلاف السياسي!
   لماذا لم يكن الخلاف له طابع شعبي يتمثل في صراع المدن والجماعات، أي أنّ الطائفية العراقية هي ليست طائفية شارع، وإنّما طائفية سياسية رسمية تتصل بالسلطة التي اتخذت لنفسها مذهبا حاكما مارست من ورائه التمييز الطائفي ضد المذهب المحكوم كما يقول حسن علوي في كتابه الشيعة والدولة القومية. كتاب أصدره المؤلف وهو خارج العراق سنة 1989. والرجل كان قريبا من الرئيس العراقي السابق صدام حسين ومطلعا على الكثير من الأسرار والحقائق المتصلة بموضوعنا هذا، وقد هرب من العراق بعد وصول صدام الى السلطة بأعوام قليلة. لعلّ ممارسات القمع الممنهج والطائفية السياسية  التي مارسها النظام ضد أكثرية الشعب العراقي كانت واحدة من أهم أسباب ذلك القرار.
    ويضيف الكاتب نفسه:إنّ التمييز الطائفي وليس الانتماء لطائفة يجعل الانسان طائفيا.. وبديهي أن من يمارس التمييز الطائفي ينبغي أن يكون في مركز القوة كأن يمتلك امتيازات عامة قابلة للتوزيع فيسعى الى توزيعها بطريقة منحازة...)
 

5 - يونيو - 2012
جذور الصراع الطائفي في العراق
التعايش الداخلي والتدخل الخارجي 3    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :

 
   لم تكن هناك طائفية في العراق قبل الاحتلال الامريكي. هذا ما نسمعه غالبا في وسائل الإعلام المرئي والمقروء، حتى صار بعض الشيعة خوفا من اتهامه بالطائفية، أو تملقا لوسائل إعلام نفطية يردد هذا الكلام. وليس غريبا أن يسيل لعاب البعض لرائحة النفط وقد ماتت عنده حاسة الشم والتذوّق السليم! ومن لا يعرف يقول عدسا!
   وقد كررت كثيرا في هذا الملف كلمة سنة وشيعة، ولا يتصور البعض أعني بهما الإستاذ الجامعي غير المسيّس أو معلم المدرسة، أو الطبيب والمهندس، سائق التكسي، العمال والكسبة المطحونين المهمومين بلقمة العيش وانجاب الأطفال بالتوكل على الله  في الرزق..
   إنّ الطائفية مرض مستوطن في المؤسسات الدينية، والأحزاب السياسية، والنخب الثقافية العاملة في مشروع الدولة المنحازة غالبا- إن لم نقل دائما- لمذهب تحكم من خلاله الناس، فيكون التمييز والإقصاء لغير المنتمي لهذا المذهب أو ذاك نتيجة طبيعية لابدّ منها.
   أليس من الغرائبية أن يكون المواطن العربي في المشرق أو في أقصى المغرب، ممن لا يعرف جغرافية بلده، ولم يسأل يوما كيف وما هي طبيعة الحكم في بلاده. من يحكمه وما هي ارتباطاته الخارجية؟ أين ثرورة البلد؟ لماذا عليه أن يقدم فروض الطاعة والولاء لملكه، أو أميره يناقش الظروف السياسية والاقتصدية والاجتماعية لبلد يجهله ويدسّ أنفه في شأن لا يعرف عن طبيعته ونشأته فضلا عن كيفية إيجاد حلول مناسبة له؟! إنّه لا يعرف إن كانت السماوة أو العمارة أو الحلة.. شمالية أم جنوبية.! وإذا عرف ذلك بنظرة سريعة على خارطة الوطن العربي، لا يعرف عن أهلها ولا طبيعة مجتمعها ولا عاداتهم أوتقاليدهم، ما يحبون وما يكرهون، ما يعرفون وما يجهلون إلا بمقدار ما يعرف أن الإمام على بن موسى الرضى كان حاكما صفويا لأنه مدفون في مشهد أو خراسان!
   ولو توقف الأمر على هؤلاء لهان الخطب وسهل العلاج والتمسنا للجاهل العذر وما أكثرهم في المشرق والمغرب. ولكنّ المصيبة العظمى أن هؤلاء يقعون بسبب الفقر والجهل والمشاكل الاجتماعية والسياسية والبطالة وما ينتج عن ذلك كله من انسان مأزوم معقد ومريض، وعلى استعداد تام أن يكون حزاما ناسفا أو سيارة مفخخة، مشروعا لدوائر مشبوهة في هذا البلد العربي أو ذاك الأجنبي، لرجال دين موتورين أعماهم التعصب وثقافة إقصاء الآخر بالعنف والقتل بالفتاوى الدينية

5 - يونيو - 2012
جذور الصراع الطائفي في العراق
التعايش الداخلي والتدخل الأجنبي 4    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :

 
   لقد بدأت الطائفية في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية بقرار ومباركة بريطانية. ولا أتصور أن بريطانيا العظى يمكن أن تقوم بتسليم الحكم للأقلية العربية السنية في العراق بدوافع الثأر من الشيعة الذين ثاروا ضد سياستها الاستعمارية كما يرى كثير من الشيعة. وإن كان مثل هذا الأمر قد راود ذهنية بعض الساسة البريطانيين في حينها، فلا نتصوّر أن يكون هو السبب في سياسة الدول الكبرى في العالم.
    لعلّ بريطانيا لم تكن تنظر الى العراق بوصفه مستقلا عن بقية أجزاء الوطن العربي ذات الأغلبية السنية. فإذا كان الشيعة في العراق أغلبية، فهم أقلية بالنسبة الى محيطهم العربي الكبير. ولا زلنا نسمع من يتحدث عن الشيعة في العراق بهذا التوصيف المذهبي: إنهم أقلية لأن العراق جزء من الوطن العربي السني! فإذا كان الأمر كذلك، لماذا يذبح أبناء العراق بهذه الطريقة منذ تسع سنوات وهم يتفرجون، أو يتدخلون في شأنه سلبيا ولأغراض ومنافع خاصة بهم لا تعود بالخير أو النفع لأهل العراق سنة أو شيعة. على هذه الدول التي تمتلك ثروات هائلة من واردات النفط، إن كانت صادقة في هذا التوجه القومي أن توزع تلك الثروة لا أقول على فقراء العراق بل على دول عربية سنية تعيش في عشوائيات وخرائب وأكواخ بدل من تصدير الأزمات..
    لم تكن فكرة القطرية موجوة في العراق أو العالم العربي عموما والذي كانت تحكمه دولة الخلافة الإسلامية. وحتى بعد سقوط الدولة العثمانية، كانت النزعة العامة في الوطن العربي متجهة نحو فكرة الوحدة العربية أو الوحدة الإسلامية. بل كثير من علماء الشيعة في العراق كانوا مع دولة الخلافة الإسلامية متناسين جراحهم والحصاد المر من هذه الدولة، حفاظا على بيضة الأسلام من نوايا الغرب تجاه العالم الإسلامي. وكان انخراط الشيعة بالعمل القومي كبيرا، يكفي قراءة أسماء القوميين والبعثيين الشيعة الذين دفعوا حياتهم ثمنا لهذا المشروع، دليلا على بطلان تهمة القطرية أو الانتماء لمشاريع أجنبية بدوافع مذهبية.
 

5 - يونيو - 2012
جذور الصراع الطائفي في العراق
 10  11  12  13